السؤال :
يقول السائل: كنا عند أحد الكبار في بلدتنا, ودخل علينا شخص جليل وسلم على هذا الكبير, وقال له بالحرف الواحد: (لقد حجيت إليك حجة الأشواق، لا ما يوجب الإسلام)؛ فكان في نفسي من هذا القول؛ فاعترضت عليه أثناء المجلس وقلت له: لا يجوز, إنما الحج للبيت العتيق في مكة المكرمة. فرد علينا بمحاضرة طويلة قال فيها: إن الحج هو القصد, وأنا قد قصدت أبا فلان, والحجاج إنما يحجون إلى البيت؛ لأنهم يشتاقون إليه, وأنا اليوم اشتقت إلى هذا الشخص فحجيت إليه, وقد أفهمني هذا الرجل بمقدرته البارعة, وقرب بديهته, وقوة لهجته، فأنا اليوم أضع هذه القضية بين أيديكم؛ إن كنت مُخطِئاً استغفرتُ الله, وإن كنت مصيبًا شكرته, ولعلّ هذا الشخص يسمع ما تقولون .
الإجابة :
لا شك أن للحجِّ معنيين: معنى لُغَوياً, ومعنى شرعيًا.
أما المعنى اللُّغوي: فهو ما أشار إليه هذا الرجل الذي ردَّ اعتراض السائل عليه, وهو: القصد, فكل من قصد شيئًا وسعى إليه فقد حجَّ إليه.
أما المعنى الشرعي: فهو قصد البيت الحرام, أو قصد مكة لأداء المناسك.
وبعد انتقال المعنى اللغويِّ إلى المعنى الشرعي؛ فلا ينبغي استعماله إلا في معناه الأصلي، فإن أهل العلم قالوا: إن الحقائق ثلاثة: شرعيةٌ، ولغويةٌ، وعُرْفيةٌ، وأن الشرعية مقدمة على اللغوية والعرفية.
وعلى هذا: فالمسلمون الآن يعتبرون الحجَّ في لغتهم: هو قصد مكة لأداء المناسك؛ فإنكار هذا السائل على القائل لهذا الشيخ: أنا حججتُ إليك وما أشبه ذلك؛ هو في مَحِلِّهِ, ودفاع الرَّجل عن نفسه أن الحج في اللغة: القصد, هو شُبْهَة لا حجة؛ وذلك لأن الحجَّ نُقِلَ معناه شرعًا إلى حجِّ بيت الله الحرام، فعندما يُطلِقُ المسلمون كلمة: الحج الآن لا تنصرف إلا إلى حج البيت لأداء المناسك فقط.
ثم إن قوله لهذا الشيخ: حججت إليك؛ لا شك أن فيه غُلُوًّا؛ إما لفظياً وإما معنوياً, ويخشى أن يفتح باب الغُلُوِّ في المشايخ, ومن يُسمَّى بالأولياء؛ كما فسّر أهل التخييل والمنغمسون في الصوفية: الحجَّ الموجود في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم – أنه: قصد مشايخهم وأوليائهم.
فعلى كل حال: نحن نرى أنه لا ينبغي للمسلم أن يطلق الحج على القصد إلى شخص؛ لأن الحجَّ معروفٌ شرعًا أنه: قصد البيت لأداء المناسك.
فضيلة الشيخ: وقوله: (حجيت إليك حجة الأشواق لا ما يوجب الإسلام)؛ فكلمة لا ما يوجب الإسلام يظن منها السامع أن حجته لصاحبه أفخم أو أعظم من حجة الإسلام؟
نعم، ربما يفيد ذلك, وربما أراد: الحج الذي أردته ليس الحج الشرعي، وإنما الحج بالمعنى اللغوي العام. على كل حال: لا ينبغي هذا الكلام.