توضيح القول في تقسيم البدع, وحكم دعاء الإمام بعد الصلاة وتأمين المصلين
عدد الزوار
88
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
سائل من ليبيا له سؤال طويل عن البدع؛ البدع الحسنة وغير الحسنة، يقول فيه: هل توجد بدع حسنة وبدع سيئة؟ مع أن بعض البدع لا بأس به، ولا تمس جوهر الدين في شيء. وهل لأصحاب المذاهب آراء في ظهور البدع؟ وهل منهم من أجاز البعض منها؟ لأننا عندما نتحدث إلى شخص، ونحاول إقناعه بأن بعض الذي يعمله بدعة، وكل بدعة ضلالة، فيقول: هذه لا بأس بها؛ لأنها لا تضر بالدين. مع العلم أن هناك من يرى الدعاء بعد الصلاة بالمصلين وهو إمام، وكاد بعض المصلين أن يؤذيه؛ لأنه ترك الدعاء بهم، هذا إلى جانب تفشي كثير من البدع، أرجو توضيح هذه المسألة جزاكم الله خيرا، ووفقكم لأداء رسالتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابة :
البدع ليس فيها حسنة، كلها ضلالة، كما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وكل بدعة ضلالة» هذا كلام عظيم وقاعدة كلية عظيمة، قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- ، والبدع هي التي يحدثها الناس في الدين، عبادات ما شرعها الله يقال لها: بدعة. مثل: إحداث شيء ما شرعه الله في الصلاة؛ من رفع اليدين بين السجدتين، أو في آخر الصلاة، أو بعد السلام من الفريضة. هذه بدعة ما شرعها الله جل وعلا. مثل: إحداث الاحتفالات بالموالد، هذه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان. مثل: إحداث البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، هذه من البدع أيضا، وما أشبه ذلك مما أحدثه الناس. والقاعدة أن كل ما أحدثه الناس في الدين، وسموه طاعة وقربة، وليس له أصل في الشرع يسمى بدعة. أما ما يظن بعض الناس أنه بدعة حسنة، وليس كذلك فهذا ليس من البدع، مثل: بناء المساجد بالأسمنت، هذا شيء جديد ولا يسمى بدعة؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر ببناء المساجد، سواء كانت بالطين أو باللبن أو بالحجر أو بالخشب أو بالأسمنت، كله ما يسمى بدعة، مثل: المدارس المبنية والربط هذه ما تسمى بدعة ضلالة، وإن سماها الناس بدعة من جهة اللغة، من جهة أنها لم تكن - سابقة غير موجودة - لكن الرسول أمر بما ينفع الناس، أمر بالتعليم وأمر بتعمير المساجد، فإذا عمر الناس مسجدا بالأسمنت، أو عمر الناس مدرسة أو رباطا للفقراء أو للمهاجرين أو للغرباء فلا بأس، كل هذا ما يسمى بدعة سيئة، هذه من الأمور الشرعية؛ لأن نفع المسلمين والإحسان إليهم امتثال لأمر الله عز وجل؛ في الأمر بنفع المسلمين والإحسان إلى الفقراء وتعليم الجاهل، سواء كان يعلم في المسجد، أو يعلم في مدرسة، ليس هذا من البدع التي حذر منها النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وإن سميت بدعة من حيث اللغة، كما قال عمر -رضي الله عنه- في التراويح: " نعمت البدعة هذه "، يعني من حيث اللغة؛ لأنه رتبهم على إمام واحد في كل ليلة، فسماها بدعة من حيث اللغة؛ لأنهم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يصلون أوزاعا، كل جماعة وحدهم، صلى بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاث ليال ثم تركهم، وقال: «إني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل» أو قال: إني أخاف أن تفرض صلاة الليل. فترك ذلك خوفا على الأمة من أن يفرض عليهم صلاة الليل، فلما كان في زمن عمر جمع الناس على إمام واحد يصلي بهم التراويح، وقال: نعم البدعة يعني من حيث اللغة، وإلا فهي سنة فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ورغب فيها -عليه الصلاة والسلام-. فهكذا الربط والمدارس التي يفعلها الناس للتعليم، وهكذا ما يسمى بالمعاهد، وهكذا ما يسمى بالمجامع للناس لتحفيظهم القرآن، أو ما أشبه ذلك على اختلاف الأسماء، أو خلوات على حسب اختلاف الناس في الأسماء، كل ذلك مما ينفع الناس وليس من البدع، بل هو من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب الحرص على تعليم الناس الخير، وجمعهم في أماكن تحفظهم وتحفظ أدوات التعليم، وليس هذا من باب البدع. أما قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء» فهذا معناه إظهار السنن، يعني إظهار العبادة التي خفيت وجهلها الناس، فالذي يظهرها للناس ويسنها للناس له أجر عظيم؛ لأنه أحيا السنن، وليس معناه أنه يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله؛ لأن الله ذم من فعل ذلك، فقال: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾[الشورى: 21]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» فالإحداث منكر، ولكن إحياء السنن وإظهارها بين الناس عند خفائها، وعند جهل الناس بها هذه هي السنة في الإسلام، وهو معنى: «من سن في الإسلام» ويدل على هذا أن الحديث سببه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حرض على الصدقة، وحث الناس على الصدقة جاء إنسان بصرة في يده كادت كفه تعجز عنها فقدمها، فلما رأوه الناس تتابعوا وجاءوا بالصدقات، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: «من سن في الإسلام سنة حسنة»، يعني أظهر الصدقة وجاء بالمال، فتتابع الناس واقتدوا به في ذلك.
المصدر :
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(12/ 91- 96)