هل تجب الكفارة على أصحاب المعاصي بعد التوبة؟
عدد الزوار
129
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع ع. ن. ف. ح من قطر بعث برسالة يقول فيها: بأنه يقترب الآن من الثلاثين من العمر يقول وقد عشت في مطلع شبابي وحتى قبيل الزواج ارتكب الكثير من المخالفات وأنا الآن قد تبت إلى الله توبة نصوحا ونادم على ما صدر مني من أفعال وأقوال لا ترضي الله جل وعلا فهل علي كفارة يا فضيلة الشيخ على ما مضى أم أن التوبة النصوح تكفي؟
الإجابة :
التوبة النصوح تكفي وتهدم ما كان قبلها من المعاصي بل من الكفر أيضاً لقول الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾[الأنفال: 38] ولقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾[ الفرقان: ٦٨ ، 70] فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية أعلى أنواع المعاصي في حقه تعالى وفي حق بني آدم في النفوس وفي حق بني آدم في الأعراض فذكر الشرك وذكر قتل النفس بغير حق وذكر الزنا فالشرك جرم في حق الله وقتل النفس جرم في أنفس الخلق والزنا جرم في أعراضهم ومع ذلك قال: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾[ الفرقان: ٦٨ ، 70] فأبشر أيها السائل ما دمت تبت إلى الله توبة نصوحاً فإن الله تعالى سيغفر لك ما سبق من ذنبك مهما عظم، ولكن التوبة لابد فيها من شروط خمسة:
الشرط الأول: أن تكون خالصة لله بألا يحمله عليها شيء من أمور الدنيا لا يبتغي بها الإنسان تقرباً إلى أحد من الناس ولا رياء ولا سمعة وإنما يحمله عليها خوف الله ورجاؤه، خوف الله تعالى من معصيته ورجاؤه بتوبته.
الشرط الثاني: أن يندم على ما وقع منه من المعصية بمعنى أنه يتأثر ويحزن مما حصل ويتمنى أن لم يكن، والشرط الثالث: أن يقلع عن المعصية التي تاب منها فلو قال بلسانه إنه تائب ولكنه باق ومصر على المعصية كانت توبته هباء منثوراً بل هي إلى الهزء بالله أقرب منها إلى الجد فلو قال أنا تبت إلى الله من الغيبة ولم يزل يغتاب الناس فأين التوبة؟ لو قال تبت إلى الله من أكل المال بالباطل وهو لا يزال مصراً عليه فأين التوبة؟ لو قال تبت إلى الله من النظر إلى المحرم وهو مصراً عليه فأين التوبة؟ لابد أن يقلع عن المعصية ومن ذلك رد الحقوق إلى أهلها فلو قال أنا تائب من ظلم الناس ولكن حقوق الناس في ذمته فإنه لم يتب.
الشرط الرابع: أن يعزم على ألا يعود إلى المعصية في المستقبل، فلو قال أنا تائب وندم على ما مضى وأقلع عن الذنب لكن في قلبه أنه لو حصلت له الفرصة لعاد إلى الذنب لم يكن تائب حقيقة بل لابد أن يعزم على ألا يعود ويجب أن نتفطن لكلمة يعزم على ألا يعود فإنه لا يشترط ألا يعود فلو كان حين التوبة عازم على ألا يعود ولكن سولت له نفسه أن يعود فإن التوبة الأولى لا تبطل لكنه يحتاج إلى توبة جديدة لعوده إلى الذنب.
الشرط الخامس: أن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه وذلك بأن تكون قبل حضور الأجل وقبل طلوع الشمس من مغربها فإن وقعت التوبة بعد حلول الأجل لم تقبل وإن وقعت التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لم تقبل أيضاً، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾[النساء: 18] ولهذا لم يقبل الله توبة فرعون حين أدركه الغرق وقال: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ﴾[يونس: 90] فقيل له ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ﴾[يونس: 91] وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» يعني بروحه وذلك بحضور أجله، وإن وقعت التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لم تقبل أيضاً لقوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾[الأنعام: 158]، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن التوبة تنقطع إذا طلعت الشمس من مغربها، والشمس الآن تشرق من المشرق وتغرب من المغرب فإذا إذن الله لها أن ترجع من حيث جاءت رجعت فخرجت من المغرب وهذا في آخر الزمان فإذا رآها الناس آمنوا أجمعون ولكن: ﴿لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾[الأنعام: 158].
وخلاصة شروط التوبة أنها خمسة: الإخلاص لله، والندم على ما حصل من الذنب، والإقلاع عنه، والعزم على ألا يعود، وأن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه، نسأل الله أن يتوب علينا جميعاً.
المصدر :
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب