حكم قول بعضهم : ( إن أول سورة الفاتحة في التوحيد وآخرها في التقليد )
عدد الزوار
80
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
فتوى رقم(5658)
رجل في باكستان يسمى: محمد أمين، يدعي أن سورة الفاتحة لا تتضمن إلا حكمين فقط، الحكم الأول: ينتهي بقوله تعالى: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة: 5] والثاني: بقوله: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 7]
الأول: فيه بيان التوحيد، والثاني: فيه إثبات التقليد. فهل هذا التفسير ثبت من الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو من التابعين أو من أتباعهم، وفي أي كتاب يوجد هذا التفسير؟ وإذا كان الجزء الثاني يثبت التقليد فهل كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- مقلدًا - معاذ الله من ذلك- وهل يجوز تفسير القرآن بالقياس، وما الحكم في الرجل الذي يفسر القرآن برأيه وقياسه، هل هو مسلم أو كافر؟ والرجل يصر على هذا التفسير. أرجو الإجابة في ضوء القرآن والسنة، جزاكم الله خيرًا.
الإجابة :
أولاً: سورة الفاتحة تشتمل على أحكام كثيرة، بل تشتمل إجمالاً على جميع ما في القرآن من أحكام؛ ولذلك سميت: أم القرآن، وسماها النبي- صلى الله عليه وسلم-بما سماها الله به: القرآن العظيم، وذلك فيما رواه البخاري عن أبي سعيد بن المعلى -رضي الله عنه- قال: «مر بي النبي- صلى الله عليه وسلم- وأنا أصلي فدعاني، فلم آته حتى صليت، ثم أتيت، فقال: «ما منعك أن تأتي؟» فقلت: كنت أصلي، فقال: «ألم يقل الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾[الأنفال: 24] ، ثم قال: «ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟ » ، فذهب النبي- صلى الله عليه وسلم- ليخرج من المسجد فذكرته، فقال: « وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» ، وما رواه البخاري أيضا عن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم» . لكن هذه الأحكام مع كثرتها تنقسم إلى ثلاثة أقسام كما في الحديث القدسي: الأول: حق محض لله، وهو ما اشتملت عليه الآيات الثلاث الأولى من توحيد الربوبية والأسماء والصفات، والثاني: حق محض للعبد، وهو ما تضمنته الآيات: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾[الفاتحة: 6-7]
والثالث: يتضمن حق الله وحق العبد، وهو آية ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة: 5] وكلاهما يسمى: توحيد العبادة، ودليل ذلك: ما رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: قال الله: هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: قال الله: هذه لعبدي ولعبدي ما سأل» .
وبهذا يتبين أنه مصيب في قوله: إن أول سورة الفاتحة إلى آخر آية ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] في التوحيد .
ثانيًا: دعواه أن بقية السورة في إثبات التقليد غير صحيحة، ولم يثبت ذلك عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ، ولا عن أحد من الصحابة ولا التابعين -فيما نعلم- -رضي الله عنهم- ، بل القول بدلالتها على إثبات التقليد تحريف للمراد بهذه الآيات، وقول على الله بغير علم، وإنما المراد منها تعليم العباد كيف يدعون ربهم ويطلبون منه إرشادهم إلى الطريق الحق والصراط المستقيم، وتوفيقهم لاتباعه: عقيدة، وقولا، وعملا، وأن يجنبهم طريق من غضب الله عليهم، وهم الذين عرفوا الحق وأعرضوا عنه، كاليهود، وطريق من ضل عن الحق وعميت بصائرهم فلم يتبعوه، كالنصارى. وبذلك يتبين أن الاستدلال بهذه الآيات على إثبات التقليد من باب التفسير بمحض الرأي قول على الله بغير علم وهو حرام، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[الأعراف: 33]
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
المصدر :
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(4/187)
عبد الله بن قعود ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد الرزاق عفيفي ... نائب رئيس اللجنة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس