رُؤْيَةُ اللهِ القَلْبِيَّةُ، وَرُؤْيَتُهُ المَنَامِيَّةُ، حَصَلَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}، قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَصَحَّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي، فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي حَتَّى اسْتَثْقَلْتُ، فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي، قَالَهَا ثَلَاثًا، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الكَفَّارَاتِ، قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْتُ: مَشْيُ الأَقْدَامِ إِلَى الجَمَاعَاتِ، وَالجُلُوسُ فِي المَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَإِسْبَاغُ الوُضُوءِ فِي المَكْرُوهَاتِ، قَالَ: ثُمَّ فِيمَ؟ قُلْتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الكَلَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، قَالَ: سَلْ، قُلْتُ: اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ المَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ»، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّهَا حَقٌّ، فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا». رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "كِتَابِ التَّوْحِيدِ". وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ – يَعْنِي البُخَارِيَّ – عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ صَحَّحَهُ. وَلِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةِ شَابٍّ أَمْرَدَ). أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالبَيْهَقِيُّ فِي الصِّفَاتِ (938)، وَأَبُو يَعْلَى فِي إِبْطَالِ التَّأْوِيلَاتِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِهِ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَغَيْرُهُمْ. وَهِيَ رُؤْيَا مَنَامِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ.
 
وَمُلَخَّصُ القَوْلِ فِي رُؤْيَةِ اللهِ مَا يَلِي:
أَوَّلًا: رُؤْيَةُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الآخِرَةِ صَائِرَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِدَلَالَةِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ. 
قَالَ تَعَالَى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ).
ثَانِيًا: رُؤْيَةُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا مُمْكِنَةٌ؛ لِتَجَلِّيهِ جَلَّ شَأْنُهُ لِلْجَبَلِ، وَلَكِنْ لَا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ، فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: (اعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ثَالِثًا: رُؤْيَةُ اللهِ فِي المَنَامِ مُمْكِنَةٌ، كَمَا قَرَّرَ ذَلِكَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَحَكَى القَاضِي عِيَاضٌ اتِّفَاقَ العُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَبِحَسَبِ إِيمَانِ العَبْدِ وَتَقْوَاهُ وَصِدْقِهِ فِي حَدِيثِهِ تَكُونُ الرُّؤْيَةُ، وَلَكِنَّهَا رُؤْيَةٌ مَنَامِيَّةٌ، لَيْسَتْ هِيَ الرُّؤْيَةُ الحَقِيقِيَّةُ الكَامِلَةُ؛ لِلْآيَاتِ، وَحِدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ -: «فَالإِنْسَانُ قَدْ يَرَى رَبَّهُ فِي المَنَامِ وَيُخَاطِبُهُ، فَهَذَا حَقٌّ فِي الرُّؤْيَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللهَ فِي نَفْسِهِ مِثْلُ مَا رَأَى فِي المَنَامِ، فَإِنَّ سَائِرَ مَا يُرَى فِي المَنَامِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا». انتهى.
بَلْ بَعْضُهُمْ قَصَرَهَا عَلَى سَمَاعِ كَلَامِ اللهِ دُونَ رُؤْيَةِ شَخْصِ اللهِ تَعَالَى، عِلْمًا أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مِنْ خِدَاعِ الشَّيْطَانِ، كَمَا حُكِيَ أَنَّ عَبْدَ القَادِرِ الجِيلَانِيَّ تَخَيَّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ بِأَنَّهُ اللهُ عَلَى العَرْشِ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكَ وَقَدْ وَضَعْتُ عَنْكَ التَّكَالِيفَ، فَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ: اِخْسَأْ يَا عَدُوَّ اللهِ، لَسْتَ بِرَبِّي؛ لِأَنَّ أَوَامِرَ رَبِّي لَا تَسْقُطُ عَنِ المُكَلَّفِينَ، أَوْ نَحْوَ هَذَا.