حقيقة الصوفية
عدد الزوار
113
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
فتوى رقم(3560)
إن مشايخ الطرق الصوفية منتشرون في الدول ويعطون المريدين عهودا، وعلى من أخذ العهد ألا يخون أبدا، ويخصصون ليالي للذكر جماعة بأسماء خاصة؛ كالله، أو حي، أو قيوم، أو آه، على هيئة حلقات أو صفوف قياما أو قاعدين يتمايلون يمنة أو يسرة ومعهم جماعة يترنمون بأناشيد ومدائح لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسائر الأنبياء والصالحين غالبا مع طبل ودفوف ومزامير وقد يدفع بعض الحاضرين نقودا تسمى: نقطة، وأحيانا لا يكون فيه دفوف ولا مزامير ولا نقطة.
ثم إن المنشدين يقولون: مدد يا سيدنا الحسين، مدد يا سيدة زينب، مدد يا سيد يا بدوي، مدد يا جدي يا رسول الله، مدد يا أولياء الله.
وبعض الناس ينذر شاة أو مالا أو نحو ذلك للسيد البدوي أو الحسين أو السيدة زينب أو غير ذلك وقد يذبح كبشا عند ضريح الشيخ المنذور له ويدفع المال المنذور في الصندوق الذي عند ضريح الشيخ، فهل هذه الأمور جائزة أو ممنوعة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الإجابة :
أولاً: كان المسلمون رجالا ونساء يعاهدون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويبايعونه على الإسلام عقيدة وقولا وعملا، وقد أمرهم الله تعالى بطاعته في كل ما أتاهم به من القرآن والأحاديث الثابتة عنه، وقرن طاعتهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بطاعته سبحانه، بل جعل طاعتهم إياه من طاعته جل شأنه في كثير من آيات القرآن، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾[النساء: 69] وقال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾[النساء: 80] وقال: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾[النور: 54] وجعل سبحانه إتباعهم إياه فيما جاءهم به من الكتاب والسنة علامة على محبتهم لله وسببا لمحبته إياهم ولمغفرته ذنوبهم، فقال جل شأنه: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[آل عمران: 31] ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾[آل عمران: 32] ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه بايع أحدا من أصحابه لا الخلفاء الراشدين ولا غيرهم، أو عاهده على نحو ما يفعله مشايخ الطرق الصوفية من أخذ العهد على مريديهم بأن يذكروا الله بأسماء مفردة معينة من أسماء الله كالله وحي وقيوم، ويتخذوا ذلك وردا لهم يلتزمونه ويرددونه كل يوم وليلة لا يتجاوزون تلك الأسماء إلى غيرها من أسماء الله إلا بإذن الشيخ وإلا كان عاصيا للشيخ مسيئا للأدب معه وخيف عليه من خدم الأسماء أن يصيبوه بسوء لمجاوزته الحدود، أضف إلى ذلك أن كل شيخ من مشايخ الطرق الصوفية يحرص جهده على أن يبذر بذور الفتنة والفرقة بين مريديه ومريدي المشايخ الآخرين حتى فرقوا دينهم وصاروا شيعا وأحزابا كل يدعو إلى بدعته ويحذر مريديه أن يوالوا مشايخ الطرق الصوفية الأخرى أو أن يأخذوا عليهم عهدا أو ينتقلوا إلى طريقة شيخ آخر… إلى غير ذلك من الإلزامات التي لم ينزل الله بها من سلطان، ولم يشرعها رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، فصدق فيهم قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾[الأنعام: 159] فإنه لم يعرف عنه أنه ذكر الله بالاسم المفرد مثل: حي أو قيوم أو حق أو الله، ولا أمر بالذكر به أو باتخاذه وردا يردد كل يوم وليلة، ولم يعرف عنه أيضًا أنه حذر من موالاة المؤمنين بعضهم بعضا، بل أمر بموالاتهم وحب بعضهم بعضا، كما مدحهم الله تعالى بذلك فقال: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[التوبة: 71] وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه البخاري ومسلم. وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانًا» رواه البخاري ومسلم.
