بيان الميزان الشرعي فيما هو سنة أو بدعة
عدد الزوار
144
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
يقول السائل: بعض الأعمال ظاهرة الفضل، وقد يستنكر بعض الناس، إذا قلت إن هذا العمل غير مشروع، ولا يجوز، وإنه بدعة، كيف نوجه الناس والحالة هذه، سماحة الشيخ؟
الإجابة :
قد تقرر في الأصول أن الشرع هو ما شرعه الله ورسوله، وأن الدين هو ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن ربه -عزّ وجلّ-، فمن قال قولاً أو ادعى دعوى فعليه البرهان، وهو الدليل، فإذا قال: هذا بدعة أو هذا مشروع، فعليه الدليل الذي يدل على شرعية هذا، أو بدعة هذا، وليست أقوال الناس حجة، إذا لم تستند على نص من كتاب الله أو من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو من إجماع أهل العلم، فإذا قلت أنا أو غيري هذا بدعة فعلي الدليل، وإذا قال غيري، أو أنا: هذا مشروع فعلي الدليل، فإذا قلنا: إن الأذان عند القبور والإقامة عند القبور والقراءة عند القبور، والصلاة عندها بدعة، فحجتنا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وقال: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا» ولأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يفعل ذلك، والله سبحانه يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[الأحزاب: 21] فلم يقرأ عند القبر، لا هو ولا أصحابه، ولم يؤذن عند القبر لا هو ولا أصحابه، ونحن مأمورون بالاتباع، والله سبحانه يقول: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾[النساء: 59]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[الأحزاب: 21]، وقال -عزّ وجلّ-: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾[التوبة: 100].فالمتبع بإحسان هو الذي يسير على نهجهم ولا يزيد عليهم، ولا ينقص بل يتبعهم ويسير على نهجهم وطريقهم، فعلى من زعم أنه يؤذن في القبر، يقام أو يقرأ في القبر، أو يلقن الميت، عليه الدليل، ونحن بيَّنا أنه لا دليل معه، بل الدليل مع خصمه، ولم يثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- لقن الميت، ولا أمر بتلقينه، والميت انقطع عمله بعد الممات، الميت ما ينفعه الكلام، انقطع عمله، يقول -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» فالقبر ليس محل عمل، هو محل مساءلة، ومحل جزاء، هذه حجة من قال في هذه الأمور: إنها بدعة وإذا قلنا: إنه يشرع للمؤمن أن يصلي على الميت، ويتبع الجنازة، ويدعو للميت، فإذا دفن يدعو له بالمغفرة والثبات؛ لأن الرسول فعل ذلك وأمر بذلك، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت، يقف عليه، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: «استغفروا لأخيكم وسلوا له بالتثبيت فإنه الآن يسأل» فنحن إذا قلنا يوقف عليه، ويستغفر له ويدعى له بالثبات، هذا حق؛ لأن الرسول فعل ذلك، وأمر به -عليه الصلاة والسلام-، فهكذا بقية الأمور، كل من ادعى شيئًا أنه مشروع يقال: هات البرهان؛ لأن الله سبحانه يقول: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾[البقرة: 111]، ومن ادعى أن هذا بدعة، يقال: هات البرهان، هذا هو الميزان: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾[الشورى: 10]، يقول سبحانه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾[النساء: 59]، ولولا هذا لقال كل أحد ما شاء، وبهذا عرفنا أن البناء على القبور والقباب واتخاذ المساجد عليها بدع؛ لأن الرسول أكد هذا، -عليه الصلاة والسلام-، وقال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وقال عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تجصيص القبور، والبناء، عليها والقعود عليها» رواه مسلم في الصحيح، فلهذا نقول: إن البناء على القبور من المساجد عليها والقباب من البدع المنكرة؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعن من فعل ذلك، ونهى عن تجصيص القبور، ونهى عن البناء عليها، فوجب علينا الامتثال، وأوجب علينا أن نعمل بما وجهنا إليه -عليه الصلاة والسلام-.
المصدر :
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(18/390- 394)