الحكم على فرقة التيجانية
عدد الزوار
159
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
السؤال السابع من الفتوى رقم(5553)
ما هي عقيدتكم في طريقة التيجانية ورؤية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يقظة ؟
الإجابة :
الفرقة التيجانية من أشد الفرق كفرا وضلالا وابتداعا في الدين لما لم يشرعه الله. وسبق أن سئلت اللجنة الدائمة عنهم وكتبت بحثا في كثير من بدعهم وضلالاتهم الدالة على ذلك 'نص بحث اللجنة الدائمة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه... وبعد: فبناء على ما اقترحه سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد من كتابة بحث مختصر عن الطريقة التيجانية وإدراجه في جدول أعمال الدورة العاشرة لمجلس هيئة كبار العلماء - أعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثاً في ذلك ضمنته ما يلي:
1- كلمة عن أحمد التيجاني منشئ هذه الطريقة وعن مصدرها.
2- نبذ من عقيدته وعقيدة أتباعه.
3- حكم الشريعة فيمن يعتقد هذه العقيدة.
الموضوع الأول: كلمة عن أحمد بن محمد التجاني وعن مصدر الطريقة التيجانية:
هو أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد بن محمد التجاني، ولد عام 1150 من الهجرة بقرية عين ماضي التي وفد إليها جده محمد، فاستوطن بها وتزوج من قبيلة فيها تدعى تجاني أو تجانا فكانت أخوالا لأولاًده وإليها نسبوا. نشأ أبو العباس بهذه القرية وحفظ بها القرآن ورحل في طلب العلم إلى بلاد عدة، وتأثر في أسفاره بمن التقى به من مشايخ الطرق الصوفية وأخذ الطريقة عن عدة منهم ثم انتهت به رحلاته إلى أبي صيفون، وهناك زعم أنه قد جاء5 الفتح، وأنه لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- يقظة لا مناماً وأنه أذن له في تربية الخلق على العموم والإطلاق وأخذ عنه الطريقة الصوفية مشافهة وأمره أن يترك كل طريق أخذه عن مشايخ الطرق الصوفية اكتفاء بما أخذ عنه -صلى الله عليه وسلم- مشافهة وعين له النبي -صلى الله عليه وسلم- الورد الذي يلقنه مريديه، وهو: الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وذلك سنة (1196) من الهجرة، وكمل له الورد بسورة الإخلاص على رأس المائة؛ ولذا سميت الطريقة الأحمدية والمحمدية، كما سميت التيجانية نسبة إلى القبيلة التي صاهرها جده محمد فنسبوا إليها. وزعم أحمد التجاني بعد شهرته أنه شريف ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، ولم يشأ أن يعول في إثبات ذلك على وثائق مكتوبة ولا على أخبار الأعيان والآحاد، بل زعم أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقظة وسأله عن نسبه، فأجابه بقوله: أنت ولدي حقّاً، وكررها (ثلاث مرات) ثم قال: نسبك إلى الحسن صحيح. اهـ. ملخصاً من الباب الأول من (جواهر المعاني) لعلي حرازم، ومن الفصل الثامن والعشرين من كتاب (الرماح) لعمر بن سعيد الفوتي. هذا وإنه لم يثبت عن الخلفاء الراشدين ولا سائر الصحابة - رضي الله عنهم - أن أحداً منهم وهم خير الخلق بعد الأنبياء ادعى أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقظة، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن التشريع قد أكمل في حياته -صلى الله عليه وسلم- ، وأن الله قد أكمل للأمة دينها وأتم عليها نعمته قبل أن يتوفى رسوله -صلى الله عليه وسلم- إليه، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة: 3]، فلا شك أن ما زعمه أحمد التجاني لنفسه من رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- يقظة وأنه أخذ عنه الطريقة التيجانية يقظة مشافهة، وأنه عين له الأوراد التي يذكر الله بها ويصلي على رسوله بها لا شك أن هذا من البهتان والضلال المبين.
الموضوع الثاني: نبذ من عقيدته وعقيدة أتباعه:
نظراً إلى أن الدواعي التي دعت إلى إعداد بحث عن الطريقة التيجانية ليعرض على هيئة كبار العلماء في الدورة العاشرة لا تعني مناقشة رؤساء هذه الطريقة ولا الرد عليهم وبيان الصواب لهم إنما تعني ذكر نقول من كتبهم تتجلى فيها عقائدهم ويمكن بعد الاطلاع عليها الحكم من خلالها عليهم بما تقتضيه هذه النقول. لهذا اقتصرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على مجموعة من النقول من بعض كتبهم دون استقصاء تتبين منها عقائدهم ويسهل الحكم بمقتضاها عليهم، ولم تضف إليها من عندها إلا إشارات خفيفة، وفيما يلي ذكر نقول من (كتاب جواهر المعاني وبلوغ الأماني) لعلي حرازم، وكتاب (رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم) لعمر بن سعيد الفوتي: قال علي حرازم: أعلم أن سيدنا -رضي الله عنه- سئل عن حقيقة الشيخ الواصل وما هو فأجاب: أما ما هو حقيقة الشيخ الواصل فهو الذي رفعت له جميع الحجب عن كمال النظر في الحضرة الإلهية نظراً عينيّاً وتحقيقاً يقينياً فإن الأمر أوله محاضرة وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر كثيف ثم مكاشفة وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر رقيق، ثم مشاهدة وهو تجلي الحقائق بلا حجاب لكن مع خصوصية ثم معاينة وهو مطالعة الحقائق بلا حجاب ولا خصوصية ولا بقاء للغير والغيرية عيناً وأثراً وهو مقام السحق والمحق والدك وفناء الفناء فليس في هذا إلا معاينة الحق في الحق للحق بالحق. فلم يبق إلا الله لا شيء غيره فما ثم موصول وما ثم واصل. ثم حياة وهي تميز المراتب بمعرفة جميع خصوصياتها ومقتضياتها ولوازمها وما تستحقه من كل شيء ومن أي حضرة كل مرتبة منها ولماذا وجدت وماذا يراد منها وما يؤول إليه أمرها وهو مقام إحاطة العبد بعينه ومعرفته بجميع خصوصياته وأسراره ومعرفة ما هي الحضرة الإلهية وما هي عليه من العظمة والجلال والنعوت العلية، والكمال معرفة ذوقية ومعاينة يقينية، وصاحب هذه المرتبة هو الذي تشق إليه المهامة في طلبه لكن مع هذه الصفة فيه كمال أذن الحق له إذناً خاصاً في هداية عبيده وتوليته عليهم بإرشادهم إلى الحضرة الإلهية، فهذا هو الذي يستحق أن يطلب، وهو المراد بقوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي جحيفة: سل العلماء وخالط الحكماء واصحب الكبراء. وصاحب هذه المرتبة هو المعبر عنه بالكبير، ومتى عثر المريد على من هذه صفته فلازم في حقه أن يلقي نفسه بين يديه كالميت بين يدي غاسله لا اختيار له ولا إرادة ولا عطاء له ولا إفادة وليجعل همته منه تخليصه من البلية التي أغرق فيها إلى كمال الصفاء بمطالعة الحضرة الإلهية بالإعراض عن كل ما سواها ولينزه نفسه عن جميع الاختيارات والمرادات مما سوى هذا، ومتى أشار عليه بفعل أوامر فليحذر من سؤاله بلم وكيف وعلام ولأي شيء؟ فإنه باب المقت والطرد، وليعتقد أن الشيخ أعرف بمصالحه منه وأي مدرجة أدرجه فيها فإنه يجري به في ذلك كله على ما هو لله بالله بما فيه إخراجه عن ظلمة نفسه وهواها..) إلخ. ومن أمثلة غلو أتباع أحمد بن محمد التجاني فيه ما قاله على حرازم ونصه: (واعلم رحمك الله أني لا أستوفي ما لسيدنا وشيخنا ومولانا أحمد التجاني -رضي الله عنه- من المآثر والآيات والمناقب والكرامات أبد الآبدين ودهر الداهرين لأني كلما تذكرت فضيلة وجدت فضيلة أخرى وكلما تذكرت آية رأيت أكبر من أختها إلى هلم جرا.. إلى أن قال: لأن مآثر هذا الشيخ لا تحصى ومناقبه لا تستقصى فقد شاعت بها الأخبار حيث سار الليل النهار وليس يوجد لها حد ولا مقدار، وإنما نورد صبابة منها وشظية من عدها فقد يكل عنها القرطاس والقلم ويعيا في طلبها اليد والقدم... إلخ.) وبعد أن أثنى على من نقل عنهم في كتابه جواهر المعاني قال: (جعلنا الله وإياكم من المنخرطين في سلكه ومن المحسوبين في حزبه وممن عرف قدره وقدر محبه بجاه محمد وآله وصحبه، فإن من تشبث بأذيالهم بلغ المأمول وكان فيما يرومه قريب الوصول فأبسط أيها المحب يد الضراعة عند ذكرهم وقف متذللا عند بابهم وقل بلسان الافتقار إليهم: ارحم عبيدك الضعيف وإن كان بها على الجور والتطفيف فقد قال تعالى على لسان رسوله: (أنا عند المنكسرة قلوبهم...) إلى أن قال: (وحاشا لمن تعلق بأذيالهم أن يهملوه أو تحيز لجنابهم أن يتركوه فإن طفيلي ساحتهم لا يرد، وعن بابهم لا يصد، ولله در قائلهم: أهل الصفا حازوا المعالي الفاخرة أن يهملوه سادتي في الآخرة هم سادتي هم راحتي هم منيتي حاشا لمن قد حبهم أو زارهم وقال أيضًا: (والفرق بين من يغلبه الحال لضعفه ومن يغلبه لقوة الوارد عليه أن الذي يغلبه لضعفه علامته ألا يمد غيره، وقصاراه على نفسه، والذي يغلبه الحال لقوته علامته أن يمد غيره، وأقوى من ذلك أن يسلبه ما أعطاه وذلك هو الكامل الذي يعطي ويسترد وكل شيء بقضاء وقدر، وقد شاهدناه غير ما مرة فعل ذلك مع بعض الإخوان لسوء أدبهم ولموجب آخر....) إلخ. هذا وإن ما اشتملت عليه هذه الكلمات من الغلو الفاحش والشرك الفاضح لغني عن البيان وقد تجاوز به قائله حدّاً لا يقبل معه تأويل، ولا ينفع معه اعتذار، اللهم إلا إذا قيل إنه صدر من قائله في حال سلب فيها عقله، وصار إلى حال لا يحمد عليها، ولكن معظموه لا يرون ذلك ولا يقبلونه بل يرونه محمدة له وكرامة. ثم ذكر عن أحمد التجاني أن كلامه يحول حول الفناء ووحدة الوجود وأن شعور الولي بوجود نفسه يعتبر شركاً. وقال في وصفه أحمد التجاني وحديثه عنه: (وكثير ما يقرر هذا المعنى ويدل عليه، ويرشد بحاله ومقاله إليه، وينشد بحاله على سبيل التمثيل - أنا معي بدر الكمال حيث يميل قلبي يميل، وذلك بأنه قد محا السوى، فلا يشاهد مع الله غيراً، لا يري لسواه نفعاً ولا ضرّاً، بل يشاهد الفعل من الله وأنه هو المتصرف، والدال بفعله عليه والمتعرف، وأن أفعاله كلها مصحوبة بالحكمة، محفوفة بالرحمة، ويرى الخلق كالأواني المسخرة في يد غيره ويعد شهود الإنسان نفسه أثنينية ويتمثل بلسان حاله ويقول: إذا قلت ما أذنبت قالت مجيبة: وجودك ذنب لا يقاس به ذنب) وعلى هذا المعنى صارت حالته فلا ترى أفعاله وأقواله وتصريحاته وتلويحاته تحوم إلا على الفناء في الله والغيبة فيه عما سواه.... إلى أن قال في وصفه (ص63): يحيي القلوب، ويبرئ من العيوب، يغني بنظرة، ويوصل إلى الحضرة، إذا توجه أغنى وأقنى، وبلغ المنى، يتصرف في أطوار بالقلوب بإذن علام الغيوب... إلخ. اهـ. وهذا لون آخر من شدة غلو الشيخ في نفسه وغلو أصحابه فيه انتهى به وبهم إلى دعوى الفناء الممقوت، والقول بوحدة الوجود، إن ذلك لإلحاد في الدين وبهتان وكفر مبين. ثم زعم أن شيخه يعلم الغيب فقال: (ومن كماله -رضي الله عنه- نفوذ بصيرته الربانية وفراسته النورانية التي ظهر مقتضاها في معرفة أحوال الأصحاب وفي غيرها من إظهار مضمرات وأخبار بمغيبات وعلم بعواقب الحاجات، وما يترتب عليها من المصالح والآفات، وغير ذلك من الأمور الواقعات، فيعرف أحوال قلوب الأصحاب وتحول حالهم، وإبدال أعراضهم وانتقال أغراضهم، وحالة إقبالهم وإعراضهم، وسائر عللهم وأمراضهم، ويعرف ما هم عليه ظاهراً وباطناً وما زاد وما نقص ويبين ذلك في بعض الأحيان وتارة يستره رفقاً بهم من الاختبار والامتحان واتفقت لغير واحد معه في ذلك قضايا غير ما مرة) وقال في حصول شيخه على اسم الله الأعظم وفي تقدير ثوابه: (وأما ثواب الاسم الأعظم فقد قال سيدنا -رضي الله عنه- أعطيت من اسم الله العظيم الأعظم صيغاً عديدة وعلمني كيفية أستخرج بها ما أصيبت تراكيبه وأخبره -صلى الله عليه وسلم- بما فيه من الفضل العظيم الذي لا حد له ولا حصر وأخبره -صلى الله عليه وسلم- بخواصه العظام وكيفية الدعاء به وكيفية سلوكه وهذا الأمر لم يبلغ لنا أحد أنه بلغه غير سيدنا -رضي الله عنه-؛ لأنه قال -رضي الله عنه- أعطاني سيد الوجود -صلى الله عليه وسلم- الاسم الأعظم الخاص بسيدنا علي كرم الله وجهه بعد أن أعطاني الاسم الأعظم الخاص بمقامه هو -صلى الله عليه وسلم- ، وقال الشيخ -رضي الله عنه-: قال سيد الوجود -صلى الله عليه وسلم- هذا الاسم الخاص بسيدنا علي لا يعطى إلا لمن سبق عند الله في الأزل أنه يصير قطباً، ثم قال - رضي الله عنه -: ثم قلت لسيد الوجود -صلى الله عليه وسلم-: ائذن لي في جمع أسراره وجمع ما احتوى عليه، ففعل -صلى الله عليه وسلم- ، وأما ما أخبره به -صلى الله عليه وسلم- عن ثواب الاسم الأعظم الكبير الذي هو مقام قطب الأقطاب فقال الشيخ -رضي الله عنه- حاكياً ما أخبره به سيد الوجود -صلى الله عليه وسلم-: فإنه يحصل لتاليه في كل مرة سبعون ألف مقام في الجنة في كل مقام سبعون ألفاً من كل شيء في الجنة كائن من الحور والقصور والأنهار إلى غاية ما هو مخلوق في الجنة ما عدا الحور وأنهار العسل فله في كل مقام سبعون حوراء. وسبعون نهراً من العسل، وكل ما خرج من فيه هبطت عليه أربعة من الملائكة المقربين فكتبوه من فيه وصعدوا به إلى الله تعالى وأروه له فيقول الجليل جل جلاله: اكتبوه من أهل السعادة واكتبوا مقامه في عليين في جوار سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ، هذا في كل لفظة من ذكره، وله في كل مرة ثواب جميع ما ذكر الله به على ألسنة جميع خلقه في سائر عوالمه وله في كل مرة ثواب ما سبح به ربنا على لسان كل مخلوق من أول خلق آدم إلى آخره... إلى كثير من هذا الخرص والتخمين والرجم بالغيب في تقدير الثواب بالآلاف المؤلفة....) إلى أن قال علي حرازم: (ومما أملاه علينا -رضي الله عنه- قال: لو اجتمع جميع ما تلته الأمة من القرآن من بعثته -صلى الله عليه وسلم- إلى النفخ في الصور لفظاً لفظاً فرداً فرداً في القرآن ما بلغ لفظة واحدة من الاسم الأعظم وهذا كله بالنسبة للاسم كنقطة في البحر المحيط، وهذا مما لا علم لأحد