كثير من نساء القرية لا يصلين قبل الزواج، فما حكم الزواج منهن ؟
عدد الزوار
92
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
سمعت في برنامج نور على الدرب المذاع في 25 / 2 / 1407 هـ ، من أحد المشايخ بأنه إذا عقد المسلم عقد النكاح على إحدى الفتيات المسلمات وهي لا تصلي يكون العقد باطلاً ولو صلت بعد الزواج وعندنا في قرى مصر خمسون في المائة لا يصلون قبل الزواج وخاصة البنات أرجو من سماحتكم توضيحًا كاملاً لهذا السؤال جزاكم الله خيرًا. سائل ثان، يسأل نفس السؤال عن أولئك الذين لا يصلون ولا سيما إذا كانوا من قرابته وهناك مستمعة تقول وتسرد جملة صفات في أخت لها ومن أسوئها تركها للصلاة ثم أيضًا تقول: إن والدتها لا تصلي إلا إذا أتت عندها في البيت كل هؤلاء يرجون سماحة الشيخ التوجيه بخصوص هذا الركن الثاني من أركان الإسلام؟
الإجابة :
لقد دل الكتاب والسنة، على أن الصلاة أهم عبادة، وأعظم عبادة بعد الشهادتين، وأنها عمود الإسلام، وأن الواجب على جميع المكلفين من المسلمين المحافظة عليها، وإقامتها كما شرع الله سبحانه وتعالى، كما قال -عز وجل- : ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾[البقرة: 238]، الآية من سورة البقرة، وقال أيضًا سبحانه في سورة البقرة: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾[البقرة: 43] وقال في سورة براءة، (التوبة) لما ذكر قتال المشركين، قال: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾[التوبة: 5] فدل ذلك على أن الذي لا يصلي لا يخلى سبيله بل يقاتل وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾[التوبة: 11]، دل على أن الذي لا يصلي، ليس بأخٍ في الدين، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا، وثبت عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله» وصح عنه أيضًا -عليه الصلاة والسلام- : «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، عن بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه- ، وخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» والتعيين بالرجل لا يخرج المرأة، فإن الحكم إذا ثبت للرجل فهو للمرأة كذلك، وهكذا ما يثبت للمرأة يثبت للرجل، إلا بدليل يخص أحدهما، فهذه الأحاديث وما جاء في معناها، كلها تدل على أن تارك الصلاة يكون كافرًا، من الرجال والنساء بعد التكليف، وثبت في الحديث الصحيح أيضًا، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن الأمراء الذين لا يقيمون الدين كما ينبغي، هل نقاتلهم؟ «قال لا، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان» وفي لفظ آخر، قال: «ما أقاموا فيكم الصلاة» فدل على أن من لم يقم الصلاة قد أتى كفرًا بواحًا، وقد اختلف العلماء في هذه الأحاديث، فقال بعضهم إنها على الزجر والتحذير، والترهيب وليس المراد الكفر الأكبر، بل المراد كفر دون كفر، وإلى هذا ذهب الأكثرون من الفقهاء وقالوا: إنه كفر دون كفر، وذهب جمع من أهل العلم إلى أن المراد الكفر الأكبر؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» والكفر متى عرف والشرك متى عرف، فالمراد به الكفر الأكبر والشرك الأكبر، وقال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» فدل ذلك على أن المراد الكفر الأكبر؛ لأنه أطلقه -عليه الصلاة والسلام- ، على أمرٍ واضح وهو أمر الصلاة؛ لأن أمر الصلاة أمر عظيم، وهي عمود الإسلام فكون تركها