عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
[ زاد المسير - ابن الجوزي ]الكتاب : زاد المسير في علم التفسيرالمؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزيالناشر : المكتب الإسلامي - بيروتالطبعة الثالثة ، 1404عدد الأجزاء : 9[طبعة أخرى]
بسم الله الرحمن الرحيمالكتاب : زاد المسير في علم التفسيرالمؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزيالناشر : المكتب الإسلامي - بيروتالطبعة الثالثة ، 1404عدد الأجزاء : 9(1/1)بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله الذي شرفنا على الأمم بالقرآن المجيد ودعانا بتوفيقه على الحكم الى الأمر الرشيد وقوم به نفوسنا بين الوعد والوعيد وحفظه من تغيير الجهول وتحريف العنيد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميدأحمده على التوفيق للتحميد وأشكره على التحقيق فى التوحيد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يبقى ذخرها على التأبيد وأن محمدا عبده ورسوله أرسله الى القريب والبعيد بشيرا للخلائق ونذيرا وسراجا فى الأكوان منيرا ووهب له من فضله خيرا كثيرا وجعله مقدما على الكل كبيرا ولم يجعل له من أرباب جنسه نظيرا ونهى أن يدعى باسمه تعظيما له وتوقيرا وأنزل عليه كلاما قرر صدق قوله بالتحدي بمثله تقريرا فقال قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا الاسراء88 فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأزواجه وأشياعه وسلم تسليما كثيرالما كان القرأن العزيز أشرف العلوم كان الفهم لمعانيه أوفى الفهوم لأن شرف العلم بشرف المعلوم وإنى نظرت فى جملة من كتب التفسير فوجدتها بين كبير قد يئس الحافظ منه وصغير لا يستفاد كل المقصود منه والمتوسط منها قليل الفوائد عديم الترتيب وربما أهمل فيه المشكل وشرح غير الغريب فأتيتك بهذا المختصر اليسير منظويا على العلم الغزير ووسمته ب(1/3)زاد المسير فى علم التفسيروقد بالغت فى اختصار لفظه فاجتهد وفقك الله فى حفظه والله المعين على تحقيقه فما زال جائدا بتوفيقهفصل في فضيلة علم التفسيرروى أبو عبد الرحمن السلمى عن ابن مسعود قال كنا نتعلم من رسول الله صلى الله عليه و سلم العشر فلا نجاوزها الى العشر الآخر حتى نعلم ما فيها من العلم والعملوروى قتادة عن الحسن أنه قال ما أنزل الله آية إلا أحب أن أعلم فيم أنزلت وماذا عنى بهاوقال إياس بن معاوية مثل من يقرأ القرآن ومن يعلم تفسيره أو لا يعلم مثل قوم جاءهم كتاب من صاحب لهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلهم لمجئ الكتاب روعة لا يدرون ما فيه فإذا جاءهم المصباح عرفوا ما فيهفصلاختلف العلماء هل التفسير والتأويل بمعنى أم يختلفان فذهب قوم يميلون الى العربية إلى أنهما بمعنى وهذا قول جمهور المفسرين المتقدمين وذهب قوم يميلون الى الفقه الى اختلافهما فقالوا التفسير إخراج الشيء من مقام الخفاء الى مقام التجلى والتأويل نقل الكلام عن وضعه فيما يحتاج فى إثباته الى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ فهو مأخوذ من قولك آل الشيء الى كذا أي صار إليه(1/4)فصل فى مدة نزول القرأنروى عكرمة عن ابن عباس قال أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ فى ليلة القدر الى بيت العزة ثم انزل بعد ذلك فى عشرين سنةوقال الشعبى فرق الله تنزيل القرأن فكان بين أوله وآخره عشرون سنةوقال الحسن ذكر لنا أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة انزل عليه بمكة ثمانى سنينفصلواختلفوا فى أول ما نزل من القرأن فأثبت المنقول أن أول ما نزل إقرأ باسم ربك العلق 1 رواه عروة عن عائشة وبه قال قتادة وأبوا صالحوروي عن جابر به عبد الله أن أول ما نزل يا أيها الدثر المدثر 1 والصحيح أنه لما نزل عليه إقرأ باسم ربك رجع فتدثر فنزل يا أيها المدثر يدل عليه ما أخرج فى الصحيحين من حديث جابر قال سمعت النبى صلى الله عليه و سلم وهو يحدث عن فترة الوحى فقال فى حديثه فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فاذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجثتت منه رعبا فرجعت فقلت زملوني زملوني فدثروني فأنزل الله تعالى يا أيها الدثر ومعنى جثتت فرقت يقال رجل مجؤوث ومجثوث وقد صحفه بعض الرواة فقال جبنت من الجبن والصحيح الأول وروي عن الحسن وعكرمة أن أول ما نزل بسم الله الرحمن الرحيم(1/5)فصلواختلفوا في آخر ما نزل فروى البخاري في أفراده من حديث ابن عباس قال آخر آية أنزلت على النبى صلى الله عليه و سلم آية الربا وفي أفراد مسلم عنه آخر سورة نزلت جميعا إذا جاء نصر الله والفتح النصر 1 وروى الضحاك عن ابن عباس قال آخر آية أنزلت واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله البقرة 281 وهذا مذهب سعيد بن جبير وأبي صالح وروى أبو إسحاق عن البراء قال آخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة النساء 176 وآخر سورة نزلت براءة وروي عن أبي بن كعب أن آخر آية نزلت لقد جاءكم رسول من أنفسكم التوبة 138 الى آخر السورةفصللما رأيت جمهور كتب المفسرين لا يكاد الكتاب منها يفي بالمقصود كشفه حتى ينظر للآية الواحدة فى كتب فرب تفسير أخل فيه بعلم الناسخ والمنسوخ أو ببعضه فان وجد فيه لم يوجد أسباب النزول أو أكثرها فان وجد لم يوجد بيان المكي من المدني وإن وجد ذلك لم توجد الإشارة الى حكم الآية فان وجد لم يوجد جواب إشكال يقع فى الآية الى غير ذلك من الفنون المطلوبةوقد أدرجت فى هذا الكتاب من هذه الفنون المذكورة مع ما لم أذكره مما(1/6)لا يستغني التفسير عنه ما أرجو به وقوع الغناء بهذا الكتاب عن أكثر ما يجانسهوقد حذرت من إعادة تفسير كلمة متقدمة إلا على وجه الإشارة ولم أغادر من الأقوال التى أحطت بها إلا ما تبعد صحته مع الاختصار البالغ فاذا رأيت في فرش الآيات ما لم يذكر تفسيره فهو لا يخلو من أمرين إما أن يكون قد سبق وإما أن يكون ظاهرا لا يحتاج الى تفسيروقد انتقى كتابنا هذا أنقى التفاسير فأخذ منها الأصح والأحسن والأصون فنظمه فى عبارة الاختصار وهذا حين شروعنا فيما ابتدأنا له والله الموفقفصل في الاستعاذةقد أمر الله عز و جل بالاستعاذة عند القراءة بقوله تقالى فاذا قرأت القرأن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم النحل 98 ومعناه إذا أردت القراءة ومعنى أعوذ ألجأ وألوذفصل فىبسم الله الرحمن الرحيمقال ابن عمر نزلت في كل سورة وقد اختلف العلماء هل هي آية كاملة أم لا وفيه عن أحمد روايتان واختلفوا هل هي من الفاتحة أم لا فيه عن أحمد روايتان أيضا فأما من قال إنها من الفاتحة فانه يوجب قرائتها في الصلاة إذا قال فوجوب الفاتحة وأما من لم يرها من الفاتحة فإنه يقول قراءتها في الصلاة سنة ما عدا مالكا فانه لا يستحب قراءتها في الصلاةواختلفوا في الجهر بها في الصلاة فيما يجهر به فنقل جماعة عن أحمد أنه لا يسن الجهر بها وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وعمار بن ياسر(1/7)وابن مغفل وابن الزبير وابن عباس وقال به من كبراء التابعين ومن بعدهم الحسن والشعبي وسعيد بن جبير وابراهيم وقتادة وعمر بن عبد العزيز والأعمش وسفيان الثوري ومالك وأبو حنيفة وأبو عبيد في آخرينوذهب الشافعي إلى أن الجهر مسنون وهو مروي عن معاوية بن أبي سفيان وعطاء وطاووس ومجاهدفأما تفسيرهافقوله بسم الله اختصار كانه قال أبدأ بسم الله أو بدأت باسم الله وفي الإسم خمس لغات إسم بكسر الألف وأسم بضم الألف إذا ابتدات بها وسم بكسر السين وسم بضمها وسما قال الشاعر ... والله أسماك مباركا ... آثرك الله به إيثاركا ...وأنشدوا ... باسم الذي في كل سورة سمه ...قال الفراء بعض قيس يقولون سمه يريدون اسمه وبعض قضاعة يقولون سمه أنشدني بعضهم ... وعامنا أعجبنا مقدمه ... يدعى أبا السمح وقرضاب سمه ...والقرضاب القطاع يقال سيف قرضابواختلف العلماء في اسم الله الذي هو اللهفقال قوم مشتق وقال آخرون إنه علم ليس بمشتق وفيه عن الخليل(1/8)روايتان إحداهما أنه ليس بمشتق ولا يجوز حذف الألف واللام منه كما يجوز من الرحمن والثانية رواها عنه سيبويه انه مشتق وذكر أبو سليمان الخطابي عن بعض العلماء أن أصله في الكلام مشتق من أله الرجل يأله إذا فزع إليه من أمر نزل به فأله أي أجاره وأمنه فسمي إلها كما يسمى الرجل إماما وقال غيره أصله ولاه فأبدلت الواو همزة فقيل إله كما قالوا وسادة ووشاح وإشاحواشتق من الوله لأن قلوب العباد توله نحوه كقوله تعالى ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون النحل 53 وكان القياس أن يقال مألوه كما قيل معبود إلا أنهم خالفوا به البناء ليكون علما كما قالوا للمكتوب كتاب وللمحسوب حساب وقال بعضهم أصله من أله الرجل يأله إذا تحير لأن القلوب تتحير عند التفكر في عظمتهوحكي عن بعض اللغويين أله الرجل يأله إلاه بمعنى عبد يعبد عبادةوروي عن ابن عباس انه قال ويذرك وءالهتك الأعراف 127 أي عبادتك قال والتأله التعبد قال رؤبة ... لله در الغانيات المده ... سبحن واسترجعن من تألهي ...فمعنى الإله المعبودفأما الرحمنفذهب الجمهور الى أنه مشتق من الرحمة مبني على المبالغة ومعناه ذو الرحمة التي لا نظير له فيها وبناء فعلان في كلامهم للمبالغة فانهم يقولون للشديد الامتلاء ملآن وللشديد الشبع شبعانقال الخطابي في الرحمن ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم ومصالحهم وعمت المؤمن والكافروالرحيم خاص للمؤمنين قال عز و جل وكان بالمؤمنين رحيما الاحزاب 43 والرحيم بمعنى الراحم(1/9)سورة الفاتحةروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وقرأ عليه أبي بن كعب أم القرأن فقال والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتهفمن أسمائها الفاتحة لأنه يستفتح الكتاب بها تلاوة وكتابة ومن أسمائها أم القرأن وأم الكتاب لأنها أمت الكتاب بالتقدم ومن أسمائها السبع المثاني وإنما سميت بذلك لما سنشرحه في الحجر إن شاء اللهواختلف العلماء في نزولها على قولين أحدهما أنها مكية وهو مروي عن علي بن أبي طالب والحسن وأبي القالية وقتادة وأبي ميسرةوالثاني أنها مدنية وهو مروي عن أبي هريرة ومجاهد وعبيد بن عمير وعطاء الخراسانى وعن ابن عباس كالقولينفصلفأما تفسيرهاف الحمد رفع بالابتداء و لله الخبر والمعنى الحمد ثابت لله ومستقر له والجمهور على كسر لام لله وضمها ابن عبلة قال الفراء هي لغة بعض(1/10)بني ربيعة وقرأ ابن السميفع الحمد بنصب الدال لله بكسر اللام وقرأ أبو نهيك بكسر الدال واللام جميعاواعلم أن الحمد ثناء على المحمود ويشاركه الشكر إلا أن بينهما فرقا وهو أن الحمد قد يقع ابتداء للثناء والشكر لا يكون إلا في مقابلة النعمة وقيل لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر فتقيدره قولوا الحمد للهوقال ابن قتيبة الحمد الثناء على الرجل بما فيه من كرم أو حسب أو شجاعة وأشباه ذلك والشكر الثناء عليه بمعروف أولاكه وقد يوضع الحمد موضع الشكر فيقال حمدته على معروفه عندي كما يقال شكرت له على شجاعتهفأما الرب فهو المالك ولا يذكر هذا الاسم في حق المخلوق إلا بالاضافة فيقال هذا رب الدار ورب العبد وقيل هو مأخوذ من التربيةقال شيخنا أبو منصور اللغوي يقال رب فلان صنيعته يربها ربا إذا أتمها وأصلحها فهو رب ورابقال الشاعر ... يرب الذي يأتي من الخير إنه ... إذا سئل المعروف زاد وتمما ...قال والرب يقال على ثلاثة أوجه أحدها المالك يقال رب الدار والثاني المصلح يقال رب الشيء والثالث السيد المطاع قال تعالى فيسقى ربه خمرا يوسف 41 والجمهور على خفض باء رب وقرأ أبو الغاليه وابن السميفع وعيسى ابن عمر بنصبها وقرأ أبو رزين العقيلي والربيع بن خيثم وأبو عمران الجوني برفعها(1/11)فأما العالمين فجمع عالم وهو عند أهل العربية اسم للخلق من مبدئهم الى منتهاهم وقد سموا أهل الزمان الحاضر عالمافقال الحطيئة ... تنحي فاجلسي مني بعيدا ... أراح الله منك العالمينا ...فأما أهل النظر فالعلم عندهم اسم يقع على الكون الكلي المحدث من فلك وسماء وأرض وما بين ذلكوفي اشتقاق العالم قولان أحدهما أنه من العلم وهو يقوي قول أهل اللغةوالثاني أنه من العلامة وهو يقوي قول أهل النظر فكأنه إنما سمي عندهم بذلك لانه دال على خالقهوللمفسرين في المراد ب العالمين هاهنا خمسة أقوالأحدهما الخلق كله السموات والارضون وما فيهن وما بينهن رواه الضحاك عن ابن عباسالثاني كل ذي روح دب على وجه الأرض رواه أبو صالح عن ابن عباسوالثالث أنهم الجن والإنس روي ايضا عن ابن عباس وبه قال مجاهد ومقاتلوالرابع أنهم الجن والإنس والملائكة نقل عن ابن عباس أيضا واختاره ابن قتبيةوالخامس أنهم الملائكة وهو مروي عن ابن عباس أيضاقوله تعالى الرحمن الرحيمقرأ أبو العاليه وابن السميفع وعيسى بن عمر بالنصب فيهما وقرأ أبو رزين العقيلي والربيع بن خيثم وأبوا عمران الجوني بالرفع فيهما(1/12)قوله تعالى مالك يوم الدينقرأ عاصم والكسائي وخلف ويعقوب مالك بألف وقرأ إبن السميفع وابن أبي عبلة كذلك إلا أنهما نصبا الكاف وقرأ أبو هريرة وعاصم الجحدري ملك باسكان اللام من غير الألف مع كسر الكاف وقرأ أبو عثمان النهدي والشعبي ملك بكسر اللام ونصب الكاف من غير ألف وقرأ سعد بن أبي وقاص وعائشة ومورق العجلي ملك مثل ذلك إلا أنهم رفعوا الكاف وقرأ أبي بن كعب وأبو رجاء العطاردي مليك بيياء بعد اللام مكسورة الكاف من غير ألف وقرأ عمرو بن العاص كذلك إلا أنه ضم الكاف وقرأ أبو حنيفة وأبو حيوة ملك على الفعل الماضي ويوم بالنصبوروى عبد الوارث عن أبي عمرو إسكان اللام والمشهور عن أبي عمور وجمهور القراء ملك بفتح الميم مع كسر اللام وهو أظهر في المدح لأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكاوفي الدين هاهنا قولانأحدهما انه الحساب قاله ابن مسعودوالثاني الجزاء قاله ابن عباس ولما أقر الله عز و جل رب العالمين أنه مالك الدنيا دل بقوله مالك يوم الدين على أنه مالك الأخرى وقيل إنما خص يوم الدين لأنه ينفرد يومئذ بالحكم في خلقه(1/13)قوله تقالى إياك نعبدوقرأ الحسن وأبو المتوكل وأبو مجلز يعبد بضم الياء وفتح الباء قال ابن الأنباري المعنى قل يا محمد إياك يعبد والعرب ترجع من الغيبة الى الخطاب ومن الخطاب الى الغيبة كقوله تقالى حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم يونس 32 وقوله وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء يونس 22 وقوله وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء الدهر 21 22وقال لبيد ... باتت تشكى الي النفس مجهشة ... وقد حمتلك سبعا بعد سبعينا ...وفي المراد بهذه العبادة ثلاثة أقوالأحدهما أنها بمعنى التوحيد روي عن علي وابن عباس في آخرينوالثاني أنها بمعنى الطاعة كقوله لا تعبدوا الشيطان يس 60الثالث أنهما بمعنى الدعاء كقوله إن الذين يستكبرون عن عبادتي غافر 60 قوله تعالى إهدنا فيه أربعة أقوالأحدها ثبتنا قاله علي وأبي والثاني أرشدنا والثالث وفقنا والرابع ألهمنا رويت هذه الثلاثة عن ابن عباسو الصراط الطريقويقال إن أصله بالسين لأنه من الاستراط وهو الا بتلاع فالسراط كأنه يسترط المارين عليه فمن قرأ السين كمجاهد وابن محيصن ويعقوب فعلى أصل الكلمة ومن قرأ بالصاد كأبي عمرو والجمهور فلأنها اخف على اللسان ومن قرأ بالزاي كرواية الأصمعي عن أبي عمرو واحتج بقول العرب سقر وزقر وروي(1/14)عن حمزة إشمام السين زايا وروي عنه أنه تلفظ بالصراط بين الصاد والزايقال الفراء اللغة الجيدة بالصاد وهي لغة قريش الأولى وعامة العرب يجعلونها سينا وبعض قيس يشمون الصاد فيقول السراط بين الصاد والسين وكان حمزة يقرأ الزراط بالزاي وهي لغة لعذرة وكلب وبني القين يقولون في أصدق أزدقوفي المراد بالصراط هاهنا أربعة اقوالأحدها أنه كتاب الله رواه علي عن النبي صلى الله عليه و سلموالثاني أنه دين الاسلام قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن و أبوالعالية في آخرينوالثالث أنه الطريق الهادي الى دين الله رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال مجاهدوالرابع أنه طريق الجنة نقل عن ابن عباس أيضا فان قيل ما معنى سؤال المسلمين الهداية وهم مهتدون ففيه ثلاثة أجوبةأحدها أن المعنى إهدنا لزوم الصراط فحذف اللزوم قاله ابن الأنباريوالثاني أن المعنى ثبتنا على الهدى تقول العرب للقائم قم حتى آتيك أي اثبت على حالكوالثالث أن المعنى زدنا هدىقوله تقالى الذين أنعمت عليهمقال ابن عباس هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وقرأ(1/15)الأكثرون عليهم بكسر الهاء وكذلك لديهم و إليهم وقرأهن حمزة بضمها وكان ابن كثير يصل ضم الميم بواو وقال ابن الأنباري حكى اللغويون في عليهم عشر لغات قرئ بعامتها عليهم بضم الهاء وإسكان الميم وعليهم بكسر الهاء وإسكان الميم وعليهمي بكسر الهاء والميم وإلحاق يا بعد الكسرة وعليهمو بكسر الهاء وضم الميم وزيادة واو بعد الضمة وعليهمو بضم الهاء والميم وإدخال واو بعد الميم وعليهم بضم الهاء والميم من غير زيادة واو وهذه الأوجه الستة مأثورة عن القراء وأوجه أربعة منقولة عن العرب عليهمي بضم الهاء وكسر الميم وإدخال ياء وعليهم بضم الهاء وكسر الميم من غير زيادة ياء وعليهم بكسر الهاء وضم الميم من غير إلحاق واو و عليهم بكسر الهاء والميم ولا ياء بعد الميمفأما المغضوب عليهم فهم اليهود والضالون النصارىرواه عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه و سلمقال ابن قتيبة والضلال الحيرة والعدول عن الحقفصلومن السنة في حق قارىء الفاتحة ان يعقبها ب آمين قال شيخنا أبو الحسن علي ابن عبيد الله وسواء كان خارج الصلاة أو فيها لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال من خلفه آمين فوافق ذلك قول أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه(1/16)وفي معنى آمين ثلاثة أقوالأحدها أن معنى آمين كذلك يكون حكاه ابن الأنباري عن ابن عباس والحسنوالثاني أنها بمعنى اللهم استجب قاله الحسن والزجاجوالثالث أنه اسم من أسماء الله تعالى قاله مجاهد وهلال بن يساف وجعفر ابن محمدوقال ابن قتيبة معناها يا أمين أجب دعاءنا فسقطت يا كما سقطت في قوله يوسف أعرض عن هذا يوسف 29 تأويله يا يوسف ومن طول الألف قال آمين أدخل ألف النداء على ألف أمين كما يقال آزيد أقبل ومعناه يا زيد قال ابن الأنباري وهذا القول خطأ عند جميع النحويين لأنه إذا أدخل يا على آمين كان منادى مفردا فحكم آخره الرفع فلما أجمعت العرب على فتح نونه دل على أنه غير منادى وإنما فتحت نون آمين لسكونها وسكون الياء التي قبلها كما تقول العرب ليت ولعل قال وفي آمين لغتان أمين بالقصر وآمين بالمد والنون فيهما مفتوحةأنشدنا أبو العباس عن ابن الاعرابي ... سقى الله حيا بين صارة والحمى ... حمى فيد صوب المدجنات المواطر ... أمين وأدى الله ركبا إليهم ... بخير ووقاهم حمام المقادر ...وأنشدنا أبو العباس أيضا ... تباعد مني فطحل وابن أمه ... أمين فزاد الله ما بيننا بعدا(1/17)وأنشدنا أبو العباس أيضا ... يا رب لا تسلبني حبها أبدا ... ويرحم الله عبدا قال آمينا ...وأنشدني أبي ... أمين ومن اعطاك مني هوداة ... رمى الله في أطرافه فاقفعلت ...وأنشدني أبي ... فقلت له قد هجت لي بارح الهوى أصاب حمام الموت أهوننا وجدا ... أمين وأضناه الهوى فوق ما به أمين ولاقى من تباريحه جهدا ...فصلنقل الأكثرون عن احمد أن الفاتحه شرط في صحة الصلاة فمن تركها مع القدرة عليها لم تصح صلاته وهو قول مالك والشافعي وقال أبو حنيفة رحمه الله لا تتعين وهي رواية عن أحمد ويدل على الرواية الأولى ما روي في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتابوالله تعالى أعلم بالصواب(1/18)سورة البقرةفصل في فضيلتهاروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تجعلوا بيوتكم مقابر فان البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطانوروى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران فانهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف اقرؤوا البقرة فان أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلةوالمراد بالزهراوين المنيرتين يقال لكل مير زاهر والغيايه كل شيء أظل الانسان فوق رأسه مثل السحابة والغبرة يقال غايا القوم فوق رأس فلان بالسيف كأنهم أظلوه بهقال لبيد... فتدليت عليه قافلا ... وعلى الأرض غيايات الطفل ...ومعنى فرقان قطعتان والفرق القطعة من الشيء قال عز و جل فكان كل فرق كالطود العظيم الشعراء 63 والصواف المصطفة المتضامة لنظل قارئها والبطلة السحرةفصل في نزولهاقال ابن عباس هي أول ما نزل بالمدينة وهذا قول الحسن ومجاهد وعكرمة(1/19)وجابر بن زيد وقتادة ومقاتل وذكر قوم أنها مدنية سوى آية وهي قوله عز و جل واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله البقرة 281 فانها أنزلت يوم النحر بمنى في حجة الوداعفصلوأما التفسير فقوله ألم اختلف العلماء فيها وفي سائر الحروف المقطعة في أوائل السور على ستة أقوالأحدها أنها من المتشابه الذي لا يعلمه الا الله قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لله عز و جل في كل كتاب سر وسر الله في القرأن أوائل السور وإلى هذا المعنى ذهب الشعبي وأبو صالح وابن زيدوالثاني أنها حروف من أسماء فاذا ألفت ضربا من التأليف كانت أسماء من أسماء الله عز و جل قال علي بن أبي طالب هي أسماء مقطعة لو علم الناس تأليفها علموا اسم الله الذي إذا دعي به أجابوسئل ابن عباس عن آلر وحم و نون فقال اسم الرحمن على الجهاء و الى نحو هذا ذهب أبو العالية والربيع بن أنسوالثالث أنها حروف أقسم الله بها قاله ابن عباس وعكرمة قال ابن قتيبة ويجوز أن يكون أقسم بالحروف المقطعة كلها واقتصر على ذكر بعضها كما يقول القائل تعلمت أ ب ت ث وهو يريد سائر الحروف وكما يقول قرأت الحمد يريد فاتحة الكتاب فيسميها بأول حرف منها وإنما أقسم بحروف المعجم لشرفها ولأنها مباني كتبه المنزلة وبها يذكر ويوحد قال ابن الانباري وجواب القسم محذوف تقديره وحروف المعجم لقد بين الله لكم السبيل وأنهجت لكم الدلالات بالكتاب المنزل وإما(1/20)حذف لعلم المخاطبين به ولأن في قوله ذلك الكتاب لا ريب فيه دليلا على الجوابوالرابع انه أشار بما ذكر من الحروف الى سائرها والمعنى أنه لما كانت الحروف أصولا للكلام المؤلف أخبر أن هذا القرأن إنما هو مؤلف من هذه الحروف قاله الفراء وقطربفإن قيل فقد علموا أنه حروف فما الفائدة في أعلامهم بهذافالجواب أنه نبه بذلك على إعجازه فكأنه قال هو من هذه الحروف التي تؤلفون منها كلامكم فما بالكم تعجزون عن معارضته فاذا عجزتم فاعلموا أنه ليس من قول محمد عليه السلاموالخامس أنها أسماء للسور روي عن زيد بن أسلم وابنه وأبي فاختة سعيد ابن علاقة مولى أم هانىءوالسادس أنها من الرمز الذي نستعمله العرب في كلامها يقول الرجل للرجل هل تا فيقول له بلى يريد هل تأتي فيكتفي بحرف من حروفه وأنشدوا ... قلنا لها قفي لنا فقالت قاف ... لا تحسبى أنا نسينا الإيجاف ...أراد قالت أقف ومثله ... نادوهم ألا الجموا ألا تا ... قالوا جميعا كلهم ألا فا ...يريد ألا تركبون قالوا بلى فاركبوا ومثله ... بالخير خيرات وإن شرا فا ... ولا أريد الشر إلا أن تا ...معناه وإن شرا فشر ولا أريد الشر إلا أن تشاء و الى هذا القول ذهب الأخفش والزجاج وابن الأنباريوقال أبو روق عطية بن الحارث الهمداني كان النبي صلى الله عليه و سلم يجهر بالقراءة في الصلوات(1/21)كلها وكان المشركون يصفقون ويصفرون فنزلت هذه الحروف المقطعة فسمعوها فبقوا متحيرن وقال غيره إنما خاطبهم بما لا يفهمون ليقبلوا على سماعه لأن النفوص تطلع الى ما غلب عنها معناه فإذا أقبلوا إليه خاطبهم بما يفهمون فصار ذلك كالوسيلة الى الإبلاغ إلا أنه لا بد له من معنى يعلمه غيرهم أو يكون معلوما عند المخاطبين فهذا الكلام يعم جميع الحروفوقد خص المفسرون قوله آلم بخمسة أقوالأحدها أنه من المتشابه الذي لا يعلم معناه الا الله عز و جل وقد سبق بيانهوالثاني ان معناه أنا الله أعلم رواه أبوا الضحى عن ابن عباس وبه قال ابن مسعود وسعيد بن جبيروالثالث أنه قسم رواه أبو صالح عن ابن عباس وخالد الحذاء عن عكرمةوالرابع أنها حروف من أسماء ثم فيها قولان أحدهما أن الألف من الله واللام من جبريل والميم من محمد قاله ابن عباسفان قيل إذا كان قد تنوول من كل اسم حرفه الأول اكتفاء به فلم أخذت اللام من جبريل وهي أخر الإسمفالجواب أن مبتدأ القرآن من الله تعالى فدل على ذلك بابتداء أول حرف من اسمه وجبريل انختم به التنزيل والإقرأء فتنوول من اسمه نهاية حروفه و محمد مبتدأ في الإقرأء فتنوول أول حرف فيه والقول الثاني أن الألف من الله تعالى واللام من لطيف والميم من مجيد قاله أبو العاليةوالخامس أنه اسم من أسماء القرآن قاله مجاهد والشعبي وقتادة وابن جريج(1/22)قوله تعالى ذلك فيه قولانأحدهما أنه بمعنى هذا وهو قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة والكسائي وأبي عبيدة والأخفش واحتج بعضهم بقول خفاف بن ندبة ... اقول له والرمح يأطر متنه ... تأمل خفافا إنني أنا ذلكا ...أي أنا هذا وقال ابن الأنباري إنما أراد أنا ذلك الذي تعرفهوالثاني أنه إشارة الى غائبثم فيه ثلاثة أقوالأحدها أنه أراد به ما تقدم إنزاله عليه من القرآنوالثانى أنه أراد به ما وعده أن يوحيه إليه في قبوله سنلقي عليك قولا ثقيلا المزمل 5والثالث أنه أراد بذلك ما وعد به أهل الكتب السالفة لأنهم وعدوا بنبي وكتابوالكتاب القرآن وسمي كتابا لأنه جمع بعضه الى بعض ومنه الكتيبة سميت بذلك لاجتماع بعضها الى بعض ومنه كتبت البغلةقوله تقالى لا ريب فيه الريب الشك والهدى الإرشاد والمتقون المحترزون مما اتقوهوفرق شيخنا علي بن عبيد الله بين التقوى والورع فقال التقوى أخذ عدة والورع دفع شبهة فالتقوى متحقق السبب والورع مظنون المسببواختلف العلماء في معنى هذه الآية على ثلاثة أقوالأحدها أن ظاهرها النفي ومعناها النهى وتقديرها لا ينبغي لأحد أن يرتاب به لإتقانه وإحكامه ومثله ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ يوسف 38 أي ما ينبغي لنا ومثله فلا رفت ولا فسوق البقرة 196 وهذا مذهب الخليل وابن الأنباري(1/23)والثاني أن معناها لا ريب فيه أنه هدى للمتقين قاله المبردوالثالث أن معناها لا ريب فيه أنه من عند الله قاله مقاتل في آخرينفان قيل فقد ارتاب به قومفالجواب انه حق في نفسه فمن حقق النظر فيه علم قال الشاعر ... ليس في الحق يا أمامة ريب ... إنما الريب ما يقول الكذوب ...فان قيل فالمتقى مهتد فما فائدة اختصاص الهداية بهفالجواب من وجهين أحدهما أنه أراد المتقين والكافرين فاكتفى بذكر كر أحد الفريقين كقوله تقالى سرابيل تقيكم الحر النحل 81 أراد والبردوالثاني أنه خص المتقين لانتفاعهم به كقوله إنما انت منذر من يخشاها النازعات 45 وكان منذرا لمن يخشى ولمن لا يخشىقوله تقالى الذين يؤمنون بالغيب الايمان في اللغة التصديق والشرع أقره على ذلك وزاد فيه القول والعمل وأصل الغيب المكان المطمئن الذي يستتر فيه لنزوله عما حوله فسمي كل مستتر غيباوفي المراد بالغيب هاهنا ستة اقوالأحدها أنه الوحي قاله ابن عباس وابن جريجوالثاني القرأن قاله أبو رزين العقيلي وزر بن حبيشوالثالث الله عز و جل قاله عطاء وسعيد بن جبيروالرابع ما غاب عن العياد من أمر الجنة والنار ونحو ذلك مما ذكر في القرأن رواه السدي عن أشياخه وإليه ذهب أبو العالية وقتادة(1/24)والخامس أنه قدر الله عز و جل قاله الزهريوالسادس أنه الايمان بالرسول في حق من لم يره قال عمرو بن مرة قال أصحاب عبد الله له طوبى لك جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وجالسته فقال إن شان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان مبينا لمن رآه ولكن أعجب من ذلك قوم يجدون كتابا مكتوبا يؤمنون به ولم يروه ثم قرأ الذين يؤمنون بالغيبقوله تقالى ويقيمون الصلاة الصلاة في اللغة الدعاء وفي الشريعة أفعال وأقوال على صفات مخصوصة وفي تسميتها بالصلاة ثلاثة أقوالأحدها أنها سميت بذلك لرفع الصلا وهو مغرز الذنب من الفرسوالثاني أنها من صليت العود إذا لينته فالمصلي يلين ويخشعوالثالث أنها مبنية على السؤال والدعاء والصلاة في اللغة الدعاء وهي في هذا المكان اسم جنسقال مقاتل أراد بها هاهنا الصلوات الخمسوفي معنى إقامتها ثلاثة أقوالأحدها أنه تمام فعلها على الوجه المأمور به روي عن ابن عباس ومجاهدوالثاني أنه المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها قاله قتادة ومقاتلوالثالث إدامتها والعرب تقول في الشيء الراتب قائم وفلان يقيم أرزاق الجند قاله ابن كيسانقوله تقالى ومما رزقناهم أي أعطيناهم ينفقون أي يخرجون وأصل الإنفاق الإخراج يقال نفقت الدابة إذا خرجت روحها(1/25)وفي المراد بهذه النفقة أربعة أقوالأحدها أنها النفقة على الأهل والعيال قاله ابن مسعود وحذيفةوالثاني أنها الزكاة المفروضة قاله ابن عباس وقتادةوالثالث أنها الصدقات النوافل قاله مجاهد والضحاكوالرابع أنها النفقة التي كانت واجبة قبل وجوب الزكاة ذكره بعض المفسرين وقالوا إنه كان فرض على الرجل أن يمسك مما في يده مقدار كفايته يومه وليلته ويفرق باقيه على الفقراء فعلى قول هؤلاء الآية منسوخة بآية الزكاة وغير هذا القول أثبت واعمل أن الحكمة في الجمع بين الإيمان بالغيب وهو عقد القلب وبين الصلاة وهي فعل البدن وبين الصدقة وهو تكليف يتعلق بالمال أنه ليس في التكليف قسم رابع إذ ما عدا هذه الأقسام فهو ممتزج بين أثنين منهما كالحج والصوم ونحوهماقوله تعالى والذين يؤمنون بما أنزل إليك اختلفوا فيمن نزلت على قولينأحدهما أنها نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه رواه الضحاك عن أبن عباس واختاره مقاتلوالثاني أنها نزلت في العرب الذي آمنوا بالنبي وما أنزل من قبله رواه صالح عن ابن عباس قال المفسرون الذي أنزل إليه القرأن وقال شيخنا علي بين عبيد الله القرآن وغيره مما أوحي إليهقوله تقالى وما أنزل من قبلك يعني الكتب المتقدمة والوحي فأما الآخرة فهي اسم لما بعد الدنيا وسميت آخرة لأن الدنيا قد تقدمتها وقيل سميت آخرة لأنها نهاية الأمر(1/26)قوله تعالى تقالى يوقنون اليقين ما حصلت به الثقة وثلج به الصدر وهو أبلغ علم مكتسبقوله تعالى أولئك على هدى أي على رشاد وقال ابن عباس على نور واستقامة قال ابن قتبية المفلحون الفائزون ببقاء الأبد وأصل الفلاح البقاء ويشهد لهذا قول لبيد ... نحل بلادا كلها حل قبلنا ... ونرجو الفلاح بعد عاد وحمير ...يريد البقاء وقال الزجاج المفلح الفائز بما فيه غاية صلاح حاله قال ابن الأنباري ومنه حي على الفلاح معناه هلموا الى سبيل الفوز ودخول الجنةقوله تعالى إن الذين كفروا في نزولها أربعة أقوالأحدها أنها نزلت في قادة الأحزاب قاله أبو العاليةوالثاني أنها نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته قاله الضحاكالثالث انها نزلت في طائفة من إليهود ومنهم حيي بن أخطب قاله ابن السائبوالرابع أنها نزلت في مشركي العرب كأبي جهل وأبي طالب وأبي لهب وغيرهم ممن لم يسلمقال مقاتل فأما تفسيرها فالكفر في اللغة التغطية تقول كفرت الشيء إذا غطيته فسمي الكافر كافرا لأنه يغطي الحققوله تعالى سواء عليهم أي متعادل عندهم الانذار وتركه والإنذار إعلام مع تخويف وتناذر بنو فلان هذا الأمر إذا خوفه بعضهم بعضاقال شيخنا على بن عبيد الله هذه الآية وردت بلفظ العموم والمراد بها الخصوص لأنها آذنت بأن الكافر حين إنذاره لا يؤمن وقد آمن كثير من الكفار عند(1/27)إنذارهم ولو كانت على ظاهرها في العموم لكان خبر الله لهم خلاف مخبره ولذلك وجب نقلها الى الخصوصقوله تعالى ختم الله على قلوبهم الختم الطبع والقلب قطعة من دم جامدة سوداء وهو مستكن في الفؤاد وهو بين النفس ومسكن العقل وسمي قلبا لتقلبه وقيل لأنه خالص البدن وإنما خصه بالختم لأنه محل الفهمقوله تعالى وعلى سمعهم يريد على أسماعهم فذكره بلفظ التوحيد ومعناه الجمع فاكتفى بالواحد عن الجميع ونظيره قوله تعالى ثم يخرجكم طفلا الحج 5وأنشدوا من ذلك ... كلوا في نصف بطنكم تعيشوا ... فان زمانكم زمن خميص ...أي في أنصاف بطونكم ذكر هذا القول أبو عبيدة والزجاج وفيه وجه آخر وهو أن العرب تذهب بالسمع مذهب المصدر والمصدر يوحد تقول يعجبني حديثكم ويعجبني ضربكم فأما البصر والقلب فهما اسمان لا يجريان مجرى المصادر في مثل هذا المعنى ذكره الزجاج وابن القاسم وقد قرأ عمرو بن العاص وأبن أبي عبلة وعلى أسماعهمقوله تعالى وعلى أبصارهم غشاوة الغشاوة الغطاءقال الفراء أما قريش وعامة العرب فيكسرون الغين من غشاوة وعكل يضمون الغين وبعض العرب يفتحها وأظنها لربيعة وروى المفضل عن عاصم غشاوة بالنصب على تقدير جعل على أبصارهم غشاة فأما العذاب فهو الألم المستمر وماء عذب إذا استمر في الحلق سائغاقوله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله اختلفوا فيمن نزلت على قولين(1/28)أحدهما أنها في المنافقين ذكره السدي عن ابن مسعود وابن عباس وبه قال أبو العالية وقتادة وابن زيدوالثاني أنها في منافقي أهل الكتاب رواه أبو صالح عن ابن عباس وقال ابن سيرين كانوا يتخوفون من هذه الآية وقال قتادة هذه الآية نعت المنافق يعرف بلسانه وينكر بقلبه و يصدق بلسانه ويخالف بعمله ويصبح على حالة ويمسي على غيرها ويتكفأ تكفأ السفينة كلما هبت ريح هب معهاقوله تعالى يخادعون اللهقال ابن عباس كان عبد الله بن أبي ومعتب بن قشير والجد بن القيس إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ونشهد أن صاحبكم صادق فاذا خلوا لم يكونوا كذلك فنزلت هذه الآيةفأما التفسير فالخديعة الحيلة والمكر وسميت خديعة لأتها تكون في خفاء والمخدع بيت داخل البيت تختفي فيه المرأة ورجل خادع إذا فعل الخديعة سواء حصل مقصوده أو لم يحصل فاذا حصل مقصوده قيل قد خدع وانخدع الرجل استجاب للخادع سواء تعمد الاستجابة أو لم يقصدها والعرب تسمي الدهر خداعا لتلونه بما يخفيه من خير وشروفي معنى خداعهم الله خمسة أقوالأحدها انهم كانوا يخادعون المؤمنين فكأنهم خادعوا الله روي عن ابن عباس واختاره ابن قتيبةوالثاني انهم كانوا يخادعون نبي الله فأقام الله نبيه مقامه كما قال إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله الفتح 10 قاله الزجاج(1/29)والثالث أن الخادع عند العرب الفاسد وأنشدوا ... أبيض اللون لذيذ طعمه ... طيب الريق إذا الريق خدع ...أي فسد رواه محمد بن القاسم عن ثعلب عن ابن الاعرابي قال ابن القاسم فتأويل يخادعون الله يفسدون ما يظهرون من الايمان بما يضمرون من الكفروالرابع أنهم كانوا يفعلون في دين الله مالو فعلوه بينهم كان خداعاوالخامس أنهم كانوا يخفون كفرهم ويظهرون الإيمان بهقوله تعالى وما يخدعون إلا أنفسهم قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وما يخادعون وقرأ الكوفيون واين عامر يخدعون والمعنى أن وبال ذلك الخداع عائد عليهمومتى يعود وبال خداعهم عليهم فيه قولانأحدهما في دار الدنيا وذلك بطريقين أحدهما بالاستدراج والإمهال الذي يزيدهم عذابا باطلاع النبي والمؤمنين على أحوالهم التي أسروهاوالقول الثاني ان عود الخداع عليهم في الآخرة وفي ذلك قولانأحدهما أنه يعود عليهم عند ضرب الحجاب بينهم وبين المؤمنين وذلك قوله قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب الحديد 13والثاني أنه يعود عليهم عند اطلاع أهل الجنة عليهم فاذا رأوهم طمعوا في نيل راحة من قبلهم فقالوا أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله الأعراف 50 فيجيبونهم إن الله حرمهما على الكافرين الأعراف 51(1/30)قولهتعالي وما يشعرون أي وما يعلمون وفي الذي لم يشعروا به قولانأحدهما انه إطلاع الله نبيه على كذبهم قاله ابن عباسوالثاني أنه إسرارهم بأنفسهم بكفرهم قاله ابن زيدقوله تعالى في قلوبهم مرض المرض ها هنا الشك قاله عكرمة وقتادة فزادهم الله مرضا هذا الإخبار من الله تعالى أنه فعل بهم ذلك و الأليم بمعنى المؤلم والجمهور يقرؤون يكذبون بالتشديد وقرأ الكوفيون سوى أبان عن عاصم بالتخفيف مع فتح الياءقوله تعالى وإذا قيل لهم لآتفسدوا في الأرض اختلفوا فيمن نزلت على قولينأحدهما أنها نزلت في المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو قول الجمهور منهم ابن عباس ومجاهدوالثاني أن المراد بها قوم لم يكونوا خلقوا حين نزولها قاله سلمان الفارسي وكان الكسائي يقرأ بضم القاف من قيل والحاء من حيل والغين من غيض والجيم من جئ والسين من سئ و سيئت وكان ابن عامر يضم من ذلك ثلاثة حيل و سبق و سئ وسئيت وكان نافع يضم سئ و سيئت ويكسر البواقي والآخرون يكسرون جميع ذلكوقال الفراء أهل احجاز من قريش ومن جاورهم من بني كنانة يكسرون القاف في قيل ودجئ وغيض وكثير من عقيل ومن جاورهم وعامة أسد يشمون الى الضم من قيل وجئ(1/31)وفي المراد بالفساد ها هنا خمسة أقوالأحدها أنه الكفر قاله ابن عباسوالثاني العمل بالمعاصي قاله أبو الغالية ومقاتلوالثالث أنه الكفر والمعاصي قاله السدي عن أشياخهوالرابع انه ترك امتثال الأوامر واجتناب النواهي قاله مجاهدوالخامس أنه النفاق الذي صادفوا به الكفار وأطلعوهم على أسرار المؤمنين ذكره شيخنا علي بن عبيد اللهقوله تعالى أنما نحن مصلحون فيه خمسة أقوالأحدها أن معناه إنكار ماعرفوا به وتقديره ما فعلنا شيئا يوجب الفسادوالثاني أن معناه إنا نقصد الإصلاح بين المسلمين والكافرين والقولان عن ابن عباسوالثالث انهم أرادوا مصافاة الكفار صلاح لا فساد قاله مجاهد وقتادةوالرابع أنهم أرادوا أن فعلنا هذاهو الصلاح وتصديق محمد هو الفساد قاله السديوالخامس أنهم ظنوا أن مصافاة الكفار صلاح في الدنيا لا في الدين لأنهم اعتقدوا أن الدولة إن كانت للنبي صلى الله عليه و سلم فقد أمنوه بمبايعته وإن كانت للكفار فقد أمنوهم بمصافاتهم ذكره شيخناقوله تعالى ألا إنهم هم المفسدون قال الزجاج ألا كلمة يبتدأ بها ينبه بها المخاطب تدل على صحة ما بعدها وهم تأكيد للكلام(1/32)وفي قوله تعالى ولكن لا يشعون قولانأحدهما لا يشعرون أن الله يطلع نبيه على فسادهموالثاني لا يشعرون أن ما فعلون فساد لا صلاحقوله تعالى وإذا قيل لهم آمنوا في المقول لهم قولانأحدهما أنهم إليهود قاله ابن عباس ومقاتلوالثاني المنافقون قاله مجاهد وابن زيد وفي القائلين لهم قولانأحدهما انهم أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قاله ابن عباس ولم يعين أحدا من الصحابةوالثاني أنهم معينون وهم سعد بن معاذ وأبو لبابة وأسيد ذكره مقاتلوفي الإيمان الذي دعوا إليه قولانأحدهما أنه التصديق بالنبي وهو قول من قال هم إليهود والثاني أنه العمل بمقتضى ما أظهروه وهو قول من قال هم المنافقونوفي المراد بالناس ها هنا ثلاثة أقوال أحدها جميع الصحابة قاله ابن عباسوالثاني عبد الله بن سلام ومن أسلم معه من اليهود قاله مقاتل والثالث معاذ بن جبل وسعد بن معاد وأسيد بن حضير وجماعة من وجوه الأنصار عدهم الكلبي وفيمن عنوا بالسفهاء ثلاثة أقوال أحدها جميع الصحابة قاله ابن عباس والثاني النساء والصبيان قاله الحسن والثالث ابن سلام وأصحابة قاله مقاتل وفيما عنوه بالغيب من إيمان الذين زعموا انهم السفهاء ثلاثة أقوال أحدها انهم أرادوا دين الإسلام قاله ابن عباس والسدي والثاني أنهم أرادوا البعث والجزاء قاله مجاهد والثالث أنهم عنوا مكاشفة الفريقين بالعداوة من غير نظر في عاقبة وهذا الوجه والذي قبله يخرج على أنهم المنافقون والأول يخرج على أنهم إليهود قال ابن قتيبة والسفهاء الجهلة(1/33)يقال سفه فلان رأيه إذا جهله ومنه قيل للبذاء سفه لأنه جهل قال الزجاج وأصل السفه في اللغة خفة الحلم ويقال ثوب سفيه إذا كان رقيقا باليا وتسفهت الريح الشجر إذا مالت به قال الشاعر ... مشين كما اهتزت رماح تسفهت ... أعإليها مر الرياح النواسم ...قوله تعالى ولكن لا يعلمونقال مقاتل لا يعلمون أنهم هم السفهاءقوله تعالى وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلو الى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئوناختلفوا فيمن نزلت على قولين أحدهما أنها نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه قاله ابن عباس والثاني أنها نزلت في المنافقين وغيرهم من أهل الكتاب الذين كانوا يظهرون للنبي صلى الله عليه و سلم من الإيمان ما يلقون رؤساءهم بضده قاله الحسنفأما التفسير ف لى بمعنى مع كقوله تعالى من أنصاري الى الله أي مع الله والشياطين جمع شيطان قال الخليل كل متمرد عند العرب شيطان وفي هذا الاسم قولان أحدهما أنه من شطن أي بعد عن الخير فعلى هذا تكون النون أصليةقال أمية بن أبي الصلت في صفة سليمان عليه السلام ... أيما شاطن عصاه عكاه ... ثم يلقى في السجن والأغلال ...عكاه أوثقه وقال النابغة(1/34)نأت بسعاد عنك نوى شطون ... فبانت والفؤاد بها رهينوالثاني أنه من شاط يشيط إذا التهب واحترق فتكون النون زائدة وأنشدوا ... وقد يشيط على أرماحنا البطل ...أي يهلكوفي المراد بشياطينهم ثلاثة أقوال أحدها انهم رؤوسهم في الكفر قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن والسدي والثاني إخوانهم من المشركين قاله أبو العالية ومجاهد والثالث كهنتهم قاله الضحاك والكلبيقوله تعالى إنا معكمقيه قولان احدهما أنهم أرادوا إنا معكم على دينكم والثاني إنا معكم على النصرة والمعاضدة والهزء السخريةقوله تعالى الله يستهزئ بهماختلف العلماء في المراد باستهزاء الله بهم على تسعة أقوالأحدها أنه يفتح لهم باب من الجنة وهم في النار فيسرعون إليه فيغلق ثم يفتح لهم باب آخر فيسرعون فيغلق فيضحك منهم المؤمنون روي عن ابن عباسوالثاني أنه إذا كان يوم القيامة جمدت النار لهم كما تجمد الإهالة في القدر فيمشون فتنخسف بهم روي عن الحسن البصريوالثالث أن الاستهزاء بهم إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فيبقون في الظلمة فيقال لهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا الحديد 13 قاله مقاتل(1/35)والرابع أن المراد به يجازيهم على استهزائهم فقوبل اللفظ بمثله لفظا وإن خالفه معنى فهو كقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها الشورى 40 وقوله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم البقرة 194 وقال عمرو بن كلثوم ... ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا ...أراد فنعاقبه بأغلط من عقوبتهوالخامس أن الاستهزاء من الله التخطئة لهم والتجهيل فمعناه الله يخطئ فعلهم ويجهلم في الإقامة على كفرهموالسادس أن استهزاءة استدراجه إياهموالسابع أنه إيقاع استهزائهم بهم ورد خداعهم ومكرهم عليهم ذكر هذا الأقوال محمد بن القاسم الأنباريوالثامن أن الاستهزاء بهم أن يقال لأحدهم في النار وهو في غاية الذل ذق إنك أنت العزيز الكريم الدخان 49 ذكره شيخنا في كتابهوالتاسع أنه لما أظهروا من أحكام إسلامهم في الدنيا خلاف ما أبطن لهم في الآخرة كان كالاستهزاءبهمقوله تعالى ويمدهم في طغيانهم يعمهونفيه أربعة أقوال أحدها يمكن لهم قاله ابن مسعود والثاني يملي لهم قاله ابن عباس والثالث يزيدهم قاله مجاهد والرابع يمهلهم قاله الزجاجوالطغيان الزيادة على القدر والخروج عن حيز الاعتدال في الكثرة يقال طغى البحر إذا هاجت أمواجه وطغى السيل إذا جاء بماء كثير وفي المراد بطغاينهم قولان أحدهما أنه كفرهم قاله الجمهور والثاني أنه عتوهم وتكبرهم قاله ابن قتيبة ويعمهون بمعنى يتحيرون يقال رجل عمه وعامه أي متحير(1/36)قال الراجز ... ومخفق من لهله ولهله ... من مهمه يجتبنه في مهمه ... أعمى الهدى بالجاهلين العمه ...وقال ابن قبية يعمهون يركبون رؤوسهم فلا يبصرونقوله تعالى أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدىفي نزولها ثلاثة أقوال أحدها أنها نزلت في جميع الكفار قاله ابن مسعود وابن عباس والثاني أنها في أهل الكتاب قاله قتادة والسدي ومقاتل والثالث أنها في المنافقين قاله مجاهد واشتروا بمعنى استبدلوا والعرب تجعل من آثر شيئا على شئ مشتريا له وبائعا للآخر والضلالة والضلال بمعنى واحدوفيها للمفسرين ثلاثة أقوالأحدها ان المارد هاهنا الكفر والمراد بالهدى الإيمان روي عن الحسن وقتادة والسديوالثاني أنها الشك والهدى اليقينوالثالث أنها الجهل والهدى العلموفي كيفية استبدالهم الضلالة بالهدى ثلاثة أقوال أحدها أنهم آمنوا ثم كفروا قاله مجاهد والثاني أن اليهود آمنوا بالنبي قبل مبعثه فلما بعث كفروا به(1/37)قاله مقاتل والثالث ان الكفار لما بلغهم ما جاء به النبي من الهدى فردوه واختاروا الضلال كانو كمن أبدل شيئا بشئ ذكره شيخنا علي بن عبيد اللهقوله تعالى فما ربحت تجارتهممن مجاز الكلام لأن التجارة لا تربح وإنما يربح فيها ومثله قوله تعالى بل مكر الليل والنهار سبأ 33 يريد بل مكرهم في الليل والنهار ومثله فاذا عزم الأمر محمد 21 أي عزم عليه وأنشدوا ... حارث قد فرجت عني همي ... فنام ليلي وتجلى غمي ...والليل لا ينام بل ينام فيه وإنما يستعمل مثل هذا فيما يزول فيه الإشكال ويعلم مقصود قائله فأما إذا أضيف الى ما يصلح أن يوصف به وأريد به ما سواه لم يجز مثل أن تقول ربح عبدك وتريد ربحت في عبدك و الى هذا المعنى ذهب الفراء وابن قبية والزجاجقوله تعالى وما كانوا مهتدينفيه خمسة أقوال أحدها وما كانوا في العلم بالله مهتدين والثاني وما كانوا مهتدين من الضلالة والثالث وما كانوا مهتدين الى تجارة المؤمنين والرابع وما كانوا مهتدين في اشتراء الضلالة والخامس أنه قد لا يربح التاجر ويكون على هدى من تجارته غير مستحق للذم فيما اعتمده فنفى الله عز و جل عنهم الأمرين مبالغة في ذمهمقوله تعالى مثلهم كمثل الذي استوقد ناراهذه الآية نزلت في المنافقين والمثل بتحريك الثاء ما يضرب ويوضع لبيان النظائر في الاحوال وفي قوله تعالى استوقد قولان(1/38)أحدهما أن السين زائدة وأنشدوا ... وداع دعا يا من يجيب الى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب ...أراد فلم يجبه وهذا قول الجمهور منهم الاخفش وابن قتيبةوالثاني ان السين داخلة للطلب أراد كمن طلب من غيره ناراقوله تعالى فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في طلمات لا يبصرونوفي أضاءت قولان أحدهما أنه من الفعل المتعدي قال الشاعر ... أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه ...وقال آخر ... أضاءت لنا النار وجها أغر ... ملتبسا بالفؤاد التباسا ...والثاني أنه من الفعل اللازم قال أبو عبيد يقال أضاءت النار وأضاءها غيرها وقال الزجاج يقال ضاء القمر وأضاءوفي ما قولان أحدهما أنها زائدة تقديره أضاءت حوله والثاني أنها بمعنى الذي وحول الشئ ما دار من جوانبه والهاء عادة على المستوقد فان قيل كيف وحد فقال كمثل الذي استوقد ثم جمع فقال ذهب الله بنورهم فالجواب أن ثعلبا حكى عن الفراء أنه قال إنما ضرب المثل للفعل لا لأعيان الرجال وهو مثل للنفاق وإنما قال ذهب الله بنورهم لأن المعنى ذاهب الى المنافقين فجمع لذلك قال ثعلب وقال غير الفراء معنى الذي الجمع وحد اولا للفظه وجمع بعد لمعناه كما قال الشاعر(1/39)فان الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم با أم خالد ...فجعل الذي جمعافصلاختلف العلماء في الذي ضرب الله تعالى له هذا المثل من أحوال المنافقين على قولين أحدهما أنه ضرب بكلمة الإسلام التي يلفظون بها ونورها صيانة النفوس وحقن الدماء فاذا ماتوا سلبهم الله ذلك العز كما سلب صاحب النار ضوءه وهذا المعنى موي عن ابن عباس والثاني أنه ضرب لإقبالهم على المؤمنين وسماعهم ما جاء به الرسول فذهاب نورهم إقبالهم على الكافرين والضلال وهذا قول مجاهدوفي المراد ب الظلمات ها هنا أربعة أقوال أحدها العذاب قاله ابن عباس والثاني ظلمة الكفر قاله مجاهد والثالث ظلمة يلقيها الله عليهم بعد الموت قاله قتادة والرابع أنها نفاقهم قاله السديفصلوفي ضرب المثل لهم بالنار ثلاث حكمإحداها أن المستضيء بالنار مستضيء بنور من جهة غيره لا من قبل نفسه فاذا ذهبت تلك النار بقي في طلمة فكأنهم لما أقروا بألسنتهم من غير اعتقاد قلوبهم كان نور إيمانهم كالمستعاروالثانية أن ضياء النار يحتاج في دوامه الى مادة الحطب فهو له كغذاء الحيوان فكذلك نور الإيمان يحتاج الى مادة الاعتقاد ليدوم(1/40)والثانية أن الظلمة الحادثة بعد الضوء أشد على الإنسان من ظلمة لم يجد معها ضياء فشبه حالهم بذلكقوله تعالى صم بكم عميالصمم انسداد منافذ السمع وهو أشد من الطرش وفي البكم ثلاثة أقوال أحدها أنه الخرس قاله مقاتل وأبو عبيد وابن فارس والثاني أنه عيب في اللسان لا يتمكن معه من النطق وقيل إن الخرس يحدث عنه والثالث أنه عيب في الفؤاد يمنعه ان يعي شيئا فيفهمه فيجمع بين الفساد في محل الفهم ومحل النطق ذكر هذين القولين شيخناقوله تعالى فهم لا يرجعونفيه ثلاثة أقوال أحدها لا يرجعون عن ضلالتهم قاله قتادة ومقاتل والثاني لا يرجعون الى الإسلام قاله السدي والثالث لا يرجعون عن الصمم والبكم والعمى وإنما أضاف الرجوع إليهم لأنهم انصرفوا باختيارهم لغلبة أهوائهم عن تصفح الهدى بآلات التصفح ولم يكن بهم صمم ولا بكم حقيقة ولكونهم لما التفتوا عن سماع الحق والنطق به كانوا كالصمم البكم والعرب تسمي المعرض عن الشئ أعمى والملتفت عن سماعه أصم قال مسكين الدارمي ... ما ضر جارا لي أجاوره ... ألا يكون لبابه ستر ... أعمى إذا ما جارتي خرجت ... حتى يواري جارتي الخدر ... وتصم عما بينهم أذني ... حتى يكون كأنه وقر ...قوله تعالى أو كصيب من السماء أو حرف مردود على قوله مثلهم كمثل الذي استوقد نارا البقرة 17 واختلف العلماء فيه على ستة أقوال(1/41)أحدها انه داخل ها هنا للتخيير تقول العرب جالس الفقهاء أو النحويين ومعناه انت مخير في مجالسة أي الفريقين شئت فكأنه خيرنا بين أن نضرب لهم المثل الأول او الثانيوالثاني انه داخل للابهام فيما قد علم الله تحصيله فأبهم عليهم مالا يطلبون تفصيله فكأنه قال مثلهم كأحد هذين ومثله قوله تعالى فهي كالحجارة أو أشد قسوة البقرة 74 والعرب تبهم ما لا فائدة في تفصيله قال لبيد ... تمنى ابتناي أن يعيش أبوهما ... وهل أنا ألا من ربيعة أو مضر ...أي هل أنا إلا من أحد هذين الفريقين وقد فنيا فسبيلي أن أفنى كما فنياوالثالث أنه بمعنى بل وأنشد الفراء ... بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ... وصورتها او انت في العين أملح ...والرابع أنه للتفصيل ومعناه بعضهم يشبه بالذي استوقد نارا وبعضهم بأصحاب الصيب ومثله قوله تعالى كونوا هودا أو نصارى البقرة 135 معناه قال بعضهم وهم إليهود كونوا هودا وقال النصارى كونوا نصارى وكذا قوله فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون الأعراف 4 معناه جاء بعضهم بأسنا بياتا وجاء بعضهم بأسنا وقت القائلةوالخامس انه بمعنى الواو ومثله قوله تعالى أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم النور 61 قال جرير ... نال الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربه موسى على قدر ... 4السادس أنه للشك في حق المخاطبين إذ الشك مرتفع عن الحق عز و جل ومثله قوله تعالى وهو أهون عليه الروم 37 يريد فالإعادة أهون من الابتداء فيما تظنون(1/42)فأما التفسير لمعنى الكلام او كأصحاب صيب فأضمر الأصحاب لأن في قوله يجعلون أصابعهم في آذانهم دليلا عليه والصيب المطر قال ابن قبية هو فيعل من صاب يصوب إذا نزل من السماء وقال الزجاج كل نازل من علو الى استفال فقد صاب يصوب قال الشاعر ... كأنهم صابت عليهم سحابة ... صواعقها لطيرهن دبيب ...وفي الرعد ثلاثة أقوالأحدها انه صوت ملك يزجر السحاب وقد روي هذا المعنى مرفوعا الى النبي صلى الله عليه و سلم وبه قال ابن عباس ومجاهد وفي رواية عن مجاهد أنه صوت مل يسبح وقال عكرمة هو ملك يسوق السحاب كما يسوق الحادي الابلوالثاني أنه ريح تختنق بين السماء والأرض وقد روي عن أبي الجلد أنه قال الرعد الريح واسم أبي الحلد جيلان بن أبي فروة البصري وقد روى عنه قتادةوالثالث انه اصطكاك أجرام السحاب حكاه شيخنا علي بن عبيد اللهوفي البرق ثلاثة أقوالأحدها أنه مخاريق يسوق بها الملك السحاب روي هذا المعنى مرفوعا الى النبي صلى الله عليه و سلم وهو قول علي بن أبي طالب وفي رواية عن علي قال هو ضربة بمخراق من حديد وعن ابن عباس أنه ضربة بسوط من نور قال ابن الانباري المخاريق ثياب تلف ويضرب بها الصبيان بعضهم بعضا فشبه السوط الذي يضرب به السحاب بذلك المخراق(1/43)قال عمرو بن كلثوم ... كأن سيوفنا فينا وفيهم ... مخاريق بأيدي لاعبينا ...وقال مجاهد البرق مصع ملك والمصع الضرب والتحريكالثاني ان البرق الماء قاله أبو الجلد وحكى ابن فارس أن البرق تلألؤ الماءوالثالث أنه نار تتقدح من اصطكاك اجرام السحاب لسيره وضرب بعضه لبعض حكاه شيخناوالصواعق جمع صاعقة وهي صوت شديد من صوت الرعد يقع معه قطعة من نار تحرق ما تصيبه وروي عن شهر بن حوشب أن الملك الذي يسوق السحاب إذا اشتد غضبه طار من فيه النار فهي الصواعق وقال غيره هي نار تنقدح من اصطكاك اجرام السحاب قال ابن قتيبة وإنما سميت صاعقة لأنها أصابت قتلت يقال صعقتهم أي قتلتهمقوله تعالى والله محيط بالكافرينفيه ثلاثة أقوالأحدها أنه لا يفوته أحد منهم فهو جامعهم يوم القيامة ومثله قوله تعالى أحاط بكل شئ علما الطلاق 12 قاله مجاهدوالثاني أن الإحاطة الإهلاك مثل قوله تعالى وأحيط بثمره الكهف 42والثالث أنه لا يخفى عليه ما يفعلونقوله تعالى يكاد البرق يخطف أبصارهم يكاد بمعنى يقارب وهي كلمة إذا أثبتت انتفى الفعل وإذا نفيت ثبت الفعل وسئل بعض المتأخرين فقيل له ... أنحوي هذا العصر ماهي كلمة ... جرت بلساني جرهم وثمود ... إذا نفيت والله يشهد أثبتت ... وإن أثبتت قامت مقام جحود(1/44)ويشهد للاثبات عند النفي قوله تعالى لا يكادون يفقهون حديثا النساء 87 وقوله إذا أخرج يده لم يكد يراها النور 40 ومثله ولا يكاد يبين الزخرف 52 ويشهد للنفي عند الإثبات قوله تعالى يكاد البرق البقرة 20 و يكاد سنا برقه النور 43 و يكاد زيتها يضئ النور 35 وقال ابن قتيبة كاد بمعنى هم ولم يفعل وقد جاءت بمعنى الإثبات قال ذو الرمة ... ولو أن لقمان الحكيم تعرضت ... لعينيه مي سافرا كاد يبرق ...أي لو تعرضت له لبرق أي دهش وتحيرقلت وقد قال ذو الرمة في المنفية ما يدل على أنها تستعمل أنها تستعمل للاثبات وهو قوله ... اذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح ...أراد لم يبرحقوله تعالى يخطف أبصارهمقرأ الجمهور بفتح الياء وسكون الخاء وفتح الطاء وقرأ أبان بن تغلب وأبان ابن يزيد كلاهما عن عاصم بفتح الياء وسكون الخاء وكسر الطاء مخففا ورواه الجعفي عن أبي بكر عن عاصم بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الطاء وهي قرأءة الحسن كذلك إلا أنه كسر الياء وعنه فتح الياء والخاء مع كسر الطاء المشددةومعنى يخطف يستلب وأصل الاختطاف الاستلاب ويقال لما يخرج به الدلو خطاف لأنه يختطف ما علق به قال النابغة ... خطاطيف حجن في حبال متينة ... تمد بها أيد إليك نوازع ...والحجن المتعقفة وجمل خيطف سريع المر وتلك السرعة الخطفى(1/45)قوله تعالى كلما أضاه لهمقال الزجاج يقال ضاء الشئ يضوء وأضاء يضئ وهذه اللغة الثانية هى المختارةفصلواختلف العلماء ما الذي يشبه الرعد مما يتعلق بأحوال المنافقين على ثلاثة أقوالأحدها أنه التخويف الذي في القرآن قاله ابن عباسوالثاني أنه ما يخافون أن يصيبهم من المصائب إذا علم النبي والمؤمنون بنفاقهم قاله مجاهد والسديوالثالث انه ما يخافونه من الدعاء الى الجهاد وقتال من يبطنون مودنه ذكره شيخناواختلفوا ما الذي يشبه البرق من أحوالهم على ثلاثة أقوال أحدهما أنه ما يتبين لهم من مواعظ القرأن وحكمهوالثاني أنه ما يشئ لهم من نور إسلامهم الذي يظهرونه والثالث انه مثل لما ينالونه بإظهار الإسلام من حقن دمائهم فانه بالإضافة الى ما ذخر لهم في الأجل كالبرقواختلفوا في معنى قوله يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق على قولين أحدهما أنهم كانوا يفرون من سماع القرآن لئلا يأمرهم بالجهاد مخالفة الموت قاله الحسن والسدي والثاني أنه مثل لإعراضهم عن القرآن كراهية له قاله مقاتلواختلفوا في معنى كلما أضاء لهم مشوا فيه على أربعة أقوالأحدها أن معناه كلما أتاهم القرأن بما يحبون تابعوه قاله ابن عباس والسدي(1/46)والثاني أن إضاءة البرق حصول ما يرجونه من سلامة نفوسهم وأموالهم فيسرعون الى متابعته قاله قتادةوالثالث انه تكلمهم بالاسلام ومشيهم فيه اهتداؤهم به فاذا تركواذلك وقفوا في ضلالة قاله مقاتلوالرابع أن إضاءته لهم تركهم بلا ابتلاء ولا امتحان ومشيهم فيه إقامتهم على المسالمة باظهار ما يظهرونه ذكره شيخنافأما قوله تعالى وإذا أظلم عليهم فمن قال إضاءته إتيانه إياهم بما يحبون قال إظلامه إتيانه إياهم بما يكرهون وعلى هذا سائر الأقوال التي ذكرناها بالعكسومعنى قاموا وقفواقوله تعالى ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم قال مقاتل معناه لو شاء لأذهب أسماعهم وأبصارهم عقوبة لهم قال مجاهد من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة في نعت المنافقينقوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقوناختلف العلماء فيمن عنى بهذا الخطاب على أربعة أقوال أحدها أنه عام في جميع الناس وهو قول ابن عباسوالثاني أنه خطاب لليهود دون غيرهم قاله الحسن ومجاهد والثالث أنه خطاب للكفار من مشركي العرب وغيرهم قاله السدي والرابع أنه خطاب للمنافقين وإليهود قاله مقاتل والناس اسم للحيوان الآدمي وسموا بذلك لتحركهم في مراداتهم والنوس الحركة وقيل سموا أناسا لما يعتريهم من النسيان(1/47)وفي المراد بالعبادة هاهنا قولان أحدهما التوحيد والثاني الطاعة رويا عن ابن عباس والخلق والإيجاد وإنما ذكر من قبلهم لأنه أبلغ في التذكير وأقطع للجحد وأحوط في الحجة وقيل إمنا ذكر من قبلهم لينبههم على الاعتبار بأحوالهم من إثابة مطيع ومعاقبة عاصوفي لعل قولانأحدهما أنها بمعنى كي وأنشدوا في ذلك ... وقلتم لنا كفوا الحروب لعنا ... نكف ووثقتم لنا كل موثق ... فلما كففنا الحرب كانت عهودكم ... كلمع سراب في الملا متألق ...يريد لكي نكف و الى هذا المعنى ذهب مقاتل وقطرب وابن كيسانوالثاني أنها بمعنى الترجي ومعناها اعبدوا الله راجين للتقوى ولآن تقوا أنفسكم بالعبادة عذاب ربكم وهذا قول سيبويه قال ابن عباس لعلكم تتقون الشرك وقال الضحاك لعلكم تتقون النار وقال مجاهد لعلكم تطيعونقوله تقالى الذي جعل لكم الأرض فراشاإنما سميت الأرض أرضا لسعتها من قولهم أرضت القرحة إذا اتسعتوقيل لانحطاطها عن السماء وكل ما سفل أرض وقيل لأن الناس يرضونها بأقدامهم وسميت السماء سماء لعلوها قال الزجاج وكل ما علا على الأرض فاسمه بناء وقال ابن عباس البناء هاهنا بمعنى السقفقوله تعالى وأنزل من السماء يعني من السحابماء معنى المطر(1/48)فلا تجعلوا لله أندادا يعني شركاء أمثالا يقال هذا ند هذا ونديده وفيما أريد بالأنداد هاهنا قولان أحدهما الأصنام قاله ابن زيد والثاني رجال كانوا يطيعونهم في معصية الله قاله السديقوله تعالى وأنتم تعلمونفيه ستة أقوالأحدهما وأنتم تعلمون أنه خلق السماء وأنزل الماء وفعل ما شرحه في هذه الآيات وهذا المعنى مروي عن ابن عباس وقتادة و مقاتلالثاني وانتم تعلمون أنه ليس ذلك في كتابكم التوراة والانجيل روي عن ابن عباس أيضا وهو يخرج على قول من قال الخطاب لأهل الكتابوالثالث وأنتم تعلمون انه لا ند له قاله مجاهدوالرابع أن العلم هاهنا بمعنا العقل قاله ابن قتبيةوالخامس وأنتم تعلمون أنه لا يقدر على فعل ما ذكره أحد سواه ذكره شيخنا علي بن عبيد اللهوالسادس وأنتم تعلمون أنها حجارة سمعته من الشسيخ أبي محمد بن الخشابقوله تعالى وإن كنتم في ريبسبب نزلوها أن إليهود قالوا هذا الذي يأتينا به محمد لا يشبه الوحي وإنا لفي شك منه فنزلت هذه الآية وهذا مروي عن ابن عباس ومقاتل و إن ها هنا لغير شك لأن الله تعالى علم أنهم مرتابون ولكن هذا عادة العرب يقول الرجل لابنه إن كنت ابني فأطعني وقيل إنها هاهنا بمعنى إذ قال أبو زيد ومنه قوله تعالى وذروا ما بقي من الربى إن كنتم مؤمين البقرة 278(1/49)قوله تعالى فأتوا بسورة من مثله قال ابن قتيبة السورة تهمز و لا تهمز فمن همزها جعلها من أسأرت يعني أفضلت لأنها قطعة من القرآن ومن لم يهمزها جلعها من سورة البناء أي منزلة بعد منزلة قال النابغة في النعمان ... ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب ...والسورة في هذا البيت سورة المجد وهي مستقارة من سورة البناء وقال ابن الأنباري قال أبو عبيدة إنما سميت السورة سورة لأنه يرتفع فيها من منزلة الى منزلة مثل سورة البناء معنى أعطاك سورة أي منزلة شرف ارتفعت إليها عن منازل الملوك قال ابن القاسم ويجوز أن تكون سميت سورة لشرفها تقول العرب له سورة في المجد أي شرف وارتفاع او لأنها قطعة من القرآن من قولك أسأرت سؤرا أي أبقيت بقية وفي هاء مثله قولان أحدهما أنها تعود على القرآن المنزل قاله قاله قتادة والفراء و مقاتل والثاني أنها تعود على النبي صلى الله عليه و سلم فيكون التقدير فأتوا بسورة من مثل هذا العبد الأمي ذكره أبو عبيدة والزجاج وابن القاسم فعلى هذا القول تكون من لا بتداء الغاية وعلى الأول تكون زائدةقوله تعالى وادعوا شهداءكم من دون اللهفيه قولان أحدهما أن معناه اسعينوا من المعونة قاله السدي والفرء والثاني استغيثوا من الاستغانة وأنشدوا ... فلما التقت فرساننا ورجالهم ... دعوا يال كعب واعتزينا لعامر ...وهذا قول ابن قتيبة(1/50)وفي شهدائهم ثلاثة أقوالأحدهما أنهم آلهتم قاله ابن عباس والسدي و مقاتل والفراء قال ابن قتيبة وسموا شهداء لأنهم يشهدونهم ويحضرونهم وقال غيره لأنهم عيدوهم ليشهدوا لهم عند اللهو الثاني أنهم أعوانهم روي عن ابن عباس أيضاوالثالث أن معناه قأتوا بناس يشهدون ما تأتون به مثل القرأن روي عن مجاهدقوله تعالى إن كنتم صادقين أي في قولكم إن هذا القرأن ليس من عند الله قاله ابن عباسقوله تعالى فان لم تفعلوا في هذه الآية مضمر مقدر يقتضي الكلام تقديمه وهو انه لما تحداهم بما في الآية الماضية من التحدي فسكتوا عن الإجابة قال فان لم تفعلوا وفي قوله تعالى ولن تفعلوا أعظم دلالة على صحة نبوة نبينا لأنه أخبر أنهم لا يفعلون ولم يفعلواقوله تعالى فأتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرينوالوقود بفتح الواو الحطب وبضمها التوقد كالوضوء بالفتح الماء وبالضم المصدر وهو اسم حركات المتوضئ وقرأ الحسن و قتادة وقودها بضم الواو والاختيار الفتح والناس أو قدوا فيها بطريق العذاب والحجارة لبيان قوتها وشدتها إذ هي محرقة للحجارة وفي هذه الحجارة قولان احدهما أنها أصنامهم التي عبدوها قاله الربيع بن أنس والثاني أنها حجارة الكبريت وهي أشد الأشياء حرا إذا أحميت يعذبون بها ومعنى اعدت هيئت وإنما خوفهم بالنار إذا لم يأتوا بمثل القرآن لأنهم إذا كذبوه وعجزوا عن الاتيان بمثله ثبتت عليهم الحجة وصار الخلاف عنادا وجزاء المعاندين النار(1/51)قوله تعالى وبشر الذين آمنواالبشارة أول خبر يرد على الإنسان وسمي بشارة لأنه يؤثر في بشرته فان كان خيرا أثره المسرة والإنبساط وإن شرا أثر الانجماع والغم والأغلب في عرف الاستعمال أن تكون البشارة بالخير وقد تستعمل في الشر ومنه قوله تعالى بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما النساء 138قوله تقالى وعملوا الصالحاتيشمل كل عمل صالح وقد روي عن عثمان بن عفان أنه قال أخلصوا الأعمالوعن على رضي الله عنه أنه قال أقاموا الصلوات المفروضات فأما الجنات فجمع جنة وسميت الجنة جنة لاستتار أرضها بأشجارها وسمي الجن جنا لاستتارهم والجنين من ذلك والدرع جنة وجن الليل إذا ستر وذكر عن المفضل أن الجنة كل بستان فه نخل وقال الزجاج كل نبت كثف وكثر وستر بعضه بعضا فهو جنةقوله تعالى تجري من تحتها أي من تحت شجرها لا من تحت أرضهاقوله تعالى هذا الذي رزقنا من قبل فيه ثلاثة أقوالأحدها ان معناه هذا الذي طعمنا من قبل فرزق الغداة كرزق العشيء روي عن ابن عباس والضحاك و مقاتلوالثاني هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا قاله مجاهد وابن زيدوالثالث أن ثمر الجنة إذا جني خلفه مثله فاذا لأوا ما خلف الجنى اشتبه عليهم فقالوا هذا الذي رزقنا من قيل قاله يحيى بن أبي كثير وأبو عبيدة(1/52)قوله تعالى وأتوا به متشابهافيه ثلاثة أقوالأحدها أنه متشابه في المنظر واللون مختلف في الطعم قاله مجاهد وابو العالية والضحاك والسدي و مقاتلوالثاني انه متشابه في جودته لا ردئ فيه قاله الحسن وابن جريجوالثالث أنه يشبه ثمار الدنيا في الخلقة والاسم غير أنه أحسن في المنظر والطعم قاله قتادة وابن زيد فان قال قائل ما وجه الامتنان بمتشابهه وكلما تنوعت المطاعم واختلفت الوانها كان أحسن فالجواب أنا إن قلنا إنه متشابه المنظر مختلف الطعم كان أغرب عند الخلق وأحسن فانك لو رأيت تفاحة فيها طعم سائر الفاكهة كان نهاية في العجب وإن قلنا إنه متشابه في الجودة جاز اختلافه في الألوان والطعوم وإن قلنا إنه يشبه صورة ثمار الدنيا مع اختلاف المعاني كان اطرف وأعجب وكل هذه مطالب مؤثرةقوله تعالى ولهم فيها أزواج مطهرة أي في الخلق فانهن لا يحصن ولا يبلن ولا يأتين الخلاء وفي الخلق فانهن لا يحسدن و لايغرن ولا ينظرن الى غير أزواجهنقال ابن عباس نقية عن القذى والأذى قال الزجاج ومطهرة أبلغ من طاهرة لأنه للتكثير والخلود البقاء الدائم الذي لا انقطاع لهقوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلافي سبب نزولها قولانأحدهما أنه نزل قوله تعالى ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له الحج 73 ونزل قوله كمثل العنكبوت(1/53)اتخذت بيتا العنكبوت 41 قالت إليهود وما هذا من الأمثال فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس والحسن وقتادة و مقاتل والفراءوالثاني انه لما ضرب الله المثلين المتقدمين وهما قوله تقالى كمثل الذي استوقد نارا البرقة 17 وقوله أو كصيب من السماء البقرة 19 قال المنافقون الله أجل وأعلى من ان يضرب هذه الأمثال فنزلت هذه الآية رواه السدي عن أشياخه وروي عن الحسن و مجاهد نحوهوالحياء بالمد الانقباض والاحتشام غير أن صفات الحق عز و جل لا يطلع لها على ماهية وإنما تمر كما جاءت وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم إن ربكم حيي كريم وقيل معنى لا يستحيي لا يترك وحكى ابن جرير الطبري عن بعض اللغويين أن معنى لا يستحيي لا يخشى ومثله وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه الأحزاب 37 أي تستحيي منه فالاستحياء والخشية ينوب كل واحد منهما عن الآخر وقرأ مجاهد وابن محيصن لا يستحي بياء واحدة وهي لغةقوله تعالى أن يضرب مثلاقال ابن عباس أن يذكر شبها واعلم أن فائدة المثل أن يبين للمضروب له الأمر الذي ضرب لأجله فينجلي غامضهقوله تعالى ما بعوضهما زائدة وهذا اختيار أبي عبيدة والزجاج والبصريين وانشدوا للنابغة ... قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... الى حمامتنا أو نصفه فقد ...وذكر ابو جعفر الطبري أن المعنى ما بين بعوضة الى ما فوقها ثم حذف ذكر بين و الى إذ كان في نصب البعوضة ودخول الفاء في ما الثانية دلالة عليهما كما قالت(1/54)العرب مطرنا مازبالة فالثعلبية وله عشرون ما ناقة فجملا وهي أحسن الناس ما قرنا فقدما يعنون ما بين قرنها الى قدمها وقال غيره نصب البعوضة على البدل من المثلوروى الأصمعي عن نافع بعوضة بالرفع على إضمار هو والبعوضة صفيرة البققوله تعالى فما فوقها فيه قولانأحدهما أن معناه فما فوقها في الكبر قاله ابن عباس وقتادة وابن جريج والفراءوالثاني فما فوقها في الصغر فيكون معناه فما دونها قاله أبو عبيدةقال ابن قتيبة وقد يكون الفوق بمعنى دون وهو من الأضداد ومثله الجون يقال للأسود والأبيض والصريم الصبح والليل والسدفة الظلمة والضوء والحلل الصغير والكبير والناهل العطشان والريان والمائل القائم واللاطئ بالأرض والصارخ المغيث والمستغيث والهاجد المصلي بالليل والنائم والروهة الارتفاع والانحدار والتلعة ما ارتفع من الارض وما انهبط من الارض والظن يقين وشك والاقرأء الحيض والاطهار والمفرع في الجبل المصعد والمنحدر والوراء خلفا وقداما وأسررت الشئ أخفيته وأعلنته وأخفيت الشئ اظهرته وكتمته ورتوت الشئ شددته وأرخيته وشعبت الشئ جمعته وفرقته وبعت الشئ بمعنى بعته واشتريته وشربت الشئ اشتريته وبعته والحي خلوف غيب ومختلفونواختلفوا في قوله يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا هل هو من تمام قول الذين قالوا ماذا أراد الله بهذا مثلا البقرة 26 أو هو مبتدأ من كلام الله عز و جل على قولين(1/55)أحدهما أنه تمام الكلام الذي قبله قاله الفراء وابن قتيبة قال الفراء كأنهم قالوا ماذا اراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد يضل به هذا ويهدي به هذا ثم استؤنف الكلام والخبر عن الله فقال الله وما يضل به إلا الفاسقين البقرة 26والثاني أنه مبتدأ من قول الله تعالى قاله السدي ومقاتلفأما الفسق فهو في اللغة الخروج يقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها فالفاسق الخارج عن طاعة الله الى معصيتهوفي المراد بالفاسقين هاهنا ثلاثة أقوال احدها أنهم إليهود قاله أبن عباس ومقاتل والثاني المنافقون قاله أبو العالية والسدي والثالث جميع الكفارقوله تعالى الذين ينقضون عهد اللههذه صفة للفاسقين وقد سبقت فيهم الأقوال الثلاثة والنقض ضد الإبرام ومناه حل الشئ بعد عقده وينصرف النقض الى كل شئ بحسبه فنقض البناء تفريق جمعه بعد إحكامه ونقض العهد الإعراض عن المقام على أحكامهوفي هذا العهد ثلاثة أقوالاحدها أنه ما عهد الى أهل الكتاب من صفة محمد صلى الله عليه و سلم والوصية باتباعه قاله ابن عباس و مقاتلوالثاني أنه ما عهد إليهم في القرآن فأقروا به ثم كفروا قاله السديوالثالث أنه الذي أخذه عليهم حين استخرج ذرية آدم من ظهره قاله الزجاج ونحن وإن لم نذكر ذلك العهد فقد ثتب بخبر الصادق فيجب الايمان بهوفي من قولان أحدهما أنها زائدة والثاني أنها لابتداء الغاية كأنه قال ابتداء نقض العهد من بعد ميثاقه وفي هاء ميثاقه قولان أحدهما أنها ترجع الى الله تعالى والثاني أنها ترجع الى العهد فتقديره بعد إحكام التوفيق فيه(1/56)وفي الذي أمر الله أن يوصل ثلاثة أقوال أحدها الرحم والقرابة قاله ابن عباس وقتادة والسدي والثاني أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم قطعوه بالتكذيب قاله الحسن والثالث الإيمان بالله وأن لا يفرق بين أحد من رسله فآمنوا ببعض وكفروا بعض قاله مقاتلوفي فسادهم في الأرض ثلاثة أقوال أحدها أنه استدعاؤهم الناس الى الكفر قاله ابن عباس والثاني أنه العمل بالمعاصي قاله السدي و مقاتل والثالث أنه قطعهم الطريق على من جاء مهاجرا الى النبي صلى الله عليه و سلم ليمنعوا الناس من الاسلاموالخسران في اللغة لنقصانقوله تعالى كيف تكفرون بالله في كيف قولانأحدهما أنه استفهام في معنى التعجب وهذا التعجب للمؤمنين أي اعجبوا من هؤلاء كيف يكفرون وقد ثبتت حجة الله عليهم قاله ابن قتيبة والزجاجوالثاني أنه استفهام خارج مخرج التقرير والتوبيخ تقديره ويحكم كيف تكفرون بالله قال العجاج ... أطربا وأنت قنسري ... والدهر بالانسان دواري ...