نذر أن يحج بوالديه فتوفي والده قبل أن يحج به فحج عنه فما الحكم، وما الحكم إذا حج عن والدته ؟
عدد الزوار
126
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
بارك الله فيكم. هذا السائل محمد السعيد مصري يعمل بجدة يقول: قبل مجيئي للعمل هنا في المملكة كنت دائماً أدعو الله تعالى أن ييسر لي أمر المجيء إلى هنا لأحظى بأداء فريضة الحج وزيارة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونذرت لله تعالى إن مَنَّ عليَّ بذلك أن أحجج والدي ووالدتي، وبعد أن حصل لي ما تمنيته والحمد لله أديت فريضة الحج في العام الأول، وفي العام الثاني عزمت على الوفاء بنذري بالنسبة لوالدي فأرسلت أطلب مجيئهما للحج على نفقتي، ولكن فوجئت بالرد بأن والدي قد توفاه الله فحججت عنه في ذلك العام، أما والدتي فقد اعتمرت عدة مرات وأهب ثوابها لها فهل فعلي ذلك يعتبر وفاء بالنذر بالنسبة لأبي وكذلك أمي ؟ هل يكفي الاعتمار لها عن الحج ؟ وإن لم يكفِ فهل يجزئ أن أحج عنها بنفسي أم لا بد أن تحج هي بنفسها ما دامت قادرة ؟
الإجابة :
أما بالنسبة لأبيك فإنك قد أديت الواجب؛ لأنه لما تعذر أن يحج بنفسه لموته حججت عنه، وبهذا قمت بما يجب عليك فاحمد الله على ذلك، وأما بالنسبة لأمك فإنه لا بد أن تحج هي بنفسها إلا أن يتعذر ذلك لمرض لا يرجى برؤه أو بموت فتحج عنها أنت، وبعد هذا فإني أنصحك وجميع من يسمع هذا البرنامج أنصحك عن النذر، فإن النبي- صلى الله عليه وسلم - نهى عن النذر، وقال: «إنه لا يأتي بخير»، وأنت إذا رزقك الله تعالى نعمة فإن وظيفتك في هذه النعمة أن تشكر الله عز وجل لا أن تلزم نفسك بنذور أنت في حل منها، ثم بعد ذلك ربما لا تستطيع الوفاء بالنذر ربما تتهاون بالوفاء بالنذر، والتهاون في الوفاء بالنذر سببٌ لحصول النفاق في القلب، كما قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾[التوبة: 75 - 77].
وعلى كل حال فإني أنصح إخواني المسلمين أنصحهم أن لا ينذروا، لأن النذر دائر بين المكروه والمحرم؛ لأنه أولاً وقوع فيما عنه نهى النبي عليه الصلاة والسلام.
الثاني: أن بعض الناس يظن أنه إذا لم ينذر لم يحصل له من الله تعالى ما يتمنى، وهذا قد يكون سوء ظن بالله عز وجل وسوء اعتقاد به، وأن الله تعالى لا يمن عليك إلا إذا جعلت له جعلاً، وهذا لاشك أنه معتقد سيئ. وثالثاً: أن الإنسان يلزم نفسه بأمر هو في حل منه. ورابعاً: أن كثيراً من الناذرين بعد أن يحصل لهم ما علقوا النذر عليه تجدهم يتهاونون ويتكاسلون، فيعرضون أنفسهم لذلك الوعيد الشديد الذي ذكرناه قبل. وخامساً: أنك تجدهم -أي: الناذرين- إذا حصل لهم ما علقوا النذر عليه تجدهم يتتبعون العلماء لعلهم يجدون رخصة في التخلص منه، ومعلوم أن تتبع الرخص كما قال أهل العلم: فسق، وإن كان مع الأسف قد وقع فيه بعض الناس إذا استفتى عالماً وهو حين استفتائه له يعتقد أن ما يقوله هذا العالم هو الشرع الذي يسير عليه تجده إذا أفتاه بغير هواه ذهب يسأل عالماً آخر، فإن أفتاه بما يهواه وإلا ذهب إلى عالم ثالث وهكذا، وقد ذكر أهل العلم أن من استفتى عالماً ملتزماً بقوله فإنه لا يجوز له أن يستفتي آخر؛ لما يحصل في ذلك من التلاعب بالدين وتذبذب الإنسان وعدم استقراره على قاعدة يبني عليها سيره إلى الله عز وجل، نعم لو أفتاك عالم بفتوى، وأنت إنما استفتيته للضرورة حيث لم تجد حولك أحداً أوثق منه في نفسك، فلك حينئذ إذا وجدت عالماً أوثق منه أن تسأله وأن تعدل إلى قوله إذا خالف قول المفتي الأول؛ لأنك إنما استفتيت الأول للضرورة، وكذلك أيضاً لا حرج عليك إذا استفتيت شخصاً واثقاً بفتواه ولكنه حصل لك علم جديد من عالم آخر بدون تسبب منك، فلا حرج عليك أن تنتقل إلى قول العالم الآخر، بل قد يجب عليك إذا تبين لك أن الدليل مع الثاني فإنه في هذه الحال يجب عليك أن ترجع إلى قول العالم الثاني لوجود الدليل معه، ولكن إذا سمع من عالم آخر بدون بحث ما يرى أنه هو الحق لقوة دليله فعليه أن يتبعه من أجل الدليل، كذلك إذا استفتى عالماً حوله للضرورة؛ لأنه لا يجد أحداً أوثق منه في نفسه فلا حرج عليه إذا طلب عالماً آخر أوثق في حال السعة. نعم.
المصدر :
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب