حكم تناول حبوب منع الحمل
عدد الزوار
92
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
السؤال الثامن الفتوى رقم(443)
ما حكم الزوجين المسلمين في شرب الأدوية والحبوب لمنع الحمل، بحيث كثرة العيال يؤدي إلى مكافحة ومشقات عظيمة والهوان، سواء في الإنسانية والدينية في بعض دول أوربا وما ساواها في أمورها الحيوية؟
الإجابة :
يختلف حكم استعمال الأدوية والحبوب لمنع الحمل باختلاف الغرض منه، وباختلاف طبيعة الحبوب ومدى تأثيرها على الزوجة، وموقف الرجل في ذلك والوقت الذي تستعمل فيه هذه الحبوب. فأما بالنسبة للغرض، فقد يكون المقصود هو البقاء على نضارة المرأة، وهذا فيه معارضة لحكمة الله -جل وعلا- ، فإنه -تبارك وتعالى- شرع النكاح، وحث عليه، ومن المقاصد الشرعية من مشروعية النكاح: حصول الأولاد. فعن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال، إلا أنها لا تلد، أفأتزوجها؟ فنهاه، ثم أتاه الثانية فقال له مثل ذلك، ثم أتاه الثالثة فقال له: " تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم» رواه أبو داود والنسائي والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
فهذه المرأة التي تستعمل الحبوب والأدوية من أجل البقاء على نضارة جسمها هي بمنزلة المرأة العقيم، وقد نهى - صلى الله عليه وسلم- عن نكاحها؛ لأنها لا تلد، فهذه المرأة منهية بعموم هذا الحديث عن تعاطي الموانع التي تمنع الحمل، وإذا كان الغرض من استعمال الحبوب والأدوية منع الحمل في حالة تكون المرأة واقعة فيها وهي وجود إجهاد بدني، كالمرأة التي تلد كل سنة ويكون جسمها نحيفا فلا تتحمل متاعب الحمل والولادة، بحيث لو استمرت غلب على ظنها وقوع ضرر عظيم عليها، وترى استعمال الحبوب والأدوية لمنع الحمل وقتا محدودا بقدر ما يدفع الضرر- فيجوز ذلك، بشرط أن لا يترتب على استعماله ضرر يماثل الضرر الذي يراد فعله. ذلك أن استعمال بعض حبوب منع الحمل ينشأ عنها أحيانا اضطراب في العادة الشهرية، وتليف الرحم، وحصول ضغط في الدم، وخفقان في القلب، وغر ذلك من الآثار السيئة التي يعرفها الأطباء، ويدل لجواز الاستعمال في هذه الحالة عموم أدلة الشريعة الدالة على اليسر والسهولة ودفع المشقة، قال تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾[المائدة: 6] وقال - صلى الله عليه وسلم- : «لا ضرر ولا ضرار» وقد أخذ العلماء من هذه الآية وما جاء في معناها من القرآن، وكذلك ما جاء في معنى الحديث من السنة قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) وأما اختلاف الحكم باختلاف طبيعة الحبوب والأدوية فبيانه أن يقال: هذه الأدوية والحبوب التي يراد استعمالها لمنع الحمل إن كانت خالية من المؤثرات السيئة المماثلة للضرر المراد دفعه، فيجوز استعمالها كما سبق بيانه، وإن اشتملت على ضرر يماثل الضرر المراد دفعه لم يجز؛ لأن الضرر لا يدفع بالضرر، والمرجع في تقدير ما تشتمل عليه من أضرار إلى أهل المعرفة في ذلك، وذلك بتحليل هذه الحبوب والأدوية وتشخيص ما تشتمل عليه من أضرار ومدى تأثيرها. وأما اختلاف الحكم باختلاف حال الزوج من جهة الإذن أو عدمه، فقد يأذن وقد يمنع، وقد لا يعلم عن استعمال المرأة للحبوب والأدوية المانعة للحمل، فاستئذان الزوجة لزوجها مطلوب شرعا، وذلك في حالة ما إذا دعا لاستعمالها مسوغ شرعي، كما سبق، وعليه أن يأذن، وأما إذا لم يكن فيه مسوغ شرعي فليس لها أن تستعمل الحبوب أصلا، فضلا عن أنها تستأذن من زوجها، ولو استأذنته فليس له أن يأذن لها، وأما الوقت الذي تستعمل فيه المرأة هذه الحبوب أو الأدوية فإنه يختلف، وبناء على اختلافه فإنه يختلف الحكم، ذلك أن المرأة قد تستعملها قبل المواقعة مع الفم أو مع غيره، وقد تستعملها بعد الوقاع، وذلك في وقت وجود النطفة أو العلقة أو المضغة أو بعد نفخ الروح فيها، فأما بعد نفخ الروح فلا يجوز مطلقا؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾[التكوير: 8-9] والموءودة هي: التي تدفن وهي حية، وقد كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية، ذكر ذلك الطبري والقرطبي وغيرهما، فإذا كانت المضغة قد نفخت فيها الروح ثم ألقيت ميتة بسبب استعمال الحبوب وأدوية منع الحمل- كان ذلك وأدا لها، فستدخل في عموم الآية. وأما قبل نفخ الروح فعلى التفصيل الذي سبق عنه الكلام على اختلاف الحكم باختلاف الغرض، وأما كون المرأة تستعمل الحبوب لئلا يكثر أولادها فهذا لا ينبغي الالتفات إليه؛ لأنه ما من نفس تخرج إلى هذه الحياة إلا وقد كتب الله رزقها وأجلها وعملها، وعلى الإنسان أن يحسن ظنه بالله، والله تعالى عند ظن عبده به. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر :
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(19/292- 296)
عبد الله بن سليمان بن منيع ... عضو
عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان ... عضو
عبد الرزاق عفيفي ... نائب الرئيس