عدد الزوار 180 التاريخ Wednesday, August 25, 2021 7:38 AM
فأجاب: لَا يَنْبَغِي قَبُولُهَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَةً قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ تَحْسِبَهَا مِنَ الدَّيْنِ، أَوْ تُكَافِئَهُ عَلَيْهَا؛ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ يَحْيَى الهُنَائِيِّ، قَالَ: "سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ فَيُهْدِي لَهُ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ -: (إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَى لَهُ، أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ: فَلا يَرْكَبْهَا، وَلا يَقْبَلْهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ). وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالبَيْهَقِيُّ، وَفِي سَنَدِهِ كَلَامٌ، وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَغَيْرُهُ.
وَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَتَيْتُ المَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: (أَلَا تَجِيءُ فَأُطْعِمَكَ سَوِيقًا وَتَمْرًا، وَتَدْخُلَ فِي بَيْتٍ؟)، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ، فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ، أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ، أَوْ حِمْلَ قَتٍّ، فَلاَ تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا).
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "قَوْلُهُ: إِنَّكَ بِأَرْضٍ؛ يَعْنِي أَرْضَ الْعِرَاقِ، الرِّبَا بِهَا فَاشٍ؛ أَيْ: شَائِعٌ. قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ رِبًا؛ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَأْيَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَإِلَّا فَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ رِبًا إِذَا شَرَطَهُ، نَعَمِ الْوَرَعُ تَرْكُهُ". انتهى.
وَنَصَّ ابْنُ قُدَامَةَ عَلَى أَنَّ قَبُولَ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ حَرَامٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قَبْلَ الوَفَاءِ لَمْ يَقْبَلْهُ، وَلَمْ يَجُزْ قَبُولُهُ، إِلَّا أَنْ يُكَافِئَهُ، أَوْ يَحْسِبَهُ مِنْ دَيْنِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا جَرَتِ العَادَةُ بِهِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ القَرْضِ.
وَقَدْ رَوَى الأَثْرَمُ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ عَلَى سَمَّاكٍ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، فَجَعَلَ يُهْدِي إِلَيْهِ السَّمَكَ وَيُقَوِّمُهُ، حَتَّى بَلَغَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَعْطِهِ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ.
وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ عُمَرَ أَسْلَفَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَأَهْدَى إِلَيْهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مِنْ ثَمَرِةِ أَرْضِهِ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا، فَأَتَاهُ أُبَيٌّ، فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمَ أَهْلُ المَدِينَةِ أَنِّي مِنْ أَطْيَبِهِمْ ثَمَرَةً، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَنَا، فَبِمَ مَنَعْتَ هَدِيَّتَنَا؟ ثُمَّ أَهْدَى إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَبِلَ.
وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسِيرَ إِلَى أَرْضِ الجِهَادِ، إِلَى العِرَاقِ، فَقَالَ: إِنَّكَ تَأْتِي أَرْضًا فَاشٍ فِيهَا الرِّبَا، فَإِنْ أَقْرَضْتَ رَجُلًا قَرْضًا، فَأَتَاكَ بِقَرْضِكَ وَمَعَهُ هَدِيَّةٌ، فَاقْبِضْ قَرْضَكَ، وَارْدُدْ عَلَيْهِ هَدِيَّتَهُ. رَوَاهُمَا الأَثْرَمُ. وَاللهُ أَعْلَمُ.