عدد الزوار 205 التاريخ Wednesday, August 25, 2021 8:05 AM
فَأَجَابَ: هَذَا الحَدِيثُ مُنْكَرٌ، لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا؛ فَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الأَوْسَطِ"، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: "كُنْتُ جَالِسًا بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَذْكُرُ الْعَافِيَةَ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِصَاحِبِهَا مِنْ عَظِيمِ الثَّوَابِ إِذَا هُوَ شَكَرَ، وَيَذْكُرُ الْبَلَاءَ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ مِنْ عَظِيمِ الثَّوَابِ إِذَا هُوَ صَبَرَ، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْ أُعَافَى فَأَشْكُرَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْتَلَى فَأَصْبِرَ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَرَسُولُ الِلَّهِ يُحِبُّ مَعَكَ الْعَافِيَةَ). وَفِي إِسْنَادِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ البَرَاءِ، يُحَدِّثُ عَنِ الثِّقَاتِ بِالمَنَاكِيرِ وَالبَوَاطِيلِ.
لَكِنَّ المَعْنَى صَحِيحٌ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: "لَأَنْ أُعَافَى فَأَشْكُرَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْتَلَى فَأَصْبِرَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "الزُّهْدِ"، وَهَنَّادٌ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَالبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
فَالشُّكْرُ مَعَ العَافِيَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا القَلِيلُ؛ لِكَثْرَةِ الصَّوَارِفِ وَقُوَّةِ المُلْهِيَاتِ؛ قَالَ تَعَالَى: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).
وَأَمَّا الصَّبْرُ مَعَ الابْتِلَاءِ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ وَأَيْسَرُ؛ فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «ابْتُلِينَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا، ثُمَّ ابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ بَعْدَهُ فَلَمْ نَصْبِرْ».
إِلَّا أَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْحَمْدَ عَلَى الِابْتِلَاءِ مَرْتَبَةٌ عَالِيَةٌ وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ، وَقَدْ رَغَّبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَحَمُّلِ الضَّرَّاءِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ؛ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ»، مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ لَكِ أَنْ يُعَافِيَكِ»، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. قَالَتْ: فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ أَلَّا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا".
وَرَاجِعْ كِتَابَ ابْنِ القَيِّمِ: "عُدَّةُ الصَّابِرِينَ وَذَخِيرَةُ الشَّاكِرِينَ"، وَمَا كَتَبَهُ فِي بَيَانِ تَنَازُعِ النَّاسِ فِي الأَفْضَلِ: الصَّبْرِ أَمِ الشُّكْرِ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.