حكم الوضوء بالماء الذي استعماله الكافر
عدد الزوار
122
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
تقول في رسالتها أنا معلمة في منطقة بعيدة عن سكن الأهل تستوجب وظيفتي أن أسكن في سكن المعلمات الذي خصصته الحكومة لنا وكان من ضمن المعلمات اللواتي معي في نفس الغرفة معلمة غير مسلمة وهي تشاركني في الأكل والشرب وكذلك في ماء الغسيل؛ لأننا نجلب الماء من الشاطئ ونخزنه فأنا أضطر في صلاة المغرب أن أتوضأ من هذا الماء لأنني أخاف الخروج ليلاً إلى النهر وخاصة أن المنطقة ريفية وموحشة ليلاً وبقيت على هذه الحال أربع سنوات فهل صلاتي صحيحة وأيضاً هل معاشرتي لها صحيحة أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم؟
الإجابة :
هذا السؤال تضمن سؤالين:
السؤال الأول: عن حكم استعمال الماء المخزن بينكما أي بين المرأة السائلة وبين من كانت معها وهي غير مسلمة، فهذا الماء المخزن طاهر مطهر وذلك؛ لأن بدن الكافر ليس بنجس نجاسة حسية بل نجاسة الكافر نجاسة معنوية؛ لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾[التوبة: 28] ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة: «إن المسلم لا ينجس»، وعلى هذا فيجوز للإنسان أن يتوضأ بالماء الذي خزنه غير المسلم، وكذلك يجوز أن يلبس الثياب التي غسلها غير المسلم وأن يأكل الطعام الذي طبخه غير المسلم، وأما ما ذبحه غير المسلمين فإن كان الذابح من اليهود والنصارى فذبيحته حلال؛ لقول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾[المائدة: 5]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «طعامهم ذبائحهم» ولأنه ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنه أكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية»: «وأجاب يهودياً على إهالة سنخة وخبز شعير» وأقر عبد الله بن مغفل على: «أخذ الجِراب من الشحم الذي رُمي به في فتح خيبر» فثبت بالسنة الفعلية والسنة الإقرارية أن ذبائح أهل الكتاب حلال ولا ينبغي أن نسأل كيف ذبحوا ولا هل ذكروا اسم عليه أم لا، فقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة -رضي الله عنهما-: «أن قوماً قالوا: يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: سموا أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر» يعني أنهم جديدو الإسلام، ومثل هؤلاء قد تخفى عليهم الأحكام الفرعية الدقيقة التي لا يعلمها إلا من عاش بين المسلمين ومع هذا أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء السائلين إلى أن يعتنوا بفعلهم هم بأنفسهم فقال: «سموا أنتم وكلوا» أي سموا على الأكل وكلوا .
وأما ما فعله غيركم ممن تصرفه صحيح، فإنه يحمل على الصحة ولا ينبغي السؤال عنه لأن ذلك من التعمق والتنطع ولو ذهبنا نلزم أنفسنا بالسؤال عن مثل ذلك لأتعبنا أنفسنا إتعاباً كثيراً لاحتمال أن يكون كل طعام قدم إلينا غير مباح فإن من دعاك إلى طعام وقدمه إليك، فإنه من الجائز أن يكون هذا الطعام مغصوباً أو مسروقاً ومن الجائز أن يكون ثمنه حراماً ومن الجائز أن يكون اللحم الذي ذبح فيه لم يسمَّ الله عليه وما أشبه ذلك فمن رحمة الله تعالى بعباده أن الفعل إذا كان قد صدر من أهله، فإن الظاهر أنه فُعِلَ على وجهٍ تبرأ به الذمة ولا يلحق الإنسان فيه حرج.
وأما ما تضمنه السؤال الثاني: وهو معاشرة هذه المرأة الكافرة، فإن مخالطة الكافرين إن كان يرجى منها إسلامهم بعرض الإسلام عليهم وبيان مزاياه وفضائله فلا حرج على الإنسان أن يخالط هؤلاء ليدعوهم إلى الإسلام ببيان مزاياه وفضائله وبيان مضار الشرك وآثامه وعقوباته وإن كان الإنسان لا يرجو من هؤلاء الكفار أن يسلموا فإنه لا يعاشرهم لما تقتضيه معاشرتهم من الوقوع في الإثم فإن المعاشرة تذهب الغيرة والإحساس وربما تجلب المودة والمحبة لأولئك الكافرين وقد قال الله -عز وجل-: ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾[المجادلة: 22] ومودة أعداء الله ومحبتهم وموالاتهم مخالفة لما يجب على المسلم فإن الله -سبحانه وتعالى- قد نهى عن ذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[المائدة: 51] وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ﴾[الممتحنة: 1] ولا ريب أن كل كافر فهو عدو لله وعدو للمؤمنين قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾[البقرة: 98] فكل كافر هو عدو لله ولا يليق بمؤمن أن يعاشر أعداء الله -عز وجل- وأن يوادهم ويحبهم لما في ذلك من الخطر العظيم على دينه وعلى منهجه نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والعصمة مما يغضبه.
المصدر :
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب