كفر تارك الصلاة وحكم إخبار إمام المسجد بأن الميت لا يصلي وهل يعتبر من الغيبة ؟
عدد الزوار
140
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
من المعلوم أن تارك الصلاة لا يصلى عليه إذا مات، مثلاً: أخبرت إماماً أراد أن يصلي على تارك الصلاة هل هذه من الغيبة ؟
الإجابة :
تارك الصلاة لا يصلى عليه إذا مات؛ لأنه كافر مرتد عند دين الإسلام - والعياذ بالله - بدلالة القرآن والسنة وكلام الصحابة رضي الله عنهم، بل حكي إجماع الصحابة على أنه كافر مرتد خارج عن دين الإسلام.
وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز أن يصلى عليه؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾[التوبة: 84] فإذا قدم إلى الإمام من تعلم العلم اليقين أنه لم يصل إلى أن مات فالواجب عليك أن تخبر الإمام وجوباً، وليس هذا من الغيبة، بل هذا من النصيحة؛ لأنك بإخبارك إياه تنهاه عن منكر، إذ أن الصلاة عليه حرام، وفي هذه الحال إذا أخبرته يجب على الإمام أن يتوقف وأن يقول: لا أصل على من لا يصلي.
لكن يبقى النزاع فيما بين أهله وبين الإمام مثلاً؛ لأن أهله ربما ينكرون أنه لا يصلي، ربما يقولون: إنه يصلي، فيقول: إذا كنتم تعتقدون أنه يصلي فاذهبوا أنتم وصلوا عليه وحسابكم على الله، أما أنا فقد بلغني عمن أثق به أو أنا أعلم عن حاله أنه لا يصلي فلا أصلي عليه، وقد قدمت لي جنازة كانوا يقولون: إنه لا يصلي، فلما قدم وسألت قالوا: هذا فلان، قلت: لا أصلي عليه، فقال أهله: إنه كان يصلي ويخلي لا يترك الصلاة مطلقاً فمن ثم تقدمت وصليت عليه.
ولا حرج على الإمام إذا رأى من الجنازة ما يقتضي ألا يصلي عليه، لا حرج عليه أن يتأخر، فقد فعله من هو خير منا، فعله النبي عليه الصلاة والسلام حين قدم إليه رجل فسأل: «أعليه دين ؟ قالوا: نعم ديناران، ولم يكن له وفاء، فقال: صلوا على صاحبكم- وتأخر - حتى عرف ذلك في وجوه القوم، فتقدم أبو قتادة رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! الديناران علي» فلما استثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبي قتادة وأنه ملتزم بهما تقدم وصلى عليه، فهو قد انصرف وأبى أن يصلي عليه؛ لأنه وجد فيه ما يقتضي ألا يصلي عليه، وكان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قبل أن يفتح الله عليه لا يصلي على من عليه دينٌ لا وفاء له، وذلك لأن صلاة الرسول - عليه الصلاة والسلام - شفاعة والدين لا تنفع فيه الشفاعة؛ لأنه لا بد أن يقضى لصاحب الحق حقه.
إذاً: إخبار الإمام بذلك من النصيحة وليس من الفضيحة، بل يجب على من علم بحاله أن يبين، لكن قد تأتي أحاديث يتوهم بعض الناس منها أنها تدل على عدم كفر تارك الصلاة، ونحن نجمل القول فيها -أي: في إبطال الاستدلال بها على عدم كفر تارك الصلاة - فنقول: الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة في كفر تارك الصلاة نصوص وأدلة محكمة ليس فيها إشكال، والنصوص الأخرى التي استدل بها من لا يرى كفر تارك الصلاة لا تخرج عن أقسام: الأول: ألا يكون فيها معارضة أصلاً، مثل قول بعضهم: إن الله يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء: 48] ويدخل في قوله: «ما دون ذلك» ترك الصلاة، فنقول: إن ترك الصلاة ليست دون الشرك بل هي من الشرك، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» .
واستدل بعضهم بحديث عتبان بن مالك - رضي الله عنه - : «إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» فيقال: هذا لا دليل فيه أيضاً، لأن قوله: «يبتغي بذلك وجه الله» تمنع أن يترك الصلاة، فكل من أراد وجه الله لا يمكن أن يترك الصلاة أبداً، يعني: رجل يحافظ على ترك الصلاة وهو يبتغي وجه الله، بأي طريقٍ يصل إلى الله إذا كان يترك الصلاة ؟!!
إذاً: لا دليل فيه.
واستدل بعضهم بحديث الشفاعة: «أنه يخرج من النار من لم يعمل خيراً قط» فيقال: هذا عام لم يقل الرسول: من لم يصل.
ونصوص كفر ترك الصلاة خاصة، والقاعدة الأصولية تقول: «الخاص يقضي على العام» أما لو جاء في الحديث أنه خرج وهو لم يصل لله صلاة لكان هذا واضحاً، ويجب أن تحمل النصوص الأخرى على أنها لا تكفر كفراً مخرجاً عن الملة، لكن يقول: لم يعمل خيراً، «وخيراً» نكرة في سياق النفي، فهي عامة، والعام يخصص بالخاص.
واستدل بعضهم بحديث صاحب البطاقة الذي أخرجه الترمذي: «أنه يؤتى ببطاقة فيها لا إله إلا الله فترجح بالسيئات» قالوا: وليس فيها ذكر الصلاة، فيقال: وليس فيها أنه ذكر الصلاة لا إثباتاً ولا نفياً، فيبقى هذا الحديث عاماً ويخصص بالصلاة.
وهناك أحاديث ضعيفة استدلوا بها، والأحاديث الضعيفة لا تقاوم الأحاديث الصحيحة فليست معارضة؛ لأنها غير قائمة فلا تكون مقاومة.
والخلاصة: أن القول الراجح الذي ندين الله به والذي نعتمد فيه على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن من ترك الصلاة فإنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وأنه أسوأ حالاً من اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى يقرون على دينهم حسب ما تقتضيه الشريعة بالجزية، وأما هذا فلا يقر على دينه، هذا يقال: إما أن تصلي وإلا قتلناك، لا يمكن أن تبقى على الأرض وأنت لا تصلي.
هذا الواجب، فنسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى الصراط المستقيم.
المصدر :
الشيخ ابن عثيمين من لقاءات الباب المفتوح، لقاء رقم(84)