حلف بالطلاق الثلاث لا يسامح أخاه، فهل يسامحه وتحسب عليه طلقة أو يثبت في يمينه؟
عدد الزوار
79
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
هناك أخوان شقيقان، حصل بينهما شجار بسبب المال، وحضر جماعة للإصلاح، وطلبوا من الصغير إعطاء الكبير شيئًا من المال ويتم التراضي بينهما، ولكنه غضب وقال: طلاق ثلاث لا أُسامحه لا في الدنيا ولا في الآخرة. فماذا عليه الآن، فهل يقع طلاق بهذا لو سامح أخاه؟
الإجابة :
ما كان ينبغي لهذا المسلم أن يتسرّع في الطلاق، وكان ينبغي أن يقدر إخوانه الذين جاؤوا للإصلاح، وأن يعرف لهم فضلهم ونُبل مقصدهم، وأنهم جديرون بالتقدير والاعتراف بالفضل، حيث جاؤوا للإصلاح، والله شرع لنا الإصلاح، قال سبحانه وتعالى: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾[النساء: 114] وجاء في الحديث الحثّ على إصلاح ذات البين، والله يقول سبحانه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾[الأنفال: 1] فكان ينبغي لهما جميعًا، أن يقدّرا لهؤلاء الجماعة قصدهم الطيب، ولا سيما الأصغر، فإن حقّ الكبير عليه عظيم، أمّا وقد وقع ما وقع، فإنه ينظر في قصده، فإن كان قصده بالطلاق منع نفسه من المسامحة لأخيه، وليس من قصده فراق أهله إن سامح أخاه، فهذا حكمه حكم اليمين، وعليه كفارتها، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم أو عتق رقبة، فإن عجز صام ثلاثة أيام، هذا هو الواجب في هذه المسألة، إذا كان هذا المطلّق إنما قصد منع نفسه من المسامحة ولم يقصد فراق زوجته إن سامح أخاه، فهو بهذه النية يكون طلاقه هذا في حكم اليمين في أصح قولي العلماء، وعليه كفارتها إذا سامح أخاه وهو الأولى به، أن يسامح أخاه وأن يصل رحمه، ويتعوّذ بالله من الشيطان، ولو كان أخوه قد أخطأ عليه، لو فرضنا أن أخاه الكبير قد أخطأ عليه، فكونه يسامح أخاه الكبير، ويتنازل عن حقه، هذا خير له في الدنيا والآخرة، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها» فهذا هو الحكم في هذه المسألة، إن كان قصده منع نفسه من مسامحة أخيه، ولم يقصد فراق زوجته إن سامح أخاه، أمّا إن كان قصده فراق زوجته، ومنع نفسه وفراق زوجته إن سامح أخاه هذا قصده، يقصد منع نفسه من المسامحة، ويقصد مع ذلك أنه يفارقها، وأن الطلاق يقع إذا سامح أخاه، فهو في هذه الحال ينبغي له أن يسامح أخاه، وتقع عليه طلقة واحدة، ويراجعها إذا كانت ثلاثًا بلفظٍ واحد، تعتبر واحدة على الصحيح من أقوال العلماء، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- من حديث ابن عباس في صحيح مسلم ما يدل على أن الثلاث إذا كانت بلفظٍ واحد، تعتبر واحدة فيكون له الرجعة، إذا سامح أخاه وقعت طلقة واحدة فقط من هذا اللفظ وله أن يراجعها في العدة بقوله: راجعت امرأتي، أو أمسكت امرأتي، أو رددت امرأتي، وعليه أن يشهد على ذلك شخصين، هذا هو السنة أن يشهد عدلين على هذه المراجعة، هذا هو الذي ينبغي إذا كان لم يطلقها قبل هذا طلقتين، أما إن كان قد طلقها قبل هذا طلقتين، لتكون هذه الثالثة، ويكون ما فيها رجعة، لكن إذا كان طلقها طلقتين، فإنه إذا كان قصد إيقاع الطلاق، فإنه يسامح أخاه، وتقع طلقة ويراجع زوجته والحمد لله، فصلحه مع أخيه أسهل وخير له من مسألة الطلقة إذا وقعت، فإن أمرها لا يضر ما دام له فسحة في الرجعة، ولم يطلق قبل هذا طلقتين، فإن الأولى به أن يسامح أخاه ولو وقعت على زوجته طلقة، فإن أمرها بحمد الله سهل، ومصالحة أخيه مهمّة كبيرة، وقربة عظيمة، إذا كان أخوه من أهل الخير والإيمان من المسلمين، أمّا إذا كان أخوه ليس بمسلم، أو ممن يظهر الفسوق والعصيان والكبائر، فتركه وعدم المصالحة قد يكون خيرًا لأخيه، حتى يسلم من شرِّه وما لديه من فجور أو كفر، لكن ما دام أخوه مسلمًا مستورًا، فمصالحته مطلوبة وصلة رحم، ولو وقع بها طلقة لا تمنع من مراجعة الزوجة والله المستعان.
المصدر :
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(22/262- 265)