حكم من يغضب عند طلب الدليل، ويقول: العالم لا يسأل عن الدليل
عدد الزوار
81
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
سئل فضيلة الشيخ -رحمه الله-: هناك ممن ينتسبون إلى العلم من يفتي بدون دليل، فإن طولب بالدليل غضب وثار وقال: هل أفني عمري في البحث عن الأدلة، ومن العجب أنه
علّم تلاميذه عبارة غريبة فحواها بأن العالم لا يسأل عن الدليل، ما الحكم في مقولة هذا الذي ينتسب إلى العلم؟ وما الحكم في فتواه؟ وما الحكم في مقولة تلاميذه ومريديه من أن العالم لا يسأل عن الدليل؟ وما الحكم في استفتاء من هذه حاله؟ أفيدونا في هذا الأمر الخطير جزاكم الله خيرًا على أن تكون الإجابة مشفوعة بالأدلة؟
الإجابة :
الحقيقة أن ما ذكره السائل قد يوجد من بعض الناس ولاسيما من كان أكبر همه أن يكون ذا جاه بين العامة؛ فإن من الناس من يفتي سواء كانت فتواه مستندة إلى دليل، أم كانت فتواه مجرد تقليد لمن يعظمه من العلماء السابقين أو اللاحقين، وقد ذكر ابن عبد البر -رحمه الله- إجماع العلماء على أن المقلد لا يعد من العلماء؛ لأن المقلد ليس إلا نسخة كتاب من مذهب من يقلده، وليس من العلماء في شيء. ولهذا أرى أن التقليد لا يجوز إلا عند الضرورة، وقد شبه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- التقليد بأكل الميتة يجوز عند الضرورة، وأما مع القدرة على الدليل فإن التقليد لا يجوز وهذا مفهوم من قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[النحل: 43].
أما حال هذا الرجل الذي إذا طلب منه الدليل غضب، وقال: كيف أفني عمري في طلب الدليل؟! فإن هذا يدل على جهله وعلى جهالته أيضاً؛ لأن الإنسان العالم ينبغي له أن يفرح إذا طلب منه السائل الدليل؛ لأن طلب السائل للدليل إذا لم يكن المقصود به الإعنات والإشقاق يدل على محبة هذا السائل لكونه يبني عقيدته، أو قوله، أو عمله على أساس من كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ليعبد الله على بصيرة، فإن الحقيقة أن العلم معرفة الهدى بدليل، والإنسان سوف يسأل يوم القيامة ماذا أجاب المرسلين كلما قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 65] وليس يقال له: ماذا أجبت فلانًا أو فلانًا من الناس سوى الرسل عليهم الصلاة والسلام.
ونصيحتي لهذا العالم أن يتقي الله تعالى في نفسه، وألا يفتي إلا بدليل من الكتاب والسنة، اللهم إلا عند الضرورة، وأن يحرص تلاميذه على طلب الدليل من كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويمرنهم عليه وعلى استنباط الأحكام من أدلتها حتى ينفع الله به، ونحن جربنا بأنفسنا فأحيانًا تمر بنا المسألة نطلبها فيما عندنا من كتب أهل العلم فلا نجد لها حكمًا ثم إذا رجعنا إلى كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وجدناها قريبة يتناولها اللفظ بعمومه، أو بمفهومه، أو بإشارته، أو بلازمه أو غير ذلك من أنواع الدلالة المعروفة.
وهذا يدل على قصور بني آدم وأنه مهما بلغوا من الذكاء وتنزيل الأحكام على دلائلها فإنهم لم يحيطوا بما تتطلبه أحوال الخلق، وما يجب عليهم لكن كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- هما اللذان يحتويان ذلك كله، ولكن هذا أيضًا يعتمد على قوة الفهم لكتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقوة الفهم تكون هبة من الله -عزّ وجلّ- على العبد إما تفضلاً منه، وإما بهداية الله له بمدارسة الكتاب والسنة والتأمل فيهما والنظر في دلالاتهما.
ولهذا فإن أحث إخواني ولاسيما طلبة العلم أن يكون مرجعهم دائمًا إلى كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يستعينوا على فهمهما واستنباط الأحكام منها بما كتبه أهل العلم الراسخون فيه من القواعد والضوابط التي تعين طالب العلم على استنباط الأحكام من أدلتها، فإنه في الحقيقة لا غنى لطالب العلم عما كتبه السلف في كيفية استخراج الأحكام من أدلتها.
وأما قول هذا الشيخ: (إن العالم لا يطلب منه الدليل) فهذا خطأ، بل العالم حقًا هو الذي يعرض الدليل أولاً بقدر ما يستطيع وبحسب فهم السائل، فإن لم يفعل وطلب منه الدليل فليكن منشرح الصدر في طلب الدليل، وليأتِ بالدليل، وكما أسلفت آنفًا أن تمرين الطلبة على استخراج الأحكام من أدلتها من كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- هو في الحقيقة من أكبر الوسائل التي تعين على انتشار الأحكام، واستخراج أحكام المسائل الجديدة التي لم تكن معروفة في سلفنا الصالح.
المصدر :
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(26/414)