عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
صفحة رقم 501لأسفعنك على ناصيتك يقول : لأخرجنك على وجهك ، أليس هؤلاء بناته ، قال : وأنييكون له ولد ؟ .العلق : ( 5 ) علم الإنسان ما . . . . .فأنزل الله عز وجل : ( علم الإنسن ما لم يعلم ) [ آية : 5 ] والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يومئذٍ بالأراكضحى ، ثم بين ، فقال : ( خلق الإنسن من علقٍ ( يعنى من دم حتى تحولت النطفة دماً ، اقرأيا محمد ، ثم استأنف ، فقال : ( وربك الأكرم الذي علم ( الكتابة ) بالقلم علمالإنسن ( من القرآن ) ما لم يعلم ( .العلق : ( 6 ) كلا إن الإنسان . . . . .ثم قال : ( كلا ( لا يعلم إن عملته ، ثم استأنف ، فقال : ( إن الإنسن ليطغى ) [ آية :6 ] في نعم الله عز وجل ، يعنى أبا جهل بن هشام ، وكان إذا أصاب مالاً أشر يعنىبطرفي ثيابه ، وفي مراكبه ، وفي طعامه وشرابه ، فذلك طغيانه ، إذا رأى نفسه استغنى ،وكان موسراً طغى ، فخوفه الله الرجعة إليه ، فقال :العلق : ( 7 - 8 ) أن رآه استغنى) أن رءاه استغنى إن إلى ربكالرجعى ) [ آية : 8 ] خوفه في القيامة في التقديم بعد أن قال : ( وربك الأكرم ( ، ثم هددهفيما بعد بقوله : ( لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ) [ العلق : 15 ] ، ثم ذكر الناصية ، فقال :( ناصية كاذبة خاطئة ) [ آية : 16 ] .العلق : ( 9 - 10 ) أرأيت الذي ينهىثم قال : ( أرءيت الذي ينهى عبداً إذا صلى ) [ آية : 10 ] وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم )فرضت عليه الصلاة بمكة ، فقال أبو جهل : لئن رأيت محمداً يصلي لأضربن عنقه ، فقالالله ، عز وجل : ( أرءيت الذي ينهى عبداً إذا صلى ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، يقول الله تعالى :العلق : ( 11 ) أرأيت إن كان . . . . .) أرءيت إن كان ( ، يعنى محمداً ) على الهدى ) [ آية : 11 ]العلق : ( 12 ) أو أمر بالتقوى) أو أمر بالتقوى ) [ آية : 12 ]يعني بالإخلاصالعلق : ( 13 ) أرأيت إن كذب . . . . .) أرءيت إن كذب ( أبو جهل بالقرآن ) وتولى ) [ آية : 13 ] ، يعنيوأعرضالعلق : ( 14 ) ألم يعلم بأن . . . . .) ألم يعلم ( أبو جهل ) بأن الله يرى ) [ آية : 14 ] النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحده ، ويرى جمعأبي جهل .العلق : ( 15 ) كلا لئن لم . . . . .ثم قال : ( كلا ( لا يعلم أن الله عز وجل يرى ذلك كله ، ثم خوفه ، فقال : ( لئن لم ينته ( يعني أبا جهل عن محمد ، بالتكذيب والتولي ) لنسفعا بالناصية ) [ آية : 15 ] يقول :لنأخذن بالناصية أخذاً شديداً ، ثم أخبر عنه أنه فاجر ، فقال :العلق : ( 16 ) ناصية كاذبة خاطئة) ناصية كذبةٍ خاطئةٍ ) [ آية :16 ] يقول : إنما يجره الملك على وجهه في النار من خطيئته ، ثم قال :العلق : ( 17 ) فليدع ناديه) فليدع ناديه ) [ آية : 17 ] يعنى بني مخزوم ، يعني ناصرهالعلق : ( 18 ) سندع الزبانية) سندع الزبانية ) [ آية : 18 ] فهم أشد غضباًعليه من بني مخزوم على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، لأنه قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : لئن لم تنته ورأيتك هاهنا(3/501)1صفحة رقم 502فأراد بذلك أن يذل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأنزل فيه يذله ، فقال : لئن لم ينته عنك ، وعنمقالته الشرك ) لنسفعا بالناصية ( ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' رأيت أبا جهل في طمطام مننار يجر على وجهه في نار جهنم على جبال من جمر فيطرح في أوديتها ، فيقول : بأبيمحمد وأمي لقد كان ناصحاً لي ، وأراد بي خيراً ، ولكني كنت مسيئاً إلى نفسي ، وأردتبه شراً ، رب ردني إلى قومي ، فأؤمن به ، وآمر بني مخزوم أن يؤمنوا به .العلق : ( 19 ) كلا لا تطعه . . . . .قال : ( كلا لا نطعه واسجد واقترب ) [ آية : 19 ] لأنهم كانوا يبدؤون بالسجود ، ثمبعد السجود بالركوع ، ثم بعد الركوع بالقيام ، فكانوا يقومون ، ويطلبون المسألة منآلهتهم فأمر الله تعالى أن يسجدوا ويقتربوا ، فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يسجد ، ثم يركع ، ثميقوم ، فيدعو الله تعالى ويحمد فخالف الله تعالى على المشركين بعد ذلك ، فأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم )أن يبدأ بالقيام ، ثم بالركوع ، ثم السجود .قال : ( فليدع ناديه ( يعني ناصره ) سندع الزبانية ( يعني خزنة جهنم أرجلهم فيالأرضين السفلى ورءوسهم في السماء ) كلا لا تطعه ( يقول للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :لا تطع أباجهل في أن تترك الصلاة ، ) واسجد ( يقول : وصل لله عز وجل ) واقترب ( إليهبإطاعة ، فلما سمع أبو جهل ذكر الزبانية ، قال : قد جاء وعد الله وانصرف عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،وقد كان هم به ، فلا رجع قالوا له : يا أبا الحكم خفته ؟ قال : لا ، ولكني خفت الزبانية .(3/502)1صفحة رقم 5039سورة القدرمدنية ، عددها خمس آيات كوفىتفسير سورة القدر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .القدر : ( 1 ) إنا أنزلناه في . . . . .قوله : ( إنا أنزلنه ( يعني القرآن أنزله الله عز وجل من اللوح المحفوظ إلى سماءالدنيا ، إلى السفرة ، وهم الكتبة من الملائكة ، وكان ينزل تلك الليلة من الوحي على قدرما ينزل به جبريل ، عليه السلام ، على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في السنة كلها إلى مثلها من قابل حتىنزل القرآن كله ) في ليلة القدر ) [ آية : 1 ] من شهر رمضان من السماء ، ثم قال :القدر : ( 2 ) وما أدراك ما . . . . .) وماأدرك ما ليلة القدر ) [ آية : 2 ] تعظيماً لها ، ثم أخبر عنها ، فقال :القدر : ( 3 ) ليلة القدر خير . . . . .) ليلة القدر خير من ألف شهر ) [ آية : 3 ] يقول : العمل فيها خير من العمل في ألف شهر فيما سواها ليس فيهاليلة القدرالقدر : ( 4 ) تنزل الملائكة والروح . . . . .) تنزل الملئكة والروح فيها ( في تلك الليلة عند غروب الشمس ) بإذن ربهم ( يعني بأمر ربهم ) من كل أمر ) [ آية : 4 ] ينزلون فيها بالرحمة ، وبكل أمر قدرهالله وقضاه في تلك السنة ، ينزلون فيها ما يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل ، ثمأخبر عن تلك الليلة ، فقال :القدر : ( 5 ) سلام هي حتى . . . . .) سلمٌ هي ( هي سلام وبركة وخير ) حتى مطلع الفجر ([ آية : 5 ] .حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال :أخبرني مقاتلبن حيان ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن أنس بن مالك ، عن مقاتل بن سليمان ، عنالضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الروح على صورة إنسان عظيم الخلقة ، وهو الذي قالالله عز وجل : ( ويسألونك عن الروح ) [ الإسراء : 85 ] ، وهو الملك ، وهو يقوم معالملائكة صفاً .(3/503)1صفحة رقم 50498سورة البينةسورة لم يكن مدنية ، عددها ثماني آيات كوفىتفسير سورة البينة من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 8 ) .البينة : ( 1 ) لم يكن الذين . . . . .قوله : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ( يعني اليهود والنصارى ) والمشركين (يعني مشركي العرب ) منفكين ( يعني منتهين عن الكفر والشرك ، وذلكأن أهلالكتاب قالوا : متى يبعث الذي نجده في كتابنا ، وقالت العرب : ( لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين ) [ الصافات : 168 ، 169 ] ، فنزلت : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ( يعني اليهود والنصارى والمشركين ، يعني مشركي العرب) منفكين ( يعني منتهين عن الكفر والشرك ) حتى تأتيهم البينة ) [ آية : 1 ] محمد ( صلى الله عليه وسلم )فبين لهم ضلالتهم وشركهم .البينة : ( 2 ) رسول من الله . . . . .ثم أخبر الله عز وجل ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ( رسولٌ من الله يتلوا صحفاً مطهرةً ) [ آية :2 ] يعني يقرأ صحفاً مطهرة ، يعني كتاباً لأنها جماعة فيها خصال كثيرة ، من كل نحو ،مطهرة من الكفر والشرك يقول : يقرأ كتاباً ليس فيه كفر ولا شرك ، وكل شئ فيهكتاب فإنه يسمى صحفاً .البينة : ( 3 ) فيها كتب قيمةثم قال : ( فيها ( يعني في صحف محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) كتب قيمة ) [ آية : 3 ] يعني كتاباًمستقيماً على الحق ليس فيه عوج ، ولا اختلاف ، وإنما سميت كتب لأن فيها أموراً شتى(3/504)1صفحة رقم 505كثيرة مما ذكر الله عز وجل في القرآن ، ثم قال :البينة : ( 4 ) وما تفرق الذين . . . . .) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ( يعنياليهود والنصارى في أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) [ آية : 4 ] يعني البيانيقول الله تعالى : لم يزل الذين كفروا مجتمعين على تصديق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، حتى بعث لأنهنعته معهم في كتبهم ، فلما بعثه الله عز وجل من غير ولد إسحاق اختلفوا فيه ، فآمنبعضهم : عبد الله بن سلام وأصحابه من أهل التوراة ، ومن أهل الإنجيل أربعون رجلاًمنهم بحيرى ، وكذب به سائر أهل الكتاب .البينة : ( 5 ) وما أمروا إلا . . . . .يقول الله عز وجل : ( وما أمروا ( يقول : ما أمرهم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ( يعني به التوحيد ) حنفاء ( يعني مسلمين غير مشركين ) و ( أمرهم أن) ويقيموا الصلاة ( الخمس المكتوبة ) ويؤتوا الزكوة ( المفروضة ) وذلك دين القيمة ([ آية : 5 ] يعني الملة المستقيمة ، ثم ذكر الله عز وجل المشركين يوم القيامة ، فقال :البينة : ( 6 ) إن الذين كفروا . . . . .) إنالذين كفروا من أهل الكتب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها ( يقول : يقيمون فيها لايموتون .ثم قال : ( أؤلئك هم شر البرية ) [ آية : 6 ] يعني شر الخليقة من أهل الأرض ، ثمذكر مستقر من صدق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال :البينة : ( 7 ) إن الذين آمنوا . . . . .) إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أؤلئك هو خيرالبرية ) [ آية : 7 ] يعني خير الخليقة من أهل الأرضالبينة : ( 8 ) جزاؤهم عند ربهم . . . . .) جزاؤهم ( يعني ثوابهم ) عند ربه ( في الآخرة ) جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهر خلدين فيها أبداً ( لا يموتون ) رضي الله عنهم ( بالطاعة ) ورضوا عنه ( بالثواب ) ذلك لمن خشي ربه ) [ آية : 8 ] في الدنيا ،وكل شئ خلق من التراب ، فإنه يسمى البرية .(3/505)1صفحة رقم 50699سورة الزلزلةمكية ، عددها ثماني آيات كوفىتفسير سورة الزلزلة من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 8 ) .الزلزلة : ( 1 ) إذا زلزلت الأرض . . . . .قوله : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) [ آية : 1 ] يقول : تزلزلت يوم القيامة من شدةصوت إسرافيل ، عليه السلام ، يعني تحركت ، فتفطرت حتى تكسر كل شئ عليهابزلزالها من شدة الزلزلة ، ولا تسكن حتى تلقى ما على ظهرها من جبل ، أو بناء ، أوشجرة ، فيدخل فيها كل شئ خرج منها ، وزلزلت الدنيا ، فلا تلبث حتى تسكنالزلزلة : ( 2 ) وأخرجت الأرض أثقالها) وأخرجت الأرض أثقالها ) [ آية : 2 ] يقول : تحركت فاضطربت ، وأخرجت ما فيجوفها من الناس ، والدواب ، والجن ، وما عليها من الشياطين ، فصارت خالية ليس فيهاشئ ، وتبسط الأرض جديدة بيضاء ، كأنها الفضة ، أو كأنها خامة ، ولها شعاع كشعاعالشمس ، لم يعمل عليها ذنب ، ولم يهرق فيها الدماء ، وذلك أنه إذا جاءت النفخةالأولى ، يموت الخلق كلهم ، ثم النفخة الثانية .فأما الأولى فينادى من تحت العرش من فوق السماء السابعة ، وأما الأخرى فمن بيتالمقدس ، يقعد إسرافيل على صخرة بيت المقدس ، فيقول : أيتها العظام البالية ، والعروقالمتقطعة ، واللحوم المتمزقة أخرجوا إلى فصل الفضاء ، لتجازوا بأعمالكم ، قال : فيخرجونمن قبورهم إلى الأرض الجديدة ، وتسمى الساهرة ، فذلك قوله تعالى : ( فإذا هم بالساهرة ( ، وأيضاً ) وأخرجت الأرض أثقالها ( أخرجت ما فيها من الموتى والأموال .الزلزلة : ( 3 - 4 ) وقال الإنسان ما . . . . .) وقال الإنسان ما لها ) [ آية : 3 ] قال الكافر جزعاً ما لها تنطق بما عمل عليها) يومئذ تحدث أخبارها ) [ آية : 4 ] يقول : تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شر ،تقول الأرض وحد الله على ظهري ، وصلى على ، وصام ، وحج ، واعتمر ، وجاهد ،(3/506)1صفحة رقم 507وأطاع ربه ، فيفرح المؤمن بذلك وتقول الكافر : أشرك على ظهري ، وزنى ، وسرق ،وشرب الخمر ، وفعل ، وفعل ، فتوبخه في وجهه ، وتشهد عليه أيضاً الجوارح ، والحفظة منالملائكة ، مع علم الله عز وجل فيه ، وذلك الخزي العظيم ، فلما سمع الإنسان المكذبعمله ، قال جزعاً : ( ما لها ( يعني للأرض تحدث بما عمل عليها ، فذلك قوله : ( وقالالإنسان مالها ( في التقديم ، يقول له ) يومئذ تحدث أخبارها ( يقول : تشهد على أهلهابما عملوا عليها من خير أو شر ، فلما سمع الكافر يومئذٍ ، قال : ما لها تنطق ؟ قال الملكالذي كان موكلاً به في الدنيا يكتب حسناته وسيئاته ، قال : هذا الكلام الذي تسمع إنماشهدت على أهلها .الزلزلة : ( 5 ) بأن ربك أوحى . . . . .) بأن ربك أوحى لها ) [ آية : 5 ] ) وقال الإنسان ما لها ( يعني الكافر ، يقول : يوحيالله إليها بأن تحدث أخبارها ، وأيضاً أن ربك أوحى لها بالكلام ، فذلك قوله : ( أوحى لها ( ،الزلزلة : ( 6 ) يومئذ يصدر الناس . . . . .) يومئذ يصدر الناس أشتاتا ( يعني يرجع الناس من بعد العرض والحساب إلىمنازلهم من الجنة والنار متفرقين ، كقوله : ( يومئذ يصدعون ) [ الروم : 43 ] ، يعنييتفرقون فريق في الجنة ، وفريق في السعير .وذكر فينا تقدم ) وأخرجت الأرض أثقالها ( ، ثم ذكر هنا ان الناس أخرجوا ) ليروا أعمالهم ) [ 6 ] الخير والشر ، يعني لكي يعاينوا أعمالهم ، وأيضاً ) يومئذ يصدر الناس أشتاتا ( ، يقول : انتصف الناس فريقين والأشتات الذين لا يلتقون أبداً ، قال : ( ليرواأعملهم ( ، ثم قال :الزلزلة : ( 7 - 8 ) فمن يعمل مثقال . . . . .) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) [ آية : 7 ] يقول : من يعملفي الدنيا مثقال ذرة ، يعني وزن نملة أصغر النمل الأحمر التي لا تكاد نراها من صغرها ،خيراً في التقديم يره يومئذٍ يوم القيامة في كتابه أيضاً ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [ آية : 8 ] في صحيفته ، وذلك أنالعرب كانوا لا يتصدقون بالشئ القليل ، وكانوا لا يرون بالذنب الصغير بأساً ، فزهدهمالله عز وجل في الذنب الحقير ، ورغبهم في الصدقة القليلة ، فقال : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ( في كتابه والذرةأصغر النمل وهي النملة الصغيرة ، وأيضاً فمن يعمل في الدنيا مثقال ذرة قدر نملة شراً يرهيوم القيامة في كتابه ، نزلت في رجلين بالمدينة ، كان أحدهما إذا أتاه السائل يستقل أنيعطيه الكسرة أو النمرة ، ويقول : ما هذا بشئ إنما نؤجر على ما نعطى ونحن نحبه .وقد قال الله عز وجل : ( ويطعمون الطعام على حبه ) [ الإنسان : 8 ] ، فيقول : ليس(3/507)1صفحة رقم 508هذا مما يحب ، فيستقل ذلك ، ويرى أنه لا يؤجر عليه ، فيرد المسكين صفرا ، وكان الآخريتهاون بالذنب اليسير الكذبة ، والنظرة ، والغيبة ، وأشباه ذلك ، ويقول : ليس على من فعلهذا شئ إنما وعد الله النار أهل الكبائر ، فأنزل الله عز وجل يرغبهم في القليل من الخيرأن يعطزه الله ، فإنه يوشك أن يكثر ويحذرهم اليسير من الشر ، فإنه يوشك أن يكثر ،فالذنب الصغير في عين صاحبه يوم القيامة أعظم من الجبال الرواسي ، ولجميع محاسنهالتي عملها في دار الدنيا أصغر في عينه من حسنة واحدة .حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن أبي روق ، فيقوله : ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ) [ الأنعام : 115 ] ، قال : لمن جاء بشرائعالإسلام ، فله الجنة وعدلاً على أهل التكذيب فلهم النار .أسماء بن دفن بالبصرة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ورحمة الله عليهم ، عمران بنحصين ، وطلحة ، والزبير ، وزيد بن صوحان ، وأنس بن مالك .أسماء من حفظ القرآن من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أبو الدرداء ، وابن مسعود ، ومعاذبن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد .قال مقاتل ، رحمه الله : شعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم .أيوب بن تارح بن عيصو .داود بن أشى بن عويذ بن قارص بن يهوذا بن يعقوب .إسحاق بن إبراهيم .هود وهو عابر .صالح بن أرفخشد بن سام بن نوح .إبراهيم اسمه إبراهيم ، وفي الإنجيل أبو الأمم .لوط بن حران بن آزر ، وهو ابن أخي إبراهيم ، وسميت حران به .سارة أخت لوط بنت حران ، أخي إبراهيم ، وهي امرأته .قال مقاتل :الحسن عشرة أجزاء خمسة لحواء ، وثلاثة لسارة ، وواحد ليوسف ، وواحدلسائر الناس .(3/508)1صفحة رقم 509حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال : حدثني المسيببن شريك ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ،قال : قالت الملائكة : نحن المقربون منا حملة العرش ، ومنا الحفظة الكرام الكاتبونجعلت الدنيا لبني آدم يأكلون ، ويشربون ، ويفرحون ، فاجعل لنا الجنة ، فأوحى اللهإليهم لا أجعل صالح ذرية من خلقته بيدي ، كمن قلت له كن فكان ، قال المسيب : ذلكفي كتاب الله عز وجل ) أولئك هم خير البرية ) [ آية : 7 ] ، يعني الخليقة .حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : قال الهذيل : حدثني الحذاء عن شيبان ، عنبشر بن سعاف ، عن عبد الله بن سلام ، قال : إن الله عز وجل لم يخلق خلقاً أكرم عليهمن آدم ، عليه السلام ، قال : فقلت : ولا من جبريل ، وميكائيل ، عليهما السلام ، فقال :نعم ، إنما هم قوم محمولون على شئ كالشمس والقمر ، وحديث آخر أن المسجود لهأكرم على الله عز وجل من الساجد .(3/509)1صفحة رقم 510100سورة العادياتمكية ، عددها إحدى عشرة آية كوفىتفسير سورة العاديات من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 11 )العاديات : ( 1 ) والعاديات ضبحاقوله : ( والعاديت ضبحاً ) [ آية : 1 ] ذلكأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعث سرية إلى حنين منكنانة ، واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري أحد النقباء ، فغابت فلم يأتيالنبي( صلى الله عليه وسلم ) خبرها ، فأخبره الله عز وجل عنها ، فقال : ( والعاديت ضبحاً ( يعني الخيل ، وقيل : إنرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث سرية إلى أرض تهامة ، وأبطأ عليه الخبر ، فجعلت اليهود والمنافقونإذا رأوا رجلاً من الأنصار أو من المهاجرين تناجوا بأمره ، فكان الرجل يظن أنه قد مات ،أو قتل أخوه ، أو أبوه ، أو عمه ، وكان يجد من ذلك أمراً عظيماً ، فجاءه جبريل ، عليهالسلام ، يوم الجمعة عند وقت الضحى ، فقال : ( والعاديت ضبحاً ( يقول : غدت الخيلإلى الغزو حتى أضبحت فعلت أنفاسها بأفواهها ، فكان لها ضباح كضباح الثعلب .العاديات : ( 2 ) فالموريات قدحاثم قال : ( فالموريت قدحاً ) [ آية : 2 ] يقدحن بحوافرهن في الحجارة ناراً كنار أبيحباحب ، وكان شيخاً من مصر في الجاهلية له نويرة تقدح مرة وتخمد مرة لكيلا يمر بهضيف فشبه الله عز وجل ضوء وقع حوافرهن في أرض حصباء بنويرة أبي حباحب ،وأيضاً ) فالموريت قدحاً ( قال : كانت تصيب حوافرهن الحجارة فتقدح منهن النار ، ثمقال :العاديات : ( 3 ) فالمغيرات صبحا) فالمغيرات صبحا ) [ آية : 3 ] وذلك أن الخيل صبحت العدو بغارة يقول : غارتعليهم صبحاًالعاديات : ( 4 ) فأثرن به نقعا) فأثرن به نقعا ) [ آية : 4 ] يقول : فأثرن بجريهن يعني بحوافرهن نقعاً فيالتراب .حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال الفراء : النقع الغبارالعاديات : ( 5 ) فوسطن به جمعا) فوسطن به جمعا ) [ آية : 5 ] يعني(3/510)1صفحة رقم 511بعدوهن ، يقول : حين تعدو الخيل جمع القوم يعني العدو ، فأقسم الله عز وجل ، بالعادياتضبحاً ، وحدهاالعاديات : ( 6 ) إن الإنسان لربه . . . . .) إن الإنسن لربه لكنودٌ ) [ آية : 6 ] وأيضاً ) فوسطن به جمعا (يقول : فوسطن بذلك الغبار جمعاً ، يقول :حمل المسلمون عليهم ، فهزموهم ، فضرببعضهم بعضاً ، حتى ارتفع الوهج الذي كان ارتفع من حوافر الخيل إلى السماء ، فهزم اللهالمشركين وقتلهم ، فأخبره الله عز وجل بعلامات الخيل ، والغبار ، وكيف فعل بهم ؟ فقالرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' يا جبريل ، ومتى كان هذا ' ؟ قال : اليوم ، فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرالمسلمين بذلك ، وقرأ عليهم كتاب الله عز وجل ، ففرحوا واستبشروا ، وأخزى الله عزوجل اليهود والمنافقين ) إن الإنسن لربه لكنودٌ ( يعني لكفور ، نزلت في قرط بنعبد الله بن عمرو بن نوفل القرشي ، وهو الرجل الذي أكل وحده ، وأشبع بطنه وأجاععبده ، ومتع رفده ، ولم يعط قومه شيئاً ، يسمى بلسان بني مالك بن كنانة الكنود .العاديات : ( 7 ) وإنه على ذلك . . . . .ثم قال : ( وإنه على ذلك لشهيد ) [ آية : 7 ] يقول :إن الله عز وجل على كفر قرطلشهيد ، ثم أخبر عنه ، فقال :العاديات : ( 8 ) وإنه لحب الخير . . . . .) وإنه لحب الخير لشديد ) [ آية : 8 ] يعني المال ، ثم خوفه ،فقال :العاديات : ( 9 ) أفلا يعلم إذا . . . . .) أفلا يعلم ( يعني فهلا يعلم ) إذا بعثر ( يعني بعث ) ما في القبور ) [ آية :9 ] من الموتىالعاديات : ( 10 ) وحصل ما في . . . . .) وحصل ما في الصدور ) [ آية : 10 ] من الخير والشر ، يعني تميز ما فيالقلبالعاديات : ( 11 ) إن ربهم بهم . . . . .) إن ربهم بهم يومئذ ( يعني يوم القيامة ) لخبير ) [ آية : 11 ] بالصالح منهموالطالح .(3/511)1صفحة رقم 512101سورة القارعةمكية ، عددها إحدى عشرة آية كوفىتفسير سورة القارعة من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 11 ) .القارعة : ( 1 ) القارعةقوله : ( القارعة ) [ آية : 1 ] ثم بين لهمالقارعة : ( 2 ) ما القارعة) ما القارعة ) [ آية : 2 ] فقال : يقرع اللهعز وجل أعداءه ، ثم قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :القارعة : ( 3 ) وما أدراك ما . . . . .) وما أدرك ما القارعة ) [ آية : 3 ] تعظيماً لهالشدتها ، وكل شئ في القرآن وما أدراك ، فقد أخبر به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكل شئ في القرآنوما يدريك فمما لم يخبر به ، وفي الأحزاب : ( وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ([ الأحزاب : 63 ] .وقال في هذه السورة : ( وما أدرك ما القارعة ( ثم أخبر عنها ، فقال :القارعة : ( 4 ) يوم يكون الناس . . . . .) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) [ آية : 4 ] يقول : إذا خرجوا من قبورهم تجول بعضهمفي بعض ، فشبههم بالفراش المبثوث ، وشبههم في الكثرة بالجراد المنتشر ، فقال :( كأنهم جراد منتشر ) [ القمر : 7 ] ، ثم قال :القارعة : ( 5 ) وتكون الجبال كالعهن . . . . .) وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) [ آية : 5 ] يقول : تكون الجبال يومئذٍ بعد القوة والشدة كالصوف المندوفعرقها في الأرض السفلى ، ورأسها في السماء ، يقول : هو جبل فإذا مسسته فهو لا شئمن شدة الهول : فما حالك يومئذٍ يا ابن آدم ، قال : كالصوف المنفوش في الوهن ، أوهنما يكون الصوف إذا نقشالقارعة : ( 6 ) فأما من ثقلت . . . . .) فأما من ثقلت موازينه ) [ آية : 6 ] يقول : من رجحتموازينه بحسناته .القارعة : ( 7 ) فهو في عيشة . . . . .) فهو في عيشة راضية ) [ آية : 7 ] ولا يثقل الميزان إلا قول : لا إله إلا الله بقلوب(3/512)1صفحة رقم 513المخلصين في الأعمال ، وهم الموحدون ، يعني في عيش في الجنة برضاهالقارعة : ( 8 ) وأما من خفت . . . . .) وأما من خفتموزينه ) [ آية : 8 ] بسيئاته وهو الشرك لأنه لا يرى شيئاً مما كسب إلا صاركالرماد ، فاشتدت به الريح في يوم شديد الريح ، وكما أنه ليس في الأرض شئ أخبثمن الشر ، فهكذا ليس شئ أخف من الشرك في الميزان ، ولا إله إلا الله ثقيلة ،وصاحبها ثقيل كريم رزين عند الله عز وجل ، فيأتي صاحب التوحيد بأعماله الصالحةفيثقل ميزانه ، ويأتي صاحب الشرك بأعماله الصالحة فلا تكون له حسنة توزن معه ، فهوخفيف ) فأما من ثقلت موازينه فهو في عشةٍ راضيةٍ ( وهي الجنة ، يعنيبراضيه أنه لا يسخط بعد دخولها أبداً ، ) وأما من خفت موزينه ( وهو الشرك .القارعة : ( 9 ) فأمه هاوية) فأمه هاوية ) [ آية : 9 ] يقول : لا تحمله الأرض ، ولا تظله السماء ، ولا شئإلا النار ، فذلك قوله : ( فأمه هاوية ( يعني أصله هاوية ، كقوله : ( أم القرى ([ الأنعام : 92 ] ، يعني أصل القرى يعني مكة .القارعة : ( 10 - 11 ) وما أدراك ما . . . . .ثم قال : ( وما أدرك ما هيه نارٌ حاميةٌ ) [ آية : 11 ] يقول : نار حاميةتحمي ستة أبواب من جهنم ، ) وأما من خفت موزينه ( يقول : خفت موازينه بسيئاتهوحق لميزان لا يقع فيه الحق أن يخف لأن الحق ثقيل مرئ ، والباطل خفيف وبئ ) وماأدرك ما هيه ( تعظيماً لشدتها ، ثم أخبر عنها ، فقال : هي : ( نار حامية ( يقول :انتهى حرها .(3/513)1صفحة رقم 514102سورة التكاثرمكية ، عددها ثمان آياتتفسير سورة التكاثر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 8 ) .التكاثر : ( 1 ) ألهاكم التكاثر) ألهكم التكاثر ) [ آية : 1 ] يعني شغلكم التكاثر ، وذلك أن حيين من قريش منبني عبد مناف بن قصي ، وبني سهم بن عمرو بن مرة بن كعب ، كان بينهم لحاءفافتخروا ، فتعادى السادة والأشراف ، فقال : بنو عبد مناف : نحن أكثر سيداً ، وأعزعزيزاً ، وأعظم شرفاً ، وأمنع جانباً ، وأكثر عدداً ، فقال بنو سهم لبني عبد مناف : مثلذلك فكاثرهم بنو عبد مناف بالأحياء ، ثم قالوا : تعالوا نعد أمواتنا ، حتى أتوا المقابريعدونهم ، فقالوا : هذا قبر فلان ، وهذا قبر فلان ، فعد هؤلاء وهؤلاء موتاهم ، فكاثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات ، لأنهم كانوا أكثر عدداً في الجاهلية من بني عبد مناف ، فأنزل اللهفي الحيين ) ألهكم التكاثر ( يقول : شغلكم التكاثر عن ذكر الآخرة ، فلم تزالواكذلكالتكاثر : ( 2 ) حتى زرتم المقابر) حتى زرتم المقابر ) [ آية : 2 ] كلكم يقول : إلى أن أتيتم المقابر .التكاثر : ( 3 ) كلا سوف تعلمونثم أوعدهم الله عز وجل ، فقال : ( كلا سوف تعلمون ) [ آية : 3 ] هذا وعيد ما نحنفاعلون بذلك إذا نزل بكم الموت ، ثم قال :التكاثر : ( 4 ) ثم كلا سوف . . . . .) ثم كلا سوف تعلمون ) [ آية : 4 ] وهووعيد : إذا دخلتم قبوركم ، ثم قال :التكاثر : ( 5 ) كلا لو تعلمون . . . . .) كلا ( لا يؤمنون بالوعيد ، ثم استأنف ، فقال :( لو تعلمون علم اليقين ) [ آية : 5 ] لا شك فيهالتكاثر : ( 6 ) لترون الجحيم) لترون الجحيم ) [ آية : 6 ] لعلمتمأنكم سترون الجحيم في الآخرةالتكاثر : ( 7 ) ثم لترونها عين . . . . .) ثم لترونها عين اليقين ) [ آية : 7 ] لا شك فيه ،يقول : لترون الجحيم في الآخرة معاينة ، والجحيم ما عظم من النار ، يقينها رؤية العين ،سنعذبهم مرتين ، مرة عند الموت ، ومرة عند القبر ، ثم يردون إلى عذاب عظيم .التكاثر : ( 8 ) ثم لتسألن يومئذ . . . . .) ثم لتسئلن ( في الآخرة ) يومئذ عن النعيم ) [ آية : 8 ] يعني كفار مكة كانوا(3/514)1صفحة رقم 515في الدنيا في الخير والنعمة ، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه ، وأيضاً ، فذلكقوله : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها ) [ الأحقاف : 20 ] ، وقال :( ثم لتسئلن يومئذٍ عن النعيم ( ، وذلك أن الله عز وجل إذا جمع الكفار في النارصرخوا : يا مالك ، أضجت لحومنا ، وأحرقت جلودنا ، وجاعت وأعطشت أفواهنا ،وأهلكت أبداننا ، فهل إلى خروج يوم واحد من سبيل من النار ، فيرد عليهم مالك يقول :لا ، قالوا : ساعة من النهار ، قال : لا قالوا فردنا إلى الدنيا ، فنعمل غير الذي كنا نعمل ،قال : فينادى مالك ، خازن النار ، بصوت غليظ جهير ، قال : فإذا نادى حسرت النار منفوقه ، وسكن أهلها ، فيقول أبشروا فيرجون أن تكون عافية قد أتتهم ، ثم ينادهم : يا أهل النار ، فيقولون : لبيك : يا أهل البلاء ، فيقولون : لبيك ، فيقول : ( أذهبتم فيطيباتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتمتستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) [ الأحقاف : 20 ] ، يا أهلالفرش والوسائد والنعمة في دار الدنيا ، كيف تجدون مس سقر ؟ قالوا : يأتينا العذاب منكل مكان ، فهل إلى أن نموت ونستريح ، قال : فيقول : وعزة ربي لا أزيدكم إلا عذاباً ،قال : فذلك قوله : ( ثم لتسئلن يومئذٍ عن النعيم ( ، يعني الشكر للنعيم الذي أعطاه اللهعز وجل ، فلم يهتد ولم يشكر ، يعني الكافر .(3/515)1صفحة رقم 516103سورة العصرمكية ، عددها ثلاث آيات كوفىتفسير سورة العصر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 2 ) .العصر : ( 1 ) والعصر) والعصر ) [ 1 ] قسم ، أقسم الله عز وجل بعصر النهار ، وهو آخر ساعة من النهار ،وأيضاً العصر سميت العصر حين تصويت الشمس للغروب ، وهو عصر النهار ، فأقسم اللهعز وجل بصلاة العصر .العصر : ( 2 ) إن الإنسان لفي . . . . .) إن الإنسن لفي خسرٍ ) [ آية : 2 ] نزلت في أبي لهب اسمه عبد العزى بن عبدالمطلب ، يعنى أنه لفى ضلال أبداً ، حتى يدخل النار ،العصر : ( 3 ) إلا الذين آمنوا . . . . .ثم استثنى ، فقال : ( إلا الذين ءامنواوعملوا الصالحات ( فليسوا في خسران ، ثم نعتهم ، فقال : ( وتواصوا بالحق ( يعنيبتوحيد الله عز وجل ) وتواصوا بالصبر ) [ آية : 3 ] يعنى على أمر الله عز وجل ، فمن فعلهذين كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فليسوا من الخسران في شئ ، ولكنهمفي الجنان مخلدون .(3/516)1صفحة رقم 517104سورة الهمزةمكية ، عددها تسع آيات كوفىتفسير سورة الهمزة من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 9 ) .الهمزة : ( 1 ) ويل لكل همزة . . . . .) ويل لكل همزة ( يعني الطعان المغتاب الذي إذا غاب عنه الرجل اغتابه منخلفه ) لمزة ) [ آية : 1 ] يعني الطاغي إذا رآه طغى عليه في وجهه : نزلت في الوليد بنالمغيرة المخزومي ، ثم نعته ، فقال :الهمزة : ( 2 ) الذي جمع مالا . . . . .) الذي جمع مالا وعدده ) [ آية : 2 ] يقول : الذياستعد مالاً ليشترى به الخدم والحيوان يقولالهمزة : ( 3 ) يحسب أن ماله . . . . .) يحسب أن ماله أخلده ) [ آية : 3 ] منالموت ، فلا يموت حتى يفنى ماله ، يقول الله عز وجلالهمزة : ( 4 ) كلا لينبذن في . . . . .) كلا ( لايخلده ماله وولده ، ثماستأنف ، فقال : ( لينبذن في الحطمة ) [ آية : 4 ] يقول : ليتركن في الحطمةالهمزة : ( 5 ) وما أدراك ما . . . . .) وما أدراك ما الحطمة ) [ آية : 5 ] تعظيماً لشدتها ، تحطم العظام ، وتأكل اللحم حتى تهجم علىالقلب .الهمزة : ( 6 ) نار الله الموقدةثم أخبر عنها ، فقال : ( نار الله الموقدة ) [ آية : 6 ] على أهلها لا تخمد ، ثم نعتها ،فقالالهمزة : ( 7 ) التي تطلع على . . . . .) التي تطلع على الأفئدة ) [ آية : 7 ] يقول : تأكل اللحم والجلود حتى يخلص حرهاإلى القلوب ، ثم تكسى لحماً جديداً ، ثم تقبل عليه وتأكله حتى يصير إلى منزلته الأولىالهمزة : ( 8 ) إنها عليهم مؤصدة) إنها عليهم مؤصدة ) [ آية : 8 ] يعني مطبقةالهمزة : ( 9 ) في عمد ممددة) في عمد ممددة ) [ آية : 9 ] يقول : طبقتالأبواب ثم شدت بأوتاد من حديد من نار ، حتى يرجع عليهم غمها وحرها ، فلا يفتحعليهم باب ، ولا يدخل عليهم روح ، ولا يخرج منها غم آخر الأبد .وأيضاً ) لكل همزة لمزة ( ، فأما الهمزة فالذي ينم الكلام إلى الناس وهو النمام ،وأما اللمزة ، فهو الذي يلقب الرجل بما يكره ، وهو الوليد بن المغيرة ، كان رجلاً نماماً ،(3/517)1صفحة رقم 518وكان يلقب الناس من التجبر والعظمة ، وإن يستهزئ بالناس ، وذلك أنه أنزل على رسولالله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا ) [ المدثر : 11 ، 12 ] ،وكان له حديقتان ، حديقة بمكة ، وحديقة بالطائف ، وكان لا ينقطع خيره شتاء ولاصيفاً ، فذلك قوله : ( مالا ممدودا وبنين شهودا ) [ المدثر : 12 ، 13 ] ، يعنى أربابالبيوت ، وكان له سبعة بنين ، قال : ( ومهدت له شهوداً ) [ المدثر : 14 ] ، يقول :بسطت له في المال كل البسط ، ) ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا ([ المدثر : 15 ، 16 ] ، قال : والله ، قسمت مالي يميناً وشمالاً على قريش ما دمت حياً مافنى ، فكيف تعدني الفقر ؟ قال : أما والله ، إن الذي أعطاك ، قادر على أن يأخذه منك ،فوقع في قلبه من ذلك شئ ، ثم عمد إلى ماله فعده ، ما كان ذهب أو فضة ، أو أرض ،أو حديقة ، أو رقيق ، فعده وأحصاه .فقال : يا محمد تعدني الفقر والله لو كان هذا خبزاً ما فنى ، فأنزل الله عز وجل :[ آية صفحة 11 إلى آية 8 ] وذلك أن الشقي إذا دخلالنار طاف به الملك في أبوابها في ألوان العذاب وفتح له باب الحطمة ، وهي باب منأبواب جهنم ، وهي نار تأكل النار من شدة حرها ، وما خمدت من يوم خلقها الله عزوجل إلى يوم يدخلها ، فإذا فتح ذلك الباب وقعت النار عليه فأحرقته ، فتحرق الجلدواللحم والعصب والعظم ولا تحرق القلب ولا العين ، وهو ما يعقل به ويبصر ، فذلكقوله تعالى : ( التي تطلع على الأفئدة ( ثم تلا : ويأتيه الموت من كل مكان ، وما هو بميت ،يقول : ليس في جسده موضع شعرة إلا والموت يأتيه من ذلك المكان ، ثم قال : ( إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة ( وذلك أنه إذا خرج الموحدون من الباب الأعلى ،وهي جهنم ، قال أهل تلك السبعة الأبواب ، وهي أسفل درك من النار ، لأهل البابالسادس : ( ما سلككم في سقر ( يقول : ما أدخلكم في سقر ، ) قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ) [ المدثر : 42 ، 44 ] إلى آخر الآيات ، ثم يقولون : تعالواحتى نجزع ، فيجزعون حقباً من الدهر فلا ينفعهم شيئاً ، ثم يقولون : تعالوا حتى نصرخفيصرخون حقبا من الدهر ، فلا يغنى عنهم شيئاً ، فيقولون : تعالوا : حتى نصبر ، فلعل اللهعز وجل إذا صبرنا وسكتنا أن يرحمنا ، فيصبرون حقباً من الدهر ، فلا يغنى عنهم شيئاً ،(3/518)1صفحة رقم 519فيقولون : ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) [ إبراهيم : 21 ] ، ثمينادون : ( أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ) [ المؤمنون : 107 ] ، فينادى رب العزةمن فوق العرش : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) [ المؤمنون : 108 ] ، فتصم آذانهمويختم على قلوبهم ، وتغلق عليهو أبوابها ، فيطبق كل واحد على صاحبه ، بمسامير منحديد من نار كأمثال الجبال ، فلا يلج فيها روح ، ولا يخرج منها حر النار ، ويأكلون منالنار ، ولا يسمع فيها إلا الزفير والشهيق ، نسأل الله المعافاة منها بفضله وجوده ، ورحمته .(3/519)1صفحة رقم 520105سورة الفيلمكية ، عددها خمس آيات كوفىتفسير سورة الفيل ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .الفيل : ( 1 ) ألم تر كيف . . . . .) ألم تر ( ألم تعلم يا محمد ) كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) [ آية : 1 ] يعني أبرهةبن الأشرم اليماني وأصحابه ، وذلك أنه كان بعث أبا يكسوم بن أبرهة اليماني الحبشي ،وهو ابنه ، في جيش كثيف إلى مكة ، ومعهم الفيل ليخرب البيت الحرام ، ويجعل الفيلمكان البيت بمكة ، ليعظم ويعبد كتعظيم الكعبة ، وأمره أن يقتل من حال بينه وبين ذلك ،فسار أبو يكسوم بمن معه حتى نزل بالمعمس ، وهو واد دون الحرم بشئ يسير ، فلماأرادوا أن يسوقوا الفيل إلى مكة لم يدخل الفيل الحرم ، وبرك ، فأمر أبو يكسوم أن يسقوهالخمر ، فسقوه الخمر ويردونه في سياقه ، فلما أرادوا أن يسوقوه برك الثانية ، ولم يقم ،وكلما خلوا سبيله ولي راجعاً إلى الوجه الذي جاء منه يهرول ، ففزعوا من ذلكوانصرفوا عامهم ذلك ، فلما أن كان بعده بسنة أو بسنتين خرج قوم من قريش في تجارةإلى أرض النجاشي ، حتى دنوا من ساحل البحر في سند حقف من أحقافها ببعيةالنصارى ، وتسميها قريش الهيكل ، ويسميها النجاشي وأهله أرضة ما سر حسان ، فنزلالقوم في سندها ، فجمعوا حطباً ، وقدوا ناراً ، وشووا لحماً .فلما أرادوا أن يرتحلوا تركوا النار ، كما هي في يوم عاصف ، فعجبت الريح واضطرمالهيكل ناراً ، فانطلق الصريخ إلى النجاشي ، وجاءه الخبر فأسف عند ذلك غضباً للبيعة ،وسمعت بذلك ملوك العرب الذين هم بحضرته ، فأتوا النجاشي منهم حجر بن شرحبيل ،وأبو يكسوم الكنديان ، وأبرهة بن الصباح الكندي ، فقالوا : أيها الملك ، لا تكاد ولاتغلب ، نحن مؤازرون لك على كعبة قريش التي بمكة ، فإنها فخرهم ومعتزهم على من(3/520)1صفحة رقم 521بحضرتهم من العرب ، فننسف بناءها ، ونبيح دماءها ، وننتهب أموالها ، وتمنح حفائرها منشئت من سوامك ، ونحن لك على ذلك مؤازرون ، فاعزم إذا شئت أو أحببت أيها الملك ،فأرسل الملك الأسود بن مقصود ، فأمر عند ذلك بجنوده من مزارعي الأرض ، فأخرجكتائبه جماهير معهم الفيل ، واسمه محمود ، فسار بهم وبمن معه من ملوك العرب تلقاء مكةفي حجائل تضيق عليهم الطرق ، فلما ساروا مروا بخيل لعبد المطلب ، جد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،مسومة وإبل ، فاستاقها .فركب الراعي فرساً له أعوجياً كان يعده لعبد المطلب ، فأمعن في السير حتى دخلمكة ، فصعد إلى الصفا فرقي عليه ، ثم نادى بصوت رفيع : يا صباحاه ، يا صباحاه ، أتتكمالسودان معها فيلها ، يريدون أن يهدموا كعبتكم ، ويدعوا عزكم ، ويبيحوا دماءكم ،وينتهبوا أموالكم ، ويستأصلوا بيضتكم ، فالنجاء النجاء ، ثم قصد إلى عبد المطلب ، فأخبرهالأمر كله ، فركب عبد المطلب فرسه ، ثم أمعن جاداً في السير حتى هجم على عسكرالقوم ، فاستفتح له أبرهة بن الصباح ، وحجر بن شراحيل ، وكانا خلين ، فقالا : لعبدالمطلب ارجع إلى قومك ، فأخبرهم وأنذرهم أن هذا قد جاءكم حمياً أتيا ، فقال عبدالمطلب : واللات و العزى ، لا أرجع حتى أرجع معي بخيلي ، ولقاحي ، فلما عرفا أنه غيرراجع ونازع عن قوله قصداً به إلى النجاشي ، فقالا : كهيئة المستهزئين يستهزئان به : أيهاالملك ، أودد عليه أبله وخياله ، فإنما هو وقومه لك بالغداة ، فأمر بردها .فقال عبد المطلب للنجاشي : هل لك إلى أن أعطيك أهلي ومالي ، وأهل قومي ،وأموالهم ، ولقاحهم على أن تنصرف عن كعبة الله ؟ قال : لا ، فسار عبد المطلب بإبلهوخيله ، حتى أحرزها ، ونزل النجاشي ذا المجاز ، موضع سوق الجاهلية ، ومعه من العددوالعدة كثير ، وانذعرت قريش وأعروا مكة ، فلحقوا بجبل حراء وثبير ، وما بينها منالجبال ، وقال عبد المطلب لقريش : واللات ، والعزى لا أبرح البيت حتى يقضى اللهقضاءه ، فقد نبأني أجدادي أن للكعبة ، ربا يمنعها ، ولن تغلب النصرانية ، وهذه الجنودجنود الله ، وبمكة يومئذٍ أبو مسعود الثقفي جد المختار ، وكان مكفوف البصر ، يقيظبالطائف ، ويشتو بمكة ، وكان رجلاً نبيلاً تستقسم الأمور برأيه ، وهو أول فاتق ، وأولراتق ، وكان خلا لعبد المطلب ، فقال له عبد المطلب : يا أبا مسعود ، ماذا عندك هذا يوملا يتغنى عن رأيك ، قال له أبو مسعود : اصعد بنا الجبل حتى نتمكن فيه ، فصعدا الجبلفتمكنا فيه ، فقال أبو مسعود لعبد المطلب : اعمد إلى ما ترى من إبلك ، فاجعلها حرماً(3/521)1صفحة رقم 522لله ، وقلدها نعالاً ، ثم أرسلها في حرم الله ، فلعل بعض هؤلاء السودان أن يعقروها ،فيغضب رب هذا البيت ، فيأخذهم عند غضبه ، ففعل ذلك عبد المطلب ، فعمد القوم إلىتلك الإبل ، فحملوا عليها وعقروا بعضها ، فقال عبد المطلب عند ذلك ، وهو يبكي :يا رب إن العبد يمنع رحله فأمنع حلالكلا يغلبن صليبهم ومحالهم عدواً محالك) فلم أسمع بأرجس من رجالأرادوا العز فانتهكوا حراملكفإن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدا لك العز فانتهكوا حرامكثم دعا عليهم فقال : الله أخز الأسود بن مقصود ، الآخذ الهجمة بعد التقليد ، قلبهاإلى طماطم سود ، بين ثبير فالبيد والمروتين والمشاعر السود ، ويهدم البيت الحرم المصمود ،قد أجمعوا ألا يكون لك عمود ، أخفرهم ربي فأنت محمود .فقال أبو مسعود : إن لهذا البيت رباً يمنعه منعة ونحن له فلا ندري ما منعه ، فقد نزلتبع ملك اليمن بصحن هذا البيت ، وأراد هدمه ، فمنعه الله عن ذلك ، وابتلاه وأظلمعليهم ثلاثة أيام ، فلما رأى ذلك تبع كساه الثياب البيض من الشطرين وعظمه ، ونحر لهجزراً ، ثم قال أبو مسعود لعبد المطلب : انظر نحو البحر ما ترى ؟ فقال : أرى طيراً بيضاًقد انساب مع شاطئ البحر ، فقال : ارمقها ببصرك أين قرارها ؟ قال : أراها قد أزرت علىرءوسنا ، فقال : هل تعرفها ؟ قال : لا والله ما أعرفها ، ما هي بنجدية ، ولا تهامية ، ولاغربية ، ولا شرقية ، ولا يمانية ، ولا شامية ، وإنها تطير بأرضنا غير مؤنسة .قال : ما قدرها ؟ قال : أشباه اليعاسيب في مناقيرها الحصى كأنها حصى الخذف قدأقبلت ، وهي طير أبابيل يتبع بعضها بعضاً ، أمام كل رفقة منها طائر يقودها أحمر المنقار ،أسود الرأس ، طويل العنق ، حتى إذا جازت بعسكر القوم ركدن فوق رءوسهم ، فلماتوافتها الرعال كلها هالت الطير ما في مناقيرها من الحجارة على من تحتها ، يقال : إنهكان مكتوباً على كل حجر اسم صاحبه ، ثم إنها عادت راجعة من حيث جاءت ، فقالأبو مسعود : لأمر ما هو كائن ، فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل إلى الأرض فمشيا ربوةأو ربوتين ، فلم يؤنسا أحداً ، ثم دنوا فمشيا ربوة ، أو ربوتين أيضاً ، فلم يسمعا همساً ،فقالا : عند ذلك بات القوم سامدين فأصبحوا نياماً لا يسمع لهم ركزاً ، وكانا قبل ذلكيسمعان صياحهم ، وجلبة في أسواقهم ، فلما دنيا من عسكرهم ، فإذا هم خامدون يقعالحجر في بيضة الرجل فيخرقها ، حتى يقع في دماغه ، ويخرق الفيل والدابة ، حتى يغيب(3/522)1صفحة رقم 523في الأرض من شدة وقعه ، فعمد عبد المطلب ، فأخذ فأساً من فئوشهم فحفر حتى عمقفي الأرض وملأه من الذهب الأحمر والجوهر الجيد ، وحفر أيضاً لصاحبه فملأه منالذهب والجوهم .ثم قال لأبي مسعود :هات خاتمك ، واختر أيهما شئت ، خذ إن شئت حفرتي ، وإنشئت حفرتك ، وإن شئت فهما لك ، فقال أبو مسعود : اختر لي ، فقال عبد المطلب : إنيلم أجعل أجود المتاع في حفرتي وهي لك ، وجلس كل واحد منهما على حفرة صاحبه ،ونادى عبد المطلب في الناس ، فتراجعوا فأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعاً ، وسادعبد المطلب بذلك قريشاً ، وأعطوه المقادة ، فلم يزل عبد المطلب وأبو مسعود وأهلوهمافي غنى من ذلك المال ، ودفع الله عز وجل عن كعبته وقبلته وسلط عليهم جنوداً لا قبللهم بها ، وكان لهم بالمرصاد والأخذة الرابية ، وأنزل فيهم ) ألم تر ( ، يعني يخبر نبيه ( صلى الله عليه وسلم )) كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ( يعني الأسود بن مقصود ، ومن معه من الجيش وملوكالعرب .الفيل : ( 2 ) ألم يجعل كيدهم . . . . .ثم أخبرهم عنهم ، فقال : ( ألم يجعل كيدهم في تضليل ) [ آية : 2 ] الذي أرادوا منخراب الكعبة واستباحة أهلها ، ) في تضليل ( يعني خسارالفيل : ( 3 ) وأرسل عليهم طيرا . . . . .) وأرسل عليهم طيرا أبابيل ([ آية : 3 ] يعني متتابعة كلها تترى بعضها على إثر بعضالفيل : ( 4 ) ترميهم بحجارة من . . . . .) ترميهم بحجارة من سجيل ([ آية : 4 ] يعني بحجارة خلطها الطينالفيل : ( 5 ) فجعلهم كعصف مأكول) فجعلهم كعصف مأكول ) [ آية : 5 ] فشبههمبورق الزرع المأكول يعني البالي ، وكان أصحاب الفيل قبل مولد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأربعين سنة ،وهلكوا عند أدنى الحرم ، ولم يدخلوه قط .قال عكرمة بن خالد :حبست رب الجيش والأفيالوقد رعوا بمكة الأجيالقد خشينا منهم القتالكل كريم ما جد بطاليمشي يجر المجد والأذيالولا يبالي حيلة المختالتركتهم ربي بشر حالوقد لقوا أمراً له فعال ) ^وقال صفوا بن أمية المخزومي :يا واهب الحي الحلال الأحمس وما لهم من طارق ومنفسأنت العزيز ربنا لا تدنس أنت حبست الفيل بالمعمسحبست فإنه هكروس(3/523)1صفحة رقم 524وقال ابن أبي الصلت :إن آيات ربنا بيناتلا يمارى بهن إلا الكفورحابس الفيل بالمعمس حتىظل يحبو كأنه معقوروأسقى حلقه الحراب كماقطر من ضحر كبكب محدورحوله من ملوك كندة فتيان ملاويث في الهياج صقورحالفوه ثم انذعروا عنه عظمه خلف ساقه مكسوركل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور(3/524)1صفحة رقم 525106سورة قريشمكية ، عددها أربع آياتتفسير سورة قريش من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 4 ) .قريش : ( 1 ) لإيلاف قريش) لإيلف قريشٍ ) [ آية : 1 ] وذلك أن قريشاً كانوا تجاراً يختلفون إلى الأرض ، ثمسميت قريش ، وكانوا يمتارون في الشتاء من الأردن ، وفلسطين ، لأن ساحل البحر أدفا ،فإذا كان الصيف تركوا طريق الشتاء والبحر من أجل الحر ، وأخذوا إلى اليمن للميرة ،فشق عليهم الاختلاف لهم ولا تجارة قد قطعناها عنهم ، فذلك :قريش : ( 2 ) إيلافهم رحلة الشتاء . . . . .) إلفهم رحلة الشتاءوالصيف ) [ آية : 2 ] فقذف الله عز وجل في قلوب الحبشة أن يحملوا الطعام في السفنإلى مكة للبيع ، فحملوا إليهم فجعل أهل مكة يخرجون إليهم بالإبل والحمير ، فيشترونالطعام على مسيرة يومين من مكة ، وتتابع ذلك عليهم سنين ، فكفاهم الله مؤنة الشتاءوالصيف .قريش : ( 3 ) فليعبدوا رب هذا . . . . .ثم قال : ( فليعبدوا رب هذا البيت ) [ آية : 3 ] لأن رب هذا البيت كفاهم مؤنةالخوف والجوع ، فليألفوا العبادة له ، كما ألفوا الحبشة ، ولم يكونوا يرجونهم ،قريش : ( 4 ) الذي أطعمهم من . . . . .) الذي أطعمهم من جوع ( حين قذف في قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم الطعام في السفن) وءامنهم من خوفٍ ) [ آية : 4 ] يعني القتل والسبي ، وذلك أن العرب في الجاهلية كانبقتل بعضهم بعضاً ، ويغير بعضهم على بعض ، فكان الله عز وجل يدفع عن أهل الحرم ،ولا يسلط عليهم عدواً ، فذلك قوله : ( وءامنهم من خوفٍ ( .وأيضاً ) لإيلف قريشٍ ( يقول : لا ميرة لقريش ، ولا اختلاف ، وذلك أن قريشاًكانت لا تأتيهم التجار ، ولا يهتدون إليهم ، فكانت قريش تمتار لأهلها الطعام من الشامفي الشتاء ، ومن اليمن في الصيف ، وذلك أنهم كانوا في الشتاء ينطلقون إلى الشاميمتاروا الطعام لأهلهم ، فإذا جاء الصيف انطلقوا إلى اليمن ، فكانت لهم رحلتان في الشتاء(3/525)1صفحة رقم 526والصيف ، فرحمهم الله عز وجل فقذف في قلوب الحبش أن يحملوا إليهم الطعام فيالسفن ، فكانوا يخرجون على مسيرة ليلة إلى جدة ، فيشترون الطعام وكفافهم الله مؤنةالشتاء والصيف .فأنزل الله عز وجل يذكرهم النعم ، فقال : ( لإيلف قريشٍ إلفهم رحلة الشتاءوالصيف ( والإيلاف من المؤنة والاختلاف ، ثم قال : ( فليعبدوا رب هذا البيت (يقول : أخلصوا العبادة له ) الذي أطعمهم من جوع ( حين قذف في قلوب الحبشة أنيحملوا إليهم الطعام في السفن ، ثم قال : ( وءامنهم من خوفٍ ( يعني القتل والسبي ، لأنالعرب كانت يقتل بعضهم بعضاً ، ويسبى بعضهم بعضاً ، وهم آمنون في الحرم .(3/526)1صفحة رقم 52710سورة الماعونمكية ، عددها سبع آياتتفسير سورة الماعون من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 7 ) .الماعون : ( 1 ) أرأيت الذي يكذب . . . . .) أرءيت الذي يكذب بالدين ) [ آية : 1 ] يعني بالحساب ، نزلت في العاص بن وائلالسهمي ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي ، زوج أم هاني بنت عبد المطلب عمة النبي( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم أخبر عن المكذب بالدين ، فقال :الماعون : ( 2 ) فذلك الذي يدع . . . . .) فذلك الذي يدع اليتيم ) [ آية : 2 ]يعني يدفعه عن حقه ، فلا يعطيه ، نظيرها : ( يوم يدعون إلى نار جهنم ) [ الطور : 13 ] ،الماعون : ( 3 ) ولا يحض على . . . . .ثم قال : ( ولا يحض نفسه ) على طعام المسكين ) [ آية : 3 ] يقول : لا يطعم المسكينالماعون : ( 4 ) فويل للمصلين) فويلٌ للمصلين ) [ آية : 4 ] يعني المنافقين في هذه الآية .الماعون : ( 5 ) الذين هم عن . . . . .ثم نعتهم ، فقال : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) [ آية : 5 ] يعني لاهون عنها ، حتىيذهب وقتها ، وإن كانوا في خلال ذلك يصلونهاالماعون : ( 6 ) الذين هم يراؤون) الذين هم يراءون ) [ آية : 6 ]الناس في الصلاة ، يقول : إذا أبصرهم الناس صلوا ، يراءون الناس بذلك ، ولا يريدون اللهعز وجل بهاالماعون : ( 7 ) ويمنعون الماعون) ويمنعون الماعون ) [ آية : 7 ] يعني الزكاة المفروضة والماعون بلغىقريش الماء .قال أبو صالح ، وذكر عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال :قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' الماعون ، الإبرة ، والماء ، والنار ، وما يكون في البيت من نحو هذافيمنع .(3/527)1صفحة رقم 528108سورة الكوثرمكية ، عددها ثلاث آيات كوفىالكوثر : ( 1 ) إنا أعطيناك الكوثر) إنا أعطينك الكوثر ) [ آية : 1 ] لأنه أكثر أنهار الجنة خيراً ، وذلك النهر عجاجيطرد مثل السهم طينه المسك الآذفر ، ورضراضه الياقوت ، والزبرجد ، واللؤلؤ ، أشد بياضاًمن الثلج وألين من الزبد ، وأحلى من العسل ، حافتاه قباب الدر المجوف ، كل قبة طولهافرسخ في فرسخ ، وعرضها فرسخ في فرسخ ، عليها أربعة آلاف مصراع من ذهب ، فيكل قبة زوجة من الحور العين ، لها سبعون خادماً ، فقالرسول الله : ' يا جبريل ، ماهذه الخيام ' ؟ قال جبريل ، عليه السلام : هذه مساكن أزواجك في الجنة ، يتفجر منالكوثر أربعة أنهار لأهل الجنان التي ذكر الله عز وجل في سورة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) : الماء ،والحمر ، واللبن ، والعسل .الكوثر : ( 2 ) فصل لربك وانحرثم قال : ( فصل لربك ( يعني الصلوات الخمس ) وانحر ) [ آية : 2 ] البدن يومالنحر ، فإن المشركين لا يصلون ولا يذبحون لله عز وجل ) إن شانئك هو الأبتر ([ آية : 3 ] وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دخل المسجد الحرام من باب بني سهم بن عمرو بنهصيص ، وأناس من قريش جلوس في المسجد ، فمضى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يجلس حتى خرجمن باب الصفا ، فنظروا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين خرج ولم يروه حين دخل ، ولم يعرفوه ، فتلقاهالعاص بن وائل السهمي بن هشام بن سعد بن سهم على باب الصفا ، وهو يدخل ،وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد توفى ابنه عبد الله ، وكان الرجل إذا مات ولم يكن له من بعده ابنيرثه ، سمى الأبتر ، فلما انتهى العاص إلى المقام قالوا : من الذي تلقاك ؟ قال : الأبتر .فنزلتالكوثر : ( 3 ) إن شانئك هو . . . . .) إن شانئك هو الأبتر ( يعني أن مبغضك هو الأبتر ، يعني العاص بنوائل السهمي ، هو الذي أبتر من الخير ، وأنت يا محمد ستذكر معي إذا ذكرت فرفع اللهعز وجل له ذكره في الناس عامة ، فيذكر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في كل عيد للمسلمين في صلواتهم ،وفي الآذان ، والإقامة ، وفي كل موطن حتى خطبة النساء ، وخطبة الكلام ، وفيالحاجات .(3/528)1صفحة رقم 529109سورة الكافرونمكية ، عددها ست آياتتفسير سورة الكافرون من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 6 ) .الكافرون : ( 1 ) قل يا أيها . . . . .) قل يأيها الكفرون ) [ آية : 1 ] نزلت في المستهزئين من قريش ، وذلك أن النبي( صلى الله عليه وسلم ) قرأ بمكة ) والنجم إذا هوى ) [ والنجم ] ، فلما قرأ : ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) [ النجم : 19 ، 20 ] ، ألقى الشيطان على لسانه ، في وسنه ،فقال : تلك الغرانيق العلا ، عندها الشافعة ترتجي فقال أبو جهل بن هشام ، وشيبة وعتبةابنا ربيعة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، والمستهزءون من قريش عشيا في دبرالكعبة لا تفارقنا يا محمد إلا على أحد الأمرين تدخل معك في بعض دينك ونعبد إلهك ،وتدخل معنا في بعض ديننا وتعبد آلهتنا ، أو تتبرأ من آلهتنا ونتبرأ من إلهك ، فأنزل الله عزوجل ، فيهم تلك الساعة ) قل يا أيها الكافرون ( إلى آخر السورة ، فأتاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم )بعد ، فقال : ( قل يأيها الكفرون ( ، قالوا : ما لك يا محمد ؟ قال :الكافرون : ( 2 ) لا أعبد ما . . . . .) لا أعبد ما تعبدون ) [ آية : 2 ] يقول : لا أعبد آلهتكم التي تعبدون اليومالكافرون : ( 3 ) ولا أنتم عابدون . . . . .) ولا أنتم عبدون ( إلهيالذي أعبده اليوم ) ما أعبد ) [ آية : 3 ] .الكافرون : ( 4 ) ولا أنا عابد . . . . .ثم قال : ( ولا أنا عابد ما عبدتم ) [ آية : 4 ] فيما بعد اليومالكافرون : ( 5 ) ولا أنتم عابدون . . . . .) ولا أنتم عبدون ماأعبد ) [ آية : 5 ] فيما بعد اليومالكافرون : ( 6 ) لكم دينكم ولي . . . . .) لكم دينكم ( الذي أنتم عليه ) ولي دين ) [ آية : 6 ]الذي أنا عليه ، ثم انصرف عنهم ، فقال بعضهم : تبرأها منكم فشتموه وآذوه ، ثمنسختها آية السيف في براءة : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ التوبة : 5 ] .(3/529)1صفحة رقم 530110سورة النصرمدنية ، عددها ثلاث آياتتفسير سورة النصر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 3 ) .النصر : ( 1 ) إذا جاء نصر . . . . .) إذا جاء نصر الله والفتح ) [ آية : 1 ] نزلت هذه السورة بعد فتح مكةوالطائفالنصر : ( 2 ) ورأيت الناس يدخلون . . . . .) ورأيت الناس يدخلون في دين الله ( يعني أهل اليمن ) أفواجا ) [ آية :2 ] من كل وجه زمراً ، القبيلة بأسرها والقوم بأجمعهم ، ليس بواحد ولا اثنين ولا ثلاثة ،فقد حضر أجلك ،النصر : ( 3 ) فسبح بحمد ربك . . . . .) فسبح بحمد ربك ( يقول : فأكثر ذكر ربك ) واستغفره ( منالذنوب .) إنه كان توابا ) [ آية : 3 ] للمستغفرين كانت هذه السورة آية موت النبي ( صلى الله عليه وسلم )فقرأها على أبي بكر وعمر ففرحا ، وسمعها عبد الله بن عباس فبكى ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :' صدقت ' ، فعاش النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعدها ثمانين يوماً ، ومسح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بيده على رأس ابنعباس ، وقال : ' اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ' .(3/530)1صفحة رقم 531111سورة المسدسورة تبت مكية ، عددها خمس آياتتفسير سورة المسد من الآية ( 1 ) إلى الآية : ( 5 ) .المسد : ( 1 ) تبت يدا أبي . . . . .قوله : ( تبت يدا أبي لهب ( واسمه عبد العزى بن عبد المطلب ، وهو عم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،وإنما سمى أبو لهب لأن وجنتيه كانتا حمراوين ، كأنما يلتهب منهما النار ، وذلكأنه لمانزلت ) وأنذر عشيرتك الأقربين ) [ الشعراء : 214 ] ، يعي بنى هاشم ، وبنى المطلب ،وهما ابنا عبد مناف بن قصي ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :يا علي ، قد أمرت أن أنذر عشيرتيالأقربين ، فاصنع لي طعاماً ، حتى أدعوهم عليه وأنذرهم ' فاشترى على ، رحمة الله عليه ،رجل شاة فطبخها وجاء بعس من لبن ، فدعا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بني هاشم ، وبني المطلب إلىطعامه ، وهم أربعون رجلاً غير رجل ، على رجل شاة ، وعس من لبن ، فأكلوا حتىشبعوا ، وشربوا حتى رووا .فقال أبو لهب :لهذا ما سحركم به ، الرجال العشرة منا يأكلون الجذعة ، ويشربونالعس ، وإن محمداً قد أشبعكم أربعين رجلاً من رجل شاة ، ورواكم من عس من لبن ،فلما سمع ذلك منه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شق عليه ، ولم ينذرهم تلك الليلة ، وأمر النبي علياً أنيتخذ لهم ليلة اخرى مثل ذلك ، ففعل فأكلوا حتى شبعوا ، وشربوا حتى رووا ، فقال النبي( صلى الله عليه وسلم ) : ' يا بنى هاشم ، ويا بني المطلب ، أنا لكم النذير من الله ، وأنا لكم البشير من الله إنيقد جئتكم بما لم يجئ به أحد من العرب ، جئتكم في الدنيا بالشرف ، فأسلموا تسلموا ،وأطيعوني تهتدوا ' فقال أبو لهب : تباً لك ، يا محمد ، سائر اليوم لهذا دعوتنا ؟ فأنزل اللهعز وجل فيه : ( تبت يدا أبي لهب وتب ) [ آية : 1 ] يعنى وخسر أبو لهب .المسد : ( 2 ) ما أغنى عنه . . . . .ثم استأنف ، فقال : ( ما أغنى عنه ماله ( في الآخرة ) وما كسب ) [ آية : 2 ](3/531)1صفحة رقم 532يعنى أولاده عتبة وعتيبة ومعتب لأن ولده من كسبهالمسد : ( 3 ) سيصلى نارا ذات . . . . .) سيصلى ( يعنى سيغشى أبولهب ) نارا ذات لهب ) [ آية : 3 ] ليس لها دخانالمسد : ( 4 ) وامرأته حمالة الحطب) وامرأته ) وهي أم جميل بنتحرب ، وهي أخت أبي سفيان بن حرب ) حمالة الحطب ) [ آية : 4 ] يعني كلشوك يعقر كانت تلقيه على طريق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليعقره .المسد : ( 5 ) في جيدها حبل . . . . .ثم أخبره بما يصنع بها في الآخرة ، فقال : ( في جيدها ( في عنقها يوم القيامة) حبل من مسد ) [ آية : 5 ] يعنى سلسلة من حديد ، فلما نزلت هذه الآية في أبي لهبقيل لها :إن محمداً قد هجا زوجك ، وهجاك ، وهجا ولدك ، فغضبت وقامت فأمرتوليدتها أن تحمل ما يكون في بطن الشاة من الفرث والدم والقذر ، فانطلقت لتستدلعلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لتلقى ذلك عليه فتصغره ، وتذله به ، لما بلغها عنه ، فأخبرت أنه في بيتعند الصفا ، فلما انتهت إلى الباب سمع أبو بكر ، رحمة الله عليه ، كلامها ، وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم )داخل البيت ، فقال أبو بكر ، رحمة الله عليه ، رسول الله ، إن أم جميل قد جاءت ، وماأظنها جاءت بخير ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' اللهم خذ ببصرها ' ، أو كما قال جميعاً .ثم قال لأبي بكر ، رحمة الله عليه :دعها تدخل ، فإنها لن تراني ' ، فجلس النبي ( صلى الله عليه وسلم )وأبو بكر ، رحمة الله عليه ، فدخلت أم جميل البيت ، فرأت أبا بكر ، رحمة الله عليه ،ولم تر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكانا جميعاً في مكان واحد ، فقالت : يا أبا بكر أين صاحبك ؟ فقال :وما أردت منه يا أم جميل ؟ قالت : إنه بلغني أنه هجاني ، وهجا زوجي ، وهجا أولادي ،وإني جئت بهذا الفرث لألقيه على وجهه ، ورأسه أذله بذلك ، فقال لها : والله ، ما هجاك ،ولا هجا زوجك ، ولا هجا ولدك .قالت : أحق ما تقول يا أبا بكر ، قال : نعم ، فقالت : أما إنك لصادق ، وأنت الصديق ،وما أرى الناس إلا وقد كذبوا عليه ، فانصرفت إلى منزلها ، ثم إنه بدا لعتبة بن أبي لهب أنيخرج إلى الشام في تجارة ، وتبعه ناس من قريش حتى بلغوا الصفاح ، فلما هموا أنيرجعوا عنه إلى مكة ، قال لهم عتبة : إذا رجعتم إلى مكة ، فأخبروا محمداً بأني كفرتب ) النجم إذا هوى ) [ النجم : 1 ] ، وكانت أول سورة أعلنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلما بلغالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك ، قال :اللهم سلط عليه كلبك يأكله ' ، فألقى الله عز وجل في قلب عتبةالرعب لدعوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، و كان إذا سار ليلاً ما يكاد ينزل بليل .فهجر بالليل ، فسار يومه وليلته ، وهم أن لا ينزل حتى يصبح ، فلما كان قبيل الصبح ،(3/532)1صفحة رقم 533قال له أصحابه : هلكت الركاب ، فما زالوا به حتى نزل ، وعرس وإبله ، وهو مذعور ،فأناخ الإبل حوله مثل السرادق ، وجعل الجواليق دون الإبل مثل السرادق ، ثم أنامالرجال حوله دون الجواليق ، فجاء الأسد ، ومعه ملك يقوده ، فألقى الله عز وجل علىالإبل السكينة ، فسكنت .فجعل الأسد يتخلل الإبل ، فدخل على عتبة وهو في وسطهم فأكله مكانه ، وبقىعظامه وهم لا يشعرون ، فأنزل الله عز وجل في قوله حين قال لهم : قولوا لمحمد : إنيكفرت بالنجم إذا هوى ، يعني القرآن إذ نزل ، أنزل فيه : ( قتل الإنسان ( يعني لعنالإنسان ) ما أكفره ) [ عبس : 17 ] يعني عتبة يقول : أي شئ أكفره بالقرآن ، إلىآخر الآيات .حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال :كانت قريشوأم جميل تقول : مذماً عصيناً ، وأمره أبينا .فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :ومن لطف الله أن قريشاً تذم مذمماً ، وأنا محمد ' ( صلى الله عليه وسلم ) .(3/533)1صفحة رقم 534112سورة الإخلاصمكية ، عددها أربع آياتتفسير سورة الإخلاص من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 4 ) .الإخلاص : ( 1 ) قل هو الله . . . . .قوله : ( قل هو الله أحد ) [ آية : 1 ]الإخلاص : ( 2 ) الله الصمد) الله الصمد ) [ آية : 2 ] تعنى أحد لاشريك له ، وذلك أن عامر بن الطفيل بن صعصعة العامري ، دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ،فقال : يا رسول الله ، أما والله لئن دخلت في دينك ليدخلن من خلفي ، ولئن امتنعتليمتنعن من خلفي ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' فما تريد ' ؟ قال : أتبعك على أن تجعل لي الوبرولك المدر ، قال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لا شرط في الإسلام ' ، قال : فاجعل لي الخلافةبعدك ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لا نبى بعدي ' ، قال : فأريد أن تفضلني على أصحابك ، قالرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لا ، ولكنك أخوهم ، إن أحسنت إسلامك ' ، فقال : فتجعلني أخا بلال ،وخباب بن الأرت ، وسلمان الفارسي ، وجعال ، قال : ' نعم ' ، فغضب ، وقال : أما واللهلأثيرن عليك ألف أشقر عليها ألف أمرد ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ويحك تخوفني ' ؟ قالله جبريل ، عليه السلام ، عن ربه : لأثيرن على كل واحد منهم ألفاً من الملائكة ، طولعنق أحدهم مسيرة سنة ، وغلظها مسيرة سنة ، وكان يكفيهم واحد ، ولكن الله عز وجلأراد أن يعلمه كثرة جنوده ، فخرج من عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو متعجب مما سمع منه ،فلقيه الأربد بن قيس السهمي ، فقال له : ما شأنك ؟ وكان خليله فقص عليه قصته ، وقال :إني دخلت على ابن أبي كبشة آنفاً ، فسألته الوبر ، وله المدر فأبى ، ثم سألته من بعدهفأبى ، ثم سألته أن يفضلني على أصحابه ، فأبى ، وقال : أنت أخوهم إن أحسنتإسلامك ، فقال له : أفلا قتلته ؟ قال : لم أطق ذلك ، قال : فارجع بنا إليه ، فإن شئت حدثتهحتى أضرب عنقه ، فانطلقا على وجوههما ، حتى دخلا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقعد عامرعن يمينه والأربد عن يساره ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علم ما يريدان ، قال : وجاء ملك منالملائكة فعصر بطن الأربد بن قيس ، وأقبل عامر على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد وضع يده على(3/534)1صفحة رقم 535فمه ، وهو يقول : يا محمد لقد خوفتني بأمر عظيم ، وبأقوام كثيرة فمن هؤلاء ؟ قال :' جنودي وهم أكثر مما ذكرت لك ' ، قال : فأخبرني ما اسم ربك ؟ وما هو ؟ ومن خليله ؟وما حيلته ؟ وكم هو ؟ وأبو من هو ؟ ومن أي حي هو ؟ ومن أخوه ' .وكانت العرب يتخذون الأخلاء في الجاهلية ، فأنزل الله تعالى ) قل ( يا محمد ) هو الله أحد ( لقوله ما اسمه ؟ وكم هو ) الله الصمد ( لقوله ما طعامه ؟ ) الله الصمد ( الذي لا يأكل ولا يشرب ) لم يلد ( يقول : ولم يتخذ ولداً ) ولم يولد ) [ آية : 3 ] يقول : ليس له ولد يكتنى به ، لقوله : وابن من هو ؟ ثم قال : ( ولم يكن له كفوا أحد ) [ آية : 4 ] لقوله : من خليله ؟ ويقول : ليس له نظير ، ولا شبيه ،فمن أين يتخذ الخليل ، فأشار بيده وبعينه إلى الأربد بن قيس ، وهو في جهد قد عصرالملك بطنه حتى أراد أن يخرج خلاه من فيه ، وقد أهمته نفسه ، فقال الأربد : قم بنا ،فقاما ، فقال له عامر : ويحك ما شأنك ؟ قال : وجدت عصراً شديداً في بطني ، ووجعاًفما استطعت أن أرفع يدي .قال : فأما الأربد بن قيس ، فخرج يومئذٍ من المدينة ، وكان يوماً متغيماً ، فأدركتهصاعقة في الطريق فقتلته ، وأما عامر بن الطفيل ، فوجاه جبريل ، عليه السلام ، في عنقه ،فخرج في عنقه دبيله ، ويقال : طاعون فمرض بالمدينة ، فلم يأوه أحد إلا امرأة مجذوباً منبني سلول ، فقال جزعاً من الموت : غدة كغدة البعير ، ومت في بيت سلولية ، أبرز إلى ياموت ، فأنا قاتلك ، فأنزل الله عز وجل : ( وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ([ الرعد : 13 ] .وأيضاً : ( قل هو الله أحد ( وذلك أن مشركي مكة ، قالوا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : أنعتلنا ربك وصفه لنا ، وقال عامر بن الطفيل العامري : أخبرنا عن ربك أمن ذهب هو ، أومن فضة ، أو من حديد ، أو من صفر ؟ وقالت اليهود : عزيزاً ابن الله ، وقد أنزل الله عزوجل نعته في التوراة ، فأخبرنا عنه يا محمد ، فأنزل الله عز وجل في قولهم : ( قل ( يامحمد ) هو الله أحد ( لا شريك له ) الله الصمد ( يعني الذي لا جوف له ،كجوف المخلوقين ، ويقال : الصمد السيد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجهم وبالإقراروالخضوع ،الإخلاص : ( 3 ) لم يلد ولم . . . . .) لم يلد ( فيورث ، ) ولم يولد ( فيشارك ، وذلك أن مشركيالعرب ، قالوا : الملائكة بنات الرحمن ، وقالت اليهود : عزيز ابن الله ، وقالت النصارى :المسيح ابن الله ، فأكذبهم الله عز وجل ، فبرأ نفسه من قولهم ، فقال : ( لم يلد ( يعني(3/535)1صفحة رقم 536لم يكن له ولد ) ولم يولد ( كما ولد عيسى وعزيز ومريم ،الإخلاص : ( 4 ) ولم يكن له . . . . .) ولم يكن له كفوا أحد ( يقول : لم يكن له عدل ، ولا مثل من الإلهة تبارك وتعالى علواً كبيراً .(3/536)1صفحة رقم 537113سورة الفلقمكية ، عددها خمس آياتتفسير سورة الفلق من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .الفلق : ( 1 ) قل أعوذ برب . . . . .) قل أعوذ برب الفلق ) [ آية : 1 ] وذلك أن لبيد بن عاصم بن مالك ، ويقال : ابنأعصم اليهودي ، سحر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في إحدى عشرة عقدة في وتر ، فجعله في بئر لها سبعمواني في جف طلعة كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يستند إليها فدب فيه السحر ، واشتد عليه ثلاثليال ، حتى مرض مرضاً شديداً ، وجزعت النساء ، فنزلت المعوذات ، فبينما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )نائم إذ رأى كأن ملكين قد أتياه ، فقعد أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، ثم قالأحدهما لصاحبه : ما شكواه ؟ قال : أصابه طب ، يقول : سحر ، قال : فمن طبه ؟ قال : لبيدبن أعصم اليهودي ، قال : في أي شئ ؟ قال : تنزف البئر ، ثم يخرج قشر الطلعة فيحرقه ،ثم يحل العقد ، كل عقدة بآية من المعوذتين ، فذلك شفاؤه ، فلما استيقظ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وجهعلي بن أبي طالب ، عليه السلام ، إلى البئر ، فاستخرج السحر وجاء به فأحرق ذلكالقشر ، ويقال : إن جبريل أخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بمكان السحر ، وقال جبريل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : حلعقدة ، واقرأ آية ، ففعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك ، فجعل يذهب عنه ما كان يجد حتى برأ وانتشرللنساء .) قل أعوذ برب الفلق ( يعني برب الخلقالفلق : ( 2 ) من شر ما . . . . .) من شر ما خلق ) [ آية : 2 ] من الجنوالإنسالفلق : ( 3 ) ومن شر غاسق . . . . .) ومن شر غاسق ( يعني ظلمة الليل ) إذا وقب ) [ آية : 3 ] يعني إذا دخلتظلمة الليل في ضوء النهار ، إذا غابت الشمس فاختلط الظلام ،الفلق : ( 4 ) ومن شر النفاثات . . . . .) ومن شر النفاثات في العقد ) [ آية : 4 ] يعني السحر وآلاته ، يعني الرقية التي هي لله معصية ، يعنى به ما(3/537)1صفحة رقم 538تنفثن من الرقى في العقدة ، والآخذة ، يعني به السحر فهن الساحرات المهيجاتالأخاذاتالفلق : ( 5 ) ومن شر حاسد . . . . .) ومن شر حاسد إذا حسد ) [ آية : 5 ] يعني اليهود حين حسدوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،قال : فقال له جبريل ، عليه السلام : ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون ؟ قال : ياجبريل ، ما هو ؟ قال : المعوذتان ، ) قل أعوذ برب الفلق ( ، و ) قل أعوذ برب الناس (وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' قيل لي ، فقلت لكم ، فقولوا كما أقول ' ، قال : وكان ابن مسعود لايقرأ بهما في المكتوبة .(3/538)1صفحة رقم 539114سورة الناسمكية ، عددها ست آياتتفسير سورة الناس من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 6 ) .الناس : ( 1 ) قل أعوذ برب . . . . .) قل أعوذ برب الناس ) [ آية : 1 ] أمر الله عز وجل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يتعوذ برب الناسهوالناس : ( 2 ) ملك الناس) ملك الناس ) [ آية : 2 ] بملكهم في برهم ومجرهم ، وفاجرهم ، وصالحهم ،وطالحهم ، وهوالناس : ( 3 ) إله الناس) إله الناس ) [ آية : 3 ] كلهمالناس : ( 4 ) من شر الوسواس . . . . .) من شر الوسواس الخناس ([ آية : 4 ] وهو الشيطان في صورة خنزير معلق بالقلب في جسد ابن آدم ، وهو يجريمجرى الدم ، سلطه الله على ذلك من الإنسان فذلك قوله :الناس : ( 5 ) الذي يوسوس في . . . . .) الذي يوسوس في صدور الناس ) [ آية : 5 ] فإذا انتهى ابن آدم وسوس في قلبه حتى يتبلع قلبه ، والخناس الذيإذا ذكر الله ابن آدم خنس عن قلبه ، فذهب عنه ، ويخرج عن جسده ، ثم أمره الله أنيتعوذالناس : ( 6 ) من الجنة والناس) من ( شر ) الجنة والناس ) [ آية : 6 ] يعنى الجن والإنس .تم بحمد الله(3/539)