حكم الاستدلال بقوله تعالى : (ولَا يحيطون بشيءٍ من علمه إلا بما شاء) على أن بعض الصوفية يعلمون الغيب
عدد الزوار
118
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
السؤال الثالث من الفتوى رقم(21025)
بعض جهال المتصوفة يتبعون مشايخهم في ضلالهم وفسقهم، بل الواحد منهم أمام شيخه كالميت بين يدي مغسله يقلبه كيف يشاء، ظنا منهم أن الشيخ ولي تجب متابعته، لقوله: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾[لقمان: 15]، والأدهى وأمر من ذلك يعتقدون أنهم يعلمون الغيب، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾[البقرة: 255]. كيف نرد عليهم؟ وما التفسير الصحيح لهاتين الآيتين؟
الإجابة :
الواجب على المسلم اتباع ما أنزل الله -عز وجل- على نبيه من الكتاب والسنة وفيهما الهدى والنور، والحرص على تفهم معانيهما والعمل بذلك، وتحمل الأذى في سبيل الاستمساك بصراط الله المستقيم الذي كان عليه النبي-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- ، قال الله جل وعلا: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[الأنعام: 153]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾[الأعراف: 3] والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة، وعلى المسلم أن لا يلتفت إلى المخذلين عن اتباع الوحي المنزل والمنحرفين عنه من أهل البدع والخرافات والفجور والموبقات، وهذا هو معنى قوله سبحانه: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾[لقمان: 15] يعني طريق المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله المستسلمين لربهم المنيبين إليه، واتباع سبيلهم: أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى الله تعالى التي هي انجذاب دواعي القلب وإرادته إلى الله، ثم يتبعها سعي البدن فيما يرضي الله ويقرب منه سبحانه، ومن هذا يعلم أن تقليد شخص منحرف عن الوحي المنزل الذي هو الصراط المستقيم سواء باعتقاده أو عبادته أو سلوكه أنه ضلال مبين، وتنكب عن الصراط المستقيم نسأل الله السلامة والعافية لنا ولجميع المسلمين.
ومعنى قول الله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾[البقرة: 255]، هذا خبر عن علم الله الواسع المحيط وأنه يعلم ما بين أيدي الخلائق من الأمور المستقبلة التي لا نهاية لها، وما خلفهم من الأمور الماضية، وأنه لا تخفى عليه خافية، وأن الخلق لا يحيط أحد بشيء من علم الله ومعلوماته إلا بما شاء منها، وهو ما أطلعهم عليه من الأمور الشرعية والقدرية، وهو جزء يسير جدا في علم الله سبحانه، كما قال أعلم الخلق به وهم الرسل والملائكة: ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾[البقرة: 32]، فادعاء علم الغيب الذي استأثر الله به كفر بالله العظيم؛ لأنه منازعة لله في ربوبيته، قال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾[الأنعام: 59]، وقال سبحانه: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾[النمل: 65]، وقال جل وعلا: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾[الجن: 26- 27]، فدلت هذه الآيات على أن الله سبحانه منفرد بعلم الغيب دون خلقه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم، وأما غيرهم فادعاؤهم علم الغيب كذب وافتراء على الله نعوذ بالله من ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر :
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(2/104-108) المجموعة الثانية
بكر أبو زيد ... عضو
صالح الفوزان ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الرئيس