حكم صلاة المنفرد خلف الصف
عدد الزوار
117
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
سئل فضيلة الشيخ: عن رجل دخل المسجد فوجد أن الإمام دخل في صلاته ووجد الصف قد اكتمل وامتلأ، فهل للرجل أن يقف خلف الصف لوحده، أو يجذب رجلاً من الصف الأمامي، أو يقف عن يمين الإمام، أو يترك تلك الجماعة في هذا المسجد ؟ أفيدونا مأجورين.
الإجابة :
الكلام على هذه المسألة في مقامين:
المقام الأول: هل تصح صلاة المنفرد خلف الصف أو لا.
والمقام الثاني: إذا قلنا لا تصح فوجد الصف تاما فماذا يصنع ؟
فأما المقام الأول: فقد اختلف العلماء –رحمهم الله– فيه فقال بعضهم: تصح صلاة المنفرد خلف الصف لعذر ولغير عذر، لكن صرح بعضهم بكراهة ذلك لغير عذر، وهذا هو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، واستدلوا بصحة صلاة المرأة خلف الصف حيث قالوا: إن الرجال والنساء سواء في الأحكام الشرعية. وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أبا بكرة حين ركع قبل أن يدخل الصف أن يعيد الصلاة. وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدار ابن عباس من ورائه في أثناء الصلاة. فإذا جاز أن يكون الانفراد في جزء من الصلاة جاز أن يكون في جميعا، إذ لو كان مبطلاً للصلاة لم يكن بين قليله وكثيره فرق كالوقوف قدام الإمام.
وأجابوا عن الأحاديث النافية لصلاة المنفرد خلف الصف بأن المراد بها نفي الكمال فهي كقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا صلاة بحضرة طعام» ونحوه.
وقال بعض العلماء: إن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح وهذا مذهب الإمام أحمد المشهور عند أصحابه وهو من مفرداته.
وعنه رواية ثانية تصح وفاقاً للأئمة الثلاثة.
أما الأثر: فما رواه الإمام أحمد عن علي بن شيبان –- رضي الله عنه -– أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يصلي خلف الصف فلما انصرف، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : «استقبل صلاتك، فإنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف»، وهو حديث حسن له شواهد تقتضي صحته.
وأما النظر: فإن الجماعة هي الاجتماع، ويكون بالمكان والأفعال، فالأفعال اجتماع المأمومين على متابعة إمامهم، والمكان اجتماعهم في صفوفهم، وإذا قلنا بجواز انفراد بعضهم عن بعض فمتى تكون الهيئة الاجتماعية كل واحد في صف منفرداً عن بقية الجماعة. وأجاب من الرجال قد دلت السنة على أنه من خصائصها كما في حديث أنس قال «فقمت أنا اليتيم وراءه – يعني وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - والعجوز من ورائنا»، ولأنها ليست أهلاً لأن تكون إلى جانب الرجال. وأما الحديث أبي بكرة فإنه لم ينفرد إلا جزءاً يسيراً وقد قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لا تعد».
وأما حديث ابن عباس فإنه لم يقف خلف الصف بل كان ماراً غير مستقر.
وأما قولهم: إن المراد بنفي الصلاة نفي الكمال، فدعوى مردودة؛ لأن الأصل في النفي نفي الوجود، فإن لم يمكن فنفي الصحة، فإن لم يمكن فنفي الكمال. وحديث «لا صلاة لمنفرد» يمكن أن يعود النفي فيه إلى صحة، فيجب أن يحمل عليه.
وأما تنظيرهم بحديث: «لا صلاة بحضرة طعام» فلا يصح لوجهين:
أحدهما: أن العلة في هذا هو انشغال القلب بحضور الطعام، وانشغال القلب لا يوجب بطلان الصلاة كما في حديث الوسوسة أن الشيطان يأتي إلى المصلي اذكر كذا، اذكر كذا؛ لما لم يكن يذكر؛ فيظل لا يدري كم صلى.
الوجه الثاني: أن حديث: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» قد صرح أن المراد به نفي الصحة حيث أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستقبل صلاته وعلل ذلك بأنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف، وفي حديث وابصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد صلاته.
وبهذا تبين أن القول الراجح وجوب المصافة، وأن من صلى وحده خلف الصف فصلاته باطلة، وعليه أن يعيدها؛ لتركه واجب المصافة، ولكن هذا الواجب كغيره من الواجبات يسقط بفوات محله، أو بالعجز عنه عجزاً شرعياً، أو عجزا حسياً لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم﴾[التغابن: 16].
