السؤال :
من العراق محافظة صلاح الدين المستمع أحمد محمد صالح المستمع يقول: قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[البقرة: 30] السؤال فضيلة الشيخ: كيف عرفت الملائكة أن آدم وذريته سوف يفسدون في الأرض ويسفك بعضهم دم بعض وهل يدل ذلك على أن هناك بشراً خلقوا قبل آدم علماً بأن الملائكة عندما عرض الله تعالى عليهم الأسماء قالوا لا نعلم وهذا ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[البقرة:31- 32]؟
الإجابة :
الجواب عن الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾[البقرة: 30]. اختلف فيها المفسرون: فمنهم من قال: إن معنى قوله: ﴿خَلِيفَةً﴾. أي خالفاً لمن سبقه, وكان في الأرض عمار قبل آدم, وكان هؤلاء العمار يحصل منهم سفك الدماء والإفساد في الأرض؛ واستدل هؤلاء بقول الملائكة عليهم الصلاة والسلام: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[البقرة: 30] ؛ وبأن الجن قد خلقوا قبل الإنس؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ﴾[الحجر:26- 27]. ومنهم من قال: بل إن المراد بقوله: ﴿خَلِيفةً﴾ أي: قوماً يخلف بعضهم بعضاً, فيذهب أناس ويأتي آخرون.
وعندي أن الأول الأقرب لموافقته لظاهر الآية, وهو أن آدم وذريته سيكونون خلفاء لمن سبقهم فيمن هم على الأرض, وأن الملائكة قالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾[البقرة: 30] بناء على ما حصل من هؤلاء القوم الذين خلفهم آدم وذريته في الأرض. وفي الآية الثانية التي ساقها السائل، وهو قول الملائكة لما قال الله لهم: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[البقرة: 31-32] فيها دليل على أن الإنسان إذا سئل عن شيء لا يعلمه، فإنه يقول مثل هذا القول, فيقول: الله أعلم, أو لا علم لنا إلا ما علمنا الله, أو ما أشبه ذلك من الكلام, فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على الفتوى أو على الحكم بين الناس بلا علم؛ لأن ذلك من كبائر الذنوب؛ قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[الأعراف: 33] وقال: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾[الإسراء: 36].
ولقد كثر في الناس اليوم القول في دين الله تعالى بلا علم من عامة ومن طلبة علم لم يتحققوا مما يقولون ويفتون به, وهذا أمر خطير جداً ليس على المفتي وحده ولا على المستفتي وحده, بل على المفتي والمستفتي, بل وعلى الإسلام؛ لأن الفتوى بلا علم يكثر فيها الاختلاف, إذ إنها مبنية على مجرد نظر قاصر, وكل إنسان له نظره ومزاجه, والمقياس والميزان كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فإذا تكلم الناس كل بما عنده اختلفت الآراء وكثر النزاع وتذبذب العامة وشكوا فيما هم عليه من الحق, وقالوا: ما لهذا الدين كل يقول كذا وكل يقول كذا, والتبس الأمر, وحصل بذلك مفسدة كبيرة عظيمة. فأنصح نفسي وإخواني بأن نقف على حدود الله عز وجل, وألا نتكلم في دين الله بما لا نعلمه من دينه وبما لا نعلم أنه يجوز لنا الكلام فيه, ولقد سمعنا أشياء كثيرة من هذا النوع يأتي الإنسان فيسمع حديثاً عاماً يأخذ بعمومه, وقد دلت الأدلة الواضحة الصريحة على تخصيصه, بل ربما يحكم بدليل قد نسخ ورفع حكمه من أصله, وربما يأخذ بآثار وأحاديث ضعيفة لا تقاوم الأحاديث الصحيحة المدونة في كتب الإسلام المشهورة في الحديث. فلهذا يجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل في نفسه وفي إخوانه المسلمين, وليس يضيره شيء إذا سئل عن شيء وقال: لا أعلم إذا كان لا يعلمه, بل هذا مما يزيده رفعة عند الله وعند الناس, ويثق الناس بقوله إذا كان يقول عما لا يعلم: إني لا أعلم؛ لأن الناس يعرفون منه الورع وأنه لا يتكلم إلا بعلم. أما إذا كان يتكلم عن كل ما سئل عنه ثم يتبين خطؤه مرة أخرى فإن الناس لا يثقون به, وأسأل الله أن يجعلنا هداة مهتدين وصالحين مصلحين.