معنى قوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)
عدد الزوار
98
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
يا شيخ! ما معنى الآية: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾[القصص: 56] ؟ وقوله: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ هل تعود إلى الله سبحانه وتعالى أم إلى العبد؟
الإجابة :
تفسيرها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام حريص على هداية الخلق، يحب عليه الصلاة والسلام أن يهتدي به جميع الخلق، ولكن هذا ليس إليه، عليه شيء واحد وهو البلاغ والدعوة فقط، أما أن يهدي الخلق فليس عليه شيء، كما قال في آيةٍ أخرى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾[البقرة: 272] هذه مثلها: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾[القصص: 56] والهداية هنا بمعنى التوفيق، لا بمعنى الدلالة؛ لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدل الخلق، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[الشورى:52] لكن ليس بيده أن يجعل الإنسان يهتدي، ولهذا حرص غاية الحرص على أن يختم الله تعالى لعمه أبو طالب بكلمة التوحيد، ولم يتمكن، أبو طالب كلنا يعرف ما له من أيادٍ ونصر للرسول عليه الصلاة والسلام ويحوطه ويذب عنه بقوله وفعله، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حريص على أن يهتدي، أتى إليه وهو في سياق الموت، وقال له: «يا عم! -لفظة رقيقة- قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، وكان عنده رجلان من قريش، وجليس السوء كله سوء، فكان الرسول يقول له: قل: لا إله إلا الله وهما يقولان له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ » ما هي ملة عبد المطلب؟ اللات إله والعزى إله ومناة إله- أترغب عن ملة عبد المطلب؟ آخر ما قاله -والعياذ بالله- هو على ملة عبد المطلب -اللهم أحسن خاتمتنا يا رب، اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم أحسن خاتمتنا- قال: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، أتدرون ماذا حصل؟ كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أشد الناس وفاءً بالمعروف، كافأ عمه وشفع له عند الله، فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه -والعياذ بالله- وهما في رجليه ودماغه أعلى بدنه يغلي منهما، ما بالك في بطنه وصدره؟ أشد وأشد؛ لأنه أقرب إلى النار -نسأل الله العافية- فكان في ضحضاح من نار يغلي منهما دماغه أبد الآبدين، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار » الرسول عليه الصلاة والسلام جزع وقال: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك » أي: جزع من فعل أبي طالب وامتناعه، لا من قدر الله، قدر الله هو راضٍ به لا شك، لما قال: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك » اسمع ما الذي نزل؟ أنزل الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾[التوبة:113] ثم أجاب الله عن شيء آخر ورد استغفار رسول -لا تتعجب- استغفار رسول من أولي العزم لأبيه، أجاب الله عنه فقال: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾[التوبة:114] ولهذا لا يجوز لنا إذا علمنا أن أحداً من أقاربنا أو أصدقائنا مات وهو لا يصلي لا يجوز أن نستغفر الله له، لو فعلنا لخرجنا عن طريق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والذين آمنوا؛ لأن الله يقول: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾[التوبة:113] فإذا علمت أن أباك أو أخاك أو ابنك مات وهو لا يصلي لا تستغفر له، أتريد أن تحاد وتضاد الله في قدره؟! إن الله قضى على الكافرين أنهم في النار، ولا أحد يستغفر لأحد من المشركين أبداً.
إذاً الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستطيع أن يهدي الخلق إلى الحق -يدلهم عليه- ولا يستطيع أن يهتدوا، الأمر بيد من هو فوق الرسول عليه الصلاة والسلام وفوق كل أحد وهو الله عز وجل، سبحان الله! عجائب الخلق، إبراهيم أبوه كافر أم مسلم؟ كافر، نوح ابنه كافر سبحان الله! كافر خرج من رسول من أولي عزم، ورسول خرج من كافر من أولي العزم، ليتبين لك بذلك قدرة الله عز وجل، وأنه على كل شيءٍ قدير، اللهم اهدنا فيمن هديت.
المصدر :
الشيخ ابن عثيمين من لقاءات الباب المفتوح، لقاء رقم(193)