عدد الزوار 189 التاريخ Tuesday, March 22, 2022 12:32 PM
(378)
هَلْ هَذَا الحَدِيثُ صَحِيحٌ أَمْ ضَعِيفٌ؟
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: حَدِيثُ: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"، صَحِيحٌ أَمْ ضَعِيفٌ.
فأجاب: الحَدِيثُ حَسَنٌ لِشَوَاهِدِهِ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ: نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا إِضْرَارَ».
وَخَرَّجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، مِنْ رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدُّورِيِّ بِهِ.
قَالَ الحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ. وَرَوَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، مُرْسَلًا.
قَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: وَلَا يُسْنَدُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ خَرَّجَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُعَاذٍ النَّصِيبِيِّ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ مَوْصُولًا، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُضَعِّفُ مَا حَدَّثَ بِهِ مِنْ حِفْظِهِ، وَلَا يَعْبَأُ بِهِ، وَلَا شَكَّ فِي تَقْدِيمِ قَوْلِ مَالِكٍ عَلَى قَوْلِهِ. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْدَلُسِيُّ الْحَافِظُ: لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» مُسْنَدًا. انتهى.
وَالحَدِيثُ المُرْسَلُ:
هُوَ الحَدِيثُ الَّذِي يَرْوِيهِ التَّابِعِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي التَّابِعِيِّ أَنْ يَكُونَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ.
وَيُشْتَرَطُ فِي المُرْسِلِ الَّذِي يُقْبَلُ إِرْسَالُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ غَالِبًا لَا يَرْوِي إِلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ أَوْ عَنْ تَابِعِيٍّ كَبِيرٍ، وَالأَحَادِيثُ فِي عَصْرِهِمْ غَالِبًا صَحِيحَةٌ.
وَأَمَّا صِغَارُ التَّابِعِينَ فَرُبَّمَا تَوَسَّعُوا فِي الرِّوَايَةِ عَمَّنْ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ كَعَطَاءٍ، وَكَثُرَ فِي عَصْرِهِمُ المَوْضُوعَاتُ، وَأَنْ لَا يُعْرَفَ عَنْهُ رِوَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَقْبُولٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ يُخَالِفُ الحُفَّاظَ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ مَرَاسِيلُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهَا مُوَافَقَةُ مَا أَسْنَدَهُ الحُفَّاظُ؛ مِثْلَ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ.
- وَاتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ حُجَّةٌ.
- وَإِذَا عُرِفَتِ الوَاسِطَةُ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا الحُكْمُ قَبُولًا أَوْ رَدًّا، وَنَحْوُ هَذَا مَا جَاءَ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَسْنِدْ لِي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إِذَا حَدَّثْتُكَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ فَهُوَ الَّذِي سَمَّيْتُ، وَإِذَا قُلْتُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ، فَهُوَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ.
- وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ إِطْلَاقَ القَوْلِ بِأَنَّ المُرْسَلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بِدْعَةٌ حَدَثَتْ بَعْدَ المِائَتَيْنِ.
- وَالحَدِيثُ المُرْسَلُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَهُوَ قَوْلُ الجُمْهُورِ، إِلَّا أَنْ تُعَضِّدَهُ القَرَائِنُ، فَإِنْ عَضَّدَتْهُ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِعَدَمِ اتِّصَالِ سَنَدِهِ، وَالمُنْقَطِعُ مِنْ أَقْسَامِ الضَّعِيفِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ مَقْبُولٌ يُحْتَجُّ بِهِ، وَالقَرَائِنُ المُحْتَفَّةُ بِالمُرْسَلِ تُقَوِّي احْتِمَالَ ثُبُوتِهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْنَدٌ ضِدَّ المَرَاسِيلِ، وَلَمْ يُوجَدْ مُسْنَدٌ، فَالمَرَاسِيلُ يُحْتَجُّ بِهَا، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ المُتَّصِلِ فِي القُوَّةِ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: "الحَدِيثُ إِذَا كَانَ مُرْسَلًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الحَدِيثِ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ: وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ بِالمُرْسَلِ".
وَقَالَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ: "وَالْمُرْسَلُ مِنْ الرِّوَايَاتِ - فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ - لَيْسَ بِحُجَّةٍ".
قَالَ النَّوَوِيُّ: "هَذَا الَّذِي قَالَهُ - يَعْنِي مُسْلِمًا - هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُحَدِّثِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ".
وَقَالَ: "يَحْتَجُّ الشَّافِعِيُّ بِالْمُرْسَلِ إذَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ: إمَّا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، وَإِمَّا مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَإِمَّا قَوْلُ صَحَابِيٍّ، وَإِمَّا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ".
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: "الْمُرْسَلُ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ عَمَلٌ، وَعَضَّدَهُ قِيَاسٌ، أَوْ قَوْلُ صَحَابِيٍّ، أَوْ كَانَ مُرْسِلُهُ مَعْرُوفًا بِاخْتِيَارِ الشُّيُوخِ، وَرَغْبَتِهِ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي قُوَّتَهُ: عُمِلَ بِهِ".
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَلَامِ الحُفَّاظِ، وَكَلَامِ الفُقَهَاءِ فِي هَذَا البَابِ، فَإِنَّ الحُفَّاظَ إِمَّا يُرِيدُونَ صِحَّةَ الحَدِيثِ المُعَيَّنِ إِذَا كَانَ مُرْسَلًا، وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، عَلَى طَرِيقَتِهِمْ، لِانْقِطَاعِهِ وَعَدَمِ اتِّصَالِ إِسْنَادِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَمَّا الفُقَهَاءُ فَمُرَادُهُمْ صِحَّةُ ذَلِكَ المَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الحَدِيثُ، فَإِذَا عَضَّدَ ذَلِكَ المُرْسَلَ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا قَوِيَ الظَّنُّ بِصِحَّةِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ، فَاحْتُجَّ بِهِ مَعَ مَا احْتَفَّ بِهِ مِنَ القَرَائِنِ.
وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي الاحْتِجَاجِ بِالمُرْسَلِ عِنْدَ الأَئِمَّةِ، كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا، مَعَ أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ المُرْسَلِ حِينَئِذٍ".
وَالمَرَاسِيلُ تَتَفَاوَتُ لِأَسْبَابٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ مَنْ عُرِفَ رِوَايَتُهُ عَنِ الضُّعَفَاءِ ضَعُفَ مُرْسَلُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَنْ عُرِفَ لَهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى مَنْ أَرْسَلَ عَنْهُ، فَإِرْسَالُهُ خَيْرٌ مِمَّنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ ذَلِكَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَنْ لَهُ قُوَّةُ حِفْظٍ يَحْفَظُ كُلَّ مَا يَسْمَعُ وَيَثْبُتُ فِي قَلْبِهِ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَالأَوَّلُ قَدْ يَعْلَقُ فِي قَلْبِهِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ فَيَظُنُّهُ حَدِيثَهُ، كَمَا وَقَعَ لِأَبِي عَوَانَةَ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ الحَافِظَ إِذَا رَوَى عَنْ ثِقَةٍ لَا يَكَادُ يَتْرُكُ اسْمَهُ؛ بَلْ يُسَمِّيهِ، فَإِذَا تُرِكَ اسْمُ الرَّاوِي غَلَبَ عَلَى إِبْهَامِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ، وَقَدْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ الثَّوْرِيُّ.