الذكر المقيد أفضل من تلاوة القرآن، وهل صح حديث: (يا رسول الله، كم أجعل لك من صلاتي)؟
عدد الزوار
121
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخت: ن. ع. م. س زادها الله من العلم والإيمان وبارك لها في الوقت والعمل آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني كتابك الكريم وصلك الله بحبل الهدى والتوفيق، وجميع ما تضمنه من الأسئلة كان معلوما.. وهذا جوابها:
الإجابة :
وأما الأوراد الشرعية من الأذكار والدعوات الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالأفضل أن يؤتى بها في طرفي النهار بعد صلاة الفجر وصلاة العصر، وذلك أفضل من قراءة القرآن؛ لأنها عبادة مؤقتة تفوت بفوات وقتها، أما قراءة القرآن فوقتها واسع، ومن اشتغل بقراءة القرآن في طرفي النهار وترك الورد فلا بأس؛ لأنها كلها نافلة، والأمر في ذلك واسع، ولا حرج على الحائض والنفساء في أصح قولي العلماء في قراءة القرآن عن ظهر قلب، سواء كان في الورد أو غيره، أما الجنب فلا يقرأ شيئا من القرآن حتى يغتسل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كان لا يحجزه شيء عن القرآن إلا الجنابة»، أما مس المصحف فلا يجوز للحائض والنفساء والجنب، ولا يجوز أيضا للمحدث حدثا أصغر كالريح والنوم حتى يتوضأ الوضوء الشرعي؛ لأحاديث وردت في ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما تثويب الورد للغير فالأفضل تركه؛ لعدم الدليل عليه، وهكذا تثويب قراءة القرآن للغير الأفضل تركه، كما تقدم بيان ذلك؛ لأنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة -رضي الله عنهم- -فيما نعلم- ما يدل على تثويب القرآن أو الأذكار للغير، أما الدعاء والصدقات فأمرهما واسع، كما تقدم أيضا الكلام في ذلك.
أما حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه- لذي فيه أنه قال: يا رسول الله، كم أجعل لك من صلاتي؟ إلى آخره، فهو حديث في إسناده ضعف، وعلى فرض صحته فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم أن المراد بذلك: الدعاء؛ لأن الدعاء يسمى: صلاة، قالوا: كان أبي قد خصص وقتا للدعاء، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: كم يجعل له من ذلك؟... إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها، المعنى: أجعل دعائي كله صلاة عليك، يعني: في ذلك الوقت الذي خصصه للدعاء، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وما دام الحديث ليس صحيح الإسناد فينبغي أن لا يتكلف في تفسيره، ويكفينا أن نعلم أن الله سبحانه شرع لنا الصلاة والسلام على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما قال -عزّ وجلّ-: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الأحزاب: 56].
وجاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- دالة على مشروعية الإكثار من الصلاة والسلام عليه -عليه الصلاة والسلام-: «وأن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرا» ، فهذا كله يكفي في بيان شرعية الإكثار من الصلاة والسلام عليه في سائر الأوقات من الليل والنهار خصوصا أمام الدعاء، وبعد الأذان، وفي آخر الصلاة قبل السلام، وكلما مر ذكره -صلى الله عليه وسلم-.
وأما حديث: «من صلى علي يوم الجمعة مائة مرة جاء يوم القيامة ومعه نور لو قسم بين الخلق كلهم لوسعهم»، فلا نعلم له أصلاً، بل هو من كذب الكذابين.
وأما كيفية الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: فقد جاء في الأحاديث الصحيحة عنه -صلى الله عليه وسلم- بيانها، وأقل ذلك أن يقول: اللهم صل وسلم على رسول الله، أو: اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، أو: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه، أو: صلى الله عليك يا رسول الله، ونحو ذلك، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن كيفية الصلاة عليه، قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد»، وفي لفظ آخر قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» ، وفي لفظ عنه أنه قال لهم لما أخبرهم بكيفية الصلاة، قال: «والسلام كما علمتم» يشير بذلك إلى ما علمهم إياه في التحيات، وهو قوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وفي لفظ آخر عنه -صلى الله عليه وسلم-: أنه قال لهم: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد».
وهذه الكيفيات المذكورة هي أصح ما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- في كيفية الصلاة عليه، وهي كافية عما أحدثه الناس من أنواع الصلاة والسلام عليه -عليه الصلاة والسلام- وهي أفضل مما أحدثوا.
وأما حديث: «من صلى علي في يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة؛ سبعون منها لآخرته وثلاثون منها لدنياه»، فلا نعلم له أصلاً، بل هو من كذب الكذابين.
وأسأل الله أن يمنحنا وإياك وسائر المسلمين الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يتوفانا جميعا على الإسلام، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر :
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(26/100- 104)