حكم لطم الخدود والصدور وشق الثياب عند موت القريب
عدد الزوار
61
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
أمي لا تعرف القراءة ولا الكتابة، وأنا أكتب إليكم باسمها هذا السؤال، وهي عندما تذهب عند أهل المتوفى من أقربائنا عندما تصل إليهم تصيح بأعلى صوتها وتلطم على خديها، وعلى صدرها، وفي بعض الأحيان عندما يكون الشخص قريبا لها تتوارى بالتراب وتشق ثوبها، ونحن ننصحها كثيرا، ولكن لا ينفع معها النصح، وتقول: لست أنا وحدي، كل النساء هكذا، ومنذ زمن بعيد، أتريدين أن تغيري الزمن؟ هذا شيء مفروض علينا نحن النساء. هي تقول كذلك، فعندما ننصحها تقول: ما يدريني بأن ما تقولين هو الحق، ربما يكون كذبا، أرسلي بسؤال إلى برنامج نور على الدرب لكي يتبين الحق من الباطل، وعندما أسمع الجواب فسوف أتوب إلى الله جل وعلا، وأعرف أني كنت مذنبة ذنبا عظيما، وأستغفر الله العلي العظيم، إنه غفور لمن تاب وأناب، وأعترف بخطيئتي، أرجو أن تتفضلوا بإيضاح هذا الموضوع، وأن تولوه جل اهتمامكم، جزاكم الله خيرا
الإجابة :
لا ريب أن لطم الخدود وشق الثياب ورفع الصوت بالصياح والتمرغ بالتراب أو حثي التراب على الرأس كل هذا من المنكرات، كله من المحرمات عند المصائب، والرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن هذا كله، وأبان فيه ما يشفي ويكفي، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: «ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية» وقال -عليه الصلاة والسلام-: «أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة» الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها، والشاقة: التي تشق ثوبها. وجاء في هذا المعنى أحاديث كثيرة كلها تدل على تحريم هذه الأعمال لكونها تدل على الجزع وقلة الصبر، فالواجب على المؤمن عند المصائب الاحتساب والصبر، وعدم إظهار ما يدل على الجزع، والله يقول: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[الأنفال: 46] ويقول سبحانه: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[الزمر: 10] ولما احتضر ابن لبعض بنات النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسلت إليه وطلبت منه الحضور، فقال لرسولها: «إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب» فبعثت إليه تؤكد عليه أن يحضر، وكان رؤوفا رحيما عليه الصلاة والسلام يراعي القريب والمسكين، ويراعي أصحابه -رضي الله عنهم- ، ويتلطف بهم ويرحمهم، فقام -عليه الصلاة والسلام- وذهب إلى ابنته فقدموا إليه الطفل ونفسه تقعقع للخروج، فلما رأى علامات الموت ذرفت عيناه -عليه الصلاة والسلام- بكاء، وسئل عن ذلك فقال: «إنها رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» فالبكاء الذي ليس معه صوت لا بأس به، رحمة يجعلها الله فيمن يشاء من عباده، فيتعذر عدم وجود التأثر عند الميت، وعندما يرى الإنسان الميت في النزع، لكن ليس له أن يفعل ما حرم الله من النياحة ورفع الصوت، أو شق الثوب، أو لطم الخد، أو حلق الشعر أو قصه، أو ما أشبه ذلك مما يدل على الجزع وقلة الصبر، وهكذا الكلام السيئ والدعاء بالويل والثبور، هذا كله ممنوع، وإنما الرخصة في دمع العين فقط من دون صوت، أو من دون شق ثوب أو لطم خد، أو حلق شعر أو ما أشبه ذلك، وأنت ومن لديك عليكم أن تعظوا الوالدة، وأن تنصحيها، ولعلها تسمع هذا الكلام فتستفيد منه إن شاء الله، ويحصل لها المقصود من البعد عما حرم الله، والصبر على ما قضاه الله، والصابرون لهم شأن عظيم، وفضل كبير، فقد قال الله سبحانه: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[الزمر: 10] والله يقول: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾[النحل: 127] وقد ندب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الصبر في أحاديث كثيرة، ورغب فيه، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر» والصبر يتضمن أمورا ثلاثة: صبرا على طاعة الله، وصبرا عن معاصي الله، وصبرا على المصائب من موت قريب، وحصول مرض ونحو ذلك، فالمؤمن هكذا صبور، صبور على الطاعات حتى يؤديها، صبور عن المعاصي حتى يحذرها، صبور عند المصائب حتى لا يفعل ما حرم الله من شق ثوب، أو لطم خد، أو نحو ذلك، نسأل الله الهداية.
المصدر :
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(14/ 407- 410)