ثانيًا: بين النبي -صلى الله عليه وسلم- فضيلة الاجتماع لتلاوة كتاب الله ودراسته وتدبره وتفهم معانيه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» رواه مسلم، وبين بعمله مراده بذلك؛ فكان أحيانا يقرأ ويسمعه من حضر من أصحابه -رضي الله عنه- ليعلمهم كيفية التلاوة والترتيل، وكان أحيانا يأمر بعض أصحابه أن يقرأ حبا منه لسماعه من غيره، كما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: «اقرأ علي، قال: أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: فإني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأ عليه عبد الله سورة النساء حتى بلغ: فقال: أمسك، فإذا عيناه تذرفان» رواه البخاري. وكان يتخولهم بالموعظة خشية السآمة عليهم، ويجلس لهم في المسجد أو غيره لإرشادهم وتعليمهم أمور دينهم، ويلقي عليهم الأسئلة أحيانا؛ تنبيها لهم ولفتا لنظرهم حتى إذا أحضر فكرهم وتشوقوا للجواب ألقاه إليهم فوقع منهم خير موقع ووعوه وفقهوه على أحسن حال، كما ثبت ذلك فيما روى البخاري وغيره عن أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فأما أحدهما فوجد في الحلقة فرجة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» وثبت فيما رواه البخاري وغيره أيضًا عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المؤمن حدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، وقال عبد الله فوقع في نفسي أنها النخلة، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة» إلى غير ذلك بما هو تفسير عملي لاجتماع النبي -صلى الله عليه وسلم- بهم على الذكر بأنه تعليم وإرشاد وموعظة واختبار وتلاوة لكتاب الله تلاوة تفهم واعتبار ولم يعرف عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه خصص أياما وليالي من الأسبوع يجتمع فيها هو وأصحابه على ذكر الله تعالى جماعة باسم مفرد من أسمائه الحسنى قياما أو قعودا في حلقات أو صفوفا يترنحون فيها ترنح السكارى ويتمايلون فيها تمايل الراقصين طربا لتوقيع الأناشيد ونغمات المغنين ودفات الطبول والدفوف وأصوات المزامير، وبهذا يعلم أن ما يفعله الصوفية اليوم بدعة محدثة وضلالة ممقوتة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» متفق عليه.
ثالثًا: قول جماعة المنشدين: مدد يا سيدنا الحسين، مدد يا سيدة زينب، مدد يا بدوي يا شيخ العرب، مدد يا رسول الله، مدد يا أولياء الله.. إلى أمثال ذلك أشد نكرا وأفحش وزرا فإنه شرك أكبر يخرج قائله من ملة الإسلام والعياذ بالله؛ لأنه نداء للأموات ليعطوهم خيرا، وليغيثوهم ويدفعوا أو يكشفوا عنهم ضرا، وذلك أن المراد بالمدد هنا العطاء والغوث والنصرة، فكان معنى قول القائل: (مددك يا سيد يا بدوي، مدد يا سيدة زينب.. إلخ) امددنا بعطائك وخيرك واكشف عنا الشدة وادفع عنا البلاء، وهذا شرك أكبر، قال الله تعالى بعد أن بين لعباده تدبيره للكون وتسخيره إياه: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾[فاطر: 13]. ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾[فاطر: 14] فسمى دعاءهم: شركا، وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾[الاحقاف: 5 ـ 6 ] فاخبر سبحانه بأن المدعوين سواه من الأنبياء والصالحين غافلون عن دعاء من دعاهم ولا يستجيبون دعاءهم أبدا، وأنهم سيكونون أعداء لهم ويكفرون بعبادتهم إياهم، وقال: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ * إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[الأعراف: 191- 194] الآيات، وقال: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾[المؤمنون: 117] فأخبر سبحانه بأن من دعا غير الله من الأموات ونحوهم لا فلاح له لكفره بسبب دعائه غير الله.
رابعًا: نذر الطاعة من ذبح الأنعام وبذل المال في وجوه البر عبادة لثناء الله تعالى على من أوفى بذلك ووعده عليه الأجر والثواب، قال تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾[الإنسان: 7] وقال: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾[البقرة: 270] وعلى هذا فمن نذر طاعة لله فقد وجب عليه الوفاء، ومن نذر أن يذبح لغير الله فقد أشرك، ويحرم عليه الوفاء، وتجب عليه التوبة من الشرك وفروعه، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾[الأنعام: 162- 163] وقال: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[الكوثر: 1-2].
فعلى المسلم أن يتبع كتاب الله تعالى ويسير على هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن يعبد الله سبحانه بما شرع، ويخلص في الدعاء وسائر أنواع العبادة من النذر له والتوكل عليه واللجوء إليه في الشدة والرخاء.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
المصدر :
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(2/274-282)
عبد الله بن قعود ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد الرزاق عفيفي ... نائب رئيس اللجنة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس