حكم المصافحة بعد تحية المسجد أو الراتبة
عدد الزوار
57
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
دخلت أنا وصديقي إلى المسجد ونحن يتحدث بعضنا إلى بعض، بعد أن أدينا تحية المسجد سلمت عليه حسب العادة التي تجري في المساجد، ومددت يدي إليه، فنظر إلي وأبى أن يمد يده إلي، وقال: لم أفارقك، وهذه بدعة لم يفعلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام، وقد اتخذها الناس كالواجب اليوم عندما ينتهون من تحية المسجد. ووقفت مدهوشا أمامه. فهل زميلي هذا أو صديقي على حق؟ أم أنا الذي على حق؟
الإجابة :
لا أعلم بأسا في أن يصافح المسلم أخاه بعد فراغهما من تحية المسجد أو من الراتبة قبل الصلاة من راتبة الظهر أو راتبة الفجر، لا أعلم بأسا في ذلك، ولو كانا جاءا جميعا، ولو كانا قد سلم أحدهما على الآخر قبل الصلاة، لكن إذا كان ما جاءا جميعا أو ما سلم أحدهما على الآخر قبل الصلاة تتأكد المصافحة بعد ذلك؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا تلاقوا يتصافحون، وكانوا إذا قدموا من سفر يتعانقون، قال أنس -رضي الله عنه- والشعبي: «كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا» وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصافح إخوانه -عليه الصلاة والسلام- عند اللقاء، فهذه سنة معروفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه، أما إذا كان دخل مع أخيه أو سلم عليه في الصف قبل أن يصلي التحية لما تلاقيا في الصف فإن هذا يكفي، وقد حصل المقصود والحمد لله، لكن لو سلم عليه ثانيا بعد الفراغ من التحية أو من الراتبة القبلية، ثم صافحه مرة أخرى فلا أعلم بأسا، ولا أعلم ما يوجب جعل ذلك بدعة، فإن السلام كله خير، ولا يأتي إلا بخير، وفيه إيناس من بعضهم لبعض، ودعاء من بعضهم لبعض، فلا حرج فيه إن شاء الله، ولا يسمى بدعة، ومما يدل على هذا ما ثبت في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «أنه كان جالسا في المسجد ذات يوم، فدخل بعض الناس فصلى ولم يتم صلاته، ثم جاء وسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل فرجع فصلى، ثم جاء فسلم عليه – -صلى الله عليه وسلم- – فرد عليه النبي السلام، ثم قال: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل فرجع فصلى، ثم جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسلم فرد عليه النبي السلام، فقال: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل فقال الرجل: والذي بعثك بالحق نبيا، ما أحسن غير هذا، فعلمني. فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» هذا الحديث العظيم الجليل يدل على وجوب الطمأنينة في الصلاة والركود فيها وإعطاء كل عضو حقه من الاعتدال والطمأنينة وعدم العجلة في الركوع والسجود، والاعتدال بعد الركوع والجلوس بين السجدتين، هذا من أهم الفرائض. وكثير من الناس يعجل ولا يكمل هذه الفروض، وهذا خطأ عظيم لا تصح معه الصلاة، وفي هذا الحديث نفسه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رد على الرجل السلام وهو يصلي بقربه، وجاء إليه ثلاث مرات يسلم ويرد النبي عليه السلام ولا قال: يكفي السلام الأول. مع أنه بقربه يشاهده النبي -صلى الله عليه وسلم- ويرى حركاته ويرى طمأنينته وعدمها، والنبي يشاهده وكلما سلم عليه قال: وعليكم السلام، ورد عليه السلام، ثم قال له: ارجع فصل. فدل ذلك أن إعادة السلام من شخص حولك تراه وتشاهده يعمل عملا، ثم يسلم عليك مرة ثانية أن هذا لا شيء فيه، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا سلم سلم ثلاثا، والقصد من ذلك – والله أعلم – أن يفهم المستمعون أو لعلهم إذا لم يردوا في الأولى والثانية فينتبهوا للرد، المقصود أن تكرار السلام للتعليم أو تنبيه الحاضرين حتى يردوا السلام أو لأسباب أخرى دعت إلى ذلك لاشتغالهم بالصلاة؛ لأن الصلاة فيها شغل، فلما فرغ منها سلم على أخيه، هذا لا حرج فيه إن شاء الله، ولا ينبغي التشديد في هذا أبدا.
ومن رأى من العامة أو غيرهم أن هذا السلام من مكملات الصلاة فقد غلط، ما له تعلق بالصلاة إنما له تعلق بأخيه، والسلام على أخيه والدعاء لأخيه بعد شغله بالصلاة، فإذا اشتغل بالصلاة وأقبل على الله في كلامه وركوعه وسجوده فهذا أعظم في نفس الأمر مما لو حال بينه وبين أخيه شجرة أو جدار ثم سلم عليه، فقد جاء في الحديث أنه إذا حال بينه وبين أخيه شجرة فإنه يسلم عليه مرة أخرى، وإذا سلم على أخيه ثم حال بينهما شجرة أو جدار يسلم عليه مرة أخرى، فأي - هذا أو شغله في الصلاة - أعظم؟ إذا حال بينه وبينه شجرة - نخلة أو نحوها - لحظة نصف دقيقة أو ربع دقيقة أو ثانيتين أو ثلاثا. المقصود أن هذا شيء يسير، ثم يلقاه يسلم عليه، هذا أقل بكثير من شغله بالصلاة.
المصدر :
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(9/ 214- 218)