هل صحيح أن أهل الأعراف: قوم خرجوا للجهاد من غير أن يستأذنوا أهلهم ؟
عدد الزوار
104
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
سئل فضيلة الشيخ - رحمه الله - : سمعنا من مُحدِّث أن أهل الأعراف هم أناسٌ أو رجال خرجوا للجهاد في سبيل الله، ولم يستأذنوا أهلهم في الخروج للجهاد، ولكنهم خرجوا وقُتِلوا في
سبيل الله وماتوا شهداء ولم يدخلوا الجنة ولا النار، فهم على الأعراف حتى يقضي الله فيهم يوم القيامة، فهل هذا صحيح أم لا ؟ ثم لو كان صحيحًا وأراد الإنسان الجهاد والهجرة في وقتنا
الحاضر، فهل يُعدُّ من أهل الأعراف إذا لم يستأذن والديه للخروج، لأنهما قد لا يأذنان له بذلك، فإذا كان الأمر كذلك، فإنا قد قرأنا في القرآن الحثَّ من الله- عز وجل - والترغيب في الجهاد بقوله تعالى: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾[النساء: 74] ، وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾[النساء: 100] ، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حثِّه على الجهاد: «مَن مات ولم يغزُ ولم يحدِّث نفسَه بالغزو، مات على شُعبةٍ من نفاقٍ» أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - ، فما قولكم في هذا ؟
الإجابة :
قولنا في هذا: أنَّ ما سمعتَ من أنَّ أهل الأعراف هم قوم خرجوا إلى الجهاد في سبيل الله بدون استئذان أهليهم، هذا ليس بصحيح، فإنَّ أهل الأعراف على ما قاله أهل العلم: هم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فلا هم الذين غلبت عليهم السيئات حتى أدخلوا في النار؛ ليطهروا من سيئاتهم ولا هم قوم غلبت حسناتهم حتى يدخلوا الجنة، ولكن تساوت حسناتهم وسيئاتهم
فكان من حكمة الله - عز وجل - وعدله أن يوقفوا في الأعراف وآخر أمرهم أن يدخلوا الجنة بفضل الله تعالى ورحمته. هؤلاء هم أهل الأعراف.
أما ما ذكرت من الجهاد في سبيل الله بدون استئذان الأبوين في ذلك فإذا كان الجهاد تطوعًا فإنك لا تخرج إلا باستئذان الأبوين، وإذا كان الجهاد واجبًا فإنه لا يحتاج إلى إذن الأبوين، بل لك أن تخرج وإن لم تستأذنهما وإن لم يرضيا بذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، اللهم إلا أن يكونا في ضرورة إلى بقائك فحينئذ تقدم دفع ضرورتهما على الجهاد وعلى هذا يحمل قول النبي- صلى الله عليه وسلم - : «ففيهما فجاهد» حيث كانا يحتاجان بل يضطران إلى وجود ابنهما عندهما، وأما خروج الجهاد في سبيل الله والهجرة فإن هذا أمر معلوم بدلالة الكتاب والسنَّة، والجهاد في سبيل الله ذَرْوة سَنَامِ الإسلام، ومن أهمِّ الأعمال الصالحة وأحبها إلى الله - عز وجل - قال تعالى: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾[الحديد: 19] ، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[آل عمران: 169-171] .
ولكن ليِعُلَم أنَّ الجهاد في سبيل الله ليس هو مجرَّدَ قتال الكفار، بل إنَّ الجهاد في سبيل الله تعالى هو الذي يقاتل فيه الإنسان لتكون كلمة الله هي العليا فقط، لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الرجل يقاتل حَمِيَّةً، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليُرَى مكانه، أيُّ ذلك في سبيل الله ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : «من قاتل لِتكونَ كلمةُ الله هي العُلْيا، فهو في سبيل الله عز وجل».
وهذا هو الميزان الحقيقي الصحيح الذي يُعرَف به كون الجهاد في سبيل الله، أو ليس في سبيل الله فمن قاتل دفاعًا عن الوطن لمجرد أنه وطن، فليس في سبيل الله، ومن جاهد عن وطنه؛ لأنه وطن إسلامي يحتمي به عن الكفار، فإنه في سبيل الله، فالميزان الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - ميزان بَيِّن واضح. نعم من قاتل دون ماله، أو دون أهله، أو دون نفسه، وقُتِلَ فهو شهيد، كما ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من قتل دون مالِه فهو شهيدٌ، ومن قُتِلَ دون أهلِه فهو شهيدٌ، أو دون دَمِهِ، أو دون دينهِ، فهو شهيد».
المصدر :
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(25/348- 351)