عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
سورة الفاتحةبسم الله الرحمن الرحيمقال :حدثنا عبيد الله ، قال : وحدثني أبي ، عن الهذيل ، عن سفيان ، عن منصور ، عنمجاهد ، قال : قال : فاتحة الكتاب مدنية .قال :حدثنا عبيد الله ، قال : وحدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، عن الضحاك ، عن إبنعباس ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال : ' فاتحة الكتاب مدنية ' .سورة فاتحة الكتاب سبع آيات كوفية ، وهي مدنية ، ويقال : مكية ( 1 ) .تفسير سورة الفاتحة من آية [ 1 - 4 ]الفاتحة : ( 2 ) الحمد لله رب . . . . .) الحمد لله ( ( 2 ) ، يعنى الشكر لله ، ) رب العالمين ) [ آية : 2 ] ، يعني الجنوالإنس ، مثل قوله : ( ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] ، ) الرحمن الرحيم ([ آية : 3 ] ، إسمان رفيقان ، أحدهما أرق من الآخرالفاتحة : ( 3 ) الرحمن الرحيم) الرحمن ( ، يعني المترحم ،)( الرحيم ( ، يعني المتعطف بالرحمة ،الفاتحة : ( 4 ) مالك يوم الدين) ملك يوم الدين ) [ آية : 4 ] ، يعني يومالحساب ، كقوله سبحانه : ( أئنا لمدينون ) [ الصافات : 53 ] ، يعني لمحاسبون ، وذلكأن ملوك الدنيا يملكون في الدنيا ، فأخبر سبحانه أنه لا يملك يوم القيامة أحد غيره ،فذلك قوله تعالى : ( والأمر يومئذ لله ) [ الانفطار : 19 ] .(1/24)1صفحة رقم 25سورة الفاتحةمن آية [ 5 - 7 ]الفاتحة : ( 5 ) إياك نعبد وإياك . . . . .) إياك نعبد ( ، يعني نوحد ، كقوله سبحانه في المفصل : ( عابدات ([ التحريم : 5 ] ،يعني موحدات ، ) وإياك نستعين ( ( 1 ) [ آية : 5 ] على عبادتك ،الفاتحة : ( 6 ) اهدنا الصراط المستقيم) اهدنا الصراط المستقيم ( ( 2 ) [ آية : 6 ] ، يعني دين الإسلام ؛ لأن غير دين الإسلامليس بمستقيم ، وفي قراءة إبن مسعود : أرشدنا ،الفاتحة : ( 7 ) صراط الذين أنعمت . . . . .) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ( ( 3 ) ، يعني دلنا على طريق الذين أنعمت عليهم ،(1/25)1صفحة رقم 26يعني النبيين الذين أنعم الله عليهم بالنبوة ، كقوله سبحانه : ( أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين ) [ مريم : 58 ] ، ) غير المغضوب عليهم ( ، يعني دلنا على دينغير اليهود الذين غضب الله عليهم ، فجعل منهم القردة والخنازير ، ) ولا الضالين ([ آية : 7 ] ، يقول : ولا دين المشركين ، يعني النصارى .قال :حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، عن مرثد ، عن أبيهريرة ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ' يقول الله عز وجل : قسمت هذه السورة بيني وبينعبدي نصفين ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ( ، يقول الله عز وجل :شكرني عبدي ، فإذا قال : ( الرحمن الرحيم ( ، يقول الله : مدحني عبدي ، فإذاقال : ( مالك يوم الدين ( ، يقول الله : أثنى علي عبدي ، ولعبدي بقية السورة ، وإذاقال : ( وإياك نستعين ( ، يقول الله : هذه لعبدي إياي يستعين ، وإذا قال :( اهدنا الصراط المستقيم ( ، يقول الله : فهذه لعبدي ، وإذا قال : ( صراط الذين أنعمت عليهم ( ، يقول الله : فهذه لعبدي ، ) ولا الضالين ( ، فهذهلعبدي ' ( 1 ) .قال :حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، قال : إذا قرأأحدكم هذه السورة فبلغ خاتمتها ، فقال : ( ولا الضالين ( ، فليقل : آمين ، فإنالملائكة تؤمن ، فإن وافق تأمين الناس ، غفر للقوم ما تقدم من ذنوبهم .(1/26)1صفحة رقم 27قال :حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني هذيل ، عن وكيع ، عنمنصور ، عن مجاهد ، قال : لما نزلت فاتحة الكتاب رن إبليس .قال : حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن صالح ، عن وكيع ، عن سفيان الثوري ،عن السدى ، عن عبد خير ، عن علي ، رضي الله عنه ، في قوله عز وجل : ( سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ]قال : هي فاتحة الكتاب .(1/27)1صفحة رقم 28سورة البقرةسورة البقرة مدنية ، وهي مائتان وثمانون آية وعشر وست آيات كوفيةتفسير سورة البقرة من آية [ 1 - 2 ]البقرة : ( 1 ) الم) الم ( ( 1 ) [ آية : 1 ]البقرة : ( 2 ) ذلك الكتاب لا . . . . .) ذلك الكتاب ( ، وذلك أن كعب بن الأشرف ، وكعببن أسيد ، لما دعاهما النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الإسلام ، قالا : ما أنزل الله كتاباً من بعد موسى ،تكذيبا به ، فأنزل الله عز وجل في قولهما : ( آلم ( 1 ) ذلك الكتاب ( ، بمعنى هذاالكتاب الذي كفرت به اليهود ، ) لا ريب فيه ) 6 ، يعني لا شك فيه أنه من الله جاء ،وهو أنزله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال : هذا القرآن ) هدى ( من الضلالة ) للمتقين ([ آية : 2 ] من الشرك .تفسير سورة البقرة من آية [ 2 - 5 ]البقرة : ( 3 ) الذين يؤمنون بالغيب . . . . .ثم نعتهم ، فقال سبحانه : ( الذين يؤمنون بالغيب ( ، يعني يؤمنون بالقرآن أنه منالله تعالى جاء ، وهو أنزله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فيحلون حلاله ويحرمون حرامه ، ويعملون بمافيه ، ) ويقيمون الصلاة ( المكتوبة الخمس ، يعني يقيمون ركوعها وسوجودها فيمواقيتها ، ) ومما رزقناهم ) ) من الأموال ( ( ينفقون ) [ آية : 3 ] ، يعني الزكاةالمفروضة نظيرها في لقمان ، فهاتان الآيتان نزلتا في مؤمني أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم )والمهاجرين .(1/28)1صفحة رقم 29البقرة : ( 4 ) والذين يؤمنون بما . . . . .ثم ذكر مؤمنى أهل التوراة ، عبد الله بن سلام وأصحابه ، منهم : أسيد بن زيد ، وأسدبن كعب ، وسلام بن قيس ، وثعلبة بن عمر ، وابن يامين ، وأسمه سلام ، فقال : ( والذين يؤمنون ( ، يعني يصدقون ) بما أنزل إليك ( يا محمد من القرآن أنه من الله نزل ،)( وما أنزل من قبلك ( على الأنبياء ، يعني التوراة والإنجيل والزبور ، ) وبالآخرة هم يوقنون ) [ آية : 4 ] ، يعني يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال بأنه كائن ، ثمجمعهم جميعا ، فقال سبحانه :البقرة : ( 5 ) أولئك على هدى . . . . .) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ([ آية : 5 ] .فلما سمع أبو ياسر بن أخطب اليهودي بهؤلاء الآيات ، قال لأخيه جدى بن أخطب :لقد سمعت من محمد كلمات أنزلهن الله على موسى بن عمران ، فقال جدى لأخيه : لاتعجل حتى تتثبت في أمره ، فعمد أبو ياسر وجدى إبنا أخطب ، وكعب بن الأشرف ،وكعب بن أسيد ، ومالك بن الضيف ، وحيى بن أخطب ، وسعيد بن عمرو الشاعر ، وأبولبابة بن عمرو ، ورؤساء اليهود ، فأتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال جدى للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : يا أبا القاسم ،أخبرني أبو ياسر بكلمات تقولهن آنفا ، فقرأهن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال جدى : صدقتم ، أما) الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ( ، فنحن هم ، وأما ) والذين يؤمنون بما أنزل إليك ( فهو كتابك ، ) وما أنزل من قبلك ( ، فهو كتابنا ،)( وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ( ، فأنتم هم قد آمنتم بما أنزل إليكم وإلينا ، وآمنتم بالجنة والنار ، فآيتانفينا وآيتان فيكم .ثم قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ننشدك بالله أنها نزلت عليك من السماء ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :' أشهد بالله أنها نزلت علي من السماء ' ، فذلك قوله سبحانه في يونس :( ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي ) [ يونس : 53 ] ، يعني ويستخبرونك أحق هو ؟قل : ( إي وربي ( ، ويعني بلى وربي إنه لحق . فقال جدى : لئن كنت صادقا ، فإنكمتملكون إحدى وسبعين سنة ، ولقد بعث الله عز وجل في بني إسرائيل ألف نبي كلهميخبرون عن أمتك ولم يخبرونا كم تملكون حتى أخبرتنا أنت الآن ، ثم قال جدى لليهود :كيف ندخل في دين رجل منتهى ملك أمته إحدى وسبعون سنة ، فقال عمر بنالخطاب ، رضوان الله عليه : وما يدريك أنها إحدى وسبعون سنة ؟ فقال جدى : أما ألف(1/29)1صفحة رقم 30في الحساب فواحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون سنة ، فضحك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالجدي : هل غير هذا ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ' نعم ، ) المص كتاب أنزل إليك ( ' [ الأعراف :1 ، 2 ] .فقال جدي : هذه أكبر من الأولى ، ولئن كنت صادقاً : فإنكم تملكون مائتي سنةواثنتين وثلاثين سنة ، ثم قال : هل غير هذا ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ) الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ( ' [ هود : 1 ] ، فقال جدي : هذه أكبر من الأولىوالثانية ، وقد حكم وفصل ، ولئن كنت صادقاً ، فإنكم تملكون أربعمائة سنة وثلاثاوستين سنة ، فاتق الله ولا تقولن إلا حقاً ، فهل غير هذا ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ) المر تلك آيات الكتاب ( ' [ الرعد : 1 ] ، فقال جدي : لئن كنت صادقاً ، فإنكم تملكون سبعمائةسنة وأربعاً وثلاثين سنة ، ثم إن جدي قال : الأن لا نؤمن بما تقول ، ولقد خلطت علينافما ندري بأي قولك نأخذ ، وأيما أنزل عليك نتبع ، ولقد لبست علينا حتى شككنا فيقولك الأول ، ولولا ذلك لاتبعناك .قال أبو ياسر : أما أنا فأشهد أن ما أنزل على أنبيائنا حق ، وأنهم قد بينوا لنا ملكهذه الأمة ، فإن كان محمد صادقاً فيما يقول ، ليجمعن له هذه السنون كلها ، ثم نهضوامن عنده ، فقالوا : كفرنا بقليله وكثيره ، فقال جدي لعبد الله بن سلام وأصحابه : أماتعرفون الباطل فيما خلط عليكم ؟ فقالوا : بلى نعرف الحق فيما يقول ، فأنزل الله عزوجل في كفار اليهود بالقرآن : ( الم الله لا إله إلا هو الحي ( الذي لا يموت ، ) القيوم (يعني القائم على كل شيء ، ) نزل عليك الكتاب ( يا محمد ) بالحق (لم ينزل باطلاً ، ) مصدقا لما بين يديه ( ، يقول سبحانه : قرآن محمديصدق الكتب التي كانت قبله ، ) وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس (يعني لبني إسرائيل من الضلالة ، ثم قال عز وجل ) وأنزل الفرقان ) [ آل عمران : 1- 4 ] ، يعني قرآن محمد بعد التوراة والإنجيل ، يعني بالفرقان المخرج من الشبهاتوالضلالة ، نظيرها في الأنبياء ، ) ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ) [ الأنبياء : 48 ] ،يعني المخرج . وفي البقرة ) وبينات من الهدى والفرقان ) [ البقرة : 185 ] . ) إن الذين كفروا بآيات الله ( ، اليهود كفروا بالقرآن ، يعني هؤلاء النفر المسلمينوأصحابهم ، ) لهم عذاب شديد والله عزيز ( في ملكه وسلطانه ، ) ذو انتقام ([ آل عمران : 4 ] من أهل معصيته(1/30)1صفحة رقم 31وأنزلت أيضاً في اليهود في هؤلاء النفر وما يحسبون من المتشابه ، ) هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب ) [ آل عمران : 7 ] .فأما المحكمات ، فالآيات الثلاث اللاتي في الأنعام : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ( ، إلى قوله سبحانه : ( لعلكم تتقون ) [ الأنعام : 151 - 153 ] ، فهنمحكمات ولم ينسخهن شيء من الكتاب ، وإنما سمين أم الكتاب ؛ لأن تحريم هؤلاءالآيات في كل كتاب أنزله الله عز وجل .) وأخر متشابهات ( ، يعني : ( آلم ) ) ( ( آلمص ) ) ( ( الر ) ) ( ( المر ( ، شبهواعلى هؤلاء النفر من اليهود كم تملك هذه الأمة من السنين ، ) فأما الذين في قلوبهمزيغ ( ، يعني ميل عن الهدى ، وهم هؤلاء اليهود ، ) فيتبعون ما تشابه منه ابتغاءالفتنة ( ، يعني الكفر ، ) وابتغاء تأويله ( ، يعني منتهى كم يملكون . يقول الله عزوجل : ( وما يعلم تأويله إلا الله ( ، يعني كم تملك هذه الأمة من السنين ،)( والراسخون في العلم ( ، يعني عبد الله بن سلام وأصحابه ، ) يقولون آمنا به ) ،يعني بالقرآن كله ، ) كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب ) [ آل عمران : 7 ]يعني من كان له لب أو عقل .ثم قال ابن صلام وأصحابه : ( ربنا لا تزغ قلوبنا ( كما أزغت قلوب اليهود) بعد إذ هديتنا ( إلى الإسلام ، ) وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ([ آل عمران : 8 ] .فآيتان من أول هذه السورة نزلتا في أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المهاجرين والأنصاروالآيتان اللتان تليانهما نزلتا في مشركي العرب ، وثلاث عشرة آية في المنافقين من أهلالتوراةتفسير سورة البقرة من آية [ 6 - 7 ]البقرة : ( 6 ) إن الذين كفروا . . . . .) إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) [ آية : 6 ](1/31)1صفحة رقم 32يعني لا يصدقون ، ( البقرة : ( 7 ) ختم الله على . . . . .) ختم الله على قلوبهم ( ، يعني طبع الله على قلوبهم ، فهم لايعقلون الهدى ، ) وعلى سمعهم ( ، يعني آذانهم ، فلا يسمعون الهدى ، ) وعلى أبصارهم غشاوة ( ، يعني غطاء فلا يبصرون الهدى ، ) ولهم عذاب عظيم ( ، [ آية : 7 ] ، يعنيوافر لا انقطاع له .نزلت هاتان الآيتان في مشركي العرب ، منهم : شيبة وعتبة ابنا ربيعة ، والوليد بنالمغيرة ، وأبو جهل بن هشام ، اسمه عمرو ، وعبد الله بن أبي أمية ، وأمية بن خلف ،وعمرو بن وهب ، والعاص بن وائل ، والحارث بن عمرو ، والنضر بن الحارث ، وعديبن مطعم بن عدي ، وعامر بن خالد ، أبو البحتري بن هشام .تفسير سورة البقرة من آية [ 8 - 9 ]البقرة : ( 8 ) ومن الناس من . . . . .ثم رجع إلى المنافقين ، فقال عز وجل : ( ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليومالآخر ( ، يعني صدقنا بالله بأنه واحد لا شريك له ، وصدقنا بالبعث الذي فيه جزاءالأعمال بأنه كائن ، فكذبهم الله عز وجل ، فقال : ( وما هم بمؤمنين ) [ آية : 8 ] ، يعنيبمصدقين بالتوحيد ولا بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال .البقرة : ( 9 ) يخادعون الله والذين . . . . .) يخادعون الله ( حين أظهروا الإيمان بمحمد ، وأسروا التكذيب ، ) والذينءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) [ آية : 9 ] ، نزلت في منافقي أهل الكتاباليهود ، منهم : عبد الله بن أبي بن سلول ، وجد بن قيس ، والحارث بن عمرو ، ومغيثبن قشير ، وعمرو بن زيد ، فخدهم الله في الآخرة حين يقول في سورة الحديث) ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) [ الحديد : 13 ] ، فقال لهم استهزاء بهم كمااستهزؤوا في الدنيا بالمؤمنين حين قالوا : آمنا وليسوا بمؤمنين ، وذلك قوله عز وجل :( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) [ النساء : 142 ] ، أيضا على الصراطحين يقال لهم : ( ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا )(1/32)1صفحة رقم 33تفسير سورة البقرة من آية [ 10 - 11 ]البقرة : ( 10 ) في قلوبهم مرض . . . . .) في قلوبهم مرض ( ، يعني الشك وبمحمد ، نظيرها في سورة محمد : ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض ) [ محمد : 29 ] يعني الشك . ) فزادهم الله مرضا ( ، يعني شكاً في قلوبهم ، ) ولهم عذاب أليم ( ، يعني وجيع في الآخرة ،)( بما كانوا يكذبون ) [ آية : 10 ] لقولهم : ( آمنا بالله وباليوم الآخر ( ، وذلك أنعبد الله بن أبي المنافق قال لأصحابه : انظروا إليَّ وإلى ما أصنع ، فتعلموا مني وانظروادفعي في هؤلاء القوم كيف أدفعهم عن نفسي وعنكم ، فقال أصحابه : أنت سيدناومعلمنا ، ولولا أنت لم نستطع أن نجتمع مع هؤلاء ، فقال عبد الله بن أبيِّ لأبي بكرالصديق وأخذ بيده : مرحباً بسيد بني تميم بن مرة ، ثاني اثنين ، وصاحبه في الغاروصفيه من أمته ، الباذل نفسه وماله .ثم أخذ بيد عمر بن الخطاب ، فقال : مرحبا بسيد بني عدي بن كعب ، القوي فيأمر الله ، الباذل نفسه وماله ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال : مرحبا بسيد بنيهاشم ، غير رجل واحد اختصه الله بالنبوة لما علم من صدق نيته ويقينه ، فقال عمر بنالخطاب ، رضي الله عنه : ويحك يا ابن أبي ، اتق الله ولا تنافق ، وأصلح ولا تفسد ، فإنالمنافق شر خليقة الله ، وأخبثهم خبثا ، وأكثرهم غشا ، فقال عبد الله بن أبي بن سلول : ياعمر مهلا : فوالله لقد آمنت كإيمانكم ، وشهدت كشهادتكم ، فافترقوا على ذلك .فانطلق أبو بكر وعمر وعلي ، رحمة الله عليهم ، إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأخبروه بالذيقاله عبد الله ، فأنزل الله عز وجل على نبيه : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( ،البقرة : ( 11 ) وإذا قيل لهم . . . . .) وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض ( ، يعني لا تعملوافي الأرض بالمعاصي ، ) قالوا إنما نحن مصلحون ) [ آية : 11 ] ، يعني مطيعين .تفسير سورة البقرة من آية [ 12 - 13 ](1/33)1صفحة رقم 34البقرة : ( 12 ) ألا إنهم هم . . . . .يقول الله سبحانه : ( ألا إنهم هم المفسدون ( ، يعني العاصين ، ) ولكن لا يشعرون ) [ آية : 12 ] بأنهم مفسدون ،البقرة : ( 13 ) وإذا قيل لهم . . . . .) وإذا قيل لهم ءامنوا كما ءامن الناس ( نزلتفي منذر بن معاذ ، وأبي لبابة ، ومعاذ بن جبل ، وأسيد ، قالوا لليهود : صدقوا بمحمد إنهنبي ، كما صدق به عبد الله بن سلام وأصحابه ، فقالت اليهود : ( قالوا أنؤمن ( ، يعنينصدق ، ) كما ءامن السفهاء ( ، يعني الجهال ، يعنون عبد الله بن سلام وأصحابه ،يقول الله عز وجل رداً عليهم : ( ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ) [ آية : 13 ]بأنهم السفهاء .تفسير سورة البقرة من آية [ 14 - 15 ]البقرة : ( 14 ) وإذا لقوا الذين . . . . .ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : ( وإذا لقوا الذين ءامنوا ( ، يعني صدقوا منأصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) قالوا ( لهم : ( ءامنا ( صدقنا بمحمد ، ) وإذا خلوا إلى شياطينهم ( ، يعني رؤساء اليهود : كعب بن الأشرف وأصحابه ، ) قالوا ( لهم : ( إنا معكم ( على دينكم ، ) إنما نحن مستهزءون ) [ آية : 14 ] بمحمد وأصحابه ، فقال اللهسبحانه :البقرة : ( 15 ) الله يستهزئ بهم . . . . .) الله يستهزئ بهم ( في الآخرة إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له بابعلى الصراط ، فيبقون في الظلمة حتى يقال لهم : ( ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) [ الحديد : 13 ]فهذا من الاستهزاء بهم ، ثم قال سبحانه : ( ويمدهم ( ويلجهم ) في طغيانهم يعمهون ) [ آية : 15 ] ، يعني في ضلالتهم يترددون .تفسير سورة البقرة آية [ 16 ]البقرة : ( 16 ) أولئك الذين اشتروا . . . . .ثم نعتهم ، فقال سبحانه : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) 6 ، وذلك أناليهود وجدوا نعت محمد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في التوراة قبل أن يبعث ، فآمنوا به وظنوا أنه منولد إسحاق ، عليه السلام ، فلما بعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من العرب من ولد إسماعيل ، عليه(1/34)1صفحة رقم 35السلام ، كفروا به حسداً ، واشتروا الضلالة بالهدى ، يقول : باعوا الهدى الذي كانوا فيهمن الإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) قبل أن يبعث ، بالضلالة التي دخلوا فيها بعدما بعث من تكذيبهمبمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فبئس التجارة ، فذلك قوله سبحانه : ( فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) [ آية : 16 ] من الضلالة .تفسير سورة البقرة آية [ 17 ]البقرة : ( 17 ) مثلهم كمثل الذي . . . . .ثم ضرب الله للمنافقين مثلاً ، فقال عز وجل : ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ( طفئت ناره ، يقول الله عز وجل : مثل المنافق إذا تكلم بالإيمان كانله نور بمنزلة المستوقد ناراً يمشي بضوئها ما دامت ناره تتقد ، فإذا ترك الإيمان كان فيظلمة كظلمة من طفئت ناره ، فقام لا يهتدي ولا يبصر ، فذلك قوله سبحانه : ( ذهب الله بنورهم ( ، يعني بإيمانهم ، نظيرها في سورة النور : ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) [ النور : 40 ] ، يعني به الإيمان ، وقال سبحانه في الأنعام : ( وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ) [ الأنعام : 122 ] ، يعني يهتدي به الذين تكلموا به ،)( وتركهم في ظلمات ( ، يعني الشرك ، ) لا يبصرون ) [ آية : 17 ] الهدى .تفسير سورة البقرة من آية [ 18 - 19 ]البقرة : ( 18 ) صم بكم عمي . . . . .ثم نعتهم ، فقال سبحانه : ( صم ( لا يسمعون ، يعني لا يعقلون ، ) بكم ( خرسلا يتكلمون بالهدى ، ) عمي ) 6 فهم لا يبصرون الهدى حين ذهب الله بنورهم ، يعنيبإيمانهم ، ) فهم لا يرجعون ) [ آية : 18 ] عن الضلالة إلى الهدى ،البقرة : ( 19 ) أو كصيب من . . . . .ثم ضرب للمنافقينمثلا ، فقال سبحانه : ( أو كصيب من السماء ( ، يعني المطر ، ) فيه ظلمات ورعد وبرق (مثل المطر مثل القرآن ، كما أن المطر حياة الناس ، فكذلك القرآن حياة لمن آمن به ، ومثلالظلمات ، يعني الكافر بالقرآن ، يعني الضلالة التي هم فيها ، ومثل الرعد ما خوفوا بهمن الوعيد في القرآن ، ومثل البرق الذي في المطر مثل الإيمان ، وهو النور الذي فيالقرآن ، ) يجعلون أصابعهم في ءاذانهم من الصواعق ( ، يقول : مثل المنافق إذا سمع القرآن ،فصهم أذنيه كراهية للقرآن ، كمثل الذي جعل أصبعيه في أذنيه من شدة الصواعق ،)( حذر الموت ( ، يعني مخافة الموت ، يقول : كما كره الموت من الصاعقة ، فكذلك(1/35)1صفحة رقم 36يكره الكافر القرآن ، فالموت خير له من الكفر بالله عز وجل والقرآن ، ) والله محيط بالكافرين ) [ آية : 19 ] ، يعني أحاطه علمه بالكافرين .تفسير سورة البقرة آية [ 20 ]البقرة : ( 20 ) يكاد البرق يخطف . . . . .ثم قال سبحانه : ( يكاد البرق ( الذي في المطر ) يخطف أبصارهم ( ، يعنييذهب بأبصارهم من شدة نوره ، يقول سبحانه : مثل الإيمان إذا تكلم به المنافق مثل نورالبرق الذي يكاد أن يذهب بأبصارهم ، ) كلما أضاء لهم ( البرق ) مشوا فيه ( ،يقول : كلما تكلموا يالإيمان مضوا فيه ، يقول : ويضئ لهم نوراً يهتدون به ، ) وإذا أظلم عليهم ( البرق ، أي ذهب ضوءه ، ) قاموا ( في ظلمة لا يبصرون الهدى ، ) ولو شاء الله لذهب بسمعهم ( فلا يسمعون ) وأبصارهم ( فلا يرون أبداً عقوبة لهم ، ) إنالله على كل شيء قدير ) [ آية : 20 ] من ذلك وغيره .تفسير سورة البقرة من آية [ 21 - 22 ]البقرة : ( 21 ) يا أيها الناس . . . . .) يا أيها الناس اعبدوا ربكم ( ، يعني المنافقين واليهود وحدوا ربكم ، ) الذي خلقكم ( ولم تكونوا شيئا ، ) والذين من قبلكم ( من الأمم الخالية ) لعلكم ( ، يعنيلكي ) تتقون ) [ آية : 21 ] الشرك وتوحدوا الله عز وجل إذا تفكرتم في خلقكموخلق الذين من قبلكم ،البقرة : ( 22 ) الذي جعل لكم . . . . .ثم دل على نفسه بصنعه ليوحدوه وذكرهم النعم ، فقالسبحانه : اعبدوا ربكم ) الذي جعل لكم الأرض فراشا ( ، يعني بساطا ، ) والسماء بناء ( ، يعني سقفا ، ) وأنزل من السماء ماء ( ، يعني المطر ، ) فأخرج به ( ، يقول :فأخرج بالمطر من الأرض أنواعا ) من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا ( ،يقول : لا تجعلوا مع الله شركاء ، ) وأنتم تعلمون ) [ آية : 22 ] أن هذا الذي ذكر كلهمن صنعه ، فكيف تعبدون غيره ؟ .(1/36)1صفحة رقم 37تفسير سورة البقرة آية [ 23 ]البقرة : ( 23 ) وإن كنتم في . . . . .قالت اليهود ، منهم : رفاعة بن زيد ، وزيد بن عمرو : ما يشبه هذا الكلام الوحي ،وإنا لفي شك منه ، فأنزل الله عز وجل : ( وإن كنتم في ريب ( ، يعني في شك ،)( مما نزلنا ( من القرآن ) على عبدنا ( ، يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) فأتوا بسورة من ( الله) مثله ( ، يعني مثل هذا القرآن ، ) وادعوا شهداءكم ) [ آية : 23 ] ، يقول : واستعينوا بالآلهةالتي تعبدون ) من دون الله إن كنتم صادقين ) [ آية : 23 ] بأن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) يقول منتلقاء نفسه .تفسير سورة البقرة آية [ 24 ]البقرة : ( 24 ) فإن لم تفعلوا . . . . .ثم يقول سبحانه : ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ( ، يعني تجيئوا به ، فيها تقديم تقديمها ،ولن تفعلوا ذلك ، فإن تفعلوا فأتوا بسورة من مثل هذا القرآن ، فلم يجيبوه وسكتوا ،يقول الله سبحانه : ( فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة ( ، وتلك الحجارةتحت الأرض الثانية مثل الكبريت تجعل في أعناقهم إذا اشتعلت فيها النار احترقت عامةاليوم ، فكان وهجها على وجوههم ، وذلك قوله سبحانه : ( أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب ( ، يعني شدة العذاب ) يوم القيامة ) [ الزمر : 24 ] .ثم قال : ( أعدت للكافرين ) [ آية : 24 ] بالتوحيد يخوفهم الله عز وجل ، فلم يخافوا ،فقالوا من تكذيبهم : هذه النار وقودها الناس ، فما بال الحجارة ، فرق المؤمنون عندالتخويف .تفسير سورة البقرة آية [ 25 ]البقرة : ( 25 ) وبشر الذين آمنوا . . . . .فأنزل الله عز وجل : ( وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري منتحتها الأنهار ( ، يعني البساتين ، ) كلما رزقوا منها من ثمرة ( كلما أطعموا منها(1/37)1صفحة رقم 38من الجنة من ثمرة ، ) رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ( ، وذلك أن لهم في الجنةرزقهم فيها بكرة وعشيا ، فإذا أتوا بالفاكهة في صحاف الدر والياقوت في مقدار بكرةالدنيا وأتوا بالفاكهة غيرها على مقدار عشاء الدنيا ، فإذا نظروا إليه متشابه الألوان ،قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل ، يعني أطعمنا بكرة ، فإذا أكلوا وجدوا طعمه غير الذيأتوا به بكرة ، فذلك قوله سبحانه : ( وأتوا به متشابها ( ، يعني يشبه بعضه بعضاً فيالألوان ، مختلفاً في الطعم ، ) ولهم فيها أزواج مطهرة ( خلقن في الجنة مع شجرهاوحللها ، مطهرة من الحيض والغائط والبول والأقذار كلها ، ) وهم فيها خالدون ([ آية : 25 ] لا يموتون .تفسير سورة البقرة من آية [ 26 - 27 ]البقرة : ( 26 ) إن الله لا . . . . .) إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ( ، وذلك أن الله عز وجل ذكر العنكبوتوالذباب في القرآن ، فضحكت اليهود ، وقالت : ما يشبه هذا من الأمثال ، فقال سبحانه :( إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ( ، يعني أن الله عز وجل لا يمنعه الحياء أنيصف للخلق مثلا ، ) ما بعوضة فما فوقها فأما الذين ءامنوا ( ، يعني يصدقونبالقرآن ، ) فيعلمون أنه ( ، أي هذا المثل هو ) الحق من ربهم وأما الذين كفروا ( بالقرآن ، يعني اليهود ، ) فيقولون ماذا أراد الله بهذا ( الذي ذكر) مثلا ( ، إنما يقوله محمد من تلقاء نفسه وليس من الله ، فأنزل الله عز وجل : ( يضلبه ) 6 ، أي يضل الله بهذا المثل ) كثيرا ( من الناس ، يعني اليهود ، ) ويهديبه ( ، أي بهذا المثل ) كثيرا ( من الناس ، يعني المؤمنين ، ) وما يضل به ( ، أي(1/38)1صفحة رقم 39بهذا المثل ) إلا الفاسقين ) [ آية : 26 ] ، يعني اليهود .البقرة : ( 27 ) الذين ينقضون عهد . . . . .ثم أخبر فقال سبحانه : ( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ( ، فنقضوا العهدالأول ، ونقضوا ما أخذ عليهم في التوراة أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، وأن يؤمنوابالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكفروا بعيسى وبمحمد ، عليهما السلام ، وآمنوا ببعض الأنبياء وكفرواببعض ، ) ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض ( يعني ويعملونفيها بالمعاصي ، ) أولئك هم الخاسرون ) [ آية : 27 ] في العقوبة ، يعني اليهود ،ونظيرها في الرعد : ( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ( من إيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهمسوء الدار ) [ الرعد : 25 ] .تفسير سورة البقرة من آية [ 28 - 29 ]البقرة : ( 28 ) كيف تكفرون بالله . . . . .) كيف تكفرون بالله ( بأنه واحد لا شريك له ، ) وكنتم أمواتا ( ، يعنينطفا ) فأحياكم ( ، يعني فخلقكم ، وذلك قوله سبحانه : ( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ) [ الروم : 19 ] ، ) ثم يميتكم ( عند إحيائكم ،)( ثم يحييكم ( من بعد الموت يوم القيامة ، ) ثم إليه ترجعون ) [ آية : 28 ] ،فيجزيكم بأعمالكم ، فأما اليهود ، فعرفوا وسكتوا ، وأما المشركون ، فقالوا : أئذا كناتراباً ، من يقدر أن يبعثنا من بعد الموت ؟ فأنزل الله عز وجل :البقرة : ( 29 ) هو الذي خلق . . . . .) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ( من شئ ) ثم استوى إلى السماء ) فبدأ بخلقهن ، وخلق الأرض) فسواهن ( ، يعني فخلقهن ) سبع سماوات ( ، فهذا أعظم من خلق الإنسان ،وذلك قوله سبحانه : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ) [ غافر :57 ] ، ) وهو بكل شئ ( من الخلق ) عليم ) [ آية : 29 ] بالبعث وغيره .تفسير سورة البقرة آية [ 30 ]البقرة : ( 30 ) وإذ قال ربك . . . . .) وإذا ( ، يعني وقد ) قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ( ، وذلك(1/39)1صفحة رقم 40أن الله عز وجل خلق الملائكة والجن قبل خلق الشياطين والإنس ، وهو آدم ، عليهالسلام ، فجعلهم سكان الأرض ، وجعل الملائكة سكان السماوات ، فوقع في الجن الفتنوالحسد ، فاقتتلوا ، فبعث الله جندا من أهل سماء الدنيا ، يقال لهم : الجن ، إبليس عدو اللهمنهم ، خلقوا جميعا من نار ، وهم خزان الجنة رأسهم إبليس ، فهبطوا إلى الأرض ، فلميكلفوا من العبادة في الأرض ما كلفوا في السماء ، فأحبوا القيام في الأرض ، فأوحىالله عز وجل إليهم : إني جاعل في الأرض خليفة سواكم ورافعكم إليَّ ، فكرهوا ذلك ؛لأنهم كانوا أهون الملائكة أعمالا ، ) قالوا أتجعل فيها ( ، يقول ، أتجعل في الأرض) من يفسد فيها ( ، يعني من يعمل فيها بالمعاصي ) ويسفك الدماء ( بغير حقكفعل الجن ، ) ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ( ، يقول : نحن نذكرك بأمرك ، كقولهسبحانه : ( ويسبح الرعد بحمده ) [ الرعد : 13 ] ، يعني يذكره بأمره ، ونقدس لكونصلي لك ونعظم أمرك .) قال ( الله سبحانه : ( إني أعلم ما لا تعلمون ) [ آية : 30 ] إن في علمي أنكمسكان السماء ، ويكون آدم وذريته سكان الأرض ، ويكون منهم من يسبح بحمديويعبدني ، فخلق آدم ، عليه السلام ، من طين أحمر وأبيض من السبخة والعذبة ، فمن ثمنسله أبيض وأحمر وأسود مؤمن وكافر ، فحسد إبليس تلك الصورة ، فقال للملائكةالذين هم معه : أرأيتم هذا الذي لم تروا شيئا من الخلق على خلقته ، إن فضل عليَّ ماذاتصنعون ؟ قالوا : نسمع ونطيع لأمر الله ، وأسر عدو الله إبليس في نفسه ، لئن فضل آدمعليه لا يطيعه وليستزنه ، فترك آدم طينا أربعين سنة مصورا ، فجعل إبليس يدخل من دبرهويخرج من فيه ، ويقول : أنا نار وهذا طين أجوف ، والنار تغلب الطين ولأغلبنه ، فذلكقوله عزوجل : ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ) [ سبأ : 20 ] ،يعني قوله يومئذ : لأغلبنه ، وقوله : لأحتنكن ، يعني لأحتوين على ذريته إلاقليلاً ، فقال للروح : ادخلي هذا الجسد ، فقالت : أي رب ، أين تدخلني هذا الجسدالمظلم ؟ فقال الله تبارك وتعالى : ادخليه كرها ، فدخلته كرها ، وهي لا تخرج منه إلاكرها ، ثم نفخ فيه الروح من قبل رأسه ، فترددت الروح فيه حتى بلغت نصف جسدهموضع السرة ، فجعل للقعود ، فذلك قوله تعالى : ( وكان الإنسان عجولا ) [ الإسراء : 11 ] ،فجعلت الروح تتردد فيه حتى بلغت أصابع الرجلين ، فأرادت أن تخرجمنها ، فلم تجد منفذا ، فرجعت إلى الرأس ، فخرجت من المنخرين ، فعطس عند ذلك(1/40)1صفحة رقم 41لخروجها من منخريه ، فقال : الحمد لله ، فكان أول كلامه ، فرد ربه عز وجل : يرحمكالله ، لهذا خلقتك ، تسبح بحمدي وتقدس لي ، فسبقت رحمته لآدم عليه السلام .تفسير سورة البقرة آية [ 31 ]البقرة : ( 31 ) وعلم آدم الأسماء . . . . .) وعلم ءادم الأسماء كلها ( ثم إن الله تبارك وتعالى حشر الطير والدوابوهوام الأرض كلها ، فعلم آدم ، عليه السلام ، أسماءها ، فقال : يا آدم ، هذا فرس ، وهذابغل ، وهذا حمار ، حتى سمى له كل دابة وكل طير باسمه ، ) ثم عرضهم على الملائكة ) ،ثم عرض أهل تلك الأسماء على الملائكة الذين هم في الأرض ، ) فقال أنبئوني ( ، يعنيأخبروني ) بأسماء هؤلاء ) ، يعني دواب الأرض كلها ) إن كنتم صادقين ) [ آية :31 ] بأني جاعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء .تفسير سورة البقرة آية [ 32 ]البقرة : ( 32 ) قالوا سبحانك لا . . . . .) قالوا ( قالت الملائكة : ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ) [ آية : 32 ] .قال :حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال : قال مقاتل : قالالله عز وجل لهم : كيف تدعون العلم فيما لم يخلق بعد ولم تروه وأنتم لا تعلمون منترون .تفسير سورة البقرة آية [ 33 ]البقرة : ( 33 ) قال يا آدم . . . . .) قال ( الله عز وجل لآدم : ( يا آدم أنبئهم بأسمائهم ( ، يقول : أخبر الملائكة(1/41)1صفحة رقم 42بأسماء دواب الأرض والطير كلها ، ففعل ، قال الله عز وجل : ( فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب ( ما يكون في ) السماوات والأرض وأعلم ما تبدون ( ،يعني ما أظهرت الملائكة لإبليس من السمع والطاعة لرب ) و ( أعلم ) ما كنتم تكتمون ) [ آية : 33 ] ، يعني إبليس وحده ما كان أسر إبليس في نفسه من المعصية للهعز وجل في السجود لآدم .تفسير سورة البقرة آية [ 34 ]البقرة : ( 34 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .ثم قال : ( وإذ ( ، يعني وقد ) قلنا للملائكة ( الذين خلقوا من مارج من نارالسموم ) اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ( وحده ، فاستثنى لم يسجد ) أبى واستكبر ( ، يعني وتكبر عن السجود لآدم ، وإنما أمره الله عز وجل بالسجود لآدم لماعلم الله منه ، فأحب أن يظهر ذلك للملائكة ما كان أسر في نفسه ، قال : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) [ الأعراف : 12 ] ، ) وكان ( إبليس ) من الكافرين ) [ آية : 34 ] الذين أوجب الله عز وجل لهم الشقاء في علمه ، فمن ثم لميسجد .تفسير سورة البقرة آية [ 35 ]البقرة : ( 35 ) وقلنا يا آدم . . . . .) وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ( ، يعني حواء خلقا يوم الجمعة ، ) وكلا منها رغدا حيث ( ، يعني ما ) شئتما ( ، وإذا شئتما من حيث شئتما ، ) ولا تقربا هذه الشجرة ( ، يعني السنبلة ، وهي الحنطة ، ) فتكونا من الظالمين ) [ أية : 35 ] لأنفسكما .تفسير سورة البقرة آية [ 36 ]البقرة : ( 36 ) فأزلهما الشيطان عنها . . . . .) فأزلهما الشيطان عنها ( ، يقول سبحانه : فاستزلهما الشيطان عنها ، يعني عنالطاعة ، وهو إبليس ، ) فأخرجهما مما كانا فيه ( من الخير في الجنة ، ) وقلنا اهبطوا (منها ، يعني آدم وحواء وإبليس بوحي منه ، فهبط آدم بالهند ، وحواء بجدة ، وإبليس(1/42)1صفحة رقم 43بالبصرة ، وهي الأيلة ، وهبط آدم في واد اسمه نوذ في شعب يقال له : سرنديب ، فاجتمعآدم وحواء بالمزدلفة ، فمن ثم جمع لاجتماعهما بها ، ثم قال : ( بعضكم لبعض عدو ( ،فإبليس لهما عدو ، وهما إبليس عدو ، ثم قال : ( ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ([ آية : 36 ] ، يعني بلاغا إلى منتهى آجالكم الموت .تفسير سورة البقرة من آية [ 37 - 38 ]البقرة : ( 37 ) فتلقى آدم من . . . . .وهبط إبليس قبل آدم ، ) فتلقىءادم من ربه كلمات ( بعدما هبط إلى الأرض يومالجمعة ، يعني بالكلمات أن قال : رب ، أكان هذا شئ كنت قدرته عليَّ قبل أن تخلقني ،فسبق لي به الكتاب أني عاملة ، وسبقت لي منك الرحمة حين خلقتني ؟ قال : نعم يا آدم ،قال : يا رب ، خلقتني بيدك ، فسويتني ونفخت من روحك ، فعطست فحمدتك ،فدعوت لي برحمتك ، فسبقت رحمتك إلى غضبك ؟ قال : نعم يا آدم ، قال : أخرجتني منالجنة ، وأنزلتني إلى الأرض يا رب ، إن تبت وأصلحت ترجعني إلى الجنة ؟ قال الله عزوجل له : نعم يا آدم ، فتاب آدم وحواء يوم الجمعة ، فعند ذلك قالا : ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) [ الأعراف : 23 ] .) فتاب ( الله عز وجل ) عليه ( يوم الجمعة ، ) إنه هو التواب الرحيم ) [ آية : 37 ]لخلقه ،البقرة : ( 38 ) قلنا اهبطوا منها . . . . .) قلنا اهبطوا منها جميعا ( ، يعني من الجنة جميعا ، آدم ، وحواء ، وإبليس ، فأوحىالله إليهم بعدما هبطوا ، ) فإما يأتينكم ( ، يعني ذرية آدم ، فإن يأتيكم يا ذرية آدم) مني هدى ( ، يعني رسولا وكتابا فيه البيان ، ثم أخبر بمستقر من اتبع الهدى فيالآخرة ، قال سبحانه : ( فمن تبع هداي ( ، يعني رسولي وكتابي ، ) فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) [ آية : 38 ] من الموت .تفسير سورة البقرة آية [ 39 ]البقرة : ( 39 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .) ثم أخبر بمستقر من ترك الهدى ، فقال : ( والذين كفروا ) ) برسلي ( ( وكذبوا بآياتنا ) ) القرآن ( ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ آية : 39 ] لا يموتون .تفسير سورة البقرة آية [ 40 ](1/43)1صفحة رقم 44البقرة : ( 39 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ( ، يعني أجدادهم ، فكانت النعمةحين أنجاهم من آل فرعون ، وأهلك عدوهم ، وحين فرق البحر لهم ، وحين أنزل عليهمالمن والسلوى ، وحين ظلل عليهم الغمام بالنهار من حر الشمس ، وجعل لهم عمودا مننور يضيء لهم بالليل إذا لم يكن ضوء القمر ، وفجر لهم اثنى عشر عينا من الحجر ،وأعطاهم التوراة فيها بيان كل شيء ، فدلهم على صنعه ليوحدوه عز وجل .) وأوفوا بعهدي ( ، يعني اليهود ، وذلك أن الله عز وجل عهد إليهم في التوراة أنيعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وأن يؤمنوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبالنبيين والكتاب ، فأخبر الله عزوجل عنهم في المائدة ، فقال : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي (بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) وعزرتموهم ( ، يعني ونصرتموهم ) وأقرضتم الله قرضا حسنا ([ المائدة : 12 ] ، فهذا الذي قال الله : ( وأوفوا بعهدي ( الذي عهدت إليكم في التوراة ،فإذا فعلتم ذلك ) أوف ( لكم ) بعهدكم ) 6 ، يعني المغفرة والجنة ، فعاهدهم إن أوفوا لهبما قال المغفرة والجنة ، فكفروا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وبعيسى ، عليه السلام ، فذلك قوله سبحانه :( لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) [ المائدة :12 ] ، فهذا وفاء الرب عز وجل لهم ، ) وإياي فارهبون ) [ آية : 40 ] ، يعني وإيايفخافون في محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فمن كذب به فله النار .تفسير سورة البقرة آية [ 41 ]البقرة : ( 41 ) وآمنوا بما أنزلت . . . . .ثم قال : ( وءامنوا بما أنزلت مصدقا ( نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابهرءوس اليهود ، يقول : صدقوا بما أنزلت من القرآن على محمد مصدقا ) لما معكم (يقول : محمد تصديقه معكم أنه نبي رسول ، ) ولا تكونوا أول كافر به ( يعني محمدا ،فتتابع اليهود كلها على كفر به ، فلما كفروا تتابعت اليهود كلها ، أهل خيبر ، وأهلفدك ، وأهل قريظة وغيرهم على الكفر بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال لرءوس اليهود : ( ولا تشتروابآياتي ثمنا قليلا ( ، وذلك أن رءوس اليهود كتموا أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في التوراة ، وكتموا(1/44)1صفحة رقم 45أمره عن سفلة اليهود ، وكانت للرؤساء منهم مأكلة في كل عام من زرعهم وثمارهم ،ولو تابعوا محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) لحبست تلك المأكلة عنهم ، فقال الله لهم : ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ( ، يعني بكتمان بعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عرضا قليلا من الدنيالا مما تصيبون من سفلةاليهود ، ثم خوفهم ) وإياي فاتقون ) [ آية : 41 ] في محمد ، فمن كذب به فله النار .تفسير سورة البقرة آية [ 42 ]البقرة : ( 42 ) ولا تلبسوا الحق . . . . .ثم قال لليهود : ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق ( ، وذلك أن اليهوديقرون ببعض أمر محمد ويكتمون بعضا ليصدقوا في ذلك ، فقال الله عز وجل : ولاتخلطوا الحق بالباطل ، نظيرها في آل عمران والأنعام : ( ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ([ الأنعام : 82 ] ، يعني ولم يخلطوا بشرك ) وتكتموا الحق ( ، أي ولا تكتموا أمر محمد( صلى الله عليه وسلم ) ) وأنتم تعلمون ) [ آية : 42 ] أن محمداً نبي ونعته في التوراةتفسير سورة البقرة آية [ 43 ]البقرة : ( 43 ) وأقيموا الصلاة وآتوا . . . . .وقال لليهود : ( وأقيموا الصلاة ( في مواقيتها ) وءاتوا الزكاة ( ، يعني وأعطواالزكاة من أموالكم ، ) واركعوا مع الراكعين ) [ آية : 43 ] ، يعني اليهود صلوا مع المصلين ،يعني مع المؤمنين من أصحاب النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .تفسير سورة البقرة من آية [ 44 - 46 ]البقرة : ( 44 ) أتأمرون الناس بالبر . . . . .) أتأمرون الناس بالبر ( ، وذلك أن اليهود قالوا لبعض أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إنمحمدا حق فاتبعوه ترشدوا ، فقال الله عز وجل لليهود : ( وتنسون أنفسكم ( ، يعنيأصحاب محمد ، ) وتنسون أنفسكم ( ، يقول : وتتركون أنفسكم فلا تتبعوه ، ) وأنتم تتلون الكتاب ( ، يعني التوراة فيها بيان أمر محمد ونعته ، ) أفلا تعقلون ) [ آية : 44 ]أنتم فتتبعونه .البقرة : ( 45 ) واستعينوا بالصبر والصلاة . . . . .ثم قال : ( واستعينوا ( على طلب الآخرة ) بالصبر ( على الفرائض ،)( والصلاة ( الخمس حافظوا عليها في مواقيتها ، ) وإنها لكبيرة ( ، يعني حين صرفتالقبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة ، فكبر ذلك على اليهود منهم ، جدي بن أخطب ،(1/45)1صفحة رقم 46وسعيد بن عمرو الشاعر وغيرهم ، ثم استثنى ، فقال : ( إلا على الخاشعين ) [ آية : 45 ] ،يعني إلا على المتواضعين من المؤمنين ، لم يكبر عليهم تحويل القبلة ،البقرة : ( 45 ) واستعينوا بالصبر والصلاة . . . . .ثم نعت الخاشعين ،فقال : ( الذين يظنون ( يعني يعلمون يقينا ) أنهم ملاقوا ربهم ( ، يعني في الآخرة ،( وأنهم إليه راجعون ) [ آية : 46 ] فيجزيهم بأعمالهم .تفسير سورة البقرة آية [ 47 ]البقرة : ( 47 ) يا بني إسرائيل . . . . .) يا بني إسرائيل ( ، يعني اليهود بالمدينة ، ) اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ( ، يعنيأجدادكم ، والنعمة عليهم حين أنجاهم من آل فرعون ، فأهلك عدوهم ، والخير الذيأنزل عليهم في أرض التيه ، وأعطاهم التوراة ، ثم قال : ( وأني فضلتكم على العالمين ) [ آية :47 ] ، يعني عالمي ذلك الزمان ، يعني أجدادهم من غير بني إسرائيل .تفسير سورة البقرة آية [ 48 ]البقرة : ( 48 ) واتقوا يوما لا . . . . .ثم خوفهم ، فقال : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس ( ، يقول : لا تغني نفس كافرة ) عننفس شيئا ( من المنفعة في الآخرة ، ) ولا يقبل منها ( ، يعني من هذه النفس الكافرة ،)( شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ( ، يعني فداء ، كفعل أهل الدنيا بعضهم من بعض ، ثم قال :( ولا هم ينصرون ) [ آية : 48 ] ، يقول : ولا هم يمنعون من العذاب .تفسير سورة البقرة آية [ 49 ]البقرة : ( 49 ) وإذ نجيناكم من . . . . .ثم ذكرهم النعم ليوحدوه ، فقال سبحانه : ( وإذ نجيناكم ( ، يعني أنقذناكم) من ءال فرعون ( ، يعني أهل مصر ، ) يسومونكم سوء العذاب ( ، يعني يعذبونكم شدةالعذاب ، يعني ذبح الأبناء واستحياء النساء ؛ لأن فرعون أمر بذبح البنين في حجورأمهاتهم ، ثم بين العذاب ، فقال : ( يذبحون أبناءكم ( في حجور أمهاتهم ،)( ويستحيون نساءكم ( ، يعني قتل البنين وترك البنات ، قتل منهم فرعون ثمانية عشرطفلا مخافة أن يكون فيهم مولود يكون هلاكه في سببه ، يقول الله عز وجل : ( وفي ذلكم ) ، يعني فيما يخبركم من قتل الأبناء وترك البنات ) بلاء ( ، يعني نقمة ) منربكم عظيم ) [ آية : 49 ] فاذكروا فضله عليكم حين أنجاكم من آل فرعون .(1/46)1صفحة رقم 47تفسير سورة البقرة آية [ 50 ]البقرة : ( 50 ) وإذ فرقنا بكم . . . . .) وإذ فرقنا بكم البحر ( وذلك أنه فرق البحر يمينا وشمالا كالجبلين المتقابلين كلواحد منهما على الآخر ، وبينهما كوى من طريق إلى طريق ، ينظر كل سبط إلى الآخرليكون آنس لهم ، ) فأنجيناكم ( من الغرق ) وأغرقنا ءال فرعون ( ، يعني أهل مصر ،يعني القبط ) وأنتم تنظرون ) [ آية : 50 ] أجدادهم يعلمون أن ذلك حق ، وكان ذلكمن النعم .تفسير سورة البقرة من [ آية 51 - 52 ]البقرة : ( 51 - 52 ) وإذ واعدنا موسى . . . . .وإذ واعدنا موسى ( ، يعني الميعاد ) أربعين ليلة ( ، يعني ثلاثين من ذي القعدةوعشر ليال من ذي الحجة ، فكان الميعاد الجبل ؛ ليعطى التوراة ، وكان موسى ، عليهالسلام ، أخبر بني إسرائيل بمصر ، فقال لهم : إذا خرجنا منها أتيناكم من الله عز وجلبكتاب يبين لكم فيه ما تأتون وما تتقون ، فلما فارقهم موسى مع السبعين ، واستخلفهارون أخاه عليهم ، اتخذوا العجل ، فذلك قوله سبحانه : ( ثم اتخذتم العجل من بعده ( ، يقول : من بعد انطلاق موسى إلى الجبل ) وأنتم ظالمون ) [ آية : 51 ] ،وذلك أن موسى قطع البحر يوم العاشر من المحرم ، فقال بنو إسرائيل : وعدتنا يا موسىأن تأتينا بكتاب من ربنا إلى شهر ، فأتنا بما وعدتنا ، فانطلق موسى وأخبرهم أنه يرجعإلى أربعين يوما عن أمر ربه عز وجل ، فلما سار موسى فدنا من الجبل ، أمر السبعين أنيقيموا في أصل الجبل ، وصعد موسى الجبل ، فكلم ربه تبارك اسمه ، وأخذ الألواح فيهاالتوراة ، فلما مضى عشرون يوما ، قالوا : أخلفنا موسى العهد ، فعدوا عشرين يوما وعشرين ليلة ، فقالوا : هذا أربعون يوما ، فاتخذوا العجل ، فأخبر الله عز وجل موسىبذلك على الجبل ، فقال موسى لربه : من صنع لهم العجل ؟ قال : السامري صنعه لهم ،قال موسى لربه : فمن نفخ فيه الروح ؟ قال الرب عز وجل : أنا ، فقال موسى : يا ربالسامري سنع لهم العجل فأضلهم ، وصنعت فيه الخوار ، فأنت فتنت قومي ، فمن ثم قالالله عز وجل : ( فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ) [ طه : 85 ] ، يعنيالذين خلفهم مع هارون سوى السبعين حين أمرهم بعبادة العجل .فلما نزل موسى من الجبل إلى السبعين ، أخبرهم بما كان ، ولم يخبرهم بأمر العجل ،(1/47)1صفحة رقم 48فقال السبعون لموسى : نحن أصحابك جئنا معك ولم نخالفك في أمر ، ولنا عليك حق ،فأرنا الله جهرة ، يعني معاينة ، كما رأيته ، فقال موسى : والله ما رأيته ، ولقد أردته علىذلك فأبى ، وتجلى للجبل فجعله دكا ، يعني فصار دكا ، وكان أشد منى وأقوى ، فقالوا :إنا لا نؤمن بك ولا نقبل ما جئت به حتى تريناه معاينة ، فلما قالوا ذلك أخذتهمالصاعقة ، يعني الموت عقوبة ، فذلك قوله سبحانه : ( فأخذتكم الصاعقة ) [ البقرة :55 ] ، يعني الموت ، نظيرها : ( وخر موسى صعقا ) [ الأعراف : 143 ] ، يعني ميتا ،وكقوله عز وجل : ( فصعق من في السماوات ) [ الزمر : 68 ] ، يعني فمات ) وأنتم تنظرون ( ، يعني السبعين .ثم أنعم الله عليهم فبعثهم ، وذلك أنهم لما صعقوا قام موسى يبكي ، وظن أنهم إنماصعقوا بخطيئة العجل ، فقال عز وجل في سورة الأعراف : ( رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) [ الأعراف : 155 ] ، وقال : يا رب ، ماأقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقد أهلكت أخبارهم ، فبعثهم الله عز وجل لما وجدموسى من أمرهم ، فذلك قوله سبحانه : ( ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون ([ آية : 52 ] ، يقول : لكي تشكروا ربكم في هذه النعمة ، فبعثوا يوم ماتوا ، ثم انصرفوا معموسى راجعين ، فلما دنوا من العسكر على ساحل البحر ، سمعوا اللغط حول العجل ،فقالوا : هذا قتال في المحلة ، فقال موسى ، عليه السلام : ليس بقتال ، ولكنه صوت الفتنة ،فلما دخلوا المعسكر رأى موسى ماذا يصنعون حول العجل ، فغضب وألقى الألواح ،فانكسر منها لوحان ، فارتفع من اللوح بعض كلام الله عز وجل ، فأمر بالسامريفأخرج من محلة بني إسرائيل ، ثم عمد إلى العجل فبرده بالمبرد وأحرقه بالنار ، ثم ذراه فيالبحر ، فذلك قوله : ( لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ) [ طه : 97 ] .فقال موسى : إنكم ظلمتم ، أي ضررتم ، أنفسكم باتخاذكم العجل إلها من دون اللهسبحانه وتعالى ، فتوبوا إلى بارئكم ، يعني خالقكم ، وندم القوم على صنيعهم ، فذلك قولهسبحانه : ( ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا ( ، يعني أشركوا بالله عزوجل ، ) قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ) [ الأعراف :149 ] ، فقالوا : كيف لنا بالتوبة يا موسى ، قال : اقتلوا أنفسكم ، يعني يقتل بعضكمبعضا ، كقوله سبحانه في النساء : ( ولا تقتلوا أنفسكم ( ، يقول : لا يقتل بعضكمبعضا ، ) إن الله كان بكم رحيما ) [ النساء : 29 ] ، يعني ذلك القتل والتوبة خير لكمعند بارئكم ، يعني عند خالقكم .(1/48)1صفحة رقم 49قالوا : قد فعلنا ، فلما أصبحوا أمر موسى ، عليه السلام ، البقية الأثنى عشر ألفا الذينلم يعبدوا العجل أن يقتلوهم بالسيف والخناجر ، فخرج من كل بني أب على حدة منمنازلهم ، فقعدوا بأفنية بيوتهم ، فقال بعضهم لبعض : هؤلاء إخوانكم أتوكم شاهرينالسيوف ، فاتقوا الله واصبروا ، فلعنة الله على رجل حل جيوبه ، أو قام من مجلسه ، أواتقى بيد أو رجل ، أو حار إليهم طرفة عين ، قالوا : آمين ، فقتلوهم من لدن طلوعالشمس إلى انتصاف النهار يوم الجمعة ، وأرسل الله عز وجل عليهم الظلمة حتى لايعرف بعضهم بعضا ، فبلغت القتلى سبعين ألفا ، ثم أنزل الله عز وجل الرحمة ، فلم يحدفيهم السلاح ، فأخبر الله عز وجل موسى ، عليه السلام ، أنه قد نزلت الرحمة ، فقال لهم :قد نزلت الرحمة ، ثم أمر موسى المنادي فنادى : أن ارفعوا سيوفكم عن إخوانكم ، فجعلالله عز وجل القتلى شهداء ، وتاب الله على الأحياء ، وعفى عن الذين صبروا للقتل ، فلميقتلوا ، فمن مات قبل أن يأتيهم موسى ، عليه السلام ، على عبادة العجل دخل النار ،ومن هرب من القتل لعنهم الله ، فضربت عليهم الذلة والمسكنة ، فذلك قوله : ( سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا ) [ الأعراف : 152 ] ، وذلك قوله سبحانه :( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ) [ الأعراف : 167 ] ، ^فكان الرجل يأتي نادى قومه وهم جلوس ، فيقتل من العشرة ثلاثة ويدع البقية ،ويقتل الخمسة من العشرين ، ومن كتب عليهم الشهادة ويبقى الذين لم يقض لهم أنيقتلوا ، فذلك قوله عز وجل : ( ثم عفونا عنكم ( ، فلم نهلككم جميعا ) من بعد ذلك ( ، يعني بعد العجل ) لعلكم ( ، يعني لكي ) تشكرون ) [ البقرة : 52 ] ربكمفي هذه النعم ، يعني العفو ، فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ، وذلك قوله سبحانه في الأعراف : ( والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها ) ، يعني من بعد عبادة العجل) وآمنوا ( ، يعني وصدقوا بأن الله واحد لا شريك له ، ) إن ربك من بعدها لغفوررحيم ) [ الأعراف : 153 ] لذو تجاوز عنهم رحيم بهم عند التوبة .تفسير سورة البقرة آية [ 53 ]البقرة : ( 53 ) وإذ آتينا موسى . . . . .) وإذ ءاتينا موسى الكتاب ( ، يعني التوراة ، ) والفرقان ( ، يعني النصر حين فرقبين الحق والباطل ، ونصر موسى وأهلك فرعون ، نظيرها في الأنفال قوله سبحانه :(1/49)1صفحة رقم 50) وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ( ، يعني يوم النصر ، ) يوم التقى الجمعان ([ الأنفال : 41 ] ، فنصر الله عز وجل المؤمنين وهزم المشركين ، ) لعلكم تهتدون ) [ آية :53 ] من الضلالة بالتوراة ، يعني بالنور .تفسير سورة البقرة من آية [ 54 - 57 ]البقرة : ( 54 ) وإذ قال موسى . . . . .) وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ) [ آية :54 ] ،البقرة : ( 55 ) وإذ قلتم يا . . . . .) وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ) [ آية : 55 ] ،البقرة : ( 56 ) ثم بعثناكم من . . . . .) ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ) [ آية : 56 ] .البقرة : ( 57 ) وظللنا عليكم الغمام . . . . .) وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم ( ، وذلك أن موسى ، عليه السلام ، قالت لهبنو إسرائيل وهم في التيه : كيف لنا بالأبنية ، وقد نزلنا في القفر ، وخرجنا من العمرانمن حر الشمس ، فظلل الله عز وجل عليهم الغمام الأبيض يقيهم حر الشمس ، ثم إنهمسألوا موسى ، عليه السلام ، الطعام ، فأنزل الله عليهم طعام الجنة ، وهو ) المن والسلوى ( ، أما المن ، فهو الترنجبين ، فكان ينزل بالليل على شجرهم أبيض كالثلج ، حلومثل العسل ، فيغدون عليه كل إنسان صاع لكل ليلة ، فيغدون عليه فيأخذون ما يكفيهمليومهم ، ذلك لكل رجل صاع ، ولا يرفعون منه في غد ، ويأخذون يوم الجمعة ليومين ؛لأن السبت كان عندهم لا يشخصون فيه ولا يعملون ، كان هذا لهم في التيه ، وتنبتثيابهم مع أولادهم ، فأما الرجال ، فكانت ثيابهم عليهم لا تبلى ولا تنخرق ولا تدنس .وأما السلوى ، فهو الطير ، وذلك أن بني إسرائيل سألوا موسى اللحم وهم في التيه ،فسأل موسى ربه عز وجل ، فقال الله : لأطعمنهم أقل الطير لحما ، فبعث الله سبحانهالسماء ، فأمطرت لهم السلوى وهي السمانا ، وجمعتهم ريح الجنوب ، وهي طير حمرتكون في طريق مصر ، فأمطرت قدر ميل في عرض الأرض ، وقدر رمح في السماء(1/50)1صفحة رقم 51بعضه على بعض ، فقال الله عز وجل لهم : ( كلوا من طيبات ( ، يعني من حلال ،كقوله : ( فتيمموا صعيدا طيبا ) [ المائدة : 6 ] ، يعني حلالا طيبا في غير مأثم ، وإذاوجدوا الماء فهو حرام ، فمن ثم قال : ( طيبا ( ، يعني حلالا من ) ما رزقناكم ( منالسلوى ، ولا تطغوا فيه ، يعني تعصوا الله في الرزق فيما رزقكم ، ولا ترفعوا منه لغد ،فرفعوا وقددوا مخافة أن ينفذ ، ولو لم يفعلوا لدام لهم ذلك ، فقددوا منه ورفعوا فدودوتغير ما قدروا منه وما رفعوا فعصوا ربهم ، فذلك قوله سبحانه : ( وما ظلمونا ( ، يعنيوما ضرونا ، يعني ما نقصونا من ملكنا بمعصيتهم شيئا حين رفعوا وقددوا منه في غد ،)( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) [ آية : 57 ] ، يعني أنفسهم يضرون ، نظيرها فيالأعراف قوله سبحانه : ( من طيبات ما رزقناكم ) [ الأعراف : 160 ] إلى آخر الآية .تفسير سورة البقرة من آية [ 58 - 59 ]البقرة : ( 58 - 59 ) وإذ قلنا ادخلوا . . . . .) وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ( يعني إيلياء وهم يومئذ من وراء البحر ، ) فكلوا منها حيث شئتم رغدا ( ، يعني ما شئتم ، وإذ شئتم ، وحيث شئتم ، ) وادخلوا الباب سجدا ( ، يعني باب إيلياء سجدا ، فدخلوا متحرفين على شق وجوههم ، ) وقولوا حطة ( ، وذلك أن بني إسرائيل خرجوا مع يوشع بن نون بن اليشامع بن عميهوذ بنغيران بن شونالخ بن إفراييم بن يوسف ، عليه السلام ، من أرض التيه إلى العمران حيالأريحا ، وكانوا أصابوا خطيئة ، فأراد الله عز وجل أن يغفر لهم ، وكانت الخطيئة أنموسى ، عليه السلام ، كان أمرهم أن يدخلوا أرض أريحا التي فيها الجيارون ، فلهذا قاللهم : ( وقولوا حطة ( ، يعني بحطة حط عنا خطايانا .ثم قال : ( نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ) [ آية : 58 ] الذين لم يصيبواخطيئة ، فزادهم الله إحسانا إلى إحسانهم ، فلما دخلوا إلى الباب ، فعل المحسنون ما أمروابه ، وقال الآخرون : هطا سقماثا يعنون حنطة حمراء ، قالوا : ذلك استهزاء وتبديلا ، لماأمروا به ، فدخلوا مستقلين ، فذلك قوله عز وجل : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا ( ، يعني عذابا ) من السماء ( كقوله(1/51)1صفحة رقم 52في سورة الأعراف : ( قال قد وقع عليكم من ربكم رجس ) [ الأعراف : 71 ] ، يعني عذابا ، ويقال : الطاعون ، ويقال : الظلمة شبه النار ، ) بما كانوا يفسقون ) [ آية : 59 ] ،وأهلك منهم سبعون ألفا في يوم واحد عقوبة لقولهم : هطا سقماثا ، فهذا القولظلمهم .تفسير سورة البقرة من آية [ 60 - 61 ]البقرة : ( 60 - 61 ) وإذ استسقى موسى . . . . .) وإذ استسقى موسى لقومه ( ، وهم في التيه ، قالوا : من أين لنا شراب نشرب ؟فدعا موسى ، عليه السلام ، ربه أن يسقيهم ، فأوحى الله عز وجل إلى موسى ، عليهالسلام : ( فقلنا اضرب بعصاك الحجر ( ، وكان الحجر خفيفا مربعا ، فضربه ،)( فانفجرت منه ( من الحجر ) اثنتا عشرة عينا ( ، فرووا بإذن الله عز وجل ، وكانوا اثنى عشر سبطا ، لكل سبط من بني إسرائيل عين تجري على حدة ، لا يخالطهم غيرهم ،فذلك قوله سبحانه : ( قد علم كل أناس مشربهم ( ، يعني كل سبط مشربهم ، يقولالله عز وجل : ( كلوا ( من المن والسلوى ، ) واشربوا ( من العيون ، وهو ) من رزق الله ( حلالا طيبا ، فذلك قوله سبحانه : ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ( ، ) ولا تعثوا في الأرض ( ، يقول : لا تعلوا ولا تسعوا في الأرض ) مفسدين ) [ آية : 60 ] ،يقول : لا تعملوا في الأرض بالمعاصي ، فرفعوا من المن والسلوى لغد ، فذلك قولهسبحانه : ( ولا تطغوا فيه ) [ طه : 81 ] ، يقول : لا ترفعوا منه لغد ، وكان موسى ( صلى الله عليه وسلم )إذا ظعن حمل الحجر معه ، وتنصب العيون منه .ثم إنهم قالوا : يا موسى ، فأين اللباس ؟ فجعلت الثياب تطول مع أولادهم ، وتبقىعلى كبارهم ، ولا تمزق ولا تبلى ولا تدنس ، وكان لهم عمود من نور يضئ لهم بالليلإذا ارتحلوا وغاب القمر ، فلما طال عليهم المن والسلوى ، سألوا موسى نبات الأرض ،(1/52)1صفحة رقم 53فذلك قوله عز وجل : ( وإذ قلتم يا موسى ( في التيه ) لن نصبر على طعام واحد ( ، يعني المن والسلوى ، ) فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها ( ، يعني الثوم ، ) وعدسها وبصلها ( ، فغضب موسى ، عليه السلام ، ) قال أتستبدلون الذي هو أدنى ( ، يقول : الذي هو دون المن والسلوى من نبات الأرض) بالذي هو خير ( ، يعني المن والسلوى ، فقال موسى : ( اهبطوا مصرا ( منالأمصار ، ) فإن لكم ما سألتم ( من نبات الأرض ، ) وضربت عليهم الذلة ( ، يعنيعلى اليهود الذلة ، وهي الجزية ، ) والمسكنة ( ، يعني الفقر ، ) وباءو بغضب منالله ( ، يعني استوجبوا غضب الله عز وجل ، ) ذلك ( الذل والمسكنة الذي نزل بهم) بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ( ، يعني القرآن ، ) ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) [ آية : 61 ] في أديانهم .) تفسير سورة البقرة آية [ 62 ]البقرة : ( 62 ) إن الذين آمنوا . . . . .) إن الذين آمنوا والذين هادوا ( ، يعني اليهود ، ) والنصارى والصائبين ( ، وهمقوم يصلون للقبلة ، يقرءون الزبور ويعبدون الملائكة ، وذلك أن سلمان الفارسي كان منجند سابور ، فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأسلم ، وذكر سلمان أمر الراهب وأصحابه ، وأنهممجتهدون في دينهم يصلون ويصومون ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' هم في النار ' ، فأنزل الله عزوجل فيمن صدق منهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) : وبما جاء به : ( إن الذين آمنوا ( ، يعني صدقوا ،يعني أقروا وليسوا بمنافقين ، ) والذين هادوا والنصارى والصابئين ( ) من آمن باللهواليوم الآخر وعمل صالحا ( ، يقول : من صدق منهم بالله عز وجل ، بأنه واحد لا(1/53)1صفحة رقم 54شريك له ، وصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، بأنه كائن ، ) فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ( من نزول العذاب ، ) ولا هم يحزنون ) [ آية : 62 ] عندالموت ، يقول : إن الذين آمنوا ، يعني صدقوا بتوحيد الله تعالى ، ومن آمن من الذينهادووا ومن النصارى ومن الصابئين ، من آمن منهم بالله واليوم الآخر فيما تقدم إلىآخر الآية .تفسير سورة البقرة آية [ 62 ]البقرة : ( 63 ) وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . .) وإذ أخذنا ميثاقكم ( في التوراة ، وأن تعملوا بما فيها ، فلما قرأوا التوراة وفيهاالحدود والأحكام ، كرهوا أن يقروا بما فيها ، رفع الله عز وجل عليهم الجبل ليرضخ بهرءوسهم ، وذلك قوله سبحانه : ( ورفعنا فوقكم الطور ( ، يعني الجبل ، فلما رأوا ذلكأقروا بما فيها ، فذلك قوله : ( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم ([ الأعراف : 171 ] ، ) خذوا ما ءاتيناكم بقوة ( ، يقول : ما أعطيناكم من التوراة بالجدوالمواظبة عليه ، ) واذكروا ( يقول : احفظوا ^ ) ما فيه ( من أمره ونهيه ولا تضيعوه) لعلكم تتقون ) [ آية : 63 ] ، يقول : لكي تتقوا المعاصيتفسير سورة البقرة من آية [ 64 - 65 ]البقرة : ( 64 ) ثم توليتم من . . . . .) ثم توليتم ( يقول : أعرضتم ) من بعد ذلك ( عن الحق من بعد الجبل ، ) فلولافضل الله عليكم ورحمته ( ، يعني نعمته لعاقبكم ، و ) لكنتم ) ) في الآخرة ( ( منالخاسرين ) [ آية : 64 ] في العقوبة .البقرة : ( 65 ) ولقد علمتم الذين . . . . .) ولقد علمتم ( ، يعني اليهود ) الذين اعتدوا منكم في السبت ( ، فصادوا فيهالسمك ، وكان محرما عليهم صيد السمك يوم السبت ، فأمهلهم الله سبحانه بعد صيدالسمك سنين ، ثم مسخهم الله قردة ، فذلك قوله : ( فقلنا لهم ) ) بوحي ( ( كونوا قردةخاسئين ) [ آية : 65 ] ، يعني صاغرين .تفسير سورة البقرة آية [ 66 ](1/54)1صفحة رقم 55البقرة : ( 66 ) فجعلناها نكالا لما . . . . .) فجعلناها نكالا ( لبني إسرائيل ) لما بين يديها ( ، يقول : أخذناهم بمعاصيهم قبلصيد الحيتان ، ) وما خلفها ( ما استنوا من سنة سيئة ، فاقتدى بها من بعدهم ، فالنكالهي العقوبة ، ثم مسخهم الله عز وجل في زمان داود ، عليه السلام ، قردة ثم حذر هذهالأمة ، فقال سبحانه : ( وموعظة للمتقين ) [ آية : 66 ] ، يعني تعظهم يا محمد أن ريكبواما ركبت بنو إسرائيل من المعاصي ، فيستحلوا محرما أو صيدا في حرم الله ، أو تستحلواأنتم حراما لا ينبغي فينزل بكم من العقوبة مثل ما نزل بالذين استحلوا صيد السمك يومالسبت .تفسير سورة البقرة آية [ 67 ]البقرة : ( 67 ) وإذ قال موسى . . . . .) وإذ قال موسى لقومه ( يا بني إسرائيل ، ) إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة (بأرض مصر قبل الغرق ، وذلك أن أخوين كانا في بني إسرائيل ، فقتلا ابن عم لهما ليلابمصر ليرثاه ، ثم حملاه فألقياه بين القريتين . قال :حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال :حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، رضي الله عنه ، أنه قال : قاسواما بين القريتين ، فكانتا سواء ، فلما أصبحوا أخذوا أهل القرية ، فقالوا : والله ما قتلناه ولاعلمنا له قاتلا ، قالوا : يا موسى ، ادع لنا ربك يطلع على القاتل إن كنت نبيا كما تزعم ،فدعا موسى ربه عز وجل ، فأتاه جبريل ، عليه السلام ، فأمره بذبح بقرة ، فقال لهم ،موسى : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ، فتضربوه ببعضها فيحيا ، فيخبركم بقاتله ، واسمالمقتول عاميل ، فظنوا أنه يستهزئ بهم ، فقالوا : نسألك عن القاتل لتخبرنا به ، فتأمرنابذبح بقرة استهزاء بنا ، فذلك قولهم لموسى : ( قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) [ آية : 67 ] ، يعني من المستهزئين ، فعلموا أن عنده علم ذلك . .تفسير سورة البقرة من آية [ 68 - 71 ](1/55)1صفحة رقم 56البقرة : ( 68 ) قالوا ادع لنا . . . . .) قالوا ( يا موسى ، ) ادع لنا ربك ( ، أي سل لنا ربك ) يبين لنا ما هي قال إنه يقول ( ، إن ربكم يقول : ( إنها بقرة لا فارض ولا بكر ( ، يعني ليست بكبيرة ولا بكر ،أي شابة ، ) عوان بين ذلك ( ، يعني بالعوان بين الكبيرة والشابة ، ) فافعلوا ماتؤمرون ) [ آية : 68 ] ،البقرة : ( 69 ) قالوا ادع لنا . . . . .فانطلقوا ثم رجعوا إلى موسى ، ) قالوا ادع لنا ربك ( ، أيسل ربك ) يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها ( ، يعنيصافية اللون نقية ) تسر ( ، يعني تعجب ، ) الناظرين ) [ آية : 69 ] ، يعني منرآها ، فشددوا على أنفسهم ، فشدد الله عليهم ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' إنما أمروا ببقرة ، ولوعمدوا إلى أدنى بقرة لأجزأت عنهم ، والذي نفس محمد بيده ، لو لم يستثنوا ما بينت لهمآخر الأبد ' .البقرة : ( 70 ) قالوا ادع لنا . . . . .فانطلقوا ثم رجعوا ) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا ( تشكل) وإنا إن شاء الله لمهتدون ) [ آية : 70 ] ، لو لم يستثنوا لم يهتدوا لها أبدا ، فعند ذلكهموا أن يفعلوا ما أمروا ، ولو أنهم عمدوا إلى الصفة الأولى فذبحوها لأجزأت عنهم .البقرة : ( 71 ) قال إنه يقول . . . . .) قال إنه يقول ( ، أي قال موسى : إن الله يقول : ( إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ( ،يقول : ليست بالذلول التي يعمل عليها في الحرث ، ) لا تسقي الحرث ( يقول : ليستبالذلول التي يسقى عليها بالسواقي الماء للحرث ، ) مسلمة ( ، يعني صحيحة ) ولاشية فيها ( ، يقول : لا وضح فيها ، يقول : ليس فيها سواد ولا بياض ولا حمرة ،)( قالوا آلآن ) ) يا موسى ( ( جئت بالحق ( ، يقول : الآن بينت لنا الحق ، فانطلقوا حتىوجدوها عند امرأة اسمها نوريا بنت رام ، فاستاموا بها ، فقالوا لموسى : إنها لا تباع إلابملء مسكها ذهبا ، قال موسى : لا تظلموا ، انطلقوا اشتروها بما عز وهان ، فاشتروهابملء مسكها ذهبا ، ) فذبحوها ( ، فقالوا لموسى : قد ذبحناها ، قال : خذوا منها عضوافاضربوا به القتيل ، فضربوا القتيل بفخذ البقرة اليمنى ، فقام القتيل وأوداجه تشخب دما ،فقال : قتلني فلان وفلان ، يعني ابني عمه ، ثم وقع ميتا ، فأخذا فقتلا ، فذلك قوله سبحانه) فذبحوها ( ) وما كادوا يفعلون ) [ آية : 71 ] .تفسيرسورة البقرة من آية [ 72 - 74 ](1/56)1صفحة رقم 57البقرة : ( 72 ) وإذ قتلتم نفسا . . . . .) وإذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها ( ، فاختلفتم في قتلها ، فقال أهل هذه القريةالأخرى : أنتم قتلتموه ، وقال الآخرون : أنتم قتلتموه ، فذلك قوله سبحانه : ( والله مخرج ما كنتم تكتمون ) [ آية : 72 ] ، يعني كتمان قتل المقتول ،البقرة : ( 73 ) فقلنا اضربوه ببعضها . . . . .) فقلنا اضربوه ببعضها كذلك ( ، يقول : هكذا ) يحي الله الموتى ويريكم آياته ( ، فكان ذلك من آياتهوعجائبه ، ) لعلكم ( يقول : لكي ) تعقلون ) [ آية : 73 ] ، فتعتبروا في البعث ، وإنمافعل الله ذلك بهم ؛ لأنه كان في بني إسرائيل من يشك في البعث ، فأراد الله عز وجلأن يعلمهم أنه قادر على أن يبعث الموتى ، وذلك قوله سبحانه ، ) لعلكم تعقلون (فتعتبروا في البعثالبقرة : ( 74 ) ثم قست قلوبكم . . . . .فقالوا : نحن لم نقتله ، ولكن كذب علينا ، فلما كذبوا المقتول ، ضرب الله لهم مثلا ،وذلك قوله سبحانه : ( ثم قست قلوبكم ( في الشدة ، فلم تطمئن ، يعني تلين ، حتىكذبتم المقتول ، ثم قال : ( من بعد ذلك ( ، يعني من بعد حياة المقتول ، ) فهي كالحجارة ( فشبه قلوبهم حين لم تلن بالحجارة في الشدة ، ثم عذر الحجارة وعابقلوبهم ، فقال : فهي كالحجارة في القسوة ، ) أو أشد قسوة ( ، ثم قال : ( وإن من الحجارة ( ما هي ألين من قلوبهم ، فمنها ) لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما ( ،يعني ما ) يشقق ( ، يعني يتصدع ، ) فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط ( ، يقول : منبعض الحجارة الذي يهبط من أعلاه ، فهؤلاء جميعا ) من خشية الله ( يفعلون ذلك ،وبنو إسرائيل لا يخشون الله ، ولا ترق قلوبهم كفعل الحجارة ، ولا يقبلون إلى طاعةربهم ، ثم وعدهم ، فقال عز وجل : ( وما الله بغافل عما تعملون ) [ آية : 74 ] منالمعاصيتفسير سورة البقرة آية [ 75 ]البقرة : ( 75 ) أفتطمعون أن يؤمنوا . . . . .) أفتطمعون ( أي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحده ، ) أن يؤمنوا لكم ( ، أن يصدقوا قولك يامحمد ، يعني يهود المدينة ، ) وقد كان فريق منهم ( على عهد موسى ، عليه السلام ،)( يسمعون كلام الله ( ، وذلك أن السبعين الذين اختارهم موسى حين قالوا : ( أرنا(1/57)1صفحة رقم 58الله جهرة ( ، فعاقبهم الله عز وجل وأماتهم عقوبة ، وبقي موسى وحده يبكي ، فلماأحياهم الله سبحانه ، قالوا : قد علمنا الآن أنك لم تر ربك ، ولكن سمعت صوته ، فأسمعناصوته ، قال موسى : أما هذا فعسى ، قال موسى : يا رب ، إن عبادك هؤلاء بني إسرائيليحبون أن يسمعوا كلامك ، فقال : من أحب منهم أن يسمع كلامي فليعتزل النساء ثلاثةأيام ، وليغتسل يوم الثالث ، وليلبس ثيابا جددا ، ثم ليأتي الجبل فأسمعه كلامي .ففعلوا ذلك ، ثم انطلقوا مع موسى إلى الجبل ، فقال لهم موسى : إذا رأيتم السحابة قدغشيت ورأيتم فيها نورا ، وسمعتم فيها صوتا ، فاسجدوا لربكم ، وانظروا ما يأمركم بهفافعلوا ، قالوا : نعم ، فصعد موسى ، عليه السلام ، الجبل ، فجاءت الغمامة ، فحالت بينهموبين موسى ، ورأوا النور ، وسمعوا صوتا كصوت الصور ، وهو البوق ، فسجدوا ، وسمعوهوهو يقول : إني أنا ربكم ، لا إله إلا أنا الحي القيوم ، وأنا الذي أخرجتكم من أرض مصر بيد رقيقة وذراع شديد ، فلا تعبدوا إلها غيري ، ولا تشركوا بي شيئا ، ولا تجعلوالي شبها ، فإنكم لن تروني ، ولكن تسمعون كلامي ، فلما أن سمعوا الكلام ، ذهبتأرواحهم من هول ما سمعوا ، ثم أفاقوا وهم سجود ، فقالوا لموسى ، عليه السلام : إنا لانطيق أن نسمع كلام ربنا ، فكن بيننا وبين ربنا ، فليقل لك وقل أنت لنا ، قال موسى : يارب ، إن بني إسرائيل لم يطيقوا أن يسمعوا كلامك ، فقل لي وأقل لهم ، قال الله عزوجل : نعم ما رأوا .فجعل الله عز وجل يأمر موسى ، ثم يخبرهم موسى ، ويقولون : سمعنا ربنا وأطعنا ،فلما فرغ من أمره ونهيه ، ارتفعت السحابة ، وذهب الصوت ، فرفع القوم رءوسهم ،ورجعوا إلى قومهم ، قيل لهم : ماذا أمركم به ربكم ونهاكم عنه ؟ فقال بعضهم : أمرنابكذا وكذا ، ونهانا عن كذا وكذا ، وقال آخرون : واتبع في آخر قوله : إن لم تستطيعواترك ما نهاكم عنه ، فافعلوا ما تستطيعون ، فذلك قوله سبحانه : ( أفتطمعون أن يؤمنوالكم وقد كان فريق منهم ( ، يعني طائفة من بني إسرائيل ، ) يسمعون كلام الله) ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ( ، وفهموه ، ) وهم يعلمون ) [ آية : 75 ] أنهمحرفوا الكلام .تفسير سورة البقرة آية [ 76 ](1/58)1صفحة رقم 59البقرة : ( 76 ) وإذا لقوا الذين . . . . .) وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا ( ، يعني صدقنا بمحمد ، عليه السلام ، بأنه نبي ،وذلك أن الرجل المسلم كان يلقى من اليهود حليفه أو اخاه من الرضاعة ، فيسأله :أتجدون محمدا في كتابكم ، فيقولون : نعم ، إن نبوة صاحبكم حق ، وإنا نعرفه ، فسمعكعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، ومالك بن الضيف ، وجدي بن أخطب ، فقالوالليهود في السر : أتحدثون أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بما فتح الله لكم ، يعني بما بين لكم فيالتوراة من أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فذلك قوله تعالى : ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم ( ، يعني ليخاصموكم ) به عند ربكم )باعترافكم أن محمدا ، عليه السلام ، نبي ثم لا تتابعوه ، ) أفلا تعقلون ) [ آية : 76 ] ،يعني أفلا ترون أن هذه حجة لهم عليكم .تفسير سورة البقرة من آية [ 77 - 78 ]البقرة : ( 77 ) أو لا يعلمون . . . . .فقال الله عز وجل : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون ( في الخلا ) ومايعلنون ) [ آية : 77 ] في الملاء ، فيقول بعضهم لبعض : أتحدثونهم بأمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، أولايعلمون حين قالوا : إنا نجد محمدا في كتابنا وإنا لنعرفه ،البقرة : ( 78 ) ومنهم أميون لا . . . . .) ومنهم أميون لا يعلمونالكتاب إلا أماني ( ، يقول : من اليهود من لا يقرأ التوراة إلا أن يحدثهم عنها رءوساليهود ، ) وإن هم إلا يظنون ) [ آية : 78 ] في غير يقين ما يستيقنون به ، فإن كذبوارءوس اليهود أو صدقوا تابعوهم باعترافهم ، فليس لهم بالتوراة علم إلا ما حدثوا عنها .تفسير سورة البقرة آية [ 79 ]البقرة : ( 79 ) فويل للذين يكتبون . . . . .) فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ( ، سوى نعت محمد ، عليه السلام ، وذلك أنرءوس اليهود بالمدينة محوا نعت محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من التوراة ، وكتبوا سوى نعته ، وقالوا لليهودسوى نعت محمد ، ) ثم يقولون هذا ( النعت ) من عند الله ليشتروا به ثمناقليلا ( ، يعني عرضا يسيرا مما يعطيهم سفلة اليهود كل سنة من زروعهم وثمارهم ،يقول : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم ( ، يعني في التوراة من تغيير نعت محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ،)( وويل لهم مما يكسبون ) [ آية : 79 ] من تلك المآكل على التكذيب بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولوتابعوا محمدا ، عليه السلام ، إذا لحبست عنهم تلك المآكل .(1/59)1صفحة رقم 60تفسير سورة البقرة آية [ 80 ]البقرة : ( 80 ) وقالوا لن تمسنا . . . . .) وقالوا ( ، يعني اليهود ) لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ( ؛ لأنا أبناء اللهوأحباؤه ، يعني ولد أنبياء الله ، إلا أربعين يوما التي عبد آباؤنا فيها العجل ، ) قل أتخذتم عند الله عهدا ( ، فعلمتم بما عهد إليكم في التوراة ، فإن كنتم فعلتم ) فلن يخلف الله عهده أم تقولون ( ، يعني بل تقولون ) على الله ما لا تعلمون ( ) آية : 80 ] ، فإنه ليسبمعذبكم إلا تلك الأيام ، فإذا مضت تلك الأيام مقدار كل يوم ألف سنة ، قالت الخزنة :يا أعداء الله ، ذهب الأجل وبقي الأبد ، وأيقنوا بالخلود .تفسير سورة البقرة من آية [ 81 - 82 ]البقرة : ( 81 ) بلى من كسب . . . . .) فلما قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ، أكذبهم الله عز عز وجل ، فقال : ( بلى (يخلد فيها ) من كسب سيئة ( ، يعني الشرك ، ) وأحاطت به خطيئته ( حتى ماتعلى الشرك ، ) فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ آية : 81 ] ، يعني لايموتون ،البقرة : ( 82 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .ثم بين مستقر المؤمنين ، فقال : ( والذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحابالجنة هم فيها خالدون ) [ آية : 82 ] لا يموتون .تفسير سورة البقرة من آية [ 83 - 84 ]البقرة : ( 83 ) وإذ أخذنا ميثاق . . . . .) وإذ ( ، يعني ولقد ) أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدينإحسانا ( ، يعني برا بهما ) وذي القربى واليتامى ( ، يعني ذوي القرابة صلته ،)( والمساكين ( واليتيم أن تصدق عليه وابن السبيل ، يعني الضيف أن تحسن إليه ،)( وقولوا للناس حسنا ( ، يعني حقا ، نظيرها في طه قوله عز وجل : ( ألم يعدكمربكم وعدا حسنا ) [ طه : 86 ] يعني حقا ، وقوله : ( وقولوا للناس حسنا ( ، يعني) للناس ( أجمعين صدقا في محمد وعن الإيمان .(1/60)1صفحة رقم 61) وأقيموا الصلاة ( ، يعني أتموا الصلاة لمواقيتها ، ) وءاتوا ( وأعطوا ) الزكاة ثم توليتم ( ، يعني أعرضتم عن الإيمان ، فلم تقروا ببعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ) [ آية : 83 ] ، يعني ابن سلام ، وسلام بن قيس ، وثعلبة بنسلام ، وقيس ابن أخت عبد الله بن سلام ، وأسيد وأسد ابنى كعب ، ويامين ، وابنيامين ، وهم مؤمنو أهل التوراة .البقرة : ( 84 ) وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . .) وإذ أخذنا ميثاقكم ( في التوراة ، يعني ولقد أخذنا ميثاقكم في التوراة ( لا تسفكون دماءكم ( ، يقول : لا يقتل بعضكم بعضا ، ) ولاتخرجون أنفسكم ( ، يعني لا يخرج بعضكم بعضا ) من دياركم ثم أقررتم ( بهذا) وأنتم تشهدون ) [ آية : 84 ] أن هذا في التوراة .تفسير سورة البقرة آية [ 85 ]البقرة : ( 85 ) ثم أنتم هؤلاء . . . . .) ثم أنتم هؤلاء ( معشر اليهود بالمدينة ) تقتلون أنفسكم ( ، يعني يقتلبعضكم بعضا ، ) وتخرجون فريقا ( ، يعني طائفة ) منكم من ديارهم تظاهرون ( ،يعني تعاونون ) عليهم بالإثم ( ، يعني بالمعصية ) والعدوان ( ، يعني بالظلم ، ومكتوبعليهم في التوراة أن يفدوا أسراهم فيشتروهم إذا أسرهم أهل الروم في القتال إن كانعبدا أو أمة ، يقول الله عز وجل : ( وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكمإخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب ( ، يقول : تصدقون ببعض ما في التوراة لمن يقتل ،والإخراج من الديار ، فهو محرم عليكم إخراجهم ، ) وتكفرون ببعض فما جزاء منيفعل ذلك منكم إلا خزي ( ، يعني الهوان ) في الحياة الدنيا ( ، فكان خزي أهلقريظة القتل والسبي ، وخزي أهل النضير الجلاء والنفي من منازلهم وجناتهم التي بالمدينةإلى أذرعات وأريحا من أرض الشام ، فكان هذا خزيا لهم وهوانا لهم ، ) ويوم القيامةيردون إلى أشد العذاب ( ، يعني رءوس اليهود ، يقول : هم أشد كذابًا ، يعني رءوس اليهودمن أهل ملتهم ؛ لأنهم أول من كفر بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) من اليهود ، ثم أوعدهم ، فقال : ( وماالله بغافل عما تعملون ) [ آية : 85 ] .(1/61)1صفحة رقم 62تفسير سورة البقرة آية [ 86 ]البقرة : ( 86 ) أولئك الذين اشتروا . . . . .ثم نعتهم فقال سبحانه : ( أولئك الذين اشتروا ( ، يعني اختاروا ) الحياة الدنيا بالآخرة ( ، يقول : باعوا الآخرة بالدنيا مما يصيبون من سفلة اليهود من المآكل ، ) فلا يخفف عنهم العذاب ( في الآخرة ) ولا هم ينصرون ) [ آية : 86 ] ، يعني ولا هم يمنعونمن العذاب .تفسير سورة البقرة من آية [ 87 - 88 ]البقرة : ( 87 ) ولقد آتينا موسى . . . . .) ولقد ءاتينا موسى الكتاب ( ، يقول : أعطينا موسى التوراة ، ) وقفينا من بعده ( ، يقول : وأتبعنا من بعد موسى ) بالرسل ( إلى قومهم ، ) وءاتينا عيسى ابنمريم البينات ( ، يقول : وأعطينا عيسى ابن مريم العجائب التي كان يصنعها من خلقالطير ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وأحياء الموتى بإذن الله ، ثم قال سبحانه : ( وأيدناه بروح القدس ( ، يقول : وقوينا عيسى بجبريل ، عليهما السلام ، فقالت اليهود عند ذلك : فجئنايا محمد بمثل ما جاء به موسى من الآيات كما تزعم ، يقول الله عز وجل : ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم ( ، يعني اليهود ، ) استكبرتم ( يعني تكبرتم عنالإيمان برسولي ، يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) ففريقا كذبتم ( ، يعني طائفة من الأنبياء كذبتمبهم ، منهم عيسى ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) وفريقا تقتلون ) [ آية : 87 ] ، يعني وطائفةقتلتموهم ، منهم زكريا ، ويحيى ، والأنبياء أيضا ، فعرفوا أن الذي قال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حقفسكتوا .البقرة : ( 88 ) وقالوا قلوبنا غلف . . . . .) وقالوا ( للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( قلوبنا غلف ( ، يعني في غطاء ، ويعنون في أكنة عليهاالغطاء ، فلا تفهم ولا تفقه ما تقول يا محمد ، كراهية لما سمعوا من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قوله :' إنكم كذبتم فريقا من الأنبياء وفريقا قتلتم ' ، فإن كنت صادقا فأفهمنا ما تقول ، يقولالله عز وجل : ( بل لعنهم الله بكفرهم ( فطبع على قلوبهم ، ) فقليلا ما يؤمنون ([ آية : 88 ] ، يعني بالقليل بأنهم لا يصدقون بأنه من الله ، وكفروا بما سواه مما جاء به(1/62)1صفحة رقم 63محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فذلك قوله عز وجل في النساء : ( فلا يؤمنون إلا قليلا ) [ النساء :155 ] ، وإنما سمى اليهود من قبل يهوذا بن يعقوبتفسير سورة البقرة آية [ 89 ]البقرة : ( 89 ) ولما جاءهم كتاب . . . . .) ولما جاءهم كتاب من عند الله ( ، يعني قرآن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) مصدق لما معهم (في التوراة بتصديق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقرآنه في التوراة ، نزلت في اليهود ، منهم : أبو رافع ، وابنأبي الحقيق ، وأبو نافع ، وغرار ، ) وكانوا من قبل ( أن يبعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) رسولا) يستفتحون على الذين كفروا ( ، نظيرها في الأنفال : ( إن تستفتحوا ) [ الأنفال :19 ] ، يعني إن تستنصروا بخروج محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على مشركي العرب : جهينة ، ومزينة ، وبنيعذرة ، وأسد ، وغطفان ، ومن يليهم ، كانت اليهود إذا قاتلوهم قالوا : اللهم إنا نسألكباسم النبي الذي نجده في كتابنا تبعثه في آخر الزمان أن تنصرنا ، فينصرون عليهم ، فلمابعث الله عز وجل محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) من غير بني إسرائيل كفروا به وهم يعرفونه ، فذلك قولهسبحانه : ( فلما جاءهم ( محمد ) ما عرفوا ( أي بما عرفوا من أمره في التوراة ،)( كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) [ آية : 89 ] ، يعني اليهود .تفسير سورة البقرة آية [ 90 ]البقرة : ( 90 ) بئسما اشتروا به . . . . .) بئسما اشتروا به أنفسهم ( ، يقول : بئسما باعوا أنفسهم بعرض يسير من الدنيامما كانوا يصيبون من سفلة اليهود من المأكل في كل عام ، ثم قال : ( أن يكفروا بما أنزل الله ( من القرآن على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) بغيا ( ، يعني حسدا لمحمد ، إذ كان منالعرب ، يقول الله عز وجل : ( أن ينزل الله من فضله ( من النبوة والكتاب ، ) على منيشاء من عباده ) ( صلى الله عليه وسلم ) يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال سبحانه : ( فباءو بغضب على غضب ( ،يقول : استوجبوا بغضب من الله حين كفروا بعيسى ( صلى الله عليه وسلم ) على غضب بكفرهم بمحمد( صلى الله عليه وسلم ) وبما جاء به ، ) وللكافرين ( من اليهود ) عذاب مهين ) [ آية : 90 ] ، يعني الهوان .(1/63)1صفحة رقم 64تفسير سورة البقرة آية [ 91 ]البقرة : ( 91 ) وإذا قيل لهم . . . . .ثم قال : ( وإذا قيل لهم ( ، يعني اليهود ، منهم : أبو ياسر ، والنعمان بن أوفى ،)( ءامنوا ( ، يعني صدقوا ) بما أنزل الله ( من القرآن على محمد ، ) قالوا نؤمن بما أنزل علينا ( ، يعني التوراة ، ) ويكفرون بما وراءه ( ، يعني بما بعد التوراة الإنجيلوالفرقان ، ) وهو الحق ( ، يعني قرآن محمد ) مصدقا لما معهم ( ، يقول تصديقا لمحمد