تعيش في مجتمع يقطعون أرحامهم ويكثرون من الغيبة فما هي النصيحة ؟
عدد الزوار
180
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
المستمعة أيضاً تقول: يتفشى في المجتمع القروي لدينا صفتان ذميمتان، هما عدم صلة الرحم والغيبة، كيف نستطيع أن نقاوم ذلك، وما هي نصيحتكم جزاكم الله خيراً ؟
الإجابة :
أما الأول وهو عدم صلة الرحم فيكم مقاومته بأن يعلم الإنسان أن صلة الرحم من أوجب الواجبات التي تجب للإنسان على الإنسان وفيها من الخير والفضل ما جاءت به النصوص من الثواب العظيم حتى أن الله سبحانه وتعالى تكفل للرحم أن يصل من وصلها ويقطع من قطعها وفي قطيعة الرحم من العقوبة والآثام ما ينزجر به ذوي الألباب فإنه لا يدخل الجنة قاطع أي قاطع رحم قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾[محمد: 22-23] فإذا رأى الإنسان في النصوص التي فيها وعد من وصل رحمه بالخير رغب في ذلك وأقدم عليه وإذا رأى النصوص التي فيها الوعيد على من قطع رحمه هجر قطع الرحم وبعد عنه وفي صلة الرحم من المصالح الدنيوية التآزر والتلاحم بين العائلات وشعور كل واحد منهم أنه كالجزء من الآخر وهذا وإن كان عاماً لجميع المؤمنين: «فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان ومثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد» لكن في القرابات أخص ويسأل كثير من الناس كيف تكون الصلة فنقول الصلة جاءت في القرآن الكريم مطلقة وكذلك في السنة وما جاء مطلقاً في الكتاب والسنة ليس له مدلول شرعي يرجع إليه فالرجوع فيه إلى العرف كما قيل:
وكل ما أتى ولم يحدد بالشرع كالحرز فبالعرف احدد
فالذي ليس له حد شرعي يرجع فيه إلى العرف فصلة الأرحام ليس لها حد شرعي فيرجع في ذلك إلى العرف فما جرى العرف بأنه صلة فهو صلة وما جرى العرف بأنه قطيعه فهو قطيعة وعلى هذا فالصلة تختلف باختلاف الزمان واختلاف الأحوال واختلاف القرب فقد تكون القطيعة في زمن صلةٌ في زمن آخر وقد تكون القطيعة في حال صلةٌ في حال أخرى وقد تكون القطيعة من شخص صلةٌ في حق شخص آخر فإذا كان الناس مثلاً في شدة وضيق وقلة ذات يد فالصلة تكون بالقول الكريم الحسن وببذل ما يستطاع من المال بمواساة الأقارب من إطعام وكسوة وغير ذلك وإذا كان الناس في غنى وكل إنسان لا يحتاج إلى الآخر فالصلة تكون بالقول الكريم الحسن وبالهدايا عند المناسبات وليس بكثرة الإنفاق على القريب وما أشبه ذلك فالمهم أن الصلة جاءت في الكتاب والسنة مطلقة وليس لها حد شرعي يعينها ويبينها فيرجع في ذلك إلى العرف فما سماه الناس صلة فهو صلة وما سماه الناس قطيعة فهو قطعية والصلة في عهدنا الحاضر ولله الحمد متيسرة فإنه من الممكن أن ترفع سماعة الهاتف وتكلم قريبك سواء كان قريباً منك في المكان أم بعيداً وتسأله عن حاله وحال أولاده وهل يحتاج شيئاً وما أشبه ذلك وتحقيقاً لما أشرت إليه من أن الصلة تختلف باختلاف الأحوال لو كان قريبك مريضاً أو عنده مريض لكانت الحاجة تتطلب أن تتصل به كل يوم وربما تتطلب أن تتصل به في الصباح والمساء وإذا كان الأمر عادياً طبيعياً فإنه قد يكفي أن تتصل به كل أسبوع مثلاً أو كل نصف شهر على حسب الحال من قربه منك وبعده منك؛ لأن صلة القريب أيضاً أوكد وأكثر من صلة من هو أبعد منك.
وأما بالنسبة للشق الثاني من السؤال وهو الغيبة فإن الغيبة مع الأسف كثيرة في المجتمع الإسلامي وهو أن يذكر الإنسان أخاه بما يكره فذكر الإنسان أخاه بما يكره هذه الغيبة هكذا حددها أعلم الخلق وأنصح الخلق محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فقد سئل عن الغيبة ما هي فقال: «ذكرك أخاك بما يكره» سواء أكان الذي يكرهه وصفاً خلقياً كسرعة الغضب والحمق والكبرياء وما أشبه ذلك أو صفة خلقية كالطول والقصر والسواد والبياض وما أشبه ذلك قال النبي- عليه الصلاة والسلام -في الغيبة: « ذكرك أخاك بما يكره قالوا يا رسول الله أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته» أي كذبت عليه فكنت جامعاً بين البهتان والغيبة وليعلم أن الغيبة من كبائر الذنوب وليست من الصغائر بل هي من الكبائر كما نص على ذلك الإمام أحمد - رحمه الله - وقد ضرب الله مثلاً للغيبة بأبشع صورة فقال الله تعالى: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾[الحجرات: 12] فأنت لو قدم لك لحم ميتة غير إنسان فإنك لا يمكنك أن تأكلها لخبثها ونتنها وضررها فكيف إذا قدمت لك جيفة إنسان فكيف إذا قدمت جيفة أخ لك: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ﴾[الحجرات: 12] ن هذه الصورة من أبشع الصور التي تنفر منها كل نفس سليمة وهنا شبهها بأكل لحم الميت لأن الإنسان الذي اغتبته ليس حاضراً يدافع عن نفسه فهو كالميت الذي يؤكل ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه وتأمل قوله تعالى: ﴿لَحْمَ أَخِيهِ﴾ فإن الأخوة تقتضي أن يدافع الإنسان عن أخيه لا أن يجلس على جيفته لا كما يجلس على ألذ لحم وأطيبه.
والحال التي عليها الناس اليوم مع الأسف هي أنهم يتفكهون في أكل لحوم الناس حتى كأن الواحد منهم يأكل أطيب ما يكون من اللحم وإن الواجب على المسلم أن يكون درعاً حصيناً لعرض أخيه المسلم يدافع عنه ويذب عنه لقول النبي - عليه الصلاة والسلام - : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» فإذا كنت أنت لا تحب أن أحداً يغتابك فكيف ترضى أن تغتاب أخاك المسلم وليعلم كل من جنى على إخوانه في أعراضهم أو أموالهم أو دمائهم ليعلم أن هذا سوف يكون يوم القيامة على حساب حسناته لأنه يقتص لهؤلاء المظلومين من الظالم بالأخذ من حسناته فإن لم يبق شيء من حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار.
المصدر :
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب