حكم استعمال جهاز الإنعاش القلبي الرئوي للمريض الميؤوس من حياته
عدد الزوار
434
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
الفتوى رقم(8926)
كنت في العام الماضي في مستشفى الملك خالد أقضي سنة التدريب، ودخلت عندنا مريضة كبيرة السن، مصابة بسرطان منتشر في كبدها وجسمها، ومعلوم طبيا أن هذا النوع من المرضى لا يمكن علاجهم، ولا يعيشون مدة طويلة، وكنا نعطيها ما تحتاجه من مغذيات وأدوية، وبعد أيام صار عندها فشل تام في الكبد، وأصبحت مغمى عليها عدة أيام ثم ماتت، وفي هذه الحالة تحصل الوفاة بعد أن تتردى حال المريض شيئا فشيئا، وفي لحظة من اللحظات يتوقف القلب، أي: تحصل السكتة القلبية، فيموت المريض، والسكتة القلبية قد تحصل في أي مرحلة من مراحل العمر، ولها أسباب أخرى معروفة، وهناك عمل يسمى (الإنعاش القلبي الرئوي) إذا أجري للمريض في الحال فقد ينجح في إعادة تشغيل القلب والتنفس، وإنقاذ المريض من الموت بإذن الله تعالى، وفي مستشفى الملك خالد - كما يكون عادة في المستشفيات الكبيرة- يوجد فرقة تتكون من عدة أفراد مؤهلين لعمل الإنعاش القلبي الرئوي، يحمل كل منهم جهازا خاصاً يمكن بواسطته استدعاؤه في الحال عند حدوث سكتة قلبية لأي مريض، والإنعاش القلبي الرئوي يتم بإجراء تنفس صناعي بالنفخ في الرئتين، والضغط الشديد المتكرر فوق قلب المريض، قد يؤدي إلى تكسر بعض الضلوع، وإذا لم ينفع هذا يوصل بالمريض أقطاب كهربائية تحدث له صدمة كهربائية عنيفة، أو يدخل إبرة في صدره تدخل إلى جوف قلبه لحقن مادة قد تساعد على تشغيل القلب، وهذه الأعمال تتكرر حتى يشتغل القلب والتنفس أو يقرر الطبيب أن المريض قد مات، وقد يستمر ذلك لمدة نصف ساعة أو أكثر، والقضية المستفتى عنها هنا: أن النظرة السائدة عند الأطباء: أن المريض في مثل الحالة المذكورة أعلاه لو حصل له سكتة قلبية فإن تركه يموت مرتاحا أفضل من تعريضه لعنف الإنعاش القلبي الرئوي، خاصة وأن نسبة نجاحه في هذه الحالة قليلة، ثم لو نجح فإنه لا يتعدى أن يعيد حركة القلب والنفس، وسوف يتوقف مرة أخرى بعد مدة قد لا تكون سوى ساعات قليلة، ولا بد من إجراء الإنعاش القلبي الرئوي مرة أخرى، وقد يتكرر ذلك عدة مرات حتى يفشل الإنعاش القلبي الرئوي ويموت المريض.
والأطباء عادة يكتبون في ملف المريض -الذي في هذه الحالة- أن لا تستدعى فرقة الإنقاذ القلبي الرئوي عندما يحصل له سكتة قلبية، وهذا ما كتبه الأخصائي في ملف المريضة المذكورة، وعادة لا يعتبر ما يقوله الطبيب رسميا حتى يكتبه في ملف المريض، وقد اتصلت بالشيخ ابن عثيمين في ذلك الوقت، وشرحت له هذه الحالة، فقال: (بما أن ضرر الإنعاش القلبي الرئوي بالنسبة لهذا المريض أكثر من نفعه فلا يعمل)، والقضية ليست قضية مريض معين أو حالات نادرة، بل مع انتشار أمراض السرطان خاصة في كبار السن، لا يخلو مستشفى من المستشفيات الكبيرة من عدد من المرضى في مثل هذه الحال، ثم ما الحكم لو كان المريض ليس مغمى عليه، بل هو في مثل الحالة المذكورة أعلاه، ولكنه يرى ويسمع ويدرك، وقد يأكل ويتكلم بصعوبة.
وهذه قضية قائمة الآن: مريض عمره 60 سنة، كان مصابا بضغط الدم والشلل النصفي، وسبق أن استؤصلت كليته اليسرى، وقبل حوالي 6 أشهر أدخل عندنا في المستشفى بسبب وجود حوصلة طفيلية منفجرة في رئته، وحيث إن هذه قد تؤدي إلى الوفاة قرر الأطباء إجراء عملية جراحية لاستئصال هذه الحوصلة، وأثناء العملية حصل له سكتة قلبية، فعمل له الإنعاش القلبي الرئوي، ونجح بإذن الله حيث عاد القلب والنفس إلى عملهما الطبيعي، ولكن المريض لم يصح بعد العملية وبقي مغمى عليه إلى الآن، فهو لا يسمع ولا يدرك، وهو يتنفس وقلبه يعمل بشكل طبيعي، وقد قرر أخصائي المخ أنه بسبب السكتة القلبية المذكورة حصل للمريض تلف وموت في خلايا المخ التي تقوم بالوعي والإحساس عند الإنسان، وهو الجزء الأعلى من المخ، أما الجزء الأسفل من المخ والذي يحتوي على مراكز التنفس والقلب فلا يزال حيا، ويعمل بشكل طبيعي عند هذا المريض، والمريض الآن تحت العناية الطبية، ويعمل له تحاليل مستمرة ويعطى ما يحتاج من مغذيات وأدوية، وهذا المريض يمكن أن يبقى على هذه الحالة مدة طويلة، ولكنه معرض أكثر من غيره للالتهابات الخطرة والجلطة الدموية وغيرها من الأسباب التي تؤدي إلى السكتة القلبية ثم الوفاة بإذن الله، وقد أوعز الأطباء إلى الممرضات أن لا تستدعى له فرقة الإنعاش الرئوي لو حصل له سكتة قلبية.
وقبل عدة أيام أصيب بفشل حاد في كليته الوحيدة، وعملنا له ما يلزم عمله من تنظيم السوائل التي تعطى له والأدوية التي يحتاجها، والكلى وظيفتها ترشيح الدم واستخلاص المواد السامة منه وإفرازها بولا؟ ولهذا فإنه إذا استعصى فشل الكلية فلا بد من عمل غسيل للدم، وذلك بواسطة جهاز يوصل فيه شريان ووريد من أحد أطراف المريض، ويعمل عوضا عن الكلية، وقد كتب الأخصائيون في ملف المريض: إنهم لا يرون إجراء ذلك له إن احتاج إليه، وهذا يعني: تركه يتعرض لما يعلم طبيا أنه يؤدي إلى الوفاة، لكن المريض قد عادت كليته للعمل الطبيعي ولله الحمد، ولم يحتج لغسيل الدم، ولكنه معرض لأن تحصل له المشكلة نفسها مرة أخرى، وقد يحتاج إلى غسيل الدم، وربما لا يعارض الأطباء عمل غسيل الدم له في حالة فشل الكلية الحاد- أي: الذي يكون وقتيا وشفي منه المريض- ولكن فشل الكلية قد يتطور إلى فشل مزمن، أي: يصبح المريض غير مستغن عن غسيل الدم طالما عاش، وغسيل الدم قد يستغرق بضع ساعات، ويلزم عمله عادة مرتين أو ثلاثا أو أكثر في كل أسبوع، ويحتاج إلى أجهزة وجهود طبية قد يرى الأطباء أنه لا ينبغي بذلها مع هذا المريض المغمى عليه، والذي يعيش- كما يقولون- عبئا على غيره، ويعلم طبيا أن حالته لن تتحسن عما هو منه.
وبوجه عام، قد يسألنا الأطباء الذين نعمل معهم عن حكم ديننا في هذه الأمور، فلا يجدون عندنا جوابا، وهذا يبين ضرورة فهم علمائنا حفظهم الله لمثل هذه المسائل الطبية، وضرورة فهمنا معشر الأطباء المسلمين لحكم ديننا فيها.
السؤال في بعض الحالات يعاني المريض من آلام شديدة لا تنفع معها الأدوية التي تعطى عادة لتخفيف الألم، مثل (الباندول، أو الإسبرين) فيضطر الطبيب إلى إعطاء دواء (المورفين) الذي يؤثر على المخ فيقلل من حساسيته، فلا يشعر المريض بالألم، وهو دواء منوم ويسبب اضطرابا في مزاج المريض، كما أن المريض يصاب بإدمان إذا أعطي جرعات كثيرة منه حتى أن بعض المرضى يبدأ بالتظاهر بالألم ويتشكي للطبيب لكي يحصل على جرعات من هذا الدواء.
ودواء آخر يسمى (البثدين) يشبه المورفين في تأثيره على المخ، ولكنه أقل منه قوة، ولا يكفي في تخفيف الألم عن المريض. وهذان الدواءان يستعملان كثيرا في حالة الجلطة القلبية للمرضى، قبل إجراء العمليات وبعدها لتهدئة نفسية المريض، وتخفيف ألمه، فهل هذه الأدوية تعتبر من المسكرات المحرمة شرعا، وما حكم استعمالها عند الضرورة أو عند الحاجة؟
ذكرت في السؤال السابق أنه في بعض الحالات يعاني المريض من آلام شديدة، ويحتاج إلى العلاج بالمورفين أو البثدين لتخفيف الآلام، وبعض حالات سرطان الرئة المنتشر يكون التنفس عند المريض ضعيف جدا، ومعلوم أن النفس يعمل تبعا لمركز في المخ، يسمى مركز النفس، والأدوية المذكورة لها تأثر خاص على هذا المركز، حيث تقوم بتثبيطه، فالطبيب إن أعطى كمية قليلة من هذا العلاج بحيث لا يؤدي إلى تثبيط مركز التنفس فقد لا يكف لتخفيف الألم، فإن زاد الكمية، فإن احتمال توقف نفس المريض يزداد؛ لأن نفسه ضعيف وعلى وشك أن يتوقف بسبب مرضه الأصلي، والمريض يتعذب بما يعاني من آلام قاسية، وحسب خبرة الأطباء بأن هؤلاء المرضى عادة يموتون - بإذن الله - بعد مدة قد لا تتعدى بضعة أسابيع، والأطباء يختلفون، فبعضهم يعطي المريض المورفين ويقول: كون المريض يموت مرتاحا ولو كان هذا الدواء هو السبب في وفاته إلى حد ما؟ أفضل من كونه يتعذب بآلامه ثم يموت بعد ذلك. وبعضهم يمنع ذلك، فما هو الأولى من الناحية الشرعية؟ وفي الختام ألخص المسائل المطلوب معرفة حكمها بما يلي: 1 - ما حكم عمل الإنعاش القلبي الرئوي عند حدوث سكتة قلبية في مثل حالة المريض المذكور في السؤال الأول والثاني؟
2 - ما حكم عدم غسيل دم للمريض المذكور في السؤال الثاني في حالة احتياجه إليه عند حدوث فشل حاد أو مزمن في كليته؟
3 - ما حكم استعمال (البثدين) أو (المورفين) وهي أدوية ذات تأثير مسكر عند الضرورة أو عند الحاجة، كما ذكر في السؤال الثالث؟
4 - ما حكم استعمال الأدوية المذكورة في مثل الحالة المذكورة في السؤال الرابع؟
هذا وإننا لنقع في حرج حينما يقرر الأخصائيون أمرا للمريض، نخشى أن يكون محرما شرعيا، وليس بأيدينا منعهم، وليس عندنا حكم شرعي نقنعهم به، والحمد لله الذي هيا لنا من علمائنا من يعلموننا أمور ديننا ويبلغوننا حكم الله فيها، وجزاكم الله عنا خيرا، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الإجابة :
أولاً: في الحالة الأولى: تستدعى فرقة الإنعاش لإنقاذ المريض باستعمال جهاز الإنعاش القلبي الرئوي إذا رجي طبيا شفاؤه باستعماله من السكتة القلبية. أما إذا كانت السكتة تزول عند استعمال جهاز الإنعاش، وتعود عند رفعه فلا يستعمل؛ لأنه تبين أن المريض قد مات.
ثانياً: في الحالة الثانية: يجرى له ما تقدم في الحالة الأولى، بالإضافة إلى ما استدعته حالة المريض في الحالة الثانية من استعمال الغسيل له إذا كان عمله مما ينقذه في نظر الطب، والأخذ بالأسباب في سنة الله الكونية.
ثالثاً: إذا لم يعرف مواد أخرى مباحة تستعمل لتخفيف الألم عند المريض سوى هاتين المادتين جاز استعمال كل منهما لتخفيف الألم عند الضرورة، وهذا ما لم يترتب على استعمالهما ضرر أشد أو مساو كإدمان استعمالهما.
رابعاً: لا يجوز إعطاؤه ذلك رغبة في راحته لتعجيل وفاته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر :
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(25/70)
عبد الله بن قعود ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد الرزاق عفيفي ... نائب الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس