نذرت أن تصوم شهرا من كل سنة.. فهل لها تفريقه ؟ وما الحكم إذا عجزت ؟
عدد الزوار
116
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
أخبر سماحتكم أني وقعت في إحدى الشدائد أو ما يسمونها محنة تؤدي لقتل النفس، وهذه المحنة ارتكبتها في عام ستة وسبعين وتسعمائة وألف، لقد خافت والدتي خوفاً شديداً علي من القتل أو القتال، ويومها ليس لدى والدتي أي سلطة أو وسيلة لحل مشكلتي، فمن شدة خوفها علي جعلت في ذمتها صيام شهر ما عدا شهر رمضان، من كل سنة تصوم شهراً، من عام ستة وسبعين تتابع صيامها حتى الآن، وأنا -والحمد لله رب العالمين- قد نجوت من هذه الشدة بسلام، ووالدتي قد تجاوز عمرها الأربعين سنة، والآن أصبحت تصوم شهرين منهما شهر رمضان المبارك، هذا فرض، والثاني اليمين الذي في ذمتها من طرفي. فما المبرئ الذي يبرئها من صيام هذا الشهر ؟
الإجابة :
قبل أن نجيب على هذا السؤال: نحب أن نبين لإخواننا المستمعين أن النذر مكروه بل إنه محرمٌ عند كثيرٍ من أهل العلم لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، ولأن الإنسان يلزم نفسه بما لم يلزمه الله به ولأن الإنسان ربما لا يستطيع أن يفي بهذا النذر لعذرٍ حقيقي شرعي أو للتهاون فيكون في ذلك خطرٌ عظيمٌ عليه كما في قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾[ التوبة: 75 - 76] وحصل لهم ما علقوا هذين الأمرين الصدقة والصلاح: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ﴾ يعني فلم يتصدقوا وتولوا وهم معرضون فلم يكونوا من الصالحين النتيجة والعقوبة: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾[التوبة: 77] وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النذر: «إنه لا يأتي بخيرٍ وإنما يستخرج به من البخيل» البخيل ببدنه إذا كان النذر عملاً بدنياً كصلاةٍ وصوم أو البخيل بماله فيما إذا كان النذر مالياً كالصدقة وشبهها. وعلى كل حال أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم - : «أن النذر لا يأتي بخيرٍ وما لا يأتي بخيرٍ» فليس فيه خير ولهذا ننهى إخواننا أن يلجئوا عند الشدائد إلى النذور وإنما المطلوب من المسلم أن يلجأ عند الشدائد إلى الله سبحانه وتعالى ويسأله الفرج وإزالة الشدة ويعلم علماً يقينياً بأنه كما ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - : «أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً» والإنسان إذا نذر عند الشدة وأزيلت الشدة عنه فليس معنى ذلك أن سبب إزالتها هو النذر فالشدة لم تزل بالنذر لأننا لا نعلم أن النذر سببٌ لإزالة الشدة وإنما ابتلى الله سبحانه وتعالى المرء فأزال هذه الشدة عند النذر لا بالنذر وهذا كما يحصل حتى في فتنة عباد القبور الذين يعبدون القبر ويدعون صاحب القبر ربما يحصل مطلوبهم بعد الدعاء مباشرةً بعد دعاء صاحب القبر ليختبرهم الله بذلك ويبتليهم وإننا نعلم أن ما حصل لهم من المطلوب ليس من صاحب القبر ولكنه حصل عند دعائهم إياه وليس بدعائهم إياه على كل حال بعد هذه المقدمة نرجع إلى الجواب على هذا السؤال فأمه التي جعلت في ذمتها والذي يظهر أنها جعلت ذلك بصيغة النذر بأن نذرت أن تصوم في كل سنةٍ شهراً لإزالة هذه الشدة فإننا نقول لها: يجب عليها أن تفي بنذرها لأن الصوم طاعةٌ لله سبحانه وتعالى وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم - : «من نذر أن يطيع الله فليطعه» فيجب على المسلم إذا نذر طاعةً سواءٌ كان نذراً معلقاً على شرط كهذا النذر أو غير معلق يجب عليه أن يوفي بنذره إذا كان طاعةً لله عز وجل ونسأل الله أن يعينها على ما ألزمت به نفسها.
فضيلة الشيخ: إذا عجزت لكبر سنها ألا يسقط عنها النذر كما يسقط عنها صوم رمضان ؟
إذا عجزت لكبر سنها يعني لا في الشتاء ولا في الصيف عجزت يعني هذا الشهر لم تقيده بزمن فهو يصلح في الشتاء ويصلح في الصيف وكذلك يصلح متتابعاً ويصلح متفرقاً إلا إذا كان من نيتها أنه متتابع فيجب: «فلكل امرئٍ ما نوى» ويجب عليها أن تفي به متتابعاً، فأما إذا قالت شهراً وأطلقت فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه يجوز متتابعاً ويجوز متفرقاً، لكن إذا عجزت لكبر كما سألت، فالظاهر أنه يجب عليها ما يجب على العاجز عن صيام رمضان بمعنى أن تطعم عن كل يومٍ مسكيناً؛ لأن الواجب بالنذر يحذى به حذو الواجب بالشرع، إلا ما قام الدليل على الفرق بينهما فيه.
المصدر :
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب