عدد الزوار 27 التاريخ Jun 15 2020 1:20AM
الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَهَذِهِ وَقْفَةٌ حَوْلَ الرُّؤْيَا، هَلْ هِيَ لِأَوَّلِ عَابِرٍ، أَصَابَ أَمْ لَمْ يُصِبْ؟ أَمْ أَنَّهَا لَهُ إِنْ أَصَابَ فِي تَعْبِيرِهِ، دُونَ مَنْ لَمْ يُصِبْ؟.
الَّذِي يَظْهَرُ لِي - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الرُّؤْيَا لَيْسَتْ لِأَوَّلِ عَابِرٍ، إِلَّا أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِأَوَّلِ عَابِرٍ أَصَابَ فِي تَعْبِيرِهِ، فَلَهُ وَجْهٌ.
وَيَدُلُّ عَلَى مَا اسْتَظْهَرْنَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، حِينَ عَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ رُؤْيَا الرَّجُلِ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - ﷺ -، فَقَالَ لَهُ: (أَصَبْتَ بَعْضًا، وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا). [متفق عليه].
وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - ﷺ -: «رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ». [متفق عليه].
فَدَلَّ الحَدِيثَانِ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا لَيْسَ لِأَوَّلِ تَعْبِيرٍ.
أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: "الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ". [رواه ابن ماجه]
فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فِي سَنَدِهِ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: (إِنَّ الرُّؤْيَا تَقَعُ عَلَى مَا تُعَبَّرُ، وَمَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ رَفَعَ رِجْلَهُ، فَهُوَ يَنْتَظِرُ مَتَى يَضَعُهَا). رَوَاهُ الحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا.
وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، كَانَ يُقَالُ: (الرُّؤْيَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ).
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَعِنْدَ الدَّارِمِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ -، قَالَ: (مَهْ يَا عَائِشَةُ. إِذَا عَبَّرْتُمْ لِلْمُسْلِمِ الرُّؤْيَا فَاعْبُرُوهَا عَلَى خَيْرٍ؛ فَإِنَّ الرُّؤْيَا تَكُونُ عَلَى مَا يَعْبُرُهَا صَاحِبُهَا).
وَعَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ: - وَقَصَّ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا -، فَفَسَّرَهَا عُمَرُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَمْ أَرَ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ قُضِيَ لَكَ مَا قُضِيَ لِصَاحِبِ يُوسُفَ.
فَهَذِهِ النُّصُوصُ تُحْمَلُ عَلَى مَا إِذَا عَبَّرَهَا المُعَبِّرُ وَقَدْ أَصَابَ فِي تَعْبِيرِهِ.
وَبِهَذَا لَا يُحَاوِلُ الرَّائِي إِذَا قَطَعَ أَنَّ المُعَبِّرَ لِرُؤْيَاهُ أَصَابَ فِي تَعْبِيرِهِ السَّارِّ المُبَشِّرِ بِالخَيْرِ أَنْ يُعَبِّرَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ.
وَلَا يَعْرِضُ رُؤْيَاهُ إِلَّا عِنْدَ مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِالتَّعْبِيرِ وَآدَابِهِ.
وَلْيَتَّقِ اللهَ المُعَبِّرُ؛ فَإِنَّهُ تَقَلَّدَ مَنْصِبَ إِفْتَاءٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الآيَةِ: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ).
وَبِاللهِ التَّوفِيقُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ!