حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عدد الزوار
106
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
ما حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الخاصة والعامة؟ أي هل يعذر بقية المسلمين إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر؛ لأنهم لا يأخذون على ذلك أجرًا؟
الإجابة :
هذه مسألة عظيمة يجب على أهل الإسلام أن يعنوا بها، وأن يعظموها كما عظمها الله، ألا وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد بين الله سبحانه وتعالى أن من صفات المؤمنين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ليس خاصًا بالرجال دون النساء، وبالنساء دون الرجال، بل على الجميع، وليس خاصًا بأهل الحسبة، الذين لهم مرتبات، مكلفون بهذا الشيء، لا، بل يعم الجميع، لكنه أشد وجوبًا وأعظم مسؤولية، ولكن الأمر عام للجميع للعلماء والعامة، والصغير والكبير، للمكلفين والأمراء والقضاة، كل منهم عليه واجبه، وعليه قسطٌ من هذا الأمر، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 71]، فذكر سبحانه أن من صفات المؤمنين والمؤمنات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا واجب ومن أخلاق المؤمنين والمؤمنات، فيجب عليهم ألاَّ يتساهلوا فيه، بل يجب عليهم أن يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر كما ذكر الله، هذا من صفاتهم، وقال سبحانه وتعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[آل عمران: 110]، وذم الله كفار بني إسرائيل ولعنهم على عصيانهم واعتدائهم، وعدم نهيهم عن المنكر، وقال جل علا: ﴿كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾[المائدة: 79]، بعدما ذكر أنه سبحانه لعن كفار بني إسرائيل، على لسان داود وعيسى ابن مريم، ثم قال: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾[البقرة: 61] وفسر العصيان والاعتداء بقوله: ﴿كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾[المائدة: 79]، فذمهم وعابهم ولعن كفارهم الذين فعلوا هذا المنكر وتساهلوا فيه، فوجب على المسلم أن يحذر صفات الكفرة، وأن لا يكون على أخلاقهم، بل يكون بعيدًا عن أخلاق الكافرين، ويكون أمارًا بالمعروف نهاءً عن المنكر، حتى يسلم من العقوبة العامة والخاصة، وقال -جل وعلا- في آية أخرى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[آل عمران: 104] والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيروه، أوشك الله أن يعمهم بعقابه» هذا وعيد عظيم يدل على أن الناس إذا تساهلوا بهذا الأمر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمهم العقاب، والعقاب قد يكون في القلوب بطمسها والختم عليها، ومرضها وإعراضها عن الحق، وقد يكون بعقوبات أخرى، من تسليط أعداء، من غور المياه، من أمراض عامة، من عقوبات متعددة متنوعة، بسبب التساهل بهذا الواجب العظيم، والخلاصة أن هذا أمر عظيم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر عظيم، وواجب مقدس، وفرض على المسلمين إذا قام به من يكفي في البلد أو القرية سقط عن الباقين، أما إذا لم يقم به من يكفي، وجب على الباقين وأثموا بتركه، وإذا كنت في محل أو في قرية أو في بلد أو في مسجد أو في حارة فيها منكر ظاهر، ولم ينكره أحد وجب عليك إنكاره، وألاَّ تتساهل فيه؛ لأنه لم يوجد من ينكره، ويقوم مقامك فيه، فالواجب عليك أن تنكر المنكر، أينما كنت حسب طاقتك، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» خرجه مسلم في الصحيح، وهذا يدل على أنه مراتب، وأنه واجب على كل مسلم، وأنه ينكر حسب طاقته، بيده ثم لسانه ثم قلبه، والإنكار بالقلب يكون بالتغير، بالتمعر والكراهة والمفارقة للمجلس الذي فيه المنكر، إذا لم يستجيبوا لنهيه وإنكاره، هكذا يكون المؤمنون، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه» وقال: «لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده» وقال أيضًا -عليه الصلاة والسلام-: «يا أيها الناس إن الله -عزّ وجلّ- يقول: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر من قبل أن تدعوني فلا أجيبكم وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم» هذا يدل على الخطورة العظيمة، نحن في عصر تساهل أكثر الناس فيه، وضعفت فيهم الغيرة، وفشا فيه المنكر، وقل الإنكار، فواجب على المسلم ألاَّ يتخلق بهذا الخلق، وألاَّ يغتر بالناس، وهكذا المسلمة في بيتها، ومع أولادها، مع جيرانها، يجب أن تكون غيورة لله -عزّ وجلّ-، وتنكر المنكر على بنتها وأختها، وخادمتها ومن حولها، ومن ترى في الأسواق وغير الأسواق، تنكر المنكر بيدها ولسانها حسب طاقتها، على أولادها تنكر المنكر بيدها، تزيل المنكر على أهل بيتها، من خدم وغيرهم، وفي غير ذلك، تنكر بلسانها حسب الطاقة، كالرجل سواء كل منهما عليه واجب من الإنكار باليد، ثم اللسان ثم القلب، وبهذا تصلح الأمور وتصلح المجتمعات، ويكثر فيها الخير، وتسود فيها الفضائل، وتقل بها الرذائل، لكن إذا تساهل الناس، ورأوا المنكرات ولم يغيروها، انتشرت الرذائل، وقلت الفضائل، وضعف جانب الأمر والنهي، بسبب التساهل، وخشي من العقوبات العامة والخاصة على الجميع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المصدر :
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(18/299)