السؤال :
سئل فضيلة الشيخ: عن حكم هذا الدعاء: (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك)، هل للسائلين حق على الله؟
الإجابة :
يجب علينا أولاً: أن نعلم أن التوسل إلى الله - تعالى - قسمان:
قسم جائز: وهو ما جاء به الشرع.
قسم ممنوع: وهو ما منعه الشرع.
والجائز أنواع: ونعني بالجائز هنا: ما ليس بممنوع؛ فلا يمنع أن يكون مستحبًا.
أولاً: التوسل إلى الله بأسمائه, وهذا جائز, ودليله قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف: 180]، وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك» إلى آخر الحديث.
ثانياً: التوسل إلى الله بصفاته, ومنه ما جاء في الحديث: «اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي»؛ فإن علم الله الغيب صفة، وقدرته على الخلق صفة، وهذا التوسل إلى الله تعالى بعلمه، وقدرته.
ثالثاً: التوسل إلى الله تعالى بأفعاله؛ أن تدعو الله بشيء ثم تتوسل إليه في تحقيق هذا الشيء بفعل نظيره, ومنه حديث الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم»؛ فإن صلاة الله على إبراهيم وعلى آل إبراهيم من أفعاله.
وكذلك أيضًا تقول: «اللهم كما أنزلت علينا المطر فاجعله غيثًا نافعًا»؛ فهنا توسل إلى الله بإنزال المطر, وهو فعل من أفعال الله.
رابعًا: التوسل إلى الله بالإيمان, ومنه قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾ ثم قال: ﴿فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾[آل عمران: 193]
خامسًا: التوسل إلى الله بالعمل الصالح؛ ومنه حديث الثلاثة الذين خرجوا في سفر فآواهم الليل إلى غار فدخلوه, ثم انحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت الباب، فتوسل كل واحد منهم بصالح عمله، فانفرجت الصخرة.
سادساً: التوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته, يعني: أن تطلب من شخص ترجى إجابته أن يدعو الله لك, وهذا كثير؛ ومنه ما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب الناس يوم الجمعة، فدخل رجل فقال: يا رسول الله ! هلكت الأموال وانقطعت السبل, -يعني: من قلة المطر والنبات- فادع الله أن يغيثنا؛ فرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- يديه، وقال: «اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا»؛ فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته.
وقولنا: التوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته هذا من النوع الجائز, ولكنه هل هو من الأمر المشروع؟ يعني: هل يشرع لك أن تقول لشخص ما: ادع الله لي؟
نقول: في هذا تفصيل:
إن كان لأمر عام - يعني: طلبت من هذا الرجل أن يشفع لك في أمر عام - لك ولغيرك فلا بأس به، ومنه الحديث الذي أشرت إليه في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم, - فقال: «هلكت الأموال وانقطعت السبل»؛ فإن هذا الرجل لم يسأل شيئًا لنفسه, وإنما سأل شيئًا لعموم المسلمين.
أما إذا كان لغير عامة المسلمين فالأولى ألا تسأل أحدًا يدعو لك إلا إذا كنت تقصد من وراء ذلك أن ينتفع الداعي؛ فتأتي لشخص وتقول: ادع الله لي؛ هذا لا بأس به بشرط ألا تقصد به إذلال نفسك بالسؤال؛ ولكن قصدك نفع الداعي؛ لأنه إذا دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك: «آمين ولك بمثله»؛ فهذه أنواع ستة كلها جائزة.
أما التوسل الممنوع فهو: أن يتوسل الإنسان بالمخلوق؛ فإن هذا لا يجوز؛ فالتوسل بالمخلوق حرام؛ يعني: لا بدعائه ولكن بذاته، مثل أن تقول: (اللهم إني أسألك بمحمد -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا)؛ فإن هذا لا يجوز.
وكذلك لو سألت بجاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يجوز؛ لأن هذا السبب لم يجعله الله ولا رسوله سببًا.
وأما ما جاء في السؤال: (أسألك بحق السائلين عليك)؛ فالسائل يسأل هل للسائلين حق؟
نعم للسائلين حق أوجبه الله على نفسه في قوله: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾[البقرة: 186], وكذلك فإن الله يقول إذا نزل إلى السماء الدنيا: «من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه»؛ فهذا حق السائلين، وهو من فعل الله -عز وجل-, والتوسل إلى الله بفعله لا بأس به.