كفرًا أكبر لا يستغرب؛ ولهذا ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل، عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- ، قال: «وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يرون شيئًا تركه كفر إلا الصلاة» فهذا يدل على أنهم يرون ذلك كفرًا أكبر؛ لأن هناك أشياء يعرفون أنها كفر، لكنها كفر دون كفر، مثل البراءة من النسب، مثل القتال في قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» هذا كفر دون كفر، إذا لم يستحله، وهكذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : «إن كفرًا بكم أن ترغبوا عن آبائكم» وقوله - صلى الله عليه وسلم- : «اثنتان في الناس هما بهم كفر: النياحة والطعن في النسب» هذا كله معناه كفر دون كفر عند أهل العلم؛ لأنه جاء منكرًا، ودلت الأدلة الأخرى أن المراد به غير الكفر الأكبر، بخلاف الصلاة فإن أمرها عظيم، وهي أول ركن بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام وقد بين الرب -عز وجل- ، لما شرع قتال الكفار: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: 5]، فدل على أنه لا يخلى سبيلهم، وهم يتركون الصلاة، وقال - صلى الله عليه وسلم- : «نهيت عن قتل المصلين» فدل على أن من لم يصل يقتل، والخلاصة أن القول الصواب، والذي تقتضيه الأدلة، هو أن ترك الصلاة كفر أكبر، ولو قال الجمهور بخلافه، فإن المناط هو الأدلة، وليس المناط كثرة القائلين، فالحكم معلق بالأدلة، والترجيح يكون بالأدلة، وقد قامت الأدلة على كفر تارك الصلاة كفرًا أكبر. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم- : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» فيفسره قوله في الحديث الآخر: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام» فلا عصمة إلا بإقامة الصلاة، ولأن من لم يقم الصلاة، ما أدى حق التوحيد، فالمراد بقوله: لا إله إلا الله أنها تعصم من قالها، إذا التزم بحقها، ومن حقها أن يؤدي الصلاة، ولأن الموحد الذي يقول لا إله إلا الله إذا أتى بناقض من نواقض الإسلام، لم ينفعه قوله لا إله إلا الله، فلو قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وجحد وجوب الصلاة، كفر إجماعًا، أو جحد وجوب الزكاة كفر إجماعًا أو جحد وجوب صوم رمضان كفر إجماعًا، أو سب الدين كفر إجماعًا، أو سب الرسول كفر إجماعًا، أو استهزأ بالدين كفر إجماعًا، ولم ينفعه قول لا إله إلا الله، فعلم بذلك أن إتيانه بالتوحيد والشهادة للرسول بالرسالة إنما ينفعه إذا لم يأت بناقض من نواقض الإسلام، فأما إذا أتى بناقض من نواقض الإسلام، فإنه لا تنفعه الشهادة كالأمثلة التي ذكرنا، كسب الدين، كالاستهزاء بالدين كجحد وجوب الصلاة، وكجحد وجوب الزكاة كالاستهزاء بدين الله ولو أن إنسانًا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويصلي ويصوم ويتعبد، ثم جحد تحريم الزنى، قال: الزنى حلال كفر عند جميع المسلمين، أو قال: إن الخمر حلال كفر عند جميع المسلمين، أو قال إن اللواط حلال كفر عند جميع المسلمين، أو بال على الصحف متعمدًا أو وطئ المصحف متعمدًا استهانة له أو جلس عليه استهانة له، كفر عند جميع المسلمين باستهانته بكتاب الله، ولم تنفعه شهادته أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فكيف يستنكر أن يكون كافرًا بترك الصلاة، إذا تركها وتساهل بها وهي أعظم أركان الدين وأهمها بعد الشهادتين، وليس هذا بمستغرب؛ ولهذا القول فالصواب أن المسلم إذا تزوج امرأة لا تصلي، فالنكاح باطل وهكذا إذا تزوجت المسلمة إنسانًا لا يصلي، فالنكاح باطل فمتى تاب إلى الله جدد العقد، متى تاب الذي لا يصلي جدد العقد، فأما إذا كانا جميعًا لا يصليان فالنكاح صحيح؛ لأنهما كافران جميعًا. وأما من ابتلي بقريب لا يصلي، من أم أو أخت، فالواجب نصيحتهم وتخويفهم من الله -عز وجل- ، وتحذيرهم من مغبة أعمالهم الخبيثة، فإن تابوا فالحمد لله، وإلا وجب هجرهم، لا يزارون ولا تجاب دعوتهم، ولا يدعون إلى وليمة، ولا إلى غيرها، بل يهجرون حتى يتوبوا إلى الله، هكذا ذكر أهل العلم يجب هجرهم؛ لأنهم أتوا منكرًا عظيمًا، حتى يوفق الله ولاة الأمور، لإقامة الحد عليهم واستتابتهم، فإن تابوا وإلا وجب على ولي الأمر قتلهم، وهذا لا إشكال فيه، وهو الذى عليه جمهور أهل العلم، أن من لم يتب يقتل، إذا ترك الصلاة واستتيب ولم يتب، فإنه يقتل لقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾[التوبة: 5]، فدل على أن الذي لا يصلي لا يخلى سبيله، ولقوله - صلى الله عليه وسلم- : «نهيت عن قتل المصلين» فدل على أن من لم يصل لا يترك بل يقتل إذا لم يتب، هناك أدلة كثيرة، دلت على هذا المعنى، أما الوالدة والوالد لهما شأن، يجتهد في نصيحتهما ولكن لا يهجرهما؛ لأن الوالدين لهما حق عظيم، ولو كانا كافرين؛ لأن الله قال جل وعلا: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا﴾ ثم قال بعده ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾[لقمان: 15]، فأمر بمصاحبتهما في الدنيا معروفًا، مع أنهما كافران وما ذلك إلا لعظم حق الوالدين، فالولد إذا كان أبوه لا يصلي، أو أتى بكفر آخر، أو أمه كذلك، فإنه ينصحهما كثيرًا، ولا يقطعهما بل يحسن إليهما، ويجتهد في دعوتهما إلى الخير، والإسلام والاستقامة لعل الله يهديهما بأسبابه، وبكل حال يتلطف معهما، ويحسن إليهما ويدعوهما إلى الخير، حتى يموتا أو يهديهما الله. أما بالنسبة لقوله إن خمسين بالمائة من البنات عندهم، لا يصلين قبل الزواج، فمثل ما تقدم إذا كان الزوج لا يصلي والمرأة لا تصلي صح نكاحهما؛ لأنهما إما مسلمان عند الجمهور، أو كافران على القول الصحيح، فهما مستويان فنكاحهما صحيح، ولكن الخلاف إذا كان أحدهما يصلي والآخر لا يصلي، يعني أحدهما مسلم والآخر ليس بمسلم، بسبب تركه الصلاة، فهو محل الخلاف، والصواب أنه لا يصح النكاح كما تقدم، فيجب التجديد إذا تاب من لم يصل، ونسأل الله أن يهدي ولاة الأمور في كل مكان، والواجب على والد البنت ووالدتها، وعلى إخوتها الطيبين أن يعلموها ويرشدوها، ويفقهوها حتى لا تدع الصلاة، وهكذا الشاب ينصح ويوجه، ولو بالتأديب ولو بالضرب، إذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم- ، يقول: «واضربوهم عليها لعشر» فكيف بالكبير يضرب ويستتاب، وإلا قتل، لكن هذا من جهة ولي الأمر لا من جهة أفراد الناس، أما الأدب فأبوه يؤدبه ويؤدبها، أيضًا يضربه، ويضربها حتى يصليا، وأخوهما الكبير كذلك، وعمهما إذا استطاع، يؤدبهما كذلك أما القتل فليس لأحد إلا لولاة الأمور بعد الاستتابة، وإذا كان ولي الأمر لا يقيم شأنًا لمثل هذه الأمور، فليس لهم حيلة، إلا هذا، النصيحة والتأديب، ولكن لا يقتل وإنما ينصح ويؤدب، إذا كان له قدرة كالأب والعم والأخ الكبير، والمسلمون جميعًا ينصحون ويوجهون.
المصدر :
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(20/361- 370)