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم». فيجب أن يكون في الصف حيث وجد مكاناً فيه، فإن لم يجد مكاناً سقط عنه هذا الواجب، وكذلك إن لم يكن له مكان شرعاً فإنه يسقط عنه الواجب.
مثال الأول: إذا وجد الصف تاماً فله أن يصلي وحده؛ لأنه لا واجب مع العجز.
ومثال الثاني: إذا كانت امرأة مع رجال فإنها تصلي وحدها خلف الصف كما ثبتت به السنة، وهذا الذي جاءت به السنة يمكن أن يكون أصلاً يقاس عليه صلاة الرجل وحده خلف الصف إذا لم يجد مكاناً فيه؛ لأن التعذر الحسي كالتعذر الشرعي.
ويوضح ذلك: أن الرجل إذا جاء ووجد الصف تاماً فأما أن يتقدم ويقف بجنب الإمام، أو يجذب واحداً من الصف ليقف معه، أو يصلي وحده منفرداً عن الجماعة أو يصلي مع الجماعة، خلف الصف.
فأما تقدمه إلى جنب الإمام ففيه:
1- مخالفة السنة بإفراد الإمام وحده ليتميز عن المأمومين بتقدمه عليهم مكاناً وأفعالاً، ولا يرد على هذا وقوف النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جانب أبي بكر، لأن الذي جاء ووقف هو الإمام وقف إلى جانب نائبه، وأيضاً فإن أبا بكر لا يمكنه الرجوع إلى الصف، وأيضاً فإن من مصلحة الجماعة أن يكون إلى جنب النبي ليبلغهم تكبيره.
2- وفي المأموم الذي وجد الصف تاماً إلى جنب الإمام إيذاء للجماعة الذين سيتخطاهم ليصل إلى الإمام.
3- وفيه تفويت للمصافة لمن جاء بعده، فإنه لو قام وحده وجاء آخر صار صفاً.
وأما جذبه واحداً من المأمومين ليقف معه ففيه ثلاثة محاذير:
أحدهما: فتح فرجة في الصف، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بالمراصة ونهى أن ندع فرجات للشيطان.
الثاني: أنه ظلم للمجذوب بنقله من المكان الفاضل إلى المكان المفضول.
الثالث: أنه يشوش عليه صلاته، وربما ينازعه ويشاتمه إذا فرغ منها، ولا يرد على هذا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لمن رآه يصلي وحده خلف الصف: «ألا دخلت معهم أو اجتررت أحداً» فإنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة.
وأما تركه الجماعة وصلاته منفرداً فهو ترك لواجب الجماعة مع القدرة عليه فيكون وقوعاً في المعصية.
وأما صلاته مع الجماعة خلف الصف قيام بالواجب عليه بقدر المستطاع، فإن المصلي مع الجماعة يلزمه أمران:
أحدهما: الصلاة في الجماعة.
والثاني: القيام في الصف معهم، فإذا تعذر أحدهما وجب الآخر.
فإن قيل: إن قوله - صلى الله عليه وسلم - «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» عام ليس فيه تفصيل بين تمام، وعدم تمامه.
ف أن هذا دال على بطلان الصلاة للمنفرد لتركه واجب المصافة، فإذا لم يقدر عليه سقط عنه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يبطل صلاته لتركه ما لا قدرة له عليه، ونظير هذا الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن»، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا صلاة لمن لا وضوء له» إن صح هذا، فإن لم يقدر على الفاتحة، أو على الوضوء صلى بدونهما، وأجزأته صلاته لكنه يقرأ من القرآن، ويتيمم إن عجز عن الوضوء.
وخلاصة أن المصافة واجبة، وأن من جاء وقد كمل الصف فإنه يصلي مع الجماعة خلف الصف، ولا يتقدم إلى الإمام ليصلي إلى جنبه، ولا بجذب أحداً من الصف ليقف معه، ولا يترك صلاة الجماعة.
وجواز صلاته الجماعة منفرداً عن الصف للعذر هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه، وشيخنا عبد الرحمن سعدي وبعض قول من يرى الجواز منطلقاً. والحمد لله رب العالمين.
المصدر :
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(15/186- 193)