به، واستأثر الله به عن خلقه، وكشفه لمن شاء من عباده، وقال -رضي الله عنه-: إن الاسم الأعظم هو الخاص بالذات لا غيره وهو اسم الإحاطة ولا يتحقق بجميع ما فيه إلا واحد في الدهر وهو الفرد الجامع، هذا هو الاسم الباطن، أما الاسم الأعظم الظاهر فهو اسم الرتبة الجامع لمرتبة الألوهية من أوصاف الإله ومألوهيته وتحته مرتبة أسماء التشتيت، ومن هذه الأسماء فيوض الأولياء فمن تحقق بوصف كان فيضه بحسب ذلك الاسم، ومن هذا كانت مقاماتهم مختلفة وأحوالهم كذلك وجميع فيوض المرتبة بعض من فيوض اسم الذات الأكبر، وقال -رضي الله عنه-: إذا ذكر الذاكر الاسم الكبير يخلق الله من ذكره ملائكة كثيرة لا يحصي عددهم إلا الله ولكل واحد من الألسنة بعدد جميع الملائكة المخلوقين من ذكر الاسم ويستغفرون في كل طرفة عين للذاكر أي كل واحد يستغفر في كل طرفة عين بعدد جميع ألسنته، وهكذا إلى يوم القيامة، ثم قال -رضي الله عنه-: سألت سيد الوجود -صلى الله عليه وسلم- عن فضل المسبعات العشر وإن من ذكرها مرة لم تكتب عليه ذنوب سنة، فقال لي -صلى الله عليه وسلم-: فضل جميع الأذكار وسر جميع الأذكار في الاسم الكبير، فقال الشيخ -رضي الله عنه-: علمت أنه أراد -صلى الله عليه وسلم- جميع خواص الأذكار وفضائلها منطوية في الاسم الكبير، ثم قال -رضي الله عنه-: يكتب لذاكر الاسم بكل ملك خلقه الله في العالم فضل عشرين من ليلة القدر ويكتب له بكل دعاء كبير وصغير ستة وثلاثون ألف ألف مرة بكل مرة من ذكر هذا الاسم الشريف، وقال -رضي الله عنه-: فمن قدر أن ذاكراً ذكر جميع أسماء الله في جميع اللغات تساوي نصف مرة من ذكر الاسم من ذكر كل عارف. اهـ. وذكر عمر بن سعيد الفوتي في [كتاب الرماح]: إن الأولياء يرون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقظة وإنه يحضر كل مجلس أو مكان أراد بجسده وروحه وأنه يتصرف في أقطار الأرض في الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته لم يتبدل عنه شيء وأنه مغيب عن الأبصار كما غيبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم فإذا أراد الله أن يراه عبد رفع عنه الحجاب فيراه على هيئته التي كان هو عليها، ثم ذكر في هذا الفصل كثيراً من النقول عن جماعة من الصوفية فيها حكايات عن رؤية الأولياء لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقظة وذكر في هذا الفصل كثيراً من الغرائب والمنكرات حول مجالس الأنبياء والأقطاب في المسجد الحرام عند الكعبة بأجسادهم وتصرفهم بأنفسهم ووكلائهم في الخلق وذكر فيه أيضًا أن الأنبياء والأولياء لا يبقون في قبورهم بعد الوفاة إلا زماناً محدوداً يتفاوت حسب تفاوت درجاتهم ومراتبهم ثم ختم الفصل بقوله: (إذا نظرت وتحققت بجميع ما تقدم من أول الفصل إلى هنا ظهر لك ظهوراً لا غبار عليه أن اجتماع القطب المكتوم والبرزخ المختوم شيخنا أحمد بن محمد التجاني سقانا الله تعالى من بحره بأعظم الأواني، ورزقنا جواره في دار التهاني رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به بسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، يقظة لا مناماً وأخذه -رضي الله عنه- وأرضاه وعنا به عن سيدنا جده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشافهة منه إليه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- وعنا به وأعاد علينا من بركاته دنيا وبرزخاً وأخرى وحضور النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه الخلفاء الأربعة -رضي الله عنهم- بأجسادهم وأرواحهم قراءة جوهرة الكمال وعند أي مجلس خير أو أي مكان شاؤوا ولا ينكره إلا الطلبة الجهلة الأغبياء والحسدة المردة الأشقياء لا مهدي إلا من هداه الله تعالى) وقد غلا عمر بن سعيد الفوتي في تعظيم شيخه أحمد بن محمد التجاني فزعم أنه خاتم الأولياء وسيد العارفين وأنه لا يتلقن واحد من الأولياء فيضاً من نبي الله إلا عن طريقه من حيث لا يشعر به ذلك الولي قال: (الفصل السادس والثلاثون: في ذكر فضل شيخنا -رضي الله عنه- وأرضاه وعنا به وبيان أنه هو خاتم الأولياء وسيد العارفين وإمام الصديقين وممد الأقطاب والأغواث وأنه هو القطب المكتوم والبرزخ المختوم الذي هو الواسطة بين الأنبياء والأولياء بحيث لا يتلقن واحد من الأولياء من كبر شأنه ومن صغر فيضاً من حضرة نبي إلا بواسطته -رضي الله تعالى عنه- من حيث لا يشعر به ذلك الولي) إن هذه الكلمات ناطقة بالشرك الصريح، والكذب المكشوف، والغلو الممقوت، فقد جعل شيخه أعلى مرتبة من الصحابة وسائر القرون الثلاثة من شهد لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنهم خير القرون بله من سواهم من الصالحين ثم ذكر ما نصه: أن بعض من لم يكن له في العلم ولا في نفحات أهل الله من خلاق قد يورد علينا إيرادين: أولهما: أنه يقول: إن الشيخ -رضي الله عنه وأرضاه- مدح نفسه وزكاها وذلك مذموم.
