بيان معنى قوله تعالى: (إلا اللمم)
عدد الزوار
80
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
ما هو المراد بكلمة ﴿ اللَّمَمَ ﴾[النجم: 32] في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾[النجم: 32] الآية ؟
الإجابة :
إن علماء التفسير - يرحمهم الله - اختلفوا في تفسير ذلك ، وذكروا أقوالا في معناه ، أحسنها قولان: أحدهما: أن المراد به: ما يلم به الإنسان من صغائر الذنوب ، كالنظرة والاستماع لبعض ما لا يجوز من محقرات الذنوب وصغائرها ونحو ذلك ، وهذا مروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وجماعة من السلف ، واحتجوا على ذلك بقوله سبحانه في سورة النساء: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾[النساء: 31] قالوا: المراد بالسيئات المذكورة في هذه الآية: هي صغائر الذنوب ، وهي: اللمم ؛ لأن كل إنسان يصعب عليه التحرز من ذلك ، فمن رحمة الله سبحانه أن وعد المؤمنين بغفران ذلك لهم إذا اجتنبوا الكبائر ، ولم يصروا على الصغائر .
وأحسن ما قيل في ثبوت الكبائر أنها المعاصي التي فيها حد في الدنيا؛ كالسرقة ، والزنا ، والقذف ، وشرب المسكر ، أو فيها وعيد في الآخرة بغضب من الله أو لعنة أو نار ؛ كالربا ، والغيبة ، والنميمة ، وعقوق الوالدين.
ومما يدل على غفران الصغائر باجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر ، قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا ، فهو مدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر ، وزنا اللسان المنطق ، وزنا الأذن الاستماع ، وزنا اليد البطش ، وزنا الرجل الخطى ، والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» .
ومن الأدلة على وجوب الحذر من الصغائر والكبائر جميعا وعدم الإصرار عليها: قوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾[آل عمران: 135- 136]
القول الثاني: أن المراد باللمم: هو ما يلم به الإنسان من المعاصي ثم يتوب إلى الله من ذلك ، كما قال في الآية السابقة وهي قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ﴾ الآية[آل عمران: 135]، وقوله سبحانه: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[النور: 31] وما جاء في معنى ذلك من الآيات الكريمات، قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون» . ولأن كل إنسان معرض للخطأ .
والتوبة النصوح يمحو الله بها الذنوب ، وهي المشتملة على الندم على ما وقع من المعصية ، والإقلاع عنها ، والعزيمة الصادقة على ألا يعود إليها ، خوفا من الله سبحانه ، وتعظيما له ، ورجاء مغفرته .
ومن تمام التوبة إذا كانت المعصية تتعلق بحق الآدميين ، كالسرقة ، والغصب ، والقذف ، والضرب ، والسب ، والغيبة ونحو ذلك: أن يعطيهم حقوقهم ، أو يستحلهم منها إلا إذا كانت المعصية غيبة ، وهي: الكلام في العرض - ولم يتيسر استحلال صاحبها ، من وقوع شر أكثر ، فإنه يكفي في ذلك أن يدعو له بظهر الغيب ، وأن يذكره بما يعلم من صفاته الطيبة ، وأعماله الحسنة في الأماكن التي اغتابه فيها ، ولا حاجة إلى إخباره بغيبته إذا كان يخشى الوقوع في شر أكثر .
وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه ، وأن يحفظنا وإياكم من كل سوء ، وأن يمن علينا جميعا بالاستقامة على دينه ، والسلامة من أسباب غضبه ، والتوبة إليه سبحانه من جميع ما يخالف شرعه ، إنه جواد كريم .
المصدر :
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(24/284- 287)