السؤال :
سئل فضيلة الشيخ: عن حكم استعمال (لو)؟
الإجابة :
استعمال ( لو) فيه تفصيل على الوجوه التالية:
الوجه الأول: أن يكون المراد بها مجرد الخبر؛ فهذه لا بأس بها, مثل أن يقول الإنسان لشخص: لو زرتني لأكرمتك، أو لو علمت بك لجئت إليك.
الوجه الثاني: أن يقصد بها التمني؛ فهذه على حسب ما تمناه؛ إن تمنى بها خيراً فهو مأجور بنيته، وإن تمنى بها سوى ذلك فهو بحسبه؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرجل الذي له مال ينفقه في سبيل الله وفي وجوه الخير, ورجل آخر ليس عنده مال، قال: لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هما في الأجر سواء», والثاني: رجل ذو مال لكنه ينفقه في غير وجوه الخير؛ فقال رجل آخر: لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هما في الوزر سواء».
فهي إذا جاءت للتمني تكون بحسب ما تمناه العبد؛ إن تمنى خيراً فهي خير، وإن تمنى سوى ذلك فله ما تمنى.
الوجه الثالث: أن يراد بها التحسر على ما مضى, فهذه منهي عنها؛ لأنها لا تفيد شيئًا, وإنما تفتح الأحزان والندم, وفي هذه يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف, وفي كل خير, احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا, فإن لو تفتح عمل الشيطان».
وحقيقة أنه لا فائدة منها في هذا المقام؛ لأن الإنسان عمل ما هو مأمور به من السعي لما ينفعه, ولكن القضاء والقدر كان بخلاف ما يريد؛ فكلمة (لو) في هذا المقام إنما تفتح باب الندم والحزن؛ ولهذا نهى عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الإسلام لا يريد من الإنسان أن يكون محزوناً ومهمومًا؛ بل يريد منه أن يكون منشرح الصدر, وأن يكون مسرورًا طليق الوجه، ونبه الله المؤمنين النقطة بقوله: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾[المجادلة: 10].
وكذلك في الأحلام المكروهة التي يراها النائم في منامه فإن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أرشد المرء إلى أن يتفل عن يساره ثلاث مرات، وأن يستعيذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وأن ينقلب إلى الجنب الآخر، وألَّا يحدث بها أحداً؛ لأجل أن ينساها ولا تطرأ على باله, قال: «فإن ذلك لا يضره».
والمهم أن الشرع يحب من المرء أن يكون دائمًا في سرور، ودائمًا في فرح؛ ليكون متقبلاً لما يأتيه من أوامر الشرع؛ لأن الرجل إذا كان في ندم وهم وفي غم وحزن لا شك أنه يضيق ذرعًا بما يلقى عليه من أمور الشرع وغيرها؛ ولهذا يقول الله - تعالى - لرسوله دائماً: ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾[ النحل: 127], ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[الشعراء 3].
وهذه النقطة بالذات تجد بعض الغيورين على دينهم إذا رأوا من الناس ما يكرهون تجدهم يؤثر ذلك عليهم، حتى على عبادتهم الخاصة, ولكن الذي ينبغي أن يتلقوا ذلك بحزم وقوة ونشاط, فيقوموا بما أوجب الله عليهم من الدعوة إلى الله على بصيرة، ثم إنه لا يضرّهم من خالفهم.