ثانيهما: أنه يقول: إن قول الشيخ -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- وعنا به: أن الفيوض التي تفيض من ذات سيد الوجود تتلقاها ذوات الأنبياء وكل ما فاض وبرز من ذوات الأنبياء تتلقاه ذاتي، ومني يتفرق على جميع الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ في الصور ويدخل فيه جميع الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- فيكون أفضل من جميع الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-؛ وذلك باطل وكذا قوله -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به: ولا يشرب ولي ولا يسقى إلا من بحرنا من نشأة العالم إلى النفخ في الصور، وكذلك قوله -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به إذا جمع الله تعالى خلقه في الموقف ينادي مناد بأعلى صوته يسمعه كل من بالموقف: يا أهل المحشر، هذا إمامكم الذي كان مددكم منه وكذا قوله -رضي الله عنه- وأرضاه وعنا به روحه -صلى الله عليه وسلم- وروحي هكذا مشيراً بإصبعيه السبابة والوسطى روحه -صلى الله عليه وسلم- تمد الرسل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وروحي تمد الأقطاب والعارفين والأولياء من الأزل إلى الأبد، وكذا قوله -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به: قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى من لدن آدم إلى النفخ في الصور، وكذا قوله -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- وعنا به: إن مقامنا عند الله في الآخرة لا يصله أحد من الأولياء ولا يقاربه من كبر شأنه ولا من صغر، وإن جميع الأولياء من الصحابة إلى النفخ في الصور ليس فيهم من يصل مقامنا، وكذا قوله -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به: أعمار الناس كلها ذهبت مجاناً إلا أعمار أصحاب الفاتح لما أغلق فقد فازوا بالربح دنيا وأخرى ولا يشغل بها عمره إلا السعيد. وذكر علي حرازم عن أحمد بن محمد التجاني في سياق الكلام على المفاضلة بين تلاوة القرآن والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن تلاوة القرآن أفضل من حيث إنه كلام الله ومن حيث ما دل عليه من العلوم والمعارف والآداب.. ثم قال ما نصه: (إن هاتين الحيثيتين لا يبلغ فضل القرآن فيهما إلا عارف بالله قد انكشفت له بحار الحقائق فهو أبداً يسبح في لججها، فصاحب هذه المرتبة هو الذي يكون القرآن في حقه أفضل من جميع الأذكار والكلام لحوز الفضيلتين؛ لكونه يسمعه من الذات المقدسة سماعاً صريحاً لا في كل وقت وإنما ذلك في استغراقه وفنائه في الله تعالى. والمرتبة الثانية في القرآن دون هذه: وهي من عرف معاني القرآن ظاهراً وألقى سمعه عند تلاوته كأنه يسمعه من الله يقصه عليه، ويتلوه عليه مع وفائه بالحدود فهذا أيضًا لاحق بالمرتبة الأولى إلا أنه دونها. والمرتبة الثالثة: رجل لا يعلم شيئاً من معانيه ليس إلا سرد حروفه ولا يعلم ما تدل عليه من العلوم والمعارف فهذا إن كان مهتدياً كسائر الأعاجم الذين لا يعلمون معاني العربية إلا أنه يعتقد أنه كلام الله ويلقي سمعه عند تلاوته معتقداً أن الله يتلو عليه تلاوة لا يعلم معناها، فهذا لاحق في الفضل بالمرتبتين إلا أنه منحط عنهما بكثير كثير. والمرتبة الرابعة: رجل يتلو القرآن سواء علم معانيه أو لم يعلم إلا أنه متجرئ على معصية الله غير متوقف عن شيء منها فهذا لا يكون القرآن في حقه أفضل بل كلما ازداد تلاوة ازداد ذنباً وتعاظم عليه الهلاك، يشهد له قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ﴾ إلى قوله: ﴿فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾[الكهف: 57]، وقوله: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾[الجاثية: 7].... إلى قوله: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[الجاثية: 10]... ثم قال ما نصه: (فمثل هذا لا يكون القرآن في حقه أفضل من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحب المرتبة الرابعة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في حقه أفضل من القرآن)، وبعد أن بين ذلك قال ما نصه: (فإذا عرف ذلك بأن للعارف به أن ما في طريق العامة غطاء غطى الله به أسرار القرآن وتركت أسرار القرآن ومذاقات أهل الخصوص من وراء أطوار الحس والعقل المدركان في أمر العامة فيجب كتمه على كل من علمه إذ لم يرد -سبحانه وتعالى- إظهاره إلا للخاصة العليا من خلقه. يا عبد السوء، لو أخبرت الناس بمساويك لرجموك بالحجارة، فقال له: وعزتك لو أخبرت الناس بما كشفت لي من سعة رحمتك لما عبدك أحد، فقال له: لا تفعل. فسكت، انتهى ما أملاه علينا شيخنا أبو العباس التيجاني. ثم ذكر علي حرازم ما زعمه أحمد التجاني من مباسطة الرب لأبي يزيد مرة أخرى في [الجوهر] (ص183) وقال علي حرازم: وسألته -رضي الله عنه- عن قوله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ﴾ الآية[الرحمن: 19-20]، فأجاب -رضي الله عنه- بقوله: معنى البحرين: بحر الألوهية، وبحر الوجود المطلق، وبحر الخليقة، وهو الذي وقع عليه كن، وهو البرزخ بينهما -صلى الله عليه وسلم- لولا برزخيته -صلى الله عليه وسلم- لاحترق بحر الخليقة كله من هيبة جلال الذات، قال سيدنا -رضي الله عنه- بحر الخليقة بحر الأسماء والصفات فما ترى ذرة في الكون إلا وعليها اسم أو صفة من صفات الله وبحر الألوهية هو بحر الذات المطلقة التي لا تكيف ولا تقع العبارة عنها، يلتقيان لشدة القرب الواقع بينهما، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾[الواقعة: 85] ولا يختلطان لا تختلط الألوهية بالخليقة ولا الخليقة بالألوهية فكل منهما لا يبغي على الآخر للحاجز الذي بينهما وهي البرزخية العظمى التي هي مقامه -صلى الله عليه وسلم- فالوجود كله عائش بدوام بقائه تحت حجابيته -صلى الله عليه وسلم- استتاراً به عن سبحات الجلال التي لو تبدت بلا حجاب لاحترق الوجود كله وصار محض العدم في أسرع من طرفة عين، فالألوهية قائمة في حدودها والخليقة قائمة في حدودها كل منهما يلتقيان ولا يختلطان للبرزخية التي بينهما لا يبغيان أعني لا يختلط أحدهما على الآخر. انتهى ما أملاه علينا -رضي الله عنه- من حفظه ولفظه. وسألته -رضي الله عنه- عن دائرته -صلى الله عليه وسلم- فأجاب -رضي الله عنه- بقوله: هي دائرة السعادة التي وقع عليها قوله تعالى: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون﴾[البقرة: 38] (قال البوصيري - رضي الله عنه -: ولن ترى من ولي غير منتصر... البيت، كل من لم ينتصر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لا حظ له في ولاية الله، وهو معنى قول الشيخ - رضي الله عنه -: لن ترى من ولي . . . إلخ اهـ. هذه طامة أخرى طامة التلاعب بآيات القرآن وتحريفها عن مواضعها وتأويل لها بما لا تدل عليه في لغة العرب، بل بما تمجه العقول السليمة ويسخر منه أولوا الألباب. ذكر عمر بن سعيد الفوتي: أن الشيخ أحمد التجاني قال ذات ليلة في مجلسه: أين السيد محمد الغالي؟ فجعل أصحابه ينادون أين السيد محمد الغالي؟ على عادة الناس مع الكبير إذا نادى أحداً، فلما حضر بين يدي الشيخ قال -رضي الله عنه- وأرضاه وعنا به: قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى، وقال سيدي محمد الغالي - وكان لا يخافه لأنه من أكابر أحبابه وأمرائهم - يا سيدي: أنت في الصحو والبقاء أو في السكر والفناء؟ فقال -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به: أنا في الصحو والبقاء وكمال العقل ولله الحمد، وقال: قلت: ما تقول بقول سيدي عبد القادر -رضي الله عنه-: قدمي هذه على رقبة كل ولي لله تعالى؟ فقال: صدق -رضي الله عنه- ، يعني: أهل عصره، وأما أنا فأقول: قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى من لدن آدم إلى النفخ في الصور، قال: فقلت له: يا سيدي، فكيف تقول إذا قال أحد بعدك مثل ما قلت؟ فقال -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به: لا يقوله أحد بعدي، قال: فقلت: يا سيدي، قد حجرت على الله تعالى واسعاً ألم يكن الله تعالى قادراً على أن يفتح على ولي فيعطيه من الفيوضات والتجليات والمنح والمقامات والمعارف والعلوم والأسرار والترقيات والأحوال أكثر مما أعطاك! فقال -رضي الله عنه- وأرضاه وعنا به: بلى قادر على ذلك وأكثر منه لكن لا يفعله؛ لأنه لم يرده، ألم يكن قادراً على أن ينبئ أحداً ويرسله إلى الخلق ويعطيه أكثر مما أعطى محمد -صلى الله عليه وسلم- ، قال: قلت: بلى، لكنه تعالى لا يفعله؛ لأنه ما أراده في الأزل، فقال -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به: هذا مثل ذلك ما أراده في الأزل، ولم يسبق به علمه تعالى، فإن قلت ما صورة برزخية القطب المكتوم المعبر عنه عند العارفين والصديقين وأفراد الأحباب وجواهر الأقطاب، بجواهر الجواهر، وبرزخ البرازخ والأكابر، فالجواب والله تعالى الموفق بمنه للصواب: اعلم وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه أن الحضرات المستفيضة سبع: الأولى: حضرة الحقيقة الأحمدية وهي في [جواهر المعالي] غيب من غيوب الله تعالى فلم يطلع أحد على ما فيها من المعارف والعلوم والأسرار والفيوضات والتجليات والأحوال العلية والأخلاق الزكية فما ذاق منها أحد شيئاً ولا جميع الرسل والنبيين اختص -صلى الله عليه وسلم- وحده بمقامه... إلى أن قال: فما نال أحد منها شيئاً اختص بها -صلى الله عليه وسلم- لكمال عزها وغاية علوها. والثانية: حضرة الحقيقة المحمدية فمنها كما في جواهر المعاني كل مدارك النبيين والمرسلين وجميع الملائكة والمقربين وجميع الأقطاب والصديقين وجميع الأولياء والعارفين إلى أن قال وكل ما أدركه جميع الموجودات من العلوم والمعارف والفيوضات والتجليات والترقيات والأحوال والمقامات والأخلاق إنما هو كله من فيض حقيقته المحمدية. والثالثة: الحضرة التي فيها حضرات سادتنا الأنبياء على اختلاف أذواقهم ومراتبهم وأهل هذه الحضرة هم الذين يتلقون كل ما فاض وبرز من حضرة الحقيقة المحمدية كما قال شيخنا -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به مشيراً إلى أهل هذه الحضرة بقوله: إن الفيوض التي تفيض من ذات الوجود -صلى الله عليه وسلم- تتلقاها ذوات الأنبياء وبقوله -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به روحه -صلى الله عليه وسلم- تمد الرسل والأنبياء إلا أن لخاتم الأولياء مشرباً من النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ولا اطلاع له عليه كما سيأتي الآن قريباً إن شاء الله تعالى.
والرابعة: حضرة خاتم الأولياء الذي يتلقى جميع ما فاض به من ذوات الأنبياء لأنه -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به هو برزخ البرازخ، كما قال -رضي الله عنه- وأرضاه وعنا به مشيراً إلى هذه الحضرة بقوله: إن الفيوض التي تفيض من ذات سيد الوجود -صلى الله عليه وسلم- تتلقاها ذوات الأنبياء وكل ما فاض وبرز من ذواته الأنبياء تتلقاه ذاتي، ومني يتفرق على جميع الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ في الصور وخصصت بعلوم بيني وبينه منه إلى مشافهة لا يعلمها إلا الله -عز وجل- بلا واسطة، وبقوله: أنا سيد الأولياء كما كان -صلى الله عليه وسلم- سيد الأنبياء وبقوله -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به: لا يشرب ولي ولا يسقى إلا من بحرنا من نشأة العالم إلى النفخ في الصور، وبقوله -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به: إذا جمع الله تعالى خلقه في الموقف ينادي مناد بأعلى صوته حتى يسمع كل من في الموقف: يا أهل المحشر، هذا إمامكم الذي كان مددكم منه وبقوله -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به مشيراً بأصبعيه السبابة والوسطى روحي وروحه -صلى الله عليه وسلم- هكذا، روحه -صلى الله عليه وسلم- تمد الرسل والأنبياء وروحي تمد الأقطاب والعارفين والأولياء من الأزل إلى الأبد وبقوله -رضي الله عنه- وأرضاه وعنا به إن القطب المكتوم هو الواسطة بين الأنبياء والأولياء فكل ولي لله تعالى من كبر شأنه ومن صغر لا يتلقى فيضاً من حضرة نبي إلا بواسطته -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- وعنا به من حيث لا يشعر به. ومدده الخاص به إنما يتلقاه منه -صلى الله عليه وسلم- ولا اطلاع لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على فيضه الخاص به لأن له مشرباً معهم منه -صلى الله عليه وسلم-. والخامسة: حضرة أهل طريقته الخاصة بهم إلى هذه الحضرة، أشار الشيخ رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به بقوله: لو اطلع أكابر الأقطاب على ما أعد الله لأهل هذه الطريقة لبكوا وقالوا: يا ربنا، ما أعطيتنا شيئاً، وبقوله -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به: لا مطمع لأحد من الأولياء في مراتب أصحابنا حتى الأقطاب الكبار ما عدا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وبقوله -رضي الله عنه- وأرضاه وعنا به: كل الطرائق تدخل عليها طريقتنا فتبطلها، وطابعنا يركب على كل طابع لا يحمل طابعنا غيره وبقوله -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به: من ترك ورداً من أوراد الشيخ لأجل الدخول في طريقتنا هذه المحمدية التي شرفها الله تعالى على جميع الطرق آمنه الله تعالى في الدنيا والآخرة فلا يخاف من شيء يصيبه لا من الله ولا من رسوله ولا من شيخه أيّاً كان من الأحياء أو الأموات، وأما من دخل زمرتنا وتأخر عنها ودخل غيرها تحل به المصائب دنيا وأخرى ولا يفلح أبداً، قلت: وهذه لأنه قد ثبت أول هذا الفصل أن صاحبها -رضي الله عنه- وأرضاه وعنا به هو الختم الممد الذي يستمد منه من سواه من الأولياء والعارفين.... والصديقين والأغواث، ومن ترك المستمد ورجع إلى الممد فلا لوم عليه ولا خوف، بخلاف من ترك الممد ورجع إلى المستمد، وبقوله -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به: وليس لأحد من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلا أنا وحدي ووراء ذلك مما ذكر لي فيهم وضمنه -صلى الله عليه وسلم- أمر لا يحل لي ذكره ولا يرى ولا يعرف إلا في الآخرة. قلت: ووجه تقديم حضرة أهل طريقته على الحضرة التي فيها حضرات الشيوخ الذين هم أهل الطرق من سادتنا الأولياء - رضي الله عنهم - ظاهر؛ لأن أهل طريقته هم أول من يفيض عليهم ما يستمده من الحضرة المحمدية ومن حضرات سادتنا الأنبياء عليهم من الله تعالى أفضل الصلاة وأتم السلام ومن هنا صار جميع أهل طريقته أعلى مرتبة عند الله تعالى في الآخرة من أكابر الأقطاب وإن كان بعضهم في الظاهر من جملة العوام المحجوبين. والسادسة: الحضرة التي فيها حضرات سادتنا الأولياء -رضي الله تعالى- عن جميعهم وهي مستمدة من حضرة خاتمهم الأكبر جميع ما نالوا وإليها يشير قول شيخنا أحمد -رضي الله عنه وأرضاه- وعنا به كما في جواهر المعاني بقوله: فلكل شيخ من أهل الله تعالى حضرة لا يشاركه فيه أحد.
