حكم سب الصحابة ولعنهم
عدد الزوار
117
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
السؤال الثاني من الفتوى رقم(19378)
ظهر فينا أقوام بآراء متفرقة وعقائد مختلفة، يسبون بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ، يتنقصونهم ويزعمون أن في الصحابة -رضي الله عنهم- الفسقة، وينفرون أنفسهم من العمل برواياتهم، ويذكرون الصحابي الجليل: المغيرة بن شعبة من هؤلاء الفسقة والعياذ بالله، ويقول قائلهم -لعنهم الله- إنه شهد عليه بالزنا أربعة من الصحابة أمام سيدنا عمر -رضي الله عنه-. هذا من أقبح ما يقولون؟
الإجابة :
أولاً: أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هم خير المؤمنين، وقد أثنى الله عليهم ومدحهم في آيات من كتابه الكريم، تتلى إلى قيام الساعة، ومنها قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[التوبة: 100]، وقوله سبحانه: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأجرًا عَظِيمًا﴾[الفتح: 29] وأثنى عليهم كذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وأثبت لهم الخيرية على جميع الناس، فقال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» متفق عليه، وأخرج مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الناس خير؟ فقال: «القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث».
ثانيًا: لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسب أو يلعن أحدًا منهم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري في (صحيحه) من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» وأخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصفه».
وثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: (لا تسبوا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ، فلمقام أحدهم ساعة يعني مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير من عمل أحدكم أربعين سنة) وفي رواية وكيع: (خير من عمل أحدكم عمره)
فمن لعن أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -رضي الله عنهم جميعا- فإنه يستحق العقوبة البليغة باتفاق المسلمين، وتنازعوا هل يعاقب بالقتل أو ما دون القتل.
ثالثًا: صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم عدول بتعديل الله لهم وثنائه عليهم وتزكيته لهم، وثناء رسوله -صلى الله عليه وسلم- عليهم، وما أعظمها من تزكية- قال الخطيب البغدادي -رحمه الله- تعالى: (كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؛ لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن- ثم ساق بعض الآيات والأحاديث في فضلهم- ثم قال: على أنه لو لم يرد من الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فيهم شيء مما ذكرناه، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين، القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون بعدهم أبد الآبدين، تم روى عن أبي زرعة -رحمه الله تعالى- أنه قال: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وإنما يريدون أن يخرجوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والحرج بهم أولى وهم زنادقة.
وقد نقل الإجماع على عدالتهم وصدقهم والأخذ برواياتهم جماعات كثيرة من أهل العلم، ولله الحمد والمنة، منهم الخطيب البغدادي وابن عبد البر وابن الصلاح والنووي وابن كثير والعراقي وابن حجر السخاوي -رحم الله الجميع-.
رابعًا: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في (العقيدة الواسطية): ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، كما وصفهم الله في قوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر: 10]، وطاعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «لا تسبوا أصحابي». الحديث. ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم -إلى أن قال- أهل البيت بقول أو عمل.
ويمسكون عما جرى بين الصحابة، ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيها ونقص وغير عن وجهه.
والصحيح منه، هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون والخطأ مغفور، وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم -إن صدر- حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهم خير القرون، وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم، ثم إذا كان قد صدر من أحد منهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- الذين هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين، إن أصابوا فلهم أجرًان، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور، ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة والنصرة، والعلم النافع والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله عليهم به من الفضائل علم أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله. انتهى كلامه -رحمه الله-.
خامسًا: إذا علم ما تقدم، فإن الواجب على المسلمين كافة اعتقاد فضل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومزيتهم على غيرهم، ومحبتهم والترضي عنهم، وذكرهم بالجميل، وموالاتهم ومعاداة من يبغضهم أو يذكرهم بسوء، وأن ذلك من معاقد الإيمان وصحة الإسلام. قال الإمام أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله تعالى- في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة: ونحب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. انتهى.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر :
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(2/467-460)المجموعة الثانية
بكر أبو زيد ... عضو
صالح الفوزان ... عضو
عبد العزيز آل الشيخ ... نائب الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس