عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
589عن ذلك ويقال هذا موصول ب " كلا لو تعلمون " يقول حقا لو علمتم علم اليقين بأن المال والحسب والفخر لا ينفعكم يوم القيامة ما افتخرتم بالمال والعدد والحسبثم قال عز وجل " لترون الجحيم " قرأ ابن عامر والكسائي " لترون " بضم التاء والباقون بالنصب وقرأ ابن كثير " ثم لترونها " بضم التاءفمن قرأ بالضم فهو على فعل ما لم يسم فاعله ونصب الجحيم على أنه مفعول به ثان يعني " لترون الجحيم " ومن قرأ بالنصب فعلى فعل المخاطبة ونصب الجحيم لأنه مفعول يعني لترون الجحيم يوم القيامة عيانا " ثم لترونها عين اليقين " يعني تدخلونها عيانا لا شك فيه " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " يعني ولتسألن يوم القيامة عن النعيم قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أكل خبزا يابسا أو شرب الماء البارد الفرات فقد أصاب النعيم وقال ابن مسعود رضي الله عنه هو الأمن والصحة وروى حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن جابر أنه قال جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فأطعمناهم رطبا وأسقيناهم الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هذا من النعيم الذي تسألون عنه ) وروى صالح بن محمد عن محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهم قال إن أبا بكر رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكلة أكلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي الهيثم بن التيهان من لحم وخبز وشعير وبسر مذنب وماء عذب فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتخاف علينا أن يكون هذا من النعيم الذي نسأل عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما ذلك للكفار ثم قال ثلاثة لا يسأل الله تعالى عنها العبد يوم القيامة ما يواري عورته وما يقيم به صلبه وما يكنه من الحر والقر وهو مسؤول بعد ذلك عن كل نعمة ) وروى الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ما أنعم الله تعالى على العبد من نعمة صغيرة أو كبيرة فيقول عليها الحمد لله إلا أعطاه الله تعالى خيرا مما أخذ ) والله الموفق بمنه و صلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد وآله وسلم(3/589)1590سورة العصرمكية وهي ثلاث آياتسورة العصر 1 - 3قول الله تبارك وتعالى " والعصر " قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعني الدهر وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال يعني صلاة العصر وذلك أن أبا بكر رضي الله عنه لما أسلم قالوا خسرت يا أبا بكر حين تركت دين آبائك فقال أبو بكر رضي الله عنه ليس الخسارة في قبول الحق إنما الخسارة في عبادة الأوثان التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عنكم فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية" والعصر " أقسم الله تعالى بصلاة العصر " إن الإنسان لفي خسر " يعني أن الكافر لفي خسارةوروي عن محمد بن كعب القرظي أنه قال " إن الإنسان لفي خسر " يعني الناس كلهمثم استثنى فقال عز وجل " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فإنهم غير منقوصينكما قال الله تعالى " ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون " يعني يكتب لهم ثواب عملهم وإن ضعفوا عن العملقال الزجاج " إن الإنسان " أراد به الناس والخسر والخسران واحد ومعناه إن الإنسان الكافر والعاملين بغير طاعة الله تعالى لفي خسروروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ والعصر ونوايب الدهر إن الإنسان لفي خسر وإنه لفي لعنة إلى آخر الدهر ويقال أقسم الله تعالى بخالق الدهر فقال " إن الإنسان لفي خسر " يعني أبا جهل والوليد بن المغيرة ومن كان في مثل حالهم ثم استثنى المؤمنين فقال " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " يعني أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضوان الله تعالى عليهم " وتواصوا بالحق " يعني تحاثوا على القرآن يعني يرغبون الناس في الإيمان والأعمال الصالحة " وتواصوا بالصبر " يعني تحاثوا على الصبر على عبادة الله تعالى وعلى الشدائد فيرغبون الناس على ذلكويقال " وتواصوا بالصبر " على المكاره فإن الجنة حفت بالمكاره والله الموفق بمنه(3/590)1591سورة الهمزةمكية وهي تسع آياتسورة الهمزة 1 - 9قول الله تبارك وتعالى " ويل لكل همزة لمزة " يعني الشدة من العذابويقال " ويل " واد في جهنم " ولكل همزة لمزة " قال أبو العالية يعني يهمزه في وجهه ويلمزه من خلفهوقال مجاهد الهمزة الطعان واللمزة الذي يأكل لحوم الناسوقال ابن عباس الهمزة واللمزة الذي يفرق بين الناس بالنميمةوالآية نزلت في الأخنس بن شريقويقال الذي يسخر من الناس فيشير بعينه وبحاجبيه وبشفتيه إليهوقال مقاتل نزلت في الوليد بن المغيرة وكان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم ويطعن في وجههويقال نزلت في جميع المغتابينثم قال عز وجل " الذي جمع مالا وعدده " يعني استعبد بماله الخدم والحيوان " وعدده " أي حسبه وأحصاه قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي " جمع " بالتشديد والباقون بالتخفيففمن قرأ بالتشديد فهو للمبالغة وكثرة الجمع ومن قرأ بالتخفيف فمعناه " جمع مالا وعدده " أي قوما أعدهم نصاراثم قال عز وجل " يحسب أن ماله أخلده " يعني يظن أن ماله الذي جمع أخلده في الدنيا ويمنعه من الموت فلا يموت حتى يفنى مالهيقول الله تعالى " كلا " لا يخلده ماله وولدهثم استأنف فقال تعالى " لينبذن في الحطمة " يعني ليقذفن في الحطمة و " الحطمة " اسم من أسماء النار" وما أدراك ما الحطمة " تعظيما لشأنها ولشدتهاثم وصفها فقال " نار الله الموقدة " يعني المستعرة تحطم العظام وتأكل اللحوم فلهذا سميت الحطمة " التي تطلع على الأفئدة " يعني تأكل الجلد واللحم حتى تبلغ أفئدتهموقال القتبي " تطلع على الأفئدة " يعني تشرف على الأفئدة وخص الأفئدة لأن الألم إذا وصل إلى الفؤاد مات صاحبه فأخبر أنهم في حال الموت وهم لا يموتون كما قال " لا يموت فيها ولا يحيى " [ الأعلى 13 ] ويقال " تطلع على الأفئدة " يعني تأكل الناس حتى تبلغ(3/591)1592الأفئدة فإذا بلغت الأفئدة ابتدأ خلقهولا تحرق القلب لأن القلب إذا احترق لا يجد الألم فيكون القلب على حاله لكي يجد الألمثم قال عز وجل " إنها عليهم مؤصدة " يعني مطبقة على الكافرين " في عمد ممددة " يعني طبقها ممدود مشدود إلى العمدوقال الزجاج معناه العذاب مطبق عليهم في عمد أي في عمد من الناروقال الضحاك " مؤصدة " يعني حائط لا باب فيهوروي عن الأعمش أنه كان يقرأها " عليهم مؤصدة " بعمد ممدودة يعني أطبقت الأبواب ثم شددت بالأوتاد من حديد من نار حتى يرجع إليهم غمها وحرها فلا يفتح لهم باب ولا يدخل عليهم روح ولا يخرج منها غم إلى الأبدقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر " في عمد " ممدودة بضم العين وقرأ الباقون بالنصب ومعناهما واحد وهو جمع العماداللهم إنا نسألك العفو(3/592)1593سورة الفيلمكية وهي خمس آياتسورة الفيل 1 - 5قول الله تبارك وتعالى " ألم تر " يعني ألم تخبر بالقرآنويقال " ألم تر " يعني ألم يبلغك الخبر اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الإخبار يعني اعلم واعتبر بصنيع الله تعالى " كيف فعل ربك " يعني كيف عذب ربك " بأصحاب الفيل " وكان بدء أصحاب الفيل ما ذكرناه في سورة البروج أن زرعة قتل المسلمين بالنار فهرب رجل منهم إلى ملك الحبشة وأخبره بذلك فبعث ملك الحبشة جيشا إلى أرض اليمن فأمر عليهم أرياطا ومعه في جنده أبرهة الأشرم فركب البحر فيمن معه حتى أتوا ساحلا مما يلي أرض اليمن فدخلوها ومع أرياط سبعون ألفا من الجيش وهزم زرعة وجنوده وألقى زرعة نفسه بفرسه في الماء فهلك وأقام أرياط باليمن سنين في سلطانه ذلكثم نازعه في أمر الحبشة أبرهة وكان من أصحابه ممن وجهه النجاشي معه إلى اليمنوخالفه أبرهة وتفرق الجند وصار إلى كل واحد منهما طائفة منهمثم خرجوا للقتال فلما تقارب الناس ودنا بعضهم من بعض أرسل أبرهة إلى أرياط إنك لا تصنع شيئا بأن تلقي الحبشة بعضها في بعض حتى تفنيها فأبرز لي وأبرز لك فأينا أصاب صاحبه انصرف إلى جندهفأرسل إليه أرياط أن قد أنصفت فاخرجفخرج إليه أبرهة وكان رجلا قصيرا وخرج إليه أرياط وكان رجلا طويلا عظيما في يده حربة وخلف أبرهة عبد يقال له عتودة وروي عن بعضهم عيودة بالياء فلما دنا أحدهما من صاحبه رفع أرياط الحربة فضرب بها على رأس أبرهة يريد يافوخه فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فخدشت حاجبيه وعينه وأنفه وشفتيه فلذلك سمي أبرهة الأشرم وحمل عيودة على أرياط من خلف أبرهة فقتل أرياط وانصرف جند أرياط إلى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة باليمنوكل ما صنع أبرهة من غير علم النجاشي ملك الحبشة فلما بلغه ذلك غضب غضبا شديدا وقال عدا على أميري فقتله بغير أمري ثم حلف أن لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيتهفلما بلغ ذلك أبرهة حلق رأسه وملأ جرابا من تراب أرض اليمن ثم بعث إلى النجاشي وكتب إليه أيها الملك إنما كان أرياط عبدك وأنا عبدك واختلفنا في أمرك وكل(3/593)1594طاعة لكإلا أني قد كنت أقوى على أمر الجيش منه وأضبط له وقد حلقت رأسي حين بلغني قسم الملك وبعثت إليه بجراب من تراب أرضي ليضعه تحت قدميه فيبر يمينهفلما وصل كتاب أبرهة إلى النجاشي رضي عنه وكتب إليه أن أثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمريوقال أبرهة لعتودة حين قتل أرياط أحكمك يعني أحكم علي بما شئت فقال عتودة حكمي أن لا تدخل عروس من بيت أهل اليمن على زوجها حتى أصيبها قبلهقال ذلك لكفأقام أبرهة باليمن وغلامه عتودة يصنع باليمن ما كان أعطاه من حكمهثم عدل عليه رجل من حمير أو من خثعم فقتلهفلما بلغ أبرهة قتله وكان أبرهة رجلا حليما ورعا في دينه النصرانية فقال قد آن لكم يا أهل اليمن أن يكون منكم رجل حازم يأنف مما يأنف منه الرجال إني والله لو علمت حين حكمته أنه يسأل الذي سأل ما حكمته وأيم الله لا يؤخذ منكم فيه عقل ولا قودثم إن أبرهة بنى بصنعاء كنيسة لم ير مثلها في زمانه في أرض الروم ولا في أرض الشامثم كتب إلى النجاشي الأكبر ملك الحبشة أني قد بنيت لك كنيسة لم ير مثلها لملك كان قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العربفلما علمت العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشي خرج رجل من بني كنانة من الحمس حتى قدم اليمن فدخل الكنيسة فنظر فيهاثم خرى فيها فدخلها أبرهة فوجد تلك العذرة فيها فقال من اجترأ علي بهذا فقال له أصحابه أيها الملك رجل من أهل ذلك البيت الذي يحجه العربفقال أعلي اجترأ بهذا ثم قال بالنصرانية لأهدمن ذلك البيت ولأخربنه حتى لا يحجه حاج أبدافدعا بالفيل وأذن قومه بالخروجوروي في رواية أخرى أن فئة من قريش خرجوا حتى أتوا إلى أرض النجاشي فأوقدوا نارا فلما رجعوا تركوا النار في يوم عاصف حتى وقعت النار في الكنيسة فأحرقتها فعزم أبرهة وهو خليفة النجاشي أن يخرج إلى مكة فيهدم الكعبة وينقل أحجارها إلى اليمن فيبني هناك بيتا ليحج الناس إليهوروي في رواية أخرى أن رجلا من أهل مكة خرج إلى اليمن فأخذ حزمة من القصب ذات ليلة وأضرم النار في الكنيسة فأحرقها ثم هربفبناها أبرهة مرة أخرى فحلف بعيسى ابن مريم ليهدمن الكعبة لكي يتحول الحج إلى كنيسته فتجهز فخرج معه الفيل حتى إذا كان في بعض طريقة بعث رجلا من بني سليم ليدعو الناس إلى حج بيته الذي بناه فتلقاه رجل من بني كنانة من الحمس فقتلهفازداد أبرهة بذلك غضبا وحث على المسير والانطلاق حتى إذا كان بأرض خثعم فخرج إليه رجل من أشراف اليمن وملوكهم يقال له ذو يفن فدعى قومه وأحبابه من سائر(3/594)1595العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت اللهفقاتله فهرب ذو يفن وأصحابه وأخذ ذو يفن وأوتي به أسيرافلما أراد قتله قال أيها الملك لا تقتلني فإنه عسى أن أكون معك خير لك من قتلي فتركه وحبسه عنده في وثاقهثم مضى على وجهه ذلك حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي فقاتله فهزمه وأخذ أسيرافلما أتي به وهم بقتله فقال أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب فتركه وخلى سبيله وخرج به معه يدله على أرض العربحتى إذا مر بالطائف فخرج إليه مسعود بن مغيث الثقفي في رجال من ثقيف فقالوا أيها الملك إنما نحن عبيدك ليس عندنا لك خلاف وليس بيتنا هذا الذي تريد وليست بالتي يحج إليه العرب وإنما ذلك بيت قريش الذي بمكة فنحن نبعث معك من يدلك عليه فتجاوز عنهم فبعثوا معه أبا رغال فخرج يهديهم الطريق حتى أنزلهم بالمغمس وهي على ستة أميال من مكة فمات أبو رغال هناك فرجمت العرب قبره فهو القبر الذي ترجمه الناس بالمغمسثم إن قريشا لما علموا أن لا طاقة لهم بالقتال مع هؤلاء القوم لم يبق بمكة أحد إلا خرج إلى الشعاب والجبال ولم يبق أحد إلا عبد المطلب على سقايته وشيبة أقام على حجابة البيتفجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي البيت ويقول اللهم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبوا بصليبهم فأمر ما بدا لكثم إن أبرهة بعث رجلا من الحبشة على جمل له حتى انتهى إلى مكة وساق إلى أبرهة أموال قريش وغيرهافأصاب مائتي بعير لعبد المطلب وهو يومئذ كبير قريش وسيدهاثم بعث أبرهة رجلا من أهل حمير إلى مكة وقال له سل عن سيد هذا البيت وشريفهم ثم قال له إن الملك يقول لك إني لم آت لأخرجكم وإنما جئت لأهدم هذا البيت فإن لم تتعرضوا إلى دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكمفلما دخل الرسول مكة جاء إلى عبد المطلب وأدى إليه الرسالة فقال عبد المطلب ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلامفإن يمنعه فهو بيته وحرمه وإن لم يحل بينه وبين حرمه والله ما عندنا دفع عنهفقال له الرسول فانطلق بنا إليه فإنه قد أمرني أن آت بك إليه فانطلق إليه عبد المطلب ومعه بعض بنيه حتى أتي العسكر حتى أتى العسكر فسأل عن ذي يفن وكان صديقا له فجاءه وهو في مجلسه فقال له هل عندك من عناء بما نزل بنا فقال له ذو يفن ما عناء رجل أسير بيد ملك ينتظر بأن يقتله غدوا أو عشيا ألا أن صاحب الفيل صديق لي فأرسل إليه فأوصيه بك وأعظم عليه حقك وأسأله أن يستوصي بك خيرا ويستأذن لك على الملك فتكلمه أنت بما بدا لكفقال حسبي ففعل ذلكفلما دخل عبد المطلب على الملك وكلمه فأعجبه كلامه ثم قال لترجمانه قل له ما حاجتكقال عبد المطلب حاجتي إليك أن ترد إلي مائتي بعير لي فقال لك ذلكقال له أبرهة لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم إني زهدت فيك حين كلمتني(3/595)1596في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيهقال عبد المطلب إنني أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعهفقال ما كان ليمنعه مني قال أنت وذلكفرد عليه الإبل فانصرف عبد المطلب إلى قريش وأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج بمن بقي من أهل مكة إلى الجبال وفي بطون الشعابثم إن عبد المطلب أخذ بحلقتي باب الكعبة وقال اللهم إن المرء يمنع رحله وذكر كلمات في ذلك ثم أرسل حلقتي الباب وانطلق ومن معه إلى قلل الجبال ينتظرون ما يصنع أبرهة بمكةفلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ جيشه وهيأ فيله وكان اسم الفيل محمودا وكنيته أبو العباس وكنية أبرهة أبو البكشومفلما وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي حتى جاء إلى جنب الفيل ثم أخذ بأذنه فقال أبرك محمودا وارجع راشدا من حيث جئت فإنك والله في بلد الله الحرامثم أرسل أذنه واضطجعفضربوه ليقوم فأبى فضربوا رأسه بالطبرزين فأبى فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك وأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف مع كل طير منها ثلاثة أحجار حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمصة والعدسة لا تصيب أحدا منهم إلا هلكفخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي جاؤوا منه ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق فخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا معه يسقط من جسده أنملة أنملة كلما سقطت منه أنملة خرجت منه مده قيح ودم حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم ماتفملك ابنه يكثوم بن أبرهة ملك اليمنوروي في الخبر أنه أول ما وقعت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام وقال بعضهم كان أمر أصحاب الفيل قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث وعشرين سنةوقال بعضهم كان ذلك في عام مولده وروي عن قيس بن مخرمة أنه قال ولدت أنا ورسول اله صلى الله عليه وسلم في عام الفيلفنزل قوله " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " يعني كيف عاقب ربك أصحاب الفيل بالحجارة حين أرادوا هدم الكعبةقال تعالى " ألم يجعل كيدهم في تضليل " يعني كيد الذين أرادوا هدم الكعبة يعني في خسارةويقال معناه ألم يجعل صنيعهم في أباطيل " وأرسل عليهم طيرا أبابيل " يعني متتابعا بعضها على أثر بعض وقال سعيد بن جبير أرسل الله عليهم طيورا بيضا صغاراوقال عبيد بن عمير أرسل عليهم طيرا بلقا من البحر كأنها الخطاطيفوروى عطاء عن ابن عباس قال طيرا سودا جاءت من قبل البحر فوجا فوجاثم قال " ترميهم بحجارة من سجيل "قال سعد بن جبير الحجارة أمثال الحمصة(3/596)1597وروي عن ابن عباس قال رأيت عند أم هانئ من تلك الحجارة مثل بعر الغنم مخططة بحمرةوروى إسرائيل عن جابر بن أسباط قال طير كأنها رجال الهند جاءت من قبل البحر تحمل الحجارة في مناقيرها وأظافيرها أكبرها كمبارك الإبل وأصغرها كرؤوس الإنسان " ترميهم بحجارة من سجيل " يعني من طين خلط بالحجارة ويقال طين مطبوخ كما يطبخ الآجروذكر مقاتل عن عكرمة قال هي طير جاءت من قبل البحر لها رؤوس كرؤوس السباع لم تر قبل يومئذ ولا بعده فجعلت ترميهم بالحجارة فتجدر جلودهم وكان أول يوم رئي فيه الجدريويقال مكتوب في كل حجر اسم الرجل واسم أبيه ولا يصيب الرجل شيء إلا نفذه فما وقع على رأس رجل إلا خرج من دبره وما وقعت على جنبه إلا خرجت من الجنب الآخروقال وهب بن منبه " حجارة من سجيل " قال بالفارسية سخ وكل يعني حجارة وطينوروى موسى بن بشار عن عكرمة " حجارة من سجيل " قال سنك وكلثم قال عز وجل " فجعلهم كعصف مأكول " يعني كزرع بال فأخبر الله تعالى أنه سلط على الجبابرة أضعف خلقه كما سلط على النمرود بعوضة فأكلت من دماغه أربعين يوما فمات من ذلكنسأل الله العفو والعافية و صلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد(3/597)1598سورة قريشمكية وهي أربع آيات 1 - 4قول الله تبارك وتعالى " لإيلاف قريش إيلافهم " قرأ ابن عامر " لإلاف قريش " بهمزة مختلسة الكسر والباقون بياء قبلها همزة ومعناهما واحدوهذا موصول بما قبله يعني أن الله تعالى أهلك أصحاب الفيل " لإيلاف قريش " يعني لتقر قريش بالحرم ويجاورون البيتحيث قال " فجعلهم كعصف مأكول " " لإيلاف قريش " يعني فعل ذلك ليؤلف قريشا بهاتين الخصلتين الرحلتين اللتين بهما عيشهم ومقامهم بمكةوقال أهل اللغة ألفت موضع كذا أي لزمته وألفينه الله كما لزمت موضع كذا ألزمنيه اللهوكرر الإيلاف على معنى التأكيد كما تقول أعطيتك المال لصيانة وجهك وصيانتك عن جميع الناسوقال مجاهد " لئلاف قريش " يعني لنعمتي على قريش وقال سعيد بن جبير أذكر نعمتي على قريش ويقال معناه لا يشق عليهم التوحيد كما لا يشق عليهم " رحلة الشتاء والصيف " قال مقاتل وذلك أن قريشا كانوا تجارا ومن ذلك سمت قريشا وكانوا يمتارون في الشتاء من الأردن وفلسطين لأن ساحل البحر كان أدناها فإذا كان الصيف تركوا طريق الشام وأخذوا طريق اليمن فشق ذلك عليهم فقذف الله تعالى في قلوب الحبشة حتى حملوا الطعام في السفن إلى مكة للبيع وجعل أهل مكة يخرجون إليهم على مسيرة ليلة ويشترون فكفاهم الله تعالى مؤونة الشتاء والصيف" فليعبدوا رب هذا البيت " لأن " رب هذا البيت " كفاهم مؤونة الخوف والجوع فليألفوا العبادة كما ألفوا رحلة الشتاء والصيفوقال الزجاج كانوا يترحلون في الشتاء إلى الشام وفي الصيف إلى اليمنوهذا موافق لما قال مقاتلوقال السدي في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام وهكذا قال القتبيوروي عن أبي العالية أنه قال كانوا لا يقيمون بمكة صيفا ولا شتاء فأمرهم الله تعالى بالمقام عند البيت في العبادةويقال معناه قل لهم يا محمد حتى يجتمعوا على الإيمان والتوحيد وعبادة رب هذا(3/598)1599البيت كاجتماعهم على رحلة الشتاء والصيف " فليعبدوا رب هذا البيت " يعني السيد والخالق لهذا البيت الذي صنع هذا الإحسان إليكم حتى يكرمكم في الآخرة كما أكرمكم في الدنيا " الذي أطعمهم من جوع " يعني أشبعهم بعد الجوع الذي أصابهم حتى جهدوا " وآمنهم من خوف " يعني من خوف الجهد والعدو والغارةوقال السدي " آمنهم " من خوف الجذامنسأل الله العفو والعافية(3/599)1600سورة الماعونمكية وهي سبع آياتسورة الماعون 1 - 7قول الله تبارك وتعالى " أرأيت الذي يكذب بالدين " قرأ الكسائي " أرأيت " بغير ألف وقرأ نافع " أرأيت " بالألف بغير همزة والباقون بالألف والهمزة " أرأيت " وهذه كلها لغات العرب واللغة المعروفة بالألف والهمزة ومعناه ألا ترى يا محمد هذا الكافر الذي يكذب بالدين يعني بيوم القيامةويقال معناه ما تقول يا محمد في هذا الكافر الذي يكذب بيوم القيامة فكيف يكون حاله يوم القيامة وقال قتادة نزلت في وهب بن عايل وقال جعدة بن هبيرة نزلت في العاص بن وائل ويقال هذا تهديد لجميع الكفارثم قال عز وجل " فذلك الذي يدع اليتيم " يعني يدفع اليتيم عن حقه ويقال يمنع اليتيم حقه ويظلمه " ولا يحض على طعام المسكين " يعني لا يحث على إطعام المسكين ويقال معناه لا يطعم المسكينثم قال عز وجل " فويل للمصلين " يعني للمنافقين " الذين هم عن صلاتهم ساهون " يعني لاهين عنها حتى يذهب وقتها" الذين هم يراؤون " الناس بالصلاة ولا يريدون بها وجه الله تعالى حتى إذا رأوا الناس صلوا وإذا لم يروا الناس لم يصلواثم قال تعالى " ويمنعون الماعون " قال مقاتل يمنعون الزكاة والماعون بلغة الحبش المالوعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال يراؤون بصلاتهم ويمنعون الزكاةويقال الماعون يعني المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهموعن أبي عبيد قال سألت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن الماعون فقال ما يتعاطاه الناس فيما بينهم مثل الفأس والقدوم والقدر والدلووروى وكيع عن سالم بن عبد اللهقال سمعت عكرمة يقول الماعون الفأس والقدوم والقدر والدلوقلت من منع هذا فله الويلقال من راءى بصلاة وسها عنها ومنع هذا فله الويلوقال القتبي الماعون الزكاة ويقال الماعون هو الماء والكلأوروي عن الفراء أنه قال هو المال والله أعلم وأحكم بالصواب(3/600)1601سورة الكوثرمكية وهي ثلاث آياتسورة الكوثر 1 - 3قول الله تبارك وتعالى " إنا أعطيناك الكوثر " يعني الخير الكثير لفضيلة القرآن ويقال العلم وقال القتبي أحسبه فوعل من الكثرة والخير الكثير وقال مقاتل " إنا أعطيناك الكوثر " أراد به نهرا في الجنة طينه مسك أذفر ورضراضه اللؤلؤ أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وروى عطاء بن السائب عن محمد بن زياد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الكوثر نهر في الجنة حافتاه الذهب ومجراه على الدر والياقوت ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل تربته أطيب من المسك ) وروي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( بينما أنا أسير في الجنة فإذا بنهر حافتاه من اللؤلؤ المجوف يعني الخيام قلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك )ثم قال عز و جل " فصل لربك " يعني صل لله الصلوات الخمس " وانحر " قال بعضهم انحر نفسك يعني اجتهد في الطاعة وقال بعضهم " وانحر " يعني استقبل بنحرك القبلة وقال بعضهم " وانحر " يعني البدنة واعرف هذه الكرامة من الله تعالى وأطعه انحر يعني استقبل بنحرك القبلة وقال بعضهم وانحر يعني البدنة يعني اعرف هذه الكرامة من الله تعالى وأطعه وقال بعضهم " وانحر " صل صلاة العيد يوم النحر وانحر البدنةثم قال عز وجل " إن شانئك هو الأبتر " يعني مبغضك وهو العاص بن وائل السهمي " هو الأبتر " يعني الأبتر من الخيروذلك أن العاص بن وائل السهمي كان يقول لأصحابه هذا الأبتر الذي لا عقب له فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتم لذلك فنزل " إن شانئك هو الأبتر " وأنت يا محمد صلى الله عليه وسلم ستذكر معي إذا ذكرت فرفع الله ذكره في كل مواطنويقال " فصل لربك وانحر " بأن يستوي بين السجدتين حتى يبدي نحره فخاطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم(3/601)1602والمراد به جميع الأمة كما قال " يا أيها الرسل " وأراد به هو وأصحابهوروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله " فصل لربك وانحر " قال يعني ضع اليمين على الشمال في الصلاة " إن شانئك هو الأبتر " في ماله وولده وأهله والبتر في اللغة الاستئصال والقطع وقال قتادة " الأبتر " الحقير الرقيق الذليل والله أعلم(3/602)1603سورة الكافرونمكية وهي ست آياتسورة الكافرون 1 - 6قول الله تبارك وتعالى " قل يا أيها الكافرون " " يا أيها " الياء للنداء وأي للتمييز وها للتنبيهألا ترى أنه لا يجوز لله أن يقال يا أيها الرحمن كما قال تعالى " يا أيها العزيز " لأن التنبيه لا يجوزوذلك أن قريشا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن يسرك أن نتبعك عاما وترجع إلى ديننا عاما فنزلت هذه السورةوقال مقاتل نزلت في المستهزئين وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة النجم وجرى على لسانه ما جرى فقال أبو جهل أخزاه الله لا تفارقنا إلا على أحد أمرين ندخل معك في بعض ما تعبد وتدخل معنا في ديننا أو تتبرأ من آلهتنا ونتبرأ من إلهك فنزلت هذه السورةوقال الكلبي وذاك أنهم أتوا العباس فقالوا له لو أن ابن أخيك استلم بعض آلهتنا لصدقناه بما يقول وآمنا به فنزل " قل يا أيها الكافرون " ويقال إنهم اجتمعوا إلى أبي طالب وقالوا له إن ابن أخيك يؤذينا ونحن لا نؤذيه لحرمتك فدعاه أبو طالب وذكر ذلك له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنما أدعوهم إلى كلمة واحدة ) فقال ما هي قال ( لا إله إلا الله ) فنفروا عن هذه الكلمة فنزل " قل يا أيها الكافرون " يعني قل يا محمد لأهل مكة " لا أعبد ما تعبدون " يعني " لا أعبد " بعد هذا " ما تعبدون " أنتم من الأوثان ولا أرجع إلى دينكمثم قال " ولا أنتم عابدون ما أعبد " يعني لا تعبدون أنتم بعد هذا الرب الذي أعبده أنا حتى ترون ما يستقبلكم غداوهذا كقوله عز وجل " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا " [ الكهف 29 ]قوله تعالى " ولا أنا عابد ما عبدتم " يعني لست أنا في الحال عابدا لأصنامكم وما كنت عابدا لها قبل هذا لأني علمت مضرة عبادتها " ولا أنتم عابدون ما أعبد " يعني لستم عابدين في الحال لجهلكم وغفلتكم وقلة عقلكم(3/603)1604ثم قال عز وجل " لكم دينكم ولي دين " يعني قد أكملت عليكم الحجة وليس علي أن أجبركم على الإسلام فاثبتوا على دينكم حتى تروا ماذا يستقبلكم غدا وأنا أثبت على ديني الذي أكرمني الله تعالى به ولا أرجع إلى دينكم أبداوهذا قبل أن يؤمر بالقتال ثم نسخ بآية القتال وفيها دليل أن الرجل إذا رأى منكرا أو سمع منكرا فأنكره فلم يقبل منه لا يجب عليه أكثر من ذلك وإنما عليه أن يحفظ مذهبه وطريقه ويتركهم على مذهبهم وطريقهموقال الحسن سمعت شيخا يحدث قال بينما أسير مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ " قل يا أيها الكافرون " فقال ( أما هذا فقد برئ من الشرك ) وسمع رجلا يقرأ " قل هو الله أحد " فقال ( أما هذا فقد غفر الله تعالى له والله أعلم(3/604)1605سورة النصروهي ثلاث آيات مكيةسورة النصر 1 - 3قول الله تبارك وتعالى " إذا جاء نصر الله " وروى عبد الملك بن سليمان قال سمعت سعيد بن جبير يقول كان أناس من المهاجرين قد وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس دونهم وكان يسأله فقال عمر أما أنا سأريكم منه اليوم ما تعرفون به فضله فسأله عن هذه السورة " إذا جاء نصر الله والفتح " قال بعضهم أمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا " أن تحمده وتستغفره فقال يا ابن عباس ألا تتكلم فقال أعلمه الله متى يموت فقال " إذا جاء نصر الله والفتح " فهي آيتك من الموت" فسبح بحمد ربك " قال مقاتل لما نزلت هذه السورة قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فاستبشروا فسمع بذلك ابن عباس فبكى فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما يبكيك ) فقال نعيت نفسك فقال ( صدقت ) فعاش بعد هذه السورة سنتينوروى أبو عبيد بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول ( سبحانك ربي وبحمدك اللهم اغفر لي ) وقال علي رضي الله عنه لما نزلت هذه السورة مرض النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إلى الناس فخطبهم وودعهم ثم دخل المنزل وتوفي بعد أياموروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى " إذا جاء نصر الله " يعني إذا أتاك نصر من الله تعالى على الأعداء من قريش وغيرهم " والفتح " يعني فتح مكة والطائف وغيرها " ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا " يعني جماعة جماعة وقبيلة قبيلة وكان قبل ذلك يدخلون واحدا واحدا فدخلوا فوجا فوجا فإذا رأيت ذلك فاعلم أنك ميت فاستعد للموت بكثرة التسبيح والاستغفار فذلك قوله " فسبح بحمد ربك " يعني سبحه ويقال " فسبح " أي فصل لربك " واستغفره إنه كان توابا " يعني متجاوزاوالله الموفق اللهم إنا نسألك العفو والعافية و صلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد(3/605)1606سورة المسدوهي خمس آيات مكيةسورة المسد 1 - 5قول الله تبارك وتعالى " تبت يدا أبي لهب وتب " يعني خسر أبو لهب وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى " وأنذر عشيرتك الأقربين " [ الشعراء 214 ] صعد على الصفا ونادى واصاحبا فاجتمعوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أمرني ربي أن أنذر عشيرتي الأقربين وأدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فقولوا أشهد لكم بها عند ربي ) فأنكروا ذلك فقال أبو لهب تبا لك سائر الأيام ألهذا دعوتنا وروي في خبر آخر أنه اتخذ طعاما ودعاهم ثم قال ( أسلموا تسلموا وأطيعوا تهتدوا ) فقال أبو لهب تبا لك سائر الأيام ألهذا دعوتنا فنزلت " تبت يدا أبي لهب " يعني خسرت يدا أي لهب عن التوحيد " وتب " يعني وقد خسرويقال إنما ذكر اليد وأراد به هو وقال مقاتل " تبت يدا أبي لهب وتب " يعني خسر نفسه وكان أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم واسمه عبد العزى ولهذا ذكره بالكنية ولم يذكر اسمه لأن اسمه كان منسوبا إلى صنموقال بعضهم كنيته كان اسمهثم قال عز وجل " ما أغنى عنه ماله وما كسب " يعني ما نفعه ماله في الآخرة إذ كفر في الدنيا " وما كسب " يعني ما ينفعه ولده في الآخرة إذا كفر في الدنيا والكسب أراد به الولد لأن ولد الرجل من كسبهثم قال عز وجل " سيصلى نارا ذات لهب " يعني سيدخل في نار ذات لهب يعني ذات شعلثم قال عز وجل " وامرأته حمالة الحطب " يعني تدخل النار معهقرأ عاصم " حمالة الحطب " بنصب الهاء ويكون على معنى الذم والشين ومعناه أعني حمالة الحطبوالباقون بالضم على معنى الابتداءأو " حمالة الحطب " جعل نعتا له فقال " حمالة الحطب " يعني حمالة الخطايا والذنوبويقال " حمالة الحطب " يعني تمشي بالنميمة فسمى النميمة حطبا لأنه يلقي بين القوم العداوة والبغضاءوكانت تمشي بالنميمة في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويقال كانت تحمل الشوك فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالليل من بغضها لهم حتى(3/606)1607بلغ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شدة وعناءفحملت ذات ليلة حزمة شوك لكي تطرحها في طريقهم فوضعتها على جدار وشدتها بحبل من ليف على صدرها فأتاها جبريل عليه السلام ومده خلف الجدار وخنقها حتى ماتت فذلك قوله " في جيدها حبل من مسد " أي من ليفوقال أكثر أهل التفسير " في جيدها حبل من مسد " يعني في الآخرة في عنقها سلسة من حديد وفوقها نار وتحتها ناروروى سعيد بن جبير رضي الله عنه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال لما نزلت " تبت يدا أبي لهب " جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه لو تنحيت يا رسول الله فإنها امرأة بذية فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( سيحال بيني وبينها ) فدخلت فلم تره فقالت لأبي بكر هجانا صاحبك فقال والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله قالت إنك لمصدق فاندفعت راجعة فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله ما رأتك فقال ( لم يزل بيني وبينها ملك يسترني عنها حتى رجعت )وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي يزيد بن زيد قال لما نزلت هذه السورة قيل لامرأة أبي لهب أن محمدا قد هجاك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في الملأ وقالت يا محمد صلى الله عليه وسلم على ما تهجوني فقال ( أما والله ما أنا هجوتك ما هجاك إلا الله تعالى ) قالت هل رأيتني أحمل الحطب أو رأيت في جيدي حبل من مسد وقال مجاهد " في جيدها حبل من مسد " مثل حديد البكرة وقال غيره يعني عروة السلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا نسأل الله العفو والعافية و صلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد وآله وسلم(3/607)1608سورة الإخلاصمختلف فيها وهي أربع آيات مكيةسورة الإخلاص 1 - 4قول الله تبارك وتعالى " قل هو الله أحد " وذلك أن قريشا قالوا له صف لنا ربك الذي تعبده وتدعونا إليه ما هو فأنزل الله تعالى " قل هو الله أحد " يعني قل يا محمد للكفار إن ربي الذي أعبده " هو الله أحد " يعني فرد لا نظير له ولا شبيه ولا شريك ولا معين لهثم قال عز وجل " الله الصمد " يعني الصمد الذي لا يأكل ولا يشربوقال السدي وعكرمة ومجاهد " الصمد " الذي لا جوف له وعن قتادة قال كان إبليس لعنه الله ينظر إلى آدم عليه السلام ودخل في فيه وخرج من دبره يعني حين كان صلصالا فقال للملائكة لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوفوروي عن ابن عباس رضي الله عنه قال " الصمد " الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ويتضرعون إليه عند مسألتهموقال أبو وايل " الصمد " السيد الذي انتهى سؤدده وكذلك قال سعيد بن جبيروقال الحسن البصري " الصمد " الدائم وقال قتادة " الصمد " الباقي ويقال الكافيوقال محمد بن كعب القرظي " الصمد " الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدويقال " الصمد " التام في سؤددهوروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال " الصمد " الذي لا يخاف من فوقه ولا يرجو من تحته ويصمد إليه في الحوائجثم قال تعالى " لم يلد ولم يولد " يعني لم يكن له ولد يرث ملكه" ولم يولد " يعني لم يكن له والد يرث عنه ملكه " ولم يكن له كفوا أحد " يعني لم يكن له نظير ولا شريك فينازعه في عظمته وملكهوقال مقاتل إن مشركي العرب قالوا إن الملائكة كذا وكذا وقالت اليهود والنصارى في عزير والمسيح ما قالوا فكذبهم الله تعالى وأبرأ نفسه مما قالوا فقال " لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " قرأ عاصم في رواية حفص " كفوا " بغير همزة وقرأ حمزة " كفوا " بسكون الفاء مهموزا والباقون بضم الفاء مهموزا بهمزة وكل ذلك يرجع إلى معنى واحدوروي عن علي بن أبي طالب أنه قال من قرأ " قل هو الله أحد " بعد صلاة الفجر إحدى عشرة مرة لم يلحقه ذنب يومئذ ولو اجتهد الشيطان(3/608)1609وروي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( أيعجز أحدكم أن يقرأ القرآن في ليلة ) فقيل يا رسول الله من يطيق ذلك قال ( أن يقرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات ) وروي عن ابن شهاب عن الزهري رضي الله عنه قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من قرأ قل هو الله أحد مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن )والله أعلم(3/609)1610سورة الفلقمكية وهي خمس آياتسورة الفلق 1 - 5قوله تعالى " قل أعوذ برب الفلق " يعني قل يا محمد أعتصم وأستعيذ وأستعين بخالق الخلق و " الفلق " الخلق وأنما سمي الخلق فلقا لأنهم فلقوا من آبائهم وأمهاتهم ويقال " أعوذ برب الفلق " يعني بخالق الصبح ويقال فالق الحب والنوىقال الله تعالى " إن الله فالق الحب والنوى " [ الأنعام 95 ] وقال " فالق الإصباح " [ الأنعام 96 ] ويقال الفلق واد في جهنم ويقال جب في الناروروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( الفلق شجرة في جهنم فإن أراد الله أن يعذب الكافر بأشد العذاب يأمره أن يأكل من ثمرها )وروي عن كعب الأحبار أنه دخل في بعض كنائس اللروم فقال أخس عمل وأضل قوم قد رضيت لكم بالفلق فقيل له ما الفلق يا كعب قال بئر في النار إذا فتح بابها صاح جميع أهل النار من شدة عذابهاثم قال عز وجل " من شر ما خلق " يعني الجن والإنسوقال الكلبي " من شر ما خلق " يعني من شر كل ذي شرثم قال عز وجل " ومن شر غاسق إذا وقب " يعني ظلمة الليل إذا دخل سواده في ضوء النهارويقال " إذا وقب " يعني إذا جاء وأدبروقال القتبي الغاسق الليل والغسق الظلمة ويقال الغاسق القمر إذا انكسف واسود " وإذا وقب " يعني إذا دخل في الكسوفثم قال تعالى " ومن شر النفاثات في العقد " يعني الساحرات المؤاخذات المهيجات اللواتي ينفثن في العقدثم قال " ومن شر حاسد إذا حسد " يعني كل ذي حسد وإنما أراد به لبيد بن أعصم اليهودي ويقال لبيد بن عاصموروى الأعمش عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم أنه قال سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود عقد له عقدا فاشتكى لذلك أياما فأتاه جبريل عليه السلام فقال له إن رجلا من اليهود سحرك فبعث عليا رضي الله عنه واستخرجها فحلها(3/610)1611فجعل كلما حل عقدة وجد النبي صلى الله عليه وسلم لذلك خفة حتى حلها كلها فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال فما ذكر النبي ذلك لليهوديوروي في خبر آخر أن لبيد بن أعصم اتخذ لعبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأخذ من عائشة رضي الله عنها فجعل في اللعبة إحدى عشرة عقدة ثم ألقاها في بئر وألقى فوقها صخرةفاشتكى من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا شديدا فصارت أعضاؤه مثل العقدفبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين النائم واليقظان إذ أتاه ملكان أحدهما جلس عند رأسه والآخر عند قدميه فالذي عند قدميهيقول للذي عند رأسه ما شكواه قال السحرقال من فعل به قال لبيد بن أعصم اليهوديقال فأين صنع السحر قال في بئر كذاقال ماذا رأوه قال يبعث إلى تلك البئر فينزح ماؤها فإنه ينتهي إلى صخرة فإذا رأها فيلقلعها فإن تحتها كؤبة وهي كؤبة قد سقط عنقها وفي الكؤبة وتر فيه إحدى عشرة عقدة فيحرقها في النار فيبرأ إن شاء الله تعالىفاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد فهم ما قالا فبعث عليا وعمار بن ياسر رضي الله عنهما إلى تلك البئر في رهط من أصحابه فوجدوها كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم لهم فنزلت هاتان السورتان وهما إحدى عشرة آية فكلما قرأ آية انحل منها عقدة حتى انحلت العقد كلها ثم أحرقها بالنار فبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلموروي في بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " ( ما سأل منها سائل ولا استعاذ مستعيذ بمثلها قط ) وهذه الآية دليل أن الرقية جائزة إن كانت بذكر الله تعالى وبكتابهوالله أعلم(3/611)1612سورة الناسمكية وهي ست آياتسورة الناس 1 - 6قوله تعالى " قل أعوذ برب الناس " يقول أستعيذ بالله خالق الناس ويقال أستعيذ بالله الذي هو رازق الخلققوله تعالى " ملك الناس " يعني خالق الناس ومالكهم وله نفاذ الأمر والملك فيهمثم قال " إله الناس " يعني خالق الناس ومعطيهم ومانعهم " من شر الوسواس " يعني من شر الشيطان ويقال معناه أستعيذ بالله تعالى ليحفظني من شر الشيطان لأني لا أستطيع أن أحفظ نفسي من شره لأنه يجري في نفس الإنسان مجرى الدم ولا يراه بشر والله تعالى قادر على حفظي من شره ومن وسوستهثم وصف الشيطان فقال " الخناس " قال مجاهد هو منبسط على قلب الإنسان إذا ذكر الله خنس وانقبض فإذا غفل انبسط على قلبهويقال له خنوس كخنوس القنفذثم قال " الذي يوسوس في صدور الناس " ويوسوسهم " من الجنة والناس " يعني يدخل في صدور الجن كما يدخل في صدور الإنس ويوسوس لهمويقال " الناس " في هذا الموضع يصلح للجن والإنس فإذا أراد به الجن فمعناه يوسوس في صدور المؤمنين الذين هم جن " يوسوس في صدور الناس " يعني الذين هم من بني آدمويقال " الناس " معطوف على الوسواس ومعناه " من شر الوسواس " " ومن شر الناس " كما قال في آية أخرى " شياطين الإنس والجن " وقال مقاتل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له جبريل عليه السلام ألا أخبرك يا محمد صلى الله عليه وسلم بأفضل ما يتعوذ به قلت ( وما هو ) قال المعوذتانوروى علقمة عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ما تعوذ المتعوذون بمثل المعوذتين )وروي عن الحسن البصري في قوله " من الجنة والناس " قال إن من الناس شياطين ومن الجن شياطين فتعوذوا بالله من شياطين الجن والإنس وقال هما شيطانانفأما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناسوأما شيطان الإنس فيأتي علانيةوروى أبو معاوية عن عثمان بن واقد قال أرسلني أبي إلى محمد بن المنكدر أسأله عن(3/612)1613المعوذتين أهما من كتاب الله تعالى قال من لم يزعم أنهما من كتاب الله تعالى فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين والله أعلمو صلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين ورسول رب العالمين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة والمقربين وأهل طاعتك أجمعينورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدينحسبنا الله ونعم الوكيلووافق الفراغ من كتابة هذا التفسير المبارك لمولانا الإمام العالم العلامة أبي الليث نصر بن إبراهيم السمرقندي رضي الله عنه آمين وأرضاه وجعل الجنة منقلبه ومثواه ونفعنا بعلومه ومدده وأسراره في الدارين آمين في يوم الأحد المبارك مستهل محرم الحرام افتتاح سنة اثنين وتسعين وتسعمائة المباركةأحسن الله عاقبتها بمحمد وآله.تم الكتاب والحمد لله أولا وآخر وظاهرا وباطنا.(3/613)