أراد أتطرب وأنت يشخ كبير قاله ابن الانباريقوله تعالى وكنتم أمواتاقال الفراء أي وقد كنتم أمواتا ومثله أو جاؤوكم حصرت صدورهم النساء 90 أي قد حصرت ومثله إن كان قميصه قد من دبر فكذبت يوسف 26 أي فقد كذبت ولولا إضمار قد لم يجز مثله في الكلاموفي الحياتين والموتتين اقوال أصحها أن الموتة الأولى كونهم نطفا وعلقا(1/57)ومضغا فأحياهم في الأرحام ثم يميتهم بعد خروجهم الى الدنيا ثم يحييهم للبعث يوم القيامة وهذا قول ابن عباس وقتادة و مقاتل والفراء وثعلب والزجاج وابن قتيبة وابن الانباريقوله تعالى هو الذي خلق لكم مافي الأرض جميعا أي لأجلكم فبعضه للانتفاع وبعضه للاعتبارثم استوى الى السماء أي عمد الى خلقها والسماء لفظها لفظ الواحد ومعناها معنى الجمع بدليل قوله فسواهنوأيها أسبق في الخلق الأرض ام السماء فيه قولان أحدهما الأرض قاله مجاهد والثاني السماء قاله مقاتلواختلفوا في كيفية تكميل خلق الأرض وما فيها فقال ابن عباس بدأ بخلق الارض في يومين ثم خلق السموات في يومين وقدر فيها أقواتها في يومين وقال الحسن و مجاهد جمع خلق الارض وما فيها في أربعة أيام متوالية ثم خلق السماء في يومينوالعليم جاء على بناء فعيل للمبالغة في وصفه بكمال العلمقوله تعالى وإذ قال ربك للملائكةكان أبوا عبيدة يقول إذ ملغاة وتقدير الكلام وقال ربك وتابعه ابن قتيبة وعاب ذلك عليهما الزجاج وابن القاسم وقال الزجاج إذ معناها الوقت فكأنه قال ابتداء خلقكم إذ قال ربك للملائكةوالملائكة من الألوك وهي الرسالة قال لبيد ... وغلام أرسلته أمه ... بألوك فبذلنا ما سأل ...وواحد الملائكة ملك والاصل فيه ملأك وأنشد سيبويه(1/58)فلست لإنسي ولكن لملأك ... تنزل من جو السماء يصوب ...قال أبو إسحاق ومعنى ملأك صاحب رسالة يقال مألكة ومألكة وملأكة ومآلك جمع مألكة قال الشاعر ... أبلغ النعمان عني مألكا ... أنه قد طال حبسي وانتظاري ...وفي هؤلاء الملائكة قولان أحدهما أنهمن جميع الملائكة قاله السدي عن أشياخه والثاني أنهم الذين كانوا مع إبليس حين أهبط الى الأرض ذكره أبو صالح عن ابن عباسونقل أنه كان في الأرض قبل آدم خلق فأفسدوا فبعث الله إبليس في جماعة من الملائكة فأهلكوهمواختلفوا ما المقصود في إخبار الله عز و جل الملائكة بخلق آدم على ستة أقوالأحدها أن الله تعالى علم في نفس إبليس كبرا فأحب أن يطلع الملائكة عليه وأن يظهر ما سبق عليه في علمه رواه الضحاك عن ابن عباس والسدي عن أشياخهوالثاني أنه أراد أن يبلو طاعة الملائكة قاله الحسنوالثالث أنه لما خلق النار خافت الملائكة فقالوا ربنا لمن خلقت هذه قال لمن عصاني فخافوا وجود المعصية منهم وهم لا يعلمون بوجود خلق سواهم فقال لهم إني جاعل في الأرض خليفة البقرة 30 قاله ابن زيدوالرابع أنه أراد إظهار عجزهم عن الإحاطة بعلمه فأخبرهم حتى قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها فاجابهم إني أعلم ما لا تعلمونوالخامس أنه أراد تعظيم آدم بذكره بالخلافة قبل وجوده ليكونوا معظمين له إن أوجده(1/59)والسادس أنه أراد إعلامهم بانه خلقه ليسكنه الارض وإن كانت ابتداء خلقه في السماءوالخليفة هو القائم مقام غيره يقال هذا خلف فلان وخليفته قال ابن الانباري والاصل في الخيلفة خليف بغير هاء فدخلت الهاء للمبالغة في مدحه بهذا الوصف كما قالوا علامة ونسابة وراوية وفي معنى خلافة آدم قولانأحدهما انه خليفة عن الله تعالى في إقامة شرعه ودلائل توحيده والحكم في خلقه وهذا قول ابن مسعود و مجاهدوالثاني انه خلف من سلف في الارض قبله وهذا قول ابن عباس والحسنقوله تعالى أتجعل فيها من يفسد فيهافيه ثلاثة أقوالأحدها أن ظاهر الالف الاستفهام دخل على معنى العلم ليقع به تحقيق قال جرير ... ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح ...معناه أنتم خير من ركب المطاياوالثاني انهم قالوه لاستعلام وجه الحكمةة لا على وجه الاعتراض ذكره الزجاجوالثالث أنهم سألوا عن حال أنفسهم فتقديره أتجعل فيها من يفسد فيها ونحن نسبح بحمدك أم لاوهل علمت الملائكة أنهم يفسدون بتوقيف من الله تعالى أم قاسوا على حال من قبلهم فيه قولانأحدهما أنه بتوقيف من الله تعالى قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن و مجاهد وقتادة وابن زيد وابن قتيبة وروى السدي عن أشياخه أنهم قالوا ربنا وما يكون(1/60)ذلك الخليفة قال يكون له ذرية يفسدون في الارض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا فقالوا اتجعل فيها من يفسد فيهاوالثاني أنهم قاسوه على أحوال من سلف قبل آدم روي نحو هذا عن ابن عباس وأبي العالية و مقاتلقوله تعالى ويسفك الدماءقرأ الجمهور بكسر الفاء وضمها ابن مصرف وابراهيم بن أبي عبلة وهما لغتان وروي عن طلحة وابن مقسم ويسفك بضم الياء وفتح السين وتشديد الفاء مع كسرها وهي لتكثير الفعل وتكريره وسفك الدم صبه وإراقته وسفحه وذلك مستعمل في كل مضيع إلا أن السفك يختص الدم والصب والسفح والإراقة يقال في الدم وفي غيرهوفي معنى تسبيحهم أربعة أقوال أحدها أنه الصلاة قاله ابن مسعود وابن عباس والثاني انه قوله سبحان الله قاله مقتادة والثالث أنه التعظيم والحمد قاله أبو صالح والرابع انه الخضوع والذل قاله محمد بن القاسم الانباريقوله تعالى ونقدس لكالقدس الطهارة وفي معنى تقديسهم ثلاثة أقوال أحدها أن معناه نتطهر لك من أعمالهم قاله ابن عباس والثاني نعظمك ونكبرك قاله مجاهد والثالث نصلي لك قاله قتادةقوله تعالى إني أعلم ما لا تعلمونفيه أربعة أقوال أحدها ان معناه أعلم ما في نفس إبليس من البغى والمعصية قاله ابن عباس و مجاهد والسدي عن أشياخه والثاني أعلم أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء(1/61)وصالحون قاله قتادة والثالث أعلم أني أملأ جهنم من الجنة والناس قاله ابن زيدوالرابع أعلم عواقب الامور فانا أبتلي من تظنون أنه مطيع فيؤديه الابتلاء الى المعصية كابليس ومن تظنون به المعصية فيطيع قاه الزجاجالإشارة الى خلق آدم عليه السلامروى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الله عز و جل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الارض فجاء بنو آدم على قدر الارض منهم الاحمر والأبيض والاسود وبين ذلك والسهل والحزن وبين ذلك والخبيث والطيب قال الترمذي هذا حديث صحيح وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال خلق الله تعالى آدم طوله ستون ذراعا وأخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي ص - أنه قال خلق الله آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة ما بين العصر الى الليل قال ابن عباس لما نفخ فيه الروح أتته النفخة من قبل رأسه فجعلت لا تجري منه في شئ إلا صار لحما ودماقوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلهافي تسمية آدم قولان أحدهما لأنه خلق من أديم الارض قاله ابن عباس وابن جبير و الزجاج والثاني انه من الأدمة في اللون قاله الضحاك والنضر بن شميل وقطربوفي الاسماء التي علمه قولان أحدهما أنه علمه كل الاسماء وهذا قول ابن عباس(1/62)وسعيد بن جبير و مجاهد وقتادة والثاني انه علمه أسماء معدودة لمسميات مخصوصة ثم فيها أربعة أقوال احدها أنه علمه أسماء الملائكة قاله أبو القالية والثاني أنه علمه أسماء الاجناس دون أنواعها كقولك إنسان وملك وجني وطائر قاله عكرمة والثالث انه علمه أسماء ما خلق من الارض من الدواب والهوام والطير قال الكلبي و مقاتل وابن قتيبة والرابع أنه علمه أسماء ذريه قاله ابن زيدقوله تعالى ثم عرضهميريد أعيان الخلق على الملائكة قال ابن عباس الملائكة هاهنا هم الذين كانوا مع إبليس خاصةقوله تعالى أنبئوني أخبرونيقوله تعالى إن كنتم صادقينفيه قولان أحدهما إن كنتم صادقين أني لا أخلق خلقا هو أفضل منكم وأعلم قاله الحسن والثاني أني أجعل فيها من يفسد فيها قاله السدي عن أشياخهقوله تعالى قالوا سبحانكقال الزجاج لا اختلاف بين أهل اللغة أن التسبيح هو التنزيه لله تعالى عن كل سوء والعليم بمعنى العالم جاء على بناء فعيل للمبالغة وفي الحكيم قولان أحدهما أنه بمعنى الحاكم قاله ابن قتيبة والثاني المحكم للأشياء قاله الخطابيقوله تعالى قال يا آدم أنبئهم أي أخبرهم وروي عن ابن عباس أنبئهم بكسر الهاء قال أبو علي قرأءة الجمهور على الأصل لأن أصل هذا الضمير أن تكون الهاء مضمومة فيه ألا ترى أنك تقول ضربهم وأبناءهم وهذا لهم ومن كسر أتبع كسر الهاء التي قبلها وهي كسرة الباء والهاء والميم تعود على الملائكة وفي الهاء والميم(1/63)من أسمائهم قولان أحدهما أنها تعود على المخلوقات التي عرضها قاله الاكثرونوالثاني أنها تعود على الملائكة قاله الربيع بن أنس