أقسام طلب العلم وما هي الطريقة المثلى في تلقي العلم الشرعي؟
عدد الزوار
164
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
سئل فضيلة الشيخ -رحمه الله-: عن أهمية العلم الشرعي بالنسبة لطالب العلم، وما هي الطريقة المثلى لطالب العلم الشرعي؟ وماذا يجب عليه في حفظ القرآن الكريم؟ وكيف نستطيع أن نفهم العقيدة الإسلامية خاصة إذا كان الشخص وحيداً وليس لديه من يساعده على ذلك في مسألة الصفات والأسماء؟
الإجابة :
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
طلب العلم الشرعي فرض على كل مسلم، لكنه على قسمين:
الأول: فرض عين.
والثاني: فرض كفاية.
أما فرض العين: فيجب على كل مسلم أن يتعلم من شرع الله ما يحتاج إلى فهمه، فمثلاً إذا كان عنده مال يجب عليه أن يتعلم ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة، وما مقدار الزكاة الواجبة، وما شروطها، ومن هم المستحقون لها؛ ليعبد الله تعالى على علم وبصيرة، وإذا كان تاجرًا فعليه أن يتعلم من أحكام تجارته ما يستعين به على تطبيق التجارة على القواعد الشرعية، وإذا كان ناظراً على الأوقاف فيجب عليه أن يتعلم من أحكام الأوقاف ما يستعين به على أداء مهمته وهلم جراً.
أما فرض الكفاية: فهو ما عدا ذلك من العلوم الشرعية، فإن على الأمة الإسلامية أن تحفظ دينها بتعلم أحكامه. وعلى هذا فكل طالب علم يعتبر قائماً بفرض كفاية يثاب على طلبه ثواب الفريضة، وهذه بشرى سارة لطلاب العلم أن يكونوا على طلبهم قائمين بفريضة من فرائض الله -عزّ وجلّ- ومن المعلوم أن القيام بالفرائض أحب إلى الله تعالى من القيام بالنوافل كما ثبت في الحديث الصحيح القدسي أن الله -تبارك وتعالى- قال: «وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه».
وأما كيفية الطلب فيبدأ الإنسان بما هو أهم، وأهم شيء علم كتاب الله -عزّ وجلّ- وفهمه لقول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ﴾[المؤمنون: 68]. أي أنه وبَّخهم -عزّ وجلّ- لعدم تدبرهم كلام الله -عزّ وجلّ- وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾[محمد: 24]. وقال الله تبارك وتعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[ص: 29]. والتدبر يعني التمعن في المعنى؛ ولهذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، ثم بعد ذلك ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أقواله، وأعماله، وتقريراته، ثم ما كتبه أهل العلم مما استنبطوه من كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه وسلم، وعلى رأسهم وفى مقدمتهم الصحابة -رضي الله عنهم- فإنهم خير القرون بنص الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهم أقرب الناس إلى فهم كتاب الله، وفهم سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويبدأ طالب العلم في الأصول بالمختصرات قبل المطولات؛ لأن طلب العلم كالسلم إلى السقف يبدأ فيه الإنسان من أول درجة، ثم يصعد درجة حتى يبلغ الغاية.
وقولي: (حتى يبلغ الغاية): ليس معناه أن الإنسان يمكن أن يحيط بكل شيء علماً، هذا لا يمكن، وفوق كل ذي علم عليم، ولكن يبدأ.
بالأهم فالأهم ويبدأ بالمختصرات قبل المطولات.
وخير ما نراه في باب الأسماء والصفات من الكتب المختصرة:
(العقيدة الواسطية) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لأنها عقيدة مختصرة جامعة شاملة نافعة أكثر ما جاء به في صفات الله من القرآن الكريم.
وأما كيف تستعمل هذه الأدلة؟
فإن الطريق الصحيح والمنهج السليم فيها أن يجريها الإنسان على ظاهرها اللائق بالله -عزّ وجلّ- فيجريها على ما يدل عليه ظاهرها، لكن من غير تمثيل ولا تكييف، فإذا قرأ قول الله تعالى يخاطب إبليس: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾[ص: 75] آمن بأن لله يدين اثنتين حقيقة لا مجاز فيها، لكن لا يجوز أن يقول كيفيتهما كذا وكذا، ولا أن يقول: إنهم مثل أيدي المخلوقين فلا يمثل ولا يكيف، وكذلك إذا قرأ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء». فيثبت لله -عزّ وجلّ- أصابع، ولكن لا يمثل ولا يكيف، فلا يقول: إن أصابع الله -عزّ وجلّ- كأصابع المخلوق، ولا يكيف صفة معينة يقدرها في ذهنه لهذه الأصابع. ودليل هذا أن الله -سبحانه وتعالى- خاطبنا في القرآن باللغة العربية فما دل عليه اللفظ في اللغة العربية فهو ثابت لقوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[الزخرف: 3]، وقوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾[الشعراء: 193-195].
فبين الله تعالى أنه أنزل القرآن وصيره باللغة العربية من أجل أن نعقله ونفهمه، وهذه هي العادة في إرسال الله تعالى الرسل، يرسلهم الله تعالى بلغة أقوامهم ليبينوا لهم قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾[إبراهيم: 4]، فنجري آيات الصفات على ما تقتضيه اللغة العربية لكننا لا نمثل ولا نكيف، أما عدم التمثيل فلأن الله تعالى نهانا أن نضرب له المثل فقال: ﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[النحل: 74]. وأخبرنا -عزّ وجلّ- أنه لا مثل له فقال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11]. وقال تعالى: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾[مريم: 65].
وبهذه الآيات يتبين أنه لا يحل لنا أن نمثل صفات الله -عزّ وجلّ- وأما عدم التكييف فلقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾[الإسراء: 36]. ولقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33].
ومن المعلوم أن الله - سبحانه وتعالى- أخبرنا عن صفاته ولم يخبرنا عن كيفيتها، فإذا حاولنا أن نكيف صرنا ممن افترى على الله كذباً. هذه القاعدة في باب أسماء الله وصفاته.
فلو قال لك قائل: المراد باليدين النعمة أو القدرة.
فبكل سهولة تقول: هذا باطل؛ لأن هذا خلاف مدلولها في اللغة العربية والقرآن نزل باللغة العربية ولا نقبل هذا التحريف إلا بدليل من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أقوال السلف.
وإذا قال لك قائل: المراد باستواء الله على العرش استيلاؤه عليه فقل: هذا باطل؛ لأن الاستواء على الشيء لا يعنى الاستيلاء عليه في اللغة العربية والقرآن نزل باللغة العربية، ومعنى الاستواء على الشيء في اللغة: العلو عليه علوًا خاصًا.
وإذا قال لك قائل: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾[الرحمن: 27]. أي: يبقى ثواب الله.
فقل: هذا باطل، لأن الله وصف وجهه ذو الجلال والإكرام فقال: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾[الرحمن: 27] فذو صفة لوجهه ومعلوم أن الثواب لا يوصف بأنه ذو الجلال والإكرام.
واثبت على هذا المنهج تسلم من البدع الضالة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- حذر من البدع. فقال -عليه الصلاة والسلام-: «إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».
والعجب أن هؤلاء المنحرفين الذين يقولون: إن المراد باليد النعمة والقدرة، والمراد بالوجه: الثواب، والمراد بالاستواء: الاستيلاء، يدّعون أنهم فعلوا ذلك تنزيهاً لله عما لا يليق به، وفي الحقيقة بفعلهم هذا وصفوا الله بما لا يليق به. فقد أخبر عن شيء هو في نظرهم غير صحيح، فيقول في كلام الله إمَّا: الكذب.
وإمَّا التلبيس والتعمية والله -عزّ وجلّ- يقول: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾[النساء: 26]. ويقول الله -عزّ وجلّ-: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[النساء: 176].
والله -عزّ وجلّ- قد بين لنا كل شيء ولا سيما ما يتعلق بأسمائه وصفاته، فقد بينه الله تعالى بيانًا كافيًا شافيًا لا يحتاج إلى أقيسة هؤلاء التي يدعونها عقلية وهى خيالات وهمية.
ثم إني أنصح من أراد طلب العلم أن يختار له شيخاً:
1- موثوقًا في علمه.
2- وموثوقًا في دينه.
3- وسليم العقيدة.
4- وسليم المنهج.
5- ومستقيم الاتجاه؛ لأن التلميذ سوف يكون نسخة من أستاذه فإن وفق الله له أستاذًا سليمًا مستقيمًا صار على نهجه، وإن كان الآخر فسينحرف كما انحرف أستاذه، وإذا قدر أنه لا يستطيع الوصول إلى مثل هذا الأستاذ الموثوق به كما ذكرنا فقد تيسر الأمر-ولله الحمد- في الآونة الأخيرة، فصارت أصوات العلماء تصل إلى أقصى الدنيا عبر الشريط. ويمكنه أن يقرأ على الأستاذ بما يسمع من الشريط، ويقيد ما يشكل عليه من الكلام، ويراجع به الأستاذ المتكلم، وإما عن طريق الهاتف أو عن طريق المكاتبة. فكل شيء متاح في الآونة الأخيرة والحمد لله. ومعلوم أن تلقِّي العلم عن الشيخ أقرب في التحصيل وأسلم من الزلل، ولهذا نجد الذين يعتمدون على مجرد قراءة الكتب يخطئون خطئًا كبيرًا، ولا يصلون إلى الغاية من العلم إلا بعد زمن طويل، لكن عند الضرورة لا بأس أن تتعلم من الكتب والأشرطة وما أشبه ذلك، بشرط: أن تكون هذه الأشرطة والكتب من عالم مأمون في عقيدته ودينه وعلمه ومنهجه.
المصدر :
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(26/32)