مسائل مهمة في مشاركة أهل الكتاب في أعيادهم
عدد الزوار
123
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حكم الاحتفال بحلول عام 2000 الإفرنجي وما يتعلق به من أمور:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من عدد من المستفتين، والمحالة استفتاءاتهم إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم(3825) وتاريخ 21 \ 7 \ 1420 هـ ، ورقم(3829) وتاريخ 21 \ 7 \ 1420 هـ ، ورقم(3841) ، وتاريخ 22 \ 7 \ 1420 هـ ، ورقم(3847) ، وتاريخ 22 \ 7 \ 1420 هـ ، ورقم(3962) ، وتاريخ 28 \ 7 \ 1420 هـ ورقم(4028) وتاريخ 5 \ 8 \ 1420 هـ . وقد سأل المستفتون أسئلة عن حكم الاهتمام بالألفية الإفرنجية والاحتفال بها وغير ذلك من الأمور المتعلقة بها، نكتفي بذكر سؤالين منها:
ففي أحدها يقول السائل: نرى هذه الأيام ما تبثه وسائل الإعلام من رصد الأحداث والإجراءات بمناسبة حلول عام 2000 الميلادي، وبداية الألف الثالثة، والكفار من اليهود والنصارى وغيرهم يبتهجون بذلك ويعلقون على هذه المناسبة آمالا. والسؤال يا سماحة الشيخ: إن بعض من ينتسب للإسلام صاروا يهتمون بذلك، ويعدونها مناسبة سعيدة، فيربطون زواجهم أو أعمالهم بها، أو يقومون بوضع دعاية لتلك المناسبة على محلاتهم أو شركاتهم، وغير ذلك مما يسوء المسلم، فما حكم الشرع في تعظيم هذه المناسبة، والاحتفاء بها، وتبادل التهاني من أجلها شفهيا أو بطبع البطاقات. . إلخ. وجزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وجاء في سؤال آخر: يستعد اليهود والنصارى لحلول عام 2000 حسب تاريخهم بشكل غير عادي، لترويج خططهم ومعتقداتهم في العالم، وبالأخص بالدول الإسلامية، وقد تأثر بعض المسلمين بهذه الدعاية، فأخذوا يعدون لها العدة، ومنهم من أعلن عن تخفيض على بضاعته بهذه المناسبة، ويخشى أن يتطور الأمر إلى عقيدة المسلمين في موالاتهم لغير المسلمين. نأمل بيان حكم مجاراة المسلمين للكفار في مناسباتهم، والدعاية لها، والاحتفال بها، وحكم تعطيل الأعمال في بعض المؤسسات والشركات بهذه المناسبة. وهل فعل شيء من هذه الأمور وما شابهها أو الرضى بها يؤثر على عقيدة المسلم ؟
الإجابة :
وبعد دراسة اللجنة للأسئلة المذكورة أجابت بما يلي:
إن أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده هي نعمة الإسلام والهداية إلى صراطه المستقيم، ومن رحمته سبحانه أن فرض على عباده المؤمنين أن يسألوه هدايته في صلواتهم، فيسألوه حصول الهداية للصراط المستقيم والثبات عليها، ووصف سبحانه هذا الصراط بأنه صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وليس صراط المنحرفين عنه من اليهود والنصارى وسائر الكفرة والمشركين.
إذا علم هذا، فالواجب على المسلم معرفة قدر نعمة الله عليه، فيقوم بشكر الله سبحانه، قولا وعملا واعتقادًا، وعليه أن يحرس هذه النعمة ويحوطها ويعمل الأسباب التي تحفظها من الزوال.
وإن الناظر من أهل البصيرة في دين الله في عالم اليوم، الذي التبس فيه الحق بالباطل على كثير من الناس، ليرى بوضوح جهود أعداء الإسلام في طمس حقائقه، وإطفاء نوره، ومحاولة إبعاد المسلمين عنه، وقطع صلتهم به، بكل وسيلة ممكنة، فضلا عن تشويه صورته، وإلصاق التهم والأكاذيب به، لصد البشر جميعا عن سبيل الله، والإيمان بما أنزله على رسوله محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومصداق ذلك في قول الله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾[البقرة: 109] وقوله سبحانه: ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾[آل عمران: 69] وقوله جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾[آل عمران: 149] وقوله عز وجل: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾[آل عمران: 99] وغيرها من الآيات.
ولكن - ومع ذلك كله - الله عز وجل وعد بحفظ دينه وكتابه فقال جل وعلا: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر: 9] فالحمد لله كثيرا، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة، فالحمد لله كثيرا، ونسأله سبحانه وهو القريب المجيب أن يجعلنا وإخواننا المسلمين منهم، إنه جواد كريم.
هذا واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وهي تسمع وترى الاستعداد الكبير والاهتمام البالغ من طوائف اليهود والنصارى ومن تأثر بهم ممن ينتسب للإسلام بمناسبة تمام عام ألفين واستقبال الألفية الثالثة بالحساب الإفرنجي - لا يسعها إلا النصح والبيان لعموم المسلمين عن حقيقة هذه المناسبة، وحكم الشرع المطهر فيها، ليكون المسلمون على بصيرة من دينهم ويحذروا من الانحراف إلى ضلالات المغضوب عليهم والضالين.
فنقول:
أولاً: إن اليهود والنصارى يعلقون على هذه الألفية أحداثا وآلاما وآمالا يجزمون بتحقيقها أو يكادون، لأنها ناتجة عن بحوث ودراسات كما زعموا، كما يربطون بعضا من قضايا عقائدهم بهذه الألفية، زاعمين أنها مما جاءت في كتبهم المحرفة، والواجب على المسلم ألا يلتفت إليها، ولا يركن إليها، بل يستغني بكتاب ربه سبحانه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - عما سواهما، وأما النظريات والآراء المخالفة لهما فلا تعدو كونها وهما.
ثانيًا: لا تخلو هذه المناسبة وأشباهها من لبس الحق بالباطل، والدعوة إلى الكفر والضلال والإباحية والإلحاد، وظهور ما هو منكر شرعا، ومن ذلك: الدعوة إلى وحدة الأديان، وتسوية الإسلام بغيره من الملل والنحل الباطلة، والتبرك بالصليب، وإظهار شعائر الكفر النصرانية واليهودية، ونحو ذلك من الأفعال والأقوال التي تتضمن: إما كون الشريعة النصرانية واليهودية المبدلتين المنسوختين موصلة إلى الله، وإما استحسان بعض ما فيهما مما يخالف دين الإسلام، أو غير ذلك مما هو كفر بالله وبرسوله وبالإسلام بإجماع الأمة. هذا فضلًا عن كونه وسيلة من وسائل تغريب المسلمين عن دينهم.
ثالثًا: استفاضت الأدلة من الكتاب والسنة والآثار الصحيحة في النهي عن مشابهة الكفار فيما هو من خصائصهم، ومن ذلك مشابهتهم في أعيادهم واحتفالاتهم بها، والعيد: اسم جنس، يدخل فيه كل يوم يعود ويتكرر يعظمه الكفار، أو مكان للكفار لهم فيه اجتماع ديني، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة فهو من أعيادهم، فليس النهي عن خصوص أعيادهم، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك، وكذلك ما قبله وما بعده من الأيام التي هي كالحريم له، كما نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - .
ومما جاء في النهي عن خصوص المشابهة في الأعياد: قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ [الفرقان: 72] في ذكر صفات عباد الله المؤمنين، فقد فسرها جماعة من السلف؛ كابن سيرين، ومجاهد، والربيع بن أنس: بأن الزور هو: أعياد الكفار، وثبت عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أنه قال: «قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان ؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر » خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح.
وصح عن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - أنه قال: «نذر رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينحر إبلًا ببوانة، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قالوا: لا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم» خرجه أبو داود بإسناد صحيح.
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : (لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم) ، وقال أيضًا: (اجتنبوا أعداء الله في عيدهم) .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة.
رابعًا: وينهى أيضا عن أعياد الكفار لاعتبارات كثيرة منها:
1 - أن مشابهتهم في بعض أعيادهم يوجب سرور قلوبهم وانشراح صدورهم بما هم عليه من الباطل.
2 - المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة، من العقائد الفاسدة على وجه المسارقة والتدرج الخفي.
3 - ومن أعظم المفاسد أيضا - الحاصلة من ذلك: أن مشابهة الكفار في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[المائدة: 51] وقال سبحانه: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾[المجادلة: 22]
خامسًا: بناء على ما تقدم فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا ورسولا أن يقيم احتفالات لأعياد لا أصل لها في دين الإسلام، ومنها الألفية المزعومة، ولا يجوز أيضا حضورها ولا المشاركة فيها، ولا الإعانة عليها بأي شيء كان؛ لأنها إثم ومجاوزة لحدود الله، والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[المائدة: 2]
سادسًا: لا يجوز لمسلم التعاون مع الكفار بأي وجه من وجوه التعاون في أعيادهم، ومن ذلك إشهار أعيادهم وإعلانها، ومنها الألفية المذكورة، ولا الدعوة إليها بأية وسيلة، سواء كانت الدعوة عن طريق وسائل الإعلام، أو نصب الساعات واللوحات الرقمية، أو صناعة الملابس والأغراض التذكارية، أو طبع البطاقات أو الكراسات المدرسية، أو عمل التخفيضات التجارية والجوائز المادية من أجلها، أو الأنشطة الرياضية، أو نشر شعار خاص بها.
سابعًا: لا يجوز لمسلم اعتبار أعياد الكفار ومنها الألفية المذكورة ونحوها مناسبات سعيدة وأوقاتا مباركة، فتعطل فيها الأعمال وتجرى فيها عقود الزواج، أو ابتداء الأعمال التجارية، أو افتتاح المشاريع وغيرها، ولا يجوز أن يعتقد في هذه الأيام ميزة على غيرها؛ لأن هذه الأيام كغيرها من الأيام، ولأن هذا من الاعتقاد الفاسد الذي لا يغير من حقيقتها شيئا، بل إن هذا الاعتقاد فيها هو إثم على إثم. نسأل الله العافية والسلامة.
ثامنًا: لا يجوز لمسلم التهنئة بأعياد الكفار؛ لأن ذلك نوع رضى بما هم عليه من الباطل، وإدخال للسرور عليهم. قال ابن القيم - رحمه الله - : وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل: أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: (عيد مبارك عليك) ، أو (تهنأ بهذا العيد) ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه. ا هـ .
تاسعًا: شرف للمسلمين التزامهم بتاريخ هجرة نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ، الذي أجمع عليه الصحابة-رضي الله عنهم- ، وأرخوا به بدون احتفال، وتوارثه المسلمون من بعدهم منذ أربعة عشر قرنا إلى يومنا هذا؛ لذا فلا يجوز لمسلم التولي عن التاريخ الهجري والأخذ بغيره من تواريخ أمم الأرض، كالتاريخ الميلادي، فإنه من استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.
هذا ونوصي جميع إخواننا المسلمين بتقوى الله حق التقوى، وبالعمل بطاعته والبعد عن معاصيه، والتواصي بذلك والصبر عليه.
وليجتهد كل مؤمن ناصح لنفسه حريص على نجاتها من غضب الله ولعنته في الدنيا والآخرة في تحقيق العلم والإيمان، وليتخذ الله هاديا ونصيرا، وحاكما ووليا، فإنه نعم المولى ونعم النصير، وكفى بربك هاديا ونصيرا، وليدع بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - : «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» والحمد لله رب العالمين.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر :
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(26/401- 411)
بكر أبو زيد ... عضو
صالح الفوزان ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الرئيس