والسابعة: الحضرة التي فيها حضرات تلاميذهم. اهـ.
الموضوع الثالث: حكم الشريعة فيمن يعتقد هذه العقيدة:
إن ما تقدم في الإعداد من بدع التيجانية قليل من كثير مما ذكره علي حرازم في كتابه [جواهر المعاني وغاية الأماني] وما ذكره عمر بن سعيد الفوتي في كتابه [رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم] وهما من أوسع كتب التيجانية وأوثقها في نظر أهل هذه الطريقة. إن ما ذكر في الأعداد إنما هو نماذج لأنواع من بدع التيجانية تتجلى فيها عقائدهم وتكفي لمن عرضها على أصول الشريعة من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يحكم على كل من يعتقد هذه العقائد المبتدعة المنكرة. ونلخص فيما يلي جملة من عقائدهم التي تضمنها البحث: غلو أحمد بن محمد التجاني مؤسس الطريقة وغلو أتباعه فيه غلوّاً جاوز الحد حتى أضفى على نفسه خصائص الرسالة، بل صفات الربوبية والإلهية وتبعه في ذلك مريدوه. إيمانه بالفناء ووحدة الوجود وزعمه ذلك لنفسه، بل زعم أنه في الذروة العليا من ذلك وصدقه فيه مريدوه فآمنوا به واعتقدوه. زعمه رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- يقظة، وتلقين النبي -صلى الله عليه وسلم- إياه الطريقة التيجانية وتلقيه وردها والإذن له يقظة في تربية الخلق وتلقينهم هذا الورد واعتقاد مريديه وأتباعه ذلك. تصريحه بأن المدد يفيض من الله على النبي -صلى الله عليه وسلم- أولاً، ثم يفيض منه على الأنبياء، ثم يفيض من الأنبياء عليه، ثم منه يتفرق على جميع الخلق من آدم إلى النفخ في الصور، ويزعم أنه يفيض أحياناً من النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه مباشرة ثم يفيض منه على سائر الخليقة ويؤمن مريدوه بذلك ويعتقدونه. تهجمه على الله وعلى كل ولي لله وسوء أدبه معهم إذ يقول: قدماي على رقبة كل ولي، فلما قيل له: إن عبد القادر الجيلاني قال: فيما زعموا قدمي على رقبة كل ولي، قال: صدق ولكن في عصره أما أنا فقدماي على رقبة كل ولي من آدم إلى النفخ في الصور، فلما قيل له: أليس الله قادراً على أن يوجد بعدك وليّاً فوق ذلك؟، قال: بلى، ولكن لا يفعل، كما أنه قادر على أن يوجد نبياً بعد محمد -صلى الله عليه وسلم- ، ولكنه لا يفعل، ومريدوه يؤمنون بذلك ويدافعون عنه. دعواه كذباً أنه يعلم الغيب وما تخفي الصدور وأنه يصرف القلوب وتصديق مريديه ذلك وعده من محامده وكراماته. إلحاده في آيات الله وتحريفها عن مواضعها بما يزعمه تفسيراً إشاريّاً كما سبق في الأعداد من تفسيره قوله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا * بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾[الرحمن: 19- 20] ويعتقد مريدوه أن ذلك من الفيض الإلهي. تفضيله الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- على تلاوة القرآن بالنسبة لمن يزعم أنهم أهل المرتبة الرابعة وهي المرتبة الدنيا في نظره. زعمه هو وأتباعه أن منادياً ينادي يوم القيامة والناس في الموقف بأعلى صوته يا أهل الموقف هذا إمامكم الذي كان منه مددكم في الدنيا.. إلخ.
زعمه أن كل من كان تجانيّاً يدخل الجنة دون حساب ولا عذاب مهما فعل من الذنوب.
زعمه أن من كان على طريقته وتركها إلى غيرها من الطرق الصوفية تسوء حاله ويخشى عليه سوء العاقبة والموت على الكفر.
زعمه أنه يجب على المريد أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي المغسل لا اختيار له، بل يستسلم لشيخه فلا يقول: لم ولا كيف ولا علام ولا لأي شيء.. إلخ.
زعمه أنه أوتي اسم الله الأعظم، علمه إياه النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم هول أمره وقدر ثوابه بالآلاف المؤلفة من الحسنات، خرصاً وتخميناً ورجماً بالغيب واقتحاماً لأمر لا يعلم إلا بالتوقيف.
زعمه أن الأنبياء والمرسلين والأولياء لا يمكثون في قبورهم بعد الموت إلا زمناً محدوداً يتفاوت بتفاوت مراتبهم ودرجاتهم ثم يخرجون من قبورهم بأجسادهم كما كانوا من قبل إلا أن الناس لا يرونهم كما أنهم لا يرون الملائكة مع أنهم أحياء.
زعمه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحضر بجسده مجالس أذكارهم وأورادهم وكذا الخلفاء الراشدون.. إلخ. إلى غير ذلك مما لو عرض على أصول الإسلام اعتبر شركاً وإلحاداً في الدين وتطاولاً على الله ورسوله وتشريعه وتضليلاً للناس وتبجحاً منهم بعلمه الغيب.. إلخ. هذا ما تيسر وأما دعوى بعض الصوفية أنه يرى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقظة فشيء لا أصل له، بل هو باطل وإنما يرى -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة حين يخرج الناس من قبورهم، وقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة».
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
المصدر :
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(2/324-342)
عبد الله بن قعود ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد الرزاق عفيفي ... نائب رئيس اللجنة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس