عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
317ويقال عبرة" وذكرى " يعني تفكرا وعظة" لكل عبد منيب " يعني مخلص بالتوحيدويقال راجع إلى ربهقوله تعالى " ونزلنا من السماء ماء مباركا " يعني المطر فيه البركة حياة لكل شيء " فأنبتنا به جنات " يعني البساتين " وحب الحصيد " يعني ما يخرج من سنبلهويقال ما يحصد وما لا يحصد كل ما كان له حب ويقال هي الحبوب التي تحصدقوله عز وجل " والنخل باسقات " يعني الطوال " لها طلع " يعني الكفري " نضيد " يعني مجتمعنضد بعضه على بعضويقال ثمر منضود إذا كان متراكبا بعضه على بعضويقال إنما يسمى نضيدا ما كان في الغلاف " رزقا للعباد " يعني جعلناه طعاما للخلقيعني الحبوب والثمر" وأحيينا به " يعني بالماء " بلدة ميتا " إذا لم يكن فيها نبات فهذا كله صفات بركة المطرثم قال " كذلك الخروج " يعني هكذا الخروج من القبركما أحييت الأرض الميتة بالنبات فكذلك لما ماتوا وبقيت الأرض خالية أمطرت السماء أربعين ليلة كمني الرجل يدخل في الأرض فتنبت لحومهم وعروقهم وعظامهم ثم يحييهمفذلك قوله " كذلك الخروج "ثم عزى النبي صلى الله عليه وسلم ليصبر على إيذاء الكفاريعني لا تحزن بتكذيب الكفار إياك لأنك لست بأول نبي وكل أمة كذبت رسلها مثل نوح وهود عليهم السلام وغيرهمسورة ق 12 - 16قال عز وجل " كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس " والرس بئر دون اليمامة وكان عليها قوم كذبوا رسلهم فأهلكهم الله تعالىثم قال " وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط " يعني قومه " وأصحاب الأيكة " يعني قوم شعيب " وقوم تبع " يعني قوم حميرويقال تبع كان اسم ملكوروى وكيع عن عمران بن جرير عن أبي مجلز قال جاء عبد الله بن عباس إلى عبد الله بن سلام فسأله عن تبع فقال كان تبع رجلا من العرب ظهر على الناس وسبا فتية من الأحبار فكان يحدثهم ويحدثونهفقال قومه إن تبعا ترك دينكم وتابع الفتيةفقال تبع للفتية ألا ترون إلى ما قال هؤلاء فقالوا بيننا وبينهم النار التي تحرق الكاذب وينجو منها الصادققال نعمفقال تبع للفتية ادخلوها فتقلدوا مصاحفهم ثم دخلوها فانفرجت لهم حتى قطعوهاثم قال لقومه ادخلوها فلما دخلوا وجدوا حر النار كفوافقال لهم لتدخلنها فدخلوها فلما توسطوا أحاطت بهم النار فأحرقتهم وأسلم تبع وكان رجلا صالحاويقال كان اسمه سعد بن ملكي(3/317)1318كرب وكنيته أبو كربوقيل قصة إسلام تبع خلاف ذلك وهو مذكور في مصحف الأول في آخره" كل كذب الرسل " يعني جميع هؤلاء كذبوا رسلهم " فحق وعيد " يعني وجب عليهم عذابيمعناه فاحذروا يا أهل مكة مثل عذاب الأمم الخالية فلا تكذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلمثم قال عز وجل " أفعيينا بالخلق الأول " قال مقاتل يعني أعجزنا عن الخلق الأول حين خلقناهم ولم يكونوا شيئافكذلك نخلقهم ونبعثهم أي ما عيينا عن ذلك فكيف نعيي عن بعثهمويقال معناه أعيينا خلقهم الأول ولم يكونوا شيئا لأن الذي قد كان فإعادته أيسر في رأي العين من الابتداءيقال عييت بالأمر إذا لم تعرف وجههوقال الزجاج هذا تقديم لأنهم اعترفوا أن الله عز وجل خلقهم في الابتداء ولم يكونوا شيئاثم قال " بل هم في لبس من خلق جديد " يعني في شك " من خلق جديد " يعني من البعث بعد الموتويقال بل أقاموا على شكهمسورة ق 16 - 22قوله عز وجل " ولقد خلقنا الإنسان " يعني جنس الإنسان وأراد به جميع الخلق " ونعلم ما توسوس به نفسه " يعني ما يحدث به قلبه ويتفكر في قلبه " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " يعني في القدرة عليه وحبل الوريد عرق يخالط القلبويقال هو العرق الذي داخل العنق الذي هو عرق الروح فأعلمه الله تعالى أنه أقرب إليه من ذلك العرقويقال الوريدان عرقان بين الحلقوم والعلباوينوالحبل هو الوريد وأضيف إلى نفسه لاختلاف لفظي اسميهقوله عز وجل " إذ يتلقى المتلقيان " يعني يكتب الملكان عمله ومنطقه يعني يتلقيان منه ويكتبانوقال أهل اللغة تلقى وتلقف بمعنى واحد" عن اليمين وعن الشمال قعيد " يعني عن يمين ابن آدم وعن شماله قاعدان أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وصاحب اليمين موكل على صاحب الشمال اثنان بالليل واثنان بالنهار وكان في الأصل قعيدان ولكن اكتفى بذكر أحدهما فقال قعيدثم قال عز وجل " ما يلفظ من قول " يعني ما يتكلم ابن آدم بقول " إلا لديه رقيب(3/318)1319عتيد ) يعني عنده حافظ حاضروقال الزجاج " عتيد " أي ثابت لازمقوله تعالى " وجاءت سكرة الموت بالحق " يعني جاءت غمرته بالحق أنه كائنويقال جاءت نزعات الموت " بالحق " يعني بالسعادة والشقاوة يعني يتبين له عند الموتويقال فيه تقديم ومعناه جاءت سكرة الحق بالموتروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقرأ " وجاءت سكرة الحق بالموت " " ذلك ما كنت منه تحيد " يعني يقال له هذا الذي كنت تخاف منه وتكرهويقال ذلك اليوم الذي كنت تفر منه" ونفخ في الصور " يعني النفخة الأخيرة وهي نفخة البعث " ذلك يوم الوعيد " يعني العذاب في الآخرة " وجاءت " أي جاءت يوم القيامة " كل نفس معها سائق وشهيد " " سائق " يسوقها إلى المحشر ويسوقها إلى الجنة أو إلى النار" وشهيد " يعني الملك يشهد عليهاوقال القتبي السائق ههنا قرينها من الشياطين يسوقها سمي سائقا لأنه يتبعها والشهيد الملكويقال الشاهد أعضاؤهويقال الليل والنهار والبقعة تشهد عليهويقال له " لقد كنت في غفلة من هذا " يعني من هذا اليوم فلم تؤمن به وقد ظهر عندك بالمعاينة " فكشفنا عنك غطاءك " يعني غطاء الآخرةويقال أريناك ما كان مستورا عنك في الدنياويقال أريناك الغطاء الذي على أبصارهم كما قال " وعلى أبصارهم غشاوة " [ البقرة 7 ] حيث لم يعقلوا " فبصرك اليوم حديد " أي نافذ ويقال شاخص بصره يديم النظر لا يطرف حين يعاين في الآخرة ما كان مكذبا بهويقال " حديد " أي حاد كما يقال " حفيظ " يعني حافظ وقعيد بمعنى قاعدوقال الزجاج هذا مثل ومعناه إنك كنت بمنزلة من عليه غطاء " فبصرك اليوم حديد " يعني علمك بما أنت فيه نافذسورة ق 23 - 30قوله عز وجل " وقال قرينه " يعني الملك الذي كان يكتب عليه عمله " هذا ما لدي عتيد " يعني هذا الذي وكلتني به قد أتيتك به وهو حاضريقول الله عز وجل " ألقيا في جهنم " يعني يقول للملكين ألقيا في جهنم " كل كفار عنيد " وقال بعضهم هذا أمر للملك الواحد بلفظ الاثنين وقال الفراء يرى أصل هذا أن الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة نفر فجرى كلام الواحد على صاحبيه ألا ترى أن الشعراء أكثر شيء قيلا يا صاحبي ويا خليلي قال الشاعر فقلت لصاحبي لا تحبساني وأدنى ما يكون الأمر(3/319)1320والنهي في الإعراب اثنان فجرى كلامهم على ذلك ومثل هذا قول امرئ القيس( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل % )ويقال " ألقيا في جهنم " على معنى تكرير الأمر يعني ألق ألق وهو على معنى التأكيد وكذلك في قوله قفا معناه قف قفوقال الزجاج عندي أن قوله " ألقيا " أمر للملكين وقال بعضهم العرب تأمر الأمر للواحد بلفظ الاثنين وكان الحجاج يقول يا حرسي اضربا عنقه " كل كفار عبيد " يعني كل جاحد بتوحيد الله تعالى معرض عن الإيمان وقال مقاتل يعني الوليد بن المغيرةوقيل هذا في جميع الكفار الذين ذكر صفتهم في هذه الآية وهي قوله " مناع للخير " يعني بخيلا لا يخرج حق الله من ماله ويقال " مناع للخير " يعني يمتنع عن الإسلام " معتد مريب " المعتدي هو الظلوم الغشوم والمريب الشاك في توحيد الله تعالىقوله تعالى " الذي جعل مع الله إلها آخر " يعني أشرك بالله عز وجل " فألقياه في العذاب الشديد " يعني في النار " قال قرينه " يعني شيطانه " ربنا ما أطغيته " يعني لم يكن لي قوة أن أضله " ولكن كن في ضلال بعيد " يعني في خطأ طويل عن الحقيقول الله تعالى لابن آدم وشيطانه " قال لا تختصموا لدي " أي لا تختصموا عندي " وقد قدمت إليكم بالوعيد " يعني أخذت عليكم الحجة وأخبرتكم بالكتاب والرسول " ما يبدل القول لدي " يعني لا يغير قضائي وحكمي الذي حكمت ويقال لا يكذب وعيدي " وما أنا بظلام للعبيد " يعني لا أعذب أحدا بغير ذنب ويقال " ما يبدل القول لدي " يعني لا يغير عن جهته ولا يحذف منه ولا يزاد فيه لأني أعلم كيف ضلوا وكيف أضللتموهموروى سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة ) قالوا وإياك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( وإياي ولكن الله عز وجل أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير ) وعن الربيع عن أنس قال سألت أبا العالية عن قوله عز وجل " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " [ الزمر 31 ] وههنا يقول " لا تختصموا لدي " فقال إحداهما في أهل النار والأخرى في المؤمنين في المظالم فيما بينهم وقال مجاهد " ما يبدل القول لدي " [ ق 29 ] يعني لقد قضيت ما أنا قاضقوله عز وجل " يوم نقول لجهنم " قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر " يقول " بالياء(3/320)1321يعني يقول الله تعالى وقرأ الباقون بالنون ومعناه كذلك يوم صار نصبا على معنى ما يبدل القول لدي في ذلك اليوم ويقال على معنى أنذرهم يوم كقوله " وأنذرهم يوم الحسرة " [ مريم 39 ]ثم قال " هل امتلأت " يعني هل أوفيتك ما وعدتك وهو قوله " لأملأن جهنم " " فتقول " النار " هل من مزيد " يعني هل من زيادة وقال عطية هل من موضع ويقال معناه هل امتلأت أي قد امتلأت فليس من مزيد ويقال وإنما طلبت الزيادة تغيظا لمن فيهاوروى وكيع بإسناده عن أبي هريرة قال لا تزال جهنم تسأل الزيادة حتى يضع الله فيها قدمه فتقول جنهم يا رب قط قط يعني حسبي حسبي وقال في رواية الكلبي نحو هذا ويقال تضيق بأهلها حتى لا يكون فيها مدخل لرجل واحدقال أبو الليث قد تكلم الناس في مثل هذا الخبر قال بعضهم نؤمن به ولا نفسره وقال بعضهم نفسره على ما جاء بظاهر لفظه وتأوله بعضهم وقال معنى الخبر بكسر القاف يضع قدمه وهم أقوام سالفة فتمتلئ بذلكسورة ق 31 - 36قوله عز وجل " وأزلفت الجنة " يعني قربت وأدنيت الجنة " للمتقين " الذين يتقون الشرك والكبائر ويقال زينت الجنةثم قال عز وجل " غير بعيد " يعني ينظرون إليها قبل دخولها ويقال " غير بعيد " يعني دخولهم غير بعيد فيقال لهم " هذا ما توعدون " في الدنيا " لكل أواب حفيظ " يعني مقبل إلى طاعة الله " حفيظ " لأمر الله تعالى في الخلوات وغيرها ويقال الأواب الحفيظ الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها وروى مجاهد عن عبيد بن عمير مثل هذاقوله تعالى " من خشي الرحمن بالغيب " يعني يخاف الله عز وجل فيعمل بما أمره الله وانتهى عما نهاه وهو في غيب منه " وجاء بقلب منيب " يعني مقبلا على طاعة الله مخلصا ويقال لهم " ادخلوها بسلام " ذكر في أول الآية بلفظ الوحدان وهو قوله " وجاء بقلب منيب " ثم ذكر بلفظ الجماعة وهو قوله " ادخلوها بسلام " لأن لفظه من اسم جنس مرة تكون عبارة عن الجماعة ومرة عن الوحدان " ادخلوها بسلام " يعني بسلامة من العذاب والموت والأمراض والآفات " ذلك يوم الخلود " أي لا خروج منهقوله عز وجل " لهم ما يشاؤون فيها " يعني يتمنون فيها " ولدينا مزيد " يعني زيادة على ما يتمنون من التحف والكرامات ويقال هو الرؤية كقوله " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " [ يونس 26 ](3/321)1322ثم قال عز وجل " وكم أهلكنا قبلهم من قرن " يعني قبل أهل مكة قوة " هم أشد منهم بطشا " يعني أشد من أهل مكة " فنقبوا في البلاد " يعني طافوا وتقلبوا في أسفارهم وتجاراتهم ويقال تغربوا في البلاد " هل من محيص " يعني هل من فرار وهل من ملجأ من عذاب اللهسورة ق 37 - 42قوله عز وجل " إن في ذلك لذكرى " يعني فيما صنع بقومك " لمن كان له قلب " يعني عقلا لأنه يعقل بالقلب فكني عنه " أو ألقى السمع " يعني استمع إلى القرآن " وهو شهيد " يعني قلبه حاضر غير غائب عنه وقال القتبي " وهو شهيد " يعني استمع كلام الله وهو شاهد الفهم والقلب ليس بغافل ولا ساهوروى معمر عن قتادة قال " لمن كان له قلب " من هذه الأمة " أو ألقى السمع " قال رجل من أهل الكتاب استمع إلى القرآن وهو شهيد على ما في يديه من كتاب الله تعالى وروي عن عمر أنه قرأ " فنقبوا " بالتخفيف يعني فتبينوا ونظروا وذكروا ومنه قيل للعريف نقيب القوم لأنه يتعرف أمرهم ويبحث عنهموقرأ الباقون بالتشديد يعني طوفواوقوله تعالى " هل من محيص " [ ق 36 ] يعني هل من ملجأ من الموت وقرأ يحيى بن يعمر " فنقبوا " بضم النون وكسر القاف يعني ففتشواقوله عز وجل " ولقد خلقنا السموات والأرض " وذلك أن اليهود قالوا لما خلق الله السموات والأرض وفرغ منهما استراح في يوم السبت فنزل قوله " ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب " يعني ما أصبانا من إعياء وإنما يستريح من يعيىقوله عز وجل " فاصبر على ما يقولون " من المنكر وهو قولهم استراح ويقال فاصبر على ما يقولون من التكذيب وقال في رواية الكلبي نزلت في المستهزئين من قريش وفي أذاهم للنبي صلى الله عليه وسلم " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب " يعني صل لربك صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة العصر " ومن الليل " يعني المغرب والعشاء " فسبحه " يعني صل له وهو المغرب والعشاء " وأدبار السجود " يعني ركعتي المغربقرأ ابن كثير ونافع وحمزة " وإدبار " بكسر الألف والباقون بالنصب " وأدبار "فمن قرأ بالنصب فهو جمع(3/322)1323الدبر فهو جمع الدبر ومن قرأ بالكسر فعلى مصدر أدبر يدبر إدبارا قال أبو عبيدة هكذا نقرأ بالنصب لأنه جمع الدبر وإنما الإدبار هو المصدر كقولك أدبر يدبر إدبارا ولا إدبار للسجود وإنما ذلك للنجومقوله عز وجل " واستمع يوم يناد المناد " قرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير " المنادي " بالياء في الوصل وهو الأصل في اللغة والباقون بغير ياء لأن الكسر يدل على فاكتفى به ومعنى الآية اعمل واجتهد واستعد ليوم القيامة يعني استمع صوت إسرافيل " من مكان قريب " يعني من صخرة بيت المقدس " يوم يسمعون الصيحة بالحق " يعني نفخة إسرافيل بالحق أنها كائنة وقال مقاتل في قوله " من مكان قريب " قال صخرة بيت المقدس وهي أقرب الأرض من السماء بثمانية عشر ميلا وقال الكلبي باثني عشر ميلا " ذلك يوم الخروج " من قبورهم إلى المحاسبة ثم إلى إحدى الدارين إما إلى الجنة وإما إلى الناروقال أبو عبيدة " يوم الخروج " اسم من أسماء يوم القيامة واستشهد بقول العجاج( أليس يوم سميت خروجا % أعظم يوما سميت عروجا )سورة ق 43 - 45قوله تعالى " إنا نحن نحيي ونميت " يعني نحيي في الدنيا للموت ونميت في الدنيا للإحياء ويقال " إنا نحن نحيي الموتى " ونميت الأحياء " وإلينا المصير " يعني المرجع في الآخرة يعني مصير الخلائق كلهمقوله عز وجل " يوم تشقق الأرض عنهم سراعا " يعني تصدع الأرض عنهم قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر " تشقق " بتشديد الشين والباقون بالتخفيف لأنه لما حذف إحدى التاءين ترك الشين على حاله ثم قال " سراعا " يعني خروجهم من القبور سراعا " ذلك حشر علينا يسير " يعني جمع الخلائق علينا هين " نحن أعلم بما يقولون " في البعث من التكذيب " وما أنت عليهم بجبار " يعني بمسلط يعني لم تبعث لتجبرهم على الإسلام وإنما بعثت بشيرا ونذيرا وهذا قبل أن يؤمر بالقتالثم قال " فذكر بالقرآن " يعني فعظ بالقرآن بما وعد الله فيه " من يخاف وعيد " يعني من يخاف عقوبتي وعذابي(3/323)1324سورة الذارياتكلها مكية وهي ستون آيةسورة الذارايات 1 - 9قوله تبارك وتعالى " والذاريات ذروا " أقسم الله عز وجل بالرياح إذا أذرت ذروا وروى يعلى بن عطاء عن ابن عمر قال الرياح ثمانية أربعة منها رحمة وأربعة منها عذاب فالرحمة منها الناشرات والمبشرات والذاريات والمرسلات وأما العذاب العاصف والقاصف والصرصر والعقيم وعن ابي الطفيل قال شهدت عليا رضي الله عنه وهو يخطب ويقول سلوني عن كتاب الله عز وجل فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بالليل أنزلت أم بالنهار فسأله ابن الكواء فقال له ما " الذاريات ذروا " قال الرياحقال و " فالحاملات وقرا " قال السحاب قال فما " فالجاريات يسرا " قال السفن قال فما " فالمقسمات أمرا " قال الملائكةوعن ابن عباس رضي الله عنه قال " والذاريات " الرياح " ذروا " قال ما ذرت الريح " فالحاملات وقرا " يعني السحاب الثقال الموقرة من المطر " فالجاريات يسرا " يعني السفن جرت بالتسيير على الماء " فالمقسمات أمرا " يعني أربعة من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت لكل واحد منهم أمر مقسوم وهم المدبرات أمرا أقسم الله تعالى بهذه الآيات " إنما توعدون " يعني الذي توعدون من قيام الساعة " لصادق " يعني لكائن ويقال في الآية مضمر فأقسم برب الذاريات يعني ورب الرياح الذاريات ورب السحاب الحاملات ورب السفن الجاريات ورب الملائكة المقسمات " إنما توعدون لصادق "" وإن الدين لواقع " يعني المجازاة على أعمالهم لواقع ثم بين في آخر الآية ما لكل فريق من الجزاء فبين جزاء أهل النار أنهم يفتنون وبين جزاء المتقين أنهم في جنات وعيونقوله عز وجل " والسماء ذات الحبك " أقسم بالسماء ذات الحسن والجمال وقال علي بن أبي طالب يعني ذات الخلق الحسنوقال مجاهد الحبك المتقن البنيان يعني البناء المحكمويقال " الحبك " يعني ذات الطرائق ويقال للماء القائم إذا ضربته الريح(3/324)1325فصارت فيه الطرائق له حبك وكذلك الرمل إذا هبت عليه الريح فرأيت فيه كالطرائق فبذلك حبكقوله تعالى " إنكم لفي قول مختلف " يعني متناقض مرة قالوا ساحر ومرة قالوا مجنون والساحر عندهم من كان عالما غاية في العلم والمجنون من كان جاحدا غاية في الجهل فتحيروا فقالوا مرة مجنون ومرة ساحر ويقال " إنكم لفي قول مختلف " يعني مصدقا ومكذبا يعني يؤمن به بعضهمويكفر به بعضهمثم قال عز وجل " يؤفك عنه من أفك " يعني يصرف عنه من صرف وذلك أن أهل مكة أقاموا رجالا على عقاب مكة يصرفون الناس فمنهم من يأخذ بقولهم ويرجع ومنهم من لا يرجع فقال يصرف عنه من قد صرفه الله عن الإيمان وخذله ويقال يصرف عنه من قد صرفه يوم الميثاق ويقال يصرف عنه من كان مخذولا لم يكن من أهل الإيمانسورة الذاريات 10 - 16ثم قال عز وجل " قتل الخراصون " يعني لعن الكاذبون " الذين هم في غمرة " يعني في جهالة وعماء وغفلة عن أمر الآخرة " ساهون " يعني لاهين عن الإيمان وعن أمر الله تعالىقوله تعالى " يسألون أيان يوم الدين " يعني أي أوان يكون يوم الحساب استهزاء منهم به فأخبر الله تعالى عن ذلك اليوم فقال " يوم هم على النار يفتنون " يعني بالنار يحرقون ويعذبونويقول لهم الخزنة " ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون " يعني هذا العذاب الذي كنتم به تستهزئونيعني تستعجلون على وجه الاستهزاءثم بين ثواب المتقين فقال عز وجل " إن المتقين في جنات وعيون " يعني في بساتين وأنهارقوله تعالى " آخذين ما آتاهم ربهم " يعني قابضين ما أعطاهم ربهم من الثواب " إنهم كانوا قبل ذلك " في الدنيا " محسنين " بأعمالهم" آخذين " نصب على الحال ومعناه " في جنات وعيون " في حال أخذ ما آتاهم ربهمسورة الذاريات 17 - 22(3/325)1326ثم قال " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " يعني قليلا من الليل ما ينامونوقال بعضهم " كانوا قليلا " تم الكلام يعني مثل هؤلاء المتقين " كانوا قليلا "ثم أخبر عن أعمالهم فقال " من الليل ما يهجعون " يعني لا ينامون بالليل كقوله " والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما " [ الفرقان 64 ]وقال الضحاك كانوا من النائمين قليلاوقال الحسن لا ينامون إلا قليلاوقال الربيع بن أنس لا ينامون بالليل إلا قليلا " وبالأسحار هم يستغفرون " يعني يصلون عند السحرويقال يصلون بالليل ويستغفرون عند السحر عن ذنوبهم " وفي أموالهم حق " يعني نصيب للفقراء " للسائل والمحروم " السائل المسكين الذي يسأل الناس" والمحروم " المتعفف الذي لا يسأل الناسويقال " المحروم " المحترف الذي لا يبلغ عيشهوقال الشعبي أعياني أن أعلم من المحرومروى سفيان عن ابن إسحاق عن قيس قال سألت ابن عباس من السائل والمحروم فقال السائل الذي يسأل والمحروم المحارب الذي ليس له سهم في الغنيمة وهكذا قال إبراهيم النخعي ومجاهد والربيع بن أنسوروى عكرمة عن ابن عباس قال المحروم الفقير الذي إذا خرج إلى الناس استعف ولم يعرف مكانه ولا يسأل الناس فيعطونهوقال الزجاج المحروم الذي لا ينمو له مال ويقال هي بالفارسية بي دولت يعني لا إقبال لهثم قال " وفي الأرض آيات للموقنين " يعني فيمن أهلك قبلهم لهم عبرةويقال فيها علامة وحدانية الله تعالى كأنه قال جعلت جميع الأشياء مرآتك لتنظر إليها وترى ما فيها ومراد النظر في المرآة رؤية من لم ير ليرى فكأنه قال فانظر في آيات صنعي لتعلم أني صانع كل الأشياء فإذا نظرت إلى النقش والنقش يدل إلى نقاشه وإذا نظرت إلى النفس وعجائب تركيبها يدل على خالقها وإذا نظرت في الأرض فمختلف الأشياء عليها يدل إلى ربها وهي البحار والجبال والأنهار والثمار" وفي أنفسكم " يعني وعلامة وحدانيته في أنفسكم " أفلا تبصرون " يعني تتفكرون في خلق أنفسكم كيف خلقكم وهو قادر على أن يبعثكمقوله عز وجل " وفي السماء رزقكم " يعني من السماء يأتي سبب رزقكم وهو المطرويقال وعلى خالق السماء رزقكم " وما توعدون " يعني ما توعدون من الثواب والعقاب والخير والشرقال مجاهد " وما توعدون " يعني الجنة والناروهكذا قال الضحاكسورة الذاريات 23 - 29(3/326)1327سورة الذاريات 30 - 37ثم قال عز وجل " فورب السماء والأرض " أقسم الرب بنفسه " إنه لحق " يعني ما قسمت من الرزق لكائن " مثل ما أنكم تنطقون " يعني كما تقولون لا إله إلا الله بمعنى كما أن قولكم لا إله إلا الله حق كذلك قولي سأرزقكم حقويقال معناه كما أن الشهادة واجبة عليكم فكذلك رزقكم واجب عليويقال معناه هو الذي ذكر في أمر الآيات والرزق حق يعني صدق مثل ما أنكم تنطقونوروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( أبى ابن آدم أن يصدق ربه حتى أقسم له " فورب السماء والأرض إنه لحق " )قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر " مثل ما أنكم تنطقون " بضم اللام والباقون بالنصبفمن قرأ بالضم فهو نعت للحق وصفة لهومن قرأ بالنصب فهو على التوكيد على معنى أنه لحق حقا مثل نطقكمقوله عز وجل " هل آتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين " يعني جاء جبريل مع أحد عشر ملكا عليهم السلام " المكرمين " أكرمهم الله تعالى وقال أكرمهم إبراهيم عليه السلام وأحسن عليهم القيام " إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما " فسلموا عليه فرد عليهم السلام " قال سلام " قرأحمزة والكسائي " قال سلم " أي أمري سلموالباقون " سلام " أي أمري " سلام " أي صلحثم قال " قوم منكرون " يعني أنكرهم ولم يعرفهم وقال كانوا لا يسلمون في ذلك الوقت فلما سمع منهم السلام أنكرهم" فراغ إلى أهله " يعني عمد إلى أهله ويقال عدل ومال إلى أهلهويقال عدل من حيث لا يعلمون لأي شيء عدل ويقال راغ فلان عنا إذا عدل عنهم من حيث لا يعلمون" فجاء بعجل سمين " قال بعضهم كان لبن البقرة كله سمنا فلهذا كان العجل سمينا " فقربه إليهم " فلم يأكلوا " فقال ألا تأكلون " فقالوا نحن لا نأكل بغير ثمنفقال إبراهيم كلوا واعطوا الثمنقالوا وما ثمنه فقال إذا أكلتم فقولوا بسم الله وإذا فرغتم فقولوا الحمد لله فتعجبت الملائكة عليهم السلام لقوله فلما رآهم لا يأكلون " فأوجس منهم خيفة " يعني أظهر في نفسه خيفةويقال ملأ نفسهم خيفة فلما رأوه يخاف " قالوا لا تخف " منا يعني لا تخش منا " وبشروه بغلام عليم " يعني إسحاق " فأقبلت امرأته في صرة " يعني أخذت امرأته في صيحة " فصكت وجهها " يعني ضربت بيديها خديها تعجبا " وقالت عجوز عقيم " يعني عجوزا عاقرا لم تلد قط كيف يكون لها ولد فقال لها جبريل قال " كذلك قال ربك إنه " يكون لك ولد " هو الحكيم " في أمره حكم بالولد بعد الكبر " العليم " بخلقهويقال عليم بوقت الولادة(3/327)1328فلما رآهم أنهم الملائكة " قال " لهم " فما خطبكم أيها المرسلون " يعني ما أمركم وما شأنكم ولماذا جئتم أيها المرسلون " قالوا إنا أرسلنا " يعني قال جبريل عليه السلام أرسلنا الله تعالى " إلى قوم مجرمين " يعني قوما كفارا مشركين " لنرسل عليهم " يعني لكي نرسل عليهم " حجارة من طين " مطبوخ كما يطبخ الآجر " مسومة عند ربك للمسرفين " يعني معلمة ويقال مخططة بسواد وحمرةويقال مكتوب على كل واحد اسم صاحب الذي يصيبهثم قال " عند ربك " يعني جاءت الحجارة من عند ربك للمشركين فاغتم إبراهيم لأجل لوطقال الله تعالى " فأخرجنا من كان فيها " أي في قريات لوط " من المؤمنين " يعني من المصدقين " فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين " يعني غير بيت لوطقوله عز وجل " وتركنا فيها آية " يعني أبقينا في قريات لوط آيةيعني عبرة في هلاكهم من بعدهم" للذين يخافون العذاب الأليم " يعني العذاب الشديدسورة الذاريات 38 - 40ثم قال " وفي موسى " عطف على قوله " وفي أنفسكم أفلا تبصرون " [ الذاريات 21 ] " وفي موسى " " إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين " يعني حجة بينة وهي اليد والعصا " فتولى بركنه " يعني أعرض عنه فرعون بجموعه يعني مع جموعه وجنودهويقال " فتولى بركنه " يعني أعرض بجانبه " وقال ساحر أو مجنون " يعني قال لموسى هو ساحر أو مجنون " فأخذناه وجنوده " يعني عاقبناه وجموعه " فنبذناهم في اليم " قال الكلبي يعني أغرقناهم في البحر وقال مقاتل يعني في النيل " وهو مليم " يعني يلوم نفسه ويلومه الناسوقال " مليم " أي مذنبوقال أهل اللغة ألام الرجل إذا أتى بذنب يلام عليهسورة الذاريات 41 - 45ثم قال " وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم " يعني سلطنا عليهم الريح الشديد وإنما سميت عقيما لأنها لا تأتي على شيء إلا جعلته كالرميم لا خير فيهويقال سميت عقيما لأنها لا تلقح الأشجار ولا تثير السحاب وهي الدبوروروى شهر بن حوشب عن ابن عباس قال ما أنزل الله قطرة من ماء إلا بمثقال ولا أنزل سفرة من ريح إلا بمكيال إلا قوم نوح(3/328)1329وقوم عاد طغى على خزانة الماء فلم يكن لهم عليه سبيل وعتت الريح يوم عاد على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل وروى عكرمة عن ابن عباس قال " العقيم " الذي لا منفعة لهاثم قال " ما تذر من شيء " يعني ما تترك من شيء هو لهم ولا منهم " أتت عليه إلا جعلته كالرميم " يعني مرت عليه إلا جعلته كالرمادويقال الرميم الورق الجاف المتحطم مثل الهشيم المحتضر بعد ما كانوا كنخل منقعروروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما أرسل على عاد من الريح إلا مثل خاتمي هذايعني إن الريح العقيم تحت الأرض فأخرج منها مثل ما يخرج من ثقب الخاتم فأهلكهمثم قال تعالى " وفي ثمود " يعني قوم صالح " إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين " يعني قال لهم نبيهم صالح عليه السلام عيشوا إلى منتهى آجالكم ولا تعصوا أمر الله " فعتوا عن أمر ربهم " يعني تركوا طاعة ربهم " فأخذتهم الصاعقة " يعني العذابقرأ الكسائي " فأخذتهم الصعقة " بغير ألف وجزم العينوالباقون بألف وهي الصيحة التي أهلكتهم بالصعقة من قولك صعقتهم الصاعقةيعني أهلكتهموروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قرأ " صعقة " مثل الكسائي" وهم ينظرون " يعني ظهرت النار من تحت أرجلهم وهم يرونها بأعينهمويقال سمعوا الصيحة وهم ينظرون متحيرون" فما استطاعوا من قيام " يعني ما استطاعوا أن يقوموا لعذاب الله تعالى حتى أهلكوا" وما كانوا منتصرين " يعني ممتنعين من العذابسورة الذاريات 46 - 53ثم قال " وقوم نوح " وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي " وقوم نوح " بكسر الميم يعني في قوم نوح كما قال " وفي ثمود " والباقون بالنصب يعني وأهلكنا قوم نوح ويقال معناه فأخذناه وأخذنا قوم نوح " من قبل " هؤلاء الذين سميناهم " إنهم كانوا قوما فاسقين " يعني عاصينقوله عز وجل " والسماء بنيناها بأيد " يعني خلقناها أو حملناها بقوة وقدرة " وإنا لموسعون " يعني نحن قادرون على أن نوسعها كما نريد ويقال " والسماء " صار نصبا لنزع الخافض ومعناه و " وفي السماء " [ الزخرف 84 ] آيةثم قال " والأرض فرشناها " يعني وفي الأرض آية بسطناها مسيرة خمسمائة عام من(3/329)1330تحت الكعبة " فنعم الماهدون " يعني نعم الماهدون نحن ويقال في قوله " وإنا لموسعون " يعني نحن جعلنا بينهما وبين الأرض سعةثم قال عز وجل " ومن كل شيء خلقنا زوجين " يعني صنفين الذكر والأنثى والأحمر والأبيض والليل والنهار والدنيا والآخرة والشمس والقمر والشتاء والصيف" لعلكم تذكرون " يعني تتعظون فيما خلق الله فتوحدوهقوله عز وجل " ففروا إلى الله " يعني توبوا إلى الله من ذنوبكم ويقال معناه " ففروا " من الله " إلى الله " أو " ففروا " من عذاب الله إلى رحمة الله أو " ففروا " من معصية الله إلى طاعة اللهومن الذنوب إلى التوبة" إني لكم منه نذير مبين " يعني مخوفا من عذاب الله تعالى بالنار " ولا تجعلوا مع الله إلها آخر " يعني لا تقولوا له شريكا وولدا " إني لكم نذير مبين " يعني فإن فعلتم فإني لكم مخوف من عذابه فلم يقبلوا قوله وقالوا هذا " ساحر أو مجنون "يقول الله تعالى تعزية لنبيه صلى الله عليه وسلم " كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول " يعني هكذا ما أتى في الأمم الخالية من رسول " إلا قالوا ساحر أو مجنون " كقول كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم " أتواصوا به " يعني توافقوا وتواطؤوا فيما بينهموأوصى الأول الآخر أن يقولوا ذلكويقال توافقوا وتواطؤوا به كل قوم وجعلوا كلمتهم واحدة أن يقولوا " ساحر أو مجنون "قال الله عز وجل " بل هم قوم طاغون " يعني عاتين في معصية الله تعالىسورة الذاريات 54 - 60ثم قال " فتول عنهم " يعني فأعرض عنهم يا محمد بعد ما بلغت الرسالة وأعذرت " فما أنت بملوم " يعني لا تلام على ذلك لأنك قد فعلت ما عليك " وذكر " يعني عظ أصحابك بالقرآن " فإن الذكرى تنفع المؤمنين " يعني المصدقين تنفعهم العظةويقال فعظ أهل مكة " فإن الذكرى تنفع المؤمنين " يعني من قدر لهم الإيمانثم قال عز وجل " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " يعني ما خلقتهم إلا أمرتهم بالعبادة فلو أنهم خلقوا للعبادة لما عصوا طرفة عينوقال مجاهد يعني ما خلقتهم إلا لآمرهم وأنهاهمويقال " إلا ليعبدون " يعني إلا ليوحدون وهم المؤمنون وهم خلقوا(3/330)1331للتوحيد والعبادة وخلق بعضهم لجنهم كما قال " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس " [ الأعراف 179 ] فقد خلق كل صنف للأمر والنهي الذي يصلح لهثم قال " ما أريد منهم من رزق " يعني ما خلقتهم لأن يرزقوا أنفسهم " وما أريد أن يطعمون " يعني لا أكلفهم أن يطعموا أحدا من خلقيوأصل هذا أن الخلق عباد الله وعياله فمن أطعم عيال رجل ورزقهم فقد رزقه إذا كان رزقهم عليهثم قال " إن الله هو الرزاق " يعني " الرزاق " لجميع خلقه " ذو القوة المتين " يعني " ذو القوة " على أعدائه الشديد العقوبة لهم و " المتين " في اللغة الشديد القويقرأ الأعمش " ذو القوة المتين " بكسر النون جعله من نعت القوة وقراءة العامة بالضم ومعناه " إن الله هو الرزاق " وهو " ذو القوة المتين "قوله عز وجل " فإن للذين ظلموا " يعني أشركوا وهم مشركو مكة " ذنوبا " يعني نصيبا من العذاب " مثل ذنوب أصحابهم " يعني مثل نصيب أصحابهم من عذاب الذين مضوا وأصل الذنوب في اللغة هو الدلو الكبير فكني عنه لأنه تتابعيعني مثل عذاب الذين أهلكوا نحو قوم عاد وثمود وغيرهم " فلا يستعجلون " يعني بالعذاب لأن النضر بن الحارث كان يستعجل بالعذاب فأمهله إلى يوم بدر ثم قتل في ذلك اليوم وصار إلى النارقوله عز وجل " فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون " يعني من عذاب يوم القيامةوالويل الشدة من العذاب ويقال الويل واد في جهنم والله سبحانه أعلم(3/331)1332سورة الطوركلها مكية وهي أربعون وتسع آياتسورة الطور 1 - 8قوله تبارك وتعالى " والطور " أقسم الله تعالى بالجبل وكل جبل فهو طور بلغة النبط ويقال بلغة السريانية ولكن عني به الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام بمدين واسمه زبيرثم قال " وكتاب مسطور " يعني اللوح المحفوظويقال أعمال بني آدم " في رق منشور " يعني في صحيفة منشورة كما قال " ويخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا " [ الإسراء 13 ] يعني مفتوحا يقرؤونهويقال " كتاب مسطور " يعني القرآن" في رق منشور " يعني المصاحف ويقال في اللوح المحفوظثم قال " والبيت المعمور " وهو في السماء السابعةويقال في السماء السادسة ويقال في السماء الرابعةوروى وكيع بإسناده عن علي وابن عباس في قوله " والبيت المعمور " قالا هو بيت في السماء حيال الكعبة يزوره كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون إليه إلى يوم القيامةقال بعضهم بناه الملائكة قبل أن يخلق آدم عليه السلام وقال بعضهم هو البيت الذي بناه آدم بمكة فرفعه الله تعالى في أيام الطوفان إلى السماء بحيال الكعبةوقال بعضهم أنزل الله بيتا من ياقوتة في زمان آدم عليه السلام ووضع بمكة فكان آدم يطوف به وذريته من بعده إلى زمن الطوفان فرفع إلى السماء وهو " البيت المعمور " طوله كما بين السماء والأرضثم قال " والسقف المرفوع " يعني السماء المرتفعة من الأرض مقدار خمسمائة عام " والبحر المسجور " يعني البحر الممتلئ تحت العرش وهو بحر مكفوف يقال له بحر الحيوان يحمي الله به الموتى يوم القيامة فأقسم الله تعالى بهذه الأشياءويقال أقسم بخالق هذه الأشياء " إن عذاب ربك لواقع " يعني العذاب الذي أوقع للكفار فهو كائن " ما له من دافع " يعني لا يقدر أحد أن يدفع عنهم العذابسورة الطور 9 - 11(3/332)1333سورة الطور 12 - 16ثم بين أن ذلك العذاب في أي يوم يكون فقال " يوم تمور السماء مورا " يعني تدور السماء بأهلها دروا كدوران الرحى وتموج بعضهم في بعض من الخوفصار اليوم نصبا لنزع الخافض ومعناه أن عذاب ربك لواقع في " يوم تمور السماء مورا " يعني في يوم القيامة " وتسير الجبال سيرا " يعني " تسير " على وجه الأرض " سيرا " مثل السحاب حتى تستوي بالأرض " فويل " الشدة من العذاب " يومئذ " يعني يوم القيامة " للمكذيبن " بيوم القيامةثم نعتهم فقال " الذين هم في خوض يلعبون " يعني في باطل يلهون ويهزأونقوله عز وجل " يوم يدعون إلى نار جهنم دعا " يعني تدفعهم خزنة جهنم ويقال " يدعون " يعني يزعجون إليها إزعاجا شديدا ويدفعون دفعا عنيفاومنه قوله تعالى " يدع اليتيم " [ الماعون 2 ] أي يدفع عما يجب لهويقال " دعا " يعني دفعا على وجوههم يجرون فإذا دنوا منها قالت لهم الخزنة " هذه النار التي كنتم بها تكذبون " يعني لم تصدقوا بها ولم تأمنوا بها في الدنيا" أفسحر هذا " العذاب الذي ترون لأنفسكم لأنكم قلتم في الدنيا للرسول ساحر أو مجنون" أم أنتم لا تبصرون " النارويقال بل أنتم لا تعقلونثم قال لهم " اصلوها " يعني ادخلوا فيها " فاصبروا أو لا تصبروا " يعني فإن صبرتم أو لم تصبروا فهو " سواء عليكم " اللفظ لفظ الأمر المراد به الخبريعني إن صبرتم أو لم تصبروا فهو " سواء عليكم " فلا تنجون منها أبدا " إنما تجزون ما كنتم تعملون " من الكفر والتكذيبسورة الطور 17 - 24ثم بين حال المتقين فقال " إن المتقين في جنات " يعني الذين يتقون الشرك والفواحش في بساتين " ونعيم فاكهين " يعني معجبين ويقال ناعمين ويقال فرحين" بما آتاهم ربهم " في الجنة من الكرامة " ووقاهم ربهم عذاب الجحيم " يعني دفع عنهم عذاب النار(3/333)1334ويقول لهم " كلوا واشربوا " يعني كلوا من ألوان الطعام والثمار واشربوا من ألوان الشراب " هنيئا " يعني لا داء ولا غائلة فيه ولا يخاف في الأكل والشرب من الآفات ما يكون في الدنيا " بما كنتم تعملون " يعني هذا الثواب لأعمالكم التي عملتم في الدنياثم قال " متكئين على سرر " يعني نائمين على سرر " مصفوفة " قد صف بعضها إلى بعض وكل من كان اشتاق إلى صديقه يلتقيه" وزوجناهم بحور عين " يعني بيض العين حسان الأعينقوله تعالى " والذين آمنوا " يعني صدقوا بالله ورسوله وصدقوا بالبعث " واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم " يعني ألحقناهم ذرياتهمقرأ أبو عمرو " واتبعناهم ذرياتهم " " ألحقنا بهم ذرياتهم " الثلاث كلها بالألفوقرأ نافع اثنان بغير ألف والآخر بالألفوقرأ ابن عامر الأول بغر ألف والآخران بالألف والباقون كلها بغير ألف فمن قرأ " اتبعناهم " معناه ألحقناهم يعني الذين آمنوا وجعلنا ذريتهم مؤمنين ألحقنا بهم ذريتهم في الجنة في درجتهمومن قرأ " واتبعتهم " بغير ألف يعني ذريتهم معهمومن قرأ " ذرياتهم " بالألف فهو جمع الذريةومن قرأ بغير ألف فهو عبارة عن الجنس ويقع على الجماعة أيضاوقال مقاتل معناه الذين أدركوا مع آبائهم وعملوا خيرا في الجنة ألحقنا بهم ذريتهم الصغار الذين لم يبلغوا العمل فهم معهم في الجنةويقال إن أحدهم إذا كان أسفل منه يحلق بهم لكي تقر عينهوروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال يرفع الله للمسلم ذريته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينهثم قال " وما ألتناهم من عملهم من شيء " يعني ما نقصناهم من عمل الآباء إذا كانوا مع الأبناء يعني حتى يبلغ بهم ذريتهم من غير أن ينقص من أجر أولئك شيئا ولا من ذريتهم" كل امرئ بما كسب رهين " يعني كل نفس مرتهنة بعملها يوم القيامةثم رجع إلى صفة المتقين في التقديم وكرامتهم قوله تعالى " وأمددناهم بفاكهة " يعني أعطيناهم من ألوان الفاكهة " ولحم مما يشتهون " يعني يتمنونقرأ ابن كثير " ألتناهم " بكسر اللام وهي لغة لبعض العرب واللغة الظاهرة بالفتح وهي من يألت يلت وهو النقصانوقال عز وجل " يتنازعون فيها كأسا " يعني يتعاطون في الجنة تعطيهم الخدم قدح الشراب ولا يكون كأسا إلا مع الشراب " لا لغو فيها " يعني لا باطل في الجنة " ولا تأثيم " يعني لا إثم في شرب الخمرويقال " لا تأثيم " يعني لا تكذيب فيما بينهمقرأ ابن كثير وأبو عمرو " لا لغو فيها " بنصب الواو " ولا تأثيم " بنصب الميم والباقون بالضم مع التنوينفمن قرأ بالنصب فهو على التبرئةومن قرأ بالضم فهو على معنى الخبر يعني ليس فيها لغو ولا تأثيم كما قال" لا فيها غول " [ الصافات 47 ](3/334)1335ثم قال عز وجل " ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون " يعني في الحسن والبياض مثل اللؤلؤ في الصدف لم تمسه الأيدي ولم تره الأعينوروى سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن رجلا قال يا نبي الله هذا الخادم فكيف المخدوم فقال ( والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب )سورة الطور 25 - 28قوله تعالى " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " يعني يتحدثون ويتساءلون في الجنة عن أحوالهم التي كانت في الدنيا ثم يقول بم صرتم إلى هذه المنزلة الرفيعةقوله تعالى " قالوا إنا كنا قبل " يعني في الدنيا " في أهلنا مشفقين " يعني خائفين من العذابثم قال " فمن الله علينا " يعني من علينا بالمغفرة والرحمة" ووقانا عذاب السموم " يعني دفع عنا عذاب النار" إنا كنا من قبل ندعوه " يعني في الدنيا ندعو الرب " إنه هو البر " الصادق في قوله وفيما وعد لأوليائه" الرحيم " بهم قرأ نافع والكسائي " أنه " بالنصب ومعناه إنا كنا من قبل ندعوه بأنه هو البروقرأ الباقون بالكسر على معنى الاستئنافسورة الطور 29 - 33ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يعظ قومه ولا يبالي من قولهم فقال عز وجل " فذكر " يعني فعظ بالقرآن " فما أنت بنعمة ربك " يعني برحمة ربكويقال هو كقوله ما أنت بحمد الله مجنونوقال أبو سهل عظ بالقرآن ولست أنت والحمد لله " بكاهن ولا مجنون " ويقال " فذكر "يعني ذكرهم بما أعتدنا للمؤمنين المتقين وبما أعتدنا لضالين الكافرين " فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون " يعني لست تقول بقول الكهنة ولا تنطق إلا بوحي من اللهثم قال " أم يقولون شاعر " يعني أيقولون هو شاعر يأتي من قبل نفسه وهو وقول الوليد بن المغيرة وأبي جهل وأصحابهما" نتربص به ريب المنون " يعني أوجاع الموت وحوادثهقال قتادة " ريب المنون " الموتوقال مجاهد " ريب المنون " حوادث الدهروقال القتبي حوادث الدهر وأوجاعه ومصايبهويقال إنهم كانوا يقولون قد مات أبوه(3/335)1336شابا وهم ينتظرون موته " قل تربصوا " يعني انتظروا هلاكي " فإني معكم من المتربصين " وذكر في التفسير أن الذين قالوا هكذا ماتوا كلهم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلمقوله تعالى " أم تأمرهم أحلامهم بهذا " يعني أتأمرهم عقولهم بهذا وتدلهم على التكذيب والإيذاء بمحمد صلى الله عليه وسلم" أم هم قوم طاغون " يعني بل هم قوم عاتون في معصية الله تعالى( أم يقولون تقوله ) يعني أيقولون أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقول من ذات نفسه فاللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الزجر والوعيدثم قال " بل لا يؤمنون " يعني لا يصدقون بالرسول والكتاب عنادا وحسدا منهمسورة الطور الآية 34 - 38قوله عز وجل " فليأتوا بحديث مثله " يعني إن قلتم إن محمدا صلى الله عليه وسلم يقول من ذات نفسه فأتوا بمثل هذا القرآن كما جاء به " إن كانوا صادقين " في قولهمثم قال " أم خلقوا من غير شيء " يعني من غير رب أكانوا هكذا خلقا من غير شيء ومعناه كيف لا يعتبرون أن الله تعالى خلقهم فيوحدونه ويعبدونهويقال " أم خلقوا من غير شيء " يعني لغير شيء ومعناه أخلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهونثم قال " أم هم الخالقون " يعني أهم خلقوا الخلق أما الله تعالى ومعناه الله تعالى خلق الخلق وهو الذي يبعثهم يوم القيامةثم قال " أم خلقوا السموات والأرض " يعني بل الله تعالى خلقهما " بل لا يوقنون " بتوحيد الله الذي خلقهما أنه واحد لا شريك لهثم قال " أم عندهم خزائن ربك " يعني مفاتيح رزق ربك ويقال مفاتيح ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاؤوا ولكن الله يختار من يشاء كقولهم " أءلقى الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر " [ القمر : 25 ]ثم قال " أم هم المسيطرون " يعني أهم المسلطون عليهم يحملونهم حيث شاؤوا يعني على الناس فيخبرونهم بما شاؤواقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي في إحدى الروايتين " المسيطرون " بالسين والباقون بالصادوقال الزجاج تسيطر علينا وتصيطر وأصله السين وكل سين بعدها طاء يجوز أن تقلب صادا مثل يسيطر ويبسطثم قال " أم لهم سلم " يعني سببا إلى السماء " يستمعون فيه " يعني يرتقون عليه فيستمعون القول من رب العالمين " فليأت مستمعهم بسلطان مبين " أي بحجة بينة(3/336)1337سورة الطور الآية 39 - 43ثم قال عز وجل " أم له البنات ولكم البنون " بين جهلهم وقلة أحلامهم أنهم يجعلون لله ما يكرهون لأنفسهمثم قال عز وجل " أم تسألهم أجرا " معناه أن الحجة واجبة عليهم من كل وجه لأنك قد أتيتهم بالبيان والبرهان ولم تسألهم على ذلك أجرافقال " أم تسألهم " يعني أتطلب منهم " أجرا " بما تعلمهم من الأحكام والشرائع" فهم من مغرم مثقلون " يعني من أجل المغرم يمتنعون عن الإيمانيعني لا حجة لهم في الامتناع لأنك لا تسأل منهم أجرا فيثقل عليهم لأجل الأجرقوله عز وجل " أم عندهم الغيب " يعني عندهم الغيب بأن الله لا يبعثهم " فهم يكتبون " يعني أمعهم كتاب يكتبون بما شاؤوا يعني ما في اللوح المحفوظ فهذا كله اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الزجرثم قال عز وجل " أم يريدون كيدأ " يعني بل يريدون كيدا بالنبي صلى الله عليه وسلم " فالذين كفروا هم المكيدون " يعني بل هم المعذبون الهالكونقوله عز وجل " أم لهم إله غير الله " يعني ألهم خالق غير الله يخلق ويرزق ويمنعهم من عذابنا " سبحان الله عما يشركون " يعني تنزيها لله تعالى عما يصفون من الشريك والولدسورة الطور 44 - 49ثم ذكر قسوة قلوبهم فقال " وإن يروا كسفا من السماء ساقطا " يعني جانبا من السماء ساقطا عليهم " يقولوا " يعني لقالوا من تكذيبهم " سحاب مركوم " يعني متراكما بعضه على بعض لأنهم كانوا يقولون لا نؤمن بك حتى تسقط علينا كسفاثم قال الله تعالى لو فعلنا ذلك لم يؤمنوا ولا ينفعهم من قسوة قلوبهمثم قال " فذرهم " يعني فتخل عنهم يا محمد " حتى يلاقوا يومهم " يعني يعاينوا يومهم " الذي فيه يصعقون " يعني يموتون ويقال يعذبونقرأ عاصم وابن عامر " يصعقون " بضم الياء والباقون " يصعقون " بنصب الياء وكلاهما واحد وهما لغتان(3/337)1338ثم وصف حالهم في ذلك اليوم فقال " يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا " يعني لا ينفعهم صنيعهم شيئا " ولا هم ينصرون " يعني لا يمنعون مما نزل بهم من العذابثم قال عز وجل " وإن للذين ظلموا عذابا دون الله " يعني قبل عذاب الناروقد روى عبد الله بن عباس قال عذاب القبر وقال معمر عن قتادة قال عذاب القبر في القرآنثم قرأ " وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك " ويقال " عذابا دون ذلك " يعني القتل ويقال الشدائد والعقوبات في الدنيا" ولكن أكثرهم لا يعلمون " يعني لا يصدقون بالعذابثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على أذاهم فقال " واصبر لحكم ربك " يعني لما أمرك ربك ونهاك عنهويقال واصبر على تكذيبهم وأذاهم" فإنك بأعيننا " يعني فأنك بمنظر منا والله تعالى يرى أحوالك ولا يخفى عليه شيءوقال الزجاج " فإنك بأعيننا " بمعنى فإنك بحيث نراك ونحفظك ولا يصلون إليك بمكرهم ويقال نرى ما ينصع بك" وسبح بحمد ربك حين تقوم " يعني صل بأمر ربك قبل طلوع الشمس يعني صلاة الفجر وقبل الغروب يعني صلاة العصر" ومن الليل فسبحه " يعني صل صلاة المغرب والعشاء ويقال حين تقوم صلاة الفجر والظهر والعصر ومعناه صل صلاة النهار وصلاة الليلويقال " سبح بحمد ربك حين تقوم " يعني قل سبحانك اللهم وبحمدك إذا قمت إلى الصلاة وهذا قول ربيع بن أنس" وإدبار النجوم " يعني ركعتي الفجروروى سعيد بن جبير عن زاذان عن عمر رضي الله عنه قال لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر وهما " إدبار النجوم " وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال " إدبار السجود " الركعتان بعد المغرب " وإدبار النجوم " الركعتان قبل الفجروروى وكيع عن ابن عباس أنه قال بت ذات ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتي الفجر ثم خرج إلى الصلاةفقال ابن عباس الركعتان اللتان قبل الفجر " إدبار النجوم " واللاتي بعد المغرب " إدبار السجود " وفي الآية دليل على أن تأخير صلاة الفجر أفضل لأنه أمر بركعتي الفجر بعد ما أدبرت النجوم وإنما أدبرت النجوم بعد ما أسفر والله سبحانه أعلم(3/338)1339سورة النجممكية وهي ستون وآيتانسورة النجم 1 - 9قوله تبارك وتعالى " والنجم إذا هوى " قال ابن عباس رضي الله عنه أقسم الله تعالى بالقرآن إذ أنزل نجوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتا بعد وقت الآية والآيتان والسورة والسورتان وكان بين أوله وآخره إحدى وعشرون سنةقال مجاهد أقسم الله بالثريا إذا غابت وسقطت والعرب تسمي الثريا نجماويقال أقسم بالكواكب المضيئةويقال أقسم بجميع الكواكب" ما ضل صاحبكم " وذلك أن قريشا قالوا له قد تركت دين آباءك وخرجت من الطريق وتقول شيئا من ذات نفسك فنزل " والنجم إذا هوى " " ما ضل صاحبكم " يعني ما ترك دين أبيه إبراهيم " وما غوى " يعني لم يضل قوما والغاوي والضال واحديقال الضلال قبل البيان والفساد بعد البيانقرأ حمزة والكسائي " إذا هوى " " وما غوى " كله بالإمالة في جميع السورة وقرأ نافع وأبو عمرو بين الإمالة والفتح في جميع السورة والباقون بالتخفيف وكل ذلك جائز في اللغةثم قال " وما ينطق عن الهوى " يعني ما ينطق بهذا القرآن بهوى نفسه والعرب تجعل عن مكان الباء تقول رميت عن القوس أي بالقوس " وما ينطق عن الهوى " أي بالهوى " إن هو إلا وحي يوحى " يعني ما هذا القرآن إلا وحي يوحى إليه " علمه شديد القوى " يعني أتاه جبريل عليه السلام فعلمه وهو " شديد القوى " وأصله في اللغة من قوى الحبل وهي طاقته والواحدة قوةويقال " علمه شديد القوى " يعني الله تعالى يعلمه بالوحي وهو ذو القوة المتينقوله عز وجل " ذو مرة " يعني ذي قوةوأصل المرة القتل فيعبر به عن القوة ومنه الحديث ( لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي )ثم قال عز وجل " فاستوى " يعني جبريل عليه السلام ويقال " فاستوى " يعني محمدا صلى الله عليه وسلم " وهو بالأفق الأعلى " يعني من قبل مطلع الشمس فرآه على صورته وله(3/339)1340جناحان أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب" ثم دنا فتدلى " إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكل ما دنا منه انتقص حتى إذا قرب منه مقدار قوسين رآه كما في سائر الأوقات حتى لا يشك أنه جبريل " فكان قاب قوسين " يعني في القرب مقدار قوسينوقال بعضهم ليلة المعراج دنا من العرش مقدار قوسين وإنما ذكر القوسين لأن القرآن نزل بلغة العرب والعرب تجعل مساحة الأشياء بالقوسويقال " فكان قاب قوسين " يعني قدر ذراعين وإنما سمي الذراع قوسا لأنه تقاس به الأشياء" أو أدنى " يعني بل أدنى ويقال أو بمعنى واو العطف يعني مقدار قوسين أو أقرب من ذلكسورة النجم 10 - 18قوله تعالى " فأوحى إلى عبده ما أوحى " يعني أوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه جبريل ما قرأويقال تكلم مع عبده ليلة المعراج ما تكلم ويقال أمر عبده بما أمرثم قال " ما كذب الفؤاد ما رأى " يعني ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رأى بصره من أمر ربه في رؤية جبريل عليه السلام ويقال في رؤية الله تعالى بقلبهقال محمد بن كعب القرظي والربيع بن أنس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك فقال ( رأيته بفؤادي ولم أره بعيني ) قرأ الحسن " ما كذب " بتشديد الذال وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس ومعناه لم يجعل الفؤاد رؤية العين كذبا والباقون بالتخفيف يعني ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم فيما رأىثم قال عز وجل " أفتمارونه على ما يرى " قرأ حمزة " أفتمرونه " بنصب التاء وجزم الميم بغير ألف وهكذا روي عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما ومعناه أفتجحدونه فيما رأىوالباقون " أفتمارونه " يعني أفتجادلونه لأنه رأى من آيات ربه الكبرىثم قال " ولقد رآه نزلة أخرى " يعني لقد رأى جبريل مرة أخرىوروي عن كعب الأحبار أنه قال رأى ربه مرة فقال إن الله كلم موسى مرتين ورأى محمدا صلى الله عليه وسلم مرتين فبلع ذلك إلى عائشة رضي الله عنها فقالت قد اقشعر جلدي من هيبة هذا الكلام فقيل لها يا أم المؤمنين أليس يقول الله تعالى " ولقد رآه نزلة أخرى " فقالت أنا سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ( رأيت جبريل نازلا في الأفق على خلقته وصورته )ويقال " ولقد رآه نزلة(3/340)1341أخرى ) يعني رآه بفؤاده وأكثر المفسرين يقولون إن المراد به جبريل يعني أن محمدا صلى الله عليه وسلم لما رجع من عند ربه ليلة أسري به رأى جبريل " عند سدرة المنتهى " فقال مقاتل السدرة هي شجرة طوبى ولو أن رجلا ركب نجيبه وطاف على ساقها حتى أدركه الهرم لما وصل إلى المكان الذي ركب منه تحمل لأهل الجنة الحلي والحلل وجميع ألوان الثمارويقال هي شجرة غير شجرة طوبى وهي شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة تخرج أنهار الجنة من أصل تلك الشجرةوإنما سميت " سدرة المنتهى " لأن أرواح المؤمنين تنتهي إليهاويقال أرواح الشهداء تنتهي إليهاويقال الملائكة ينتهون إليها ولا يجاوزونهاويقال لأن علم كل واحد ينتهي إليها ولا يتجاوزنها ولا يدري ما فوق ذلكوروي عن طلحة بن مطرف عن مرة عن عبد الله قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سدرة المنتهى وإليها ينتهي ما عرج من تحتها وإليها ينتهي ما هبط من فوقها وهي النهاية التي ينتهي إليها من فوق ومن تحت ولا يتجاوز عن ذلكثم قال عز وجل " عندها جنة المأوى " وإنما سميت " المأوى " لأنه يأوي إليها أرواح الشهداءقرأ سعد بن أبي وقاص وعائشة رضي الله عنهما " عندها جنة المأوى " بالتاء فقيل لسعد إن فلانا يقرأ " عندها جنة المأوى " بالهاءقال سعد ما له أجنه اللهوعن أبي العالية قال سألني ابن عباس كيف تقرأها يا أبا العالية قال قلت له جنةقال صدقت هي مثل قوله " جنات المأوى "وقراءة العامة " جنة " وهي من الجناتثم قال " إذ يغشى السدرة ما يغشى " يعني يغشاها من الملائكة ما يغشىوروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل ماذا يغشى قال ( جراد من ذهب )ويقال فراش من ذهب وقال الحسن يغشاها نور مثل الجراد من ذهبثم قال " ما زاغ البصر " يعني ما مال وما عدل بصر محمد صلى الله عليه وسلم عما رأى " وما طغى " وما تعدى وما جاوز إلى غيرهويقال " وما طغى " يعني وما ظلم صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما رأى تلك الليلة التي عرج به إلى السماء " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " وهو الرفرف الأخضر وقد غطى الأفق فجلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاوز سدرة المنتهىوقال ابن مسعود رأى جبريل وله ستمائة جناح وهو " من آيات ربه الكبرى " وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر برؤية جبريل تعجبوا منه وأنكروا فأخبر الله تعالى أنه قد رآه مرة أخرى وأنه قد " رأى من آيات ربه الكبرى "سورة النجم 19 - 23(3/341)1342ثم قال عز وجل " أفرأيتم اللات والعزى " قرأ مجاهد " اللات " بتشديد التاء وقال كان رجلا يلت السويق بالزيت ويطعم الناسوقال السدي كان رجل يقوم على آلهتهم ويلت السويق لهمويقال كانت حجارة يعبدونها وينزل عندها رجل يبيع السويق ويلته فسميت تلك الحجارة باللات وقرأه العامة بغير تشديدقال مقاتل وإنما سمي " اللات والعزى " لأنهم قالوا هكذا أسماء الملائكة وهم بناته فنزل " ألكم الذكر وله والأنثى " وقال قتادة " اللات " كان لأهل الطائف " والعزى " لقريش ومناة للأنصارويقال إن المشركين أرادوا أن يجعلوا من آلهتهم من أسماء الحسنى فأرادوا أن يسموا الواحد منها الله فجرى على لسانهم " اللات " وأرادوا أن يسموا الواحد منها العزيز فجرى على لسانهم " العزى " وأرادوا أن يسموا الواحد منها المنان فجرى على لسانهم " مناة " ويقال إن العزى كانت نخلة بالطائف يعبدونها فبعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حتى قطع تلك النخلة فخرجت منها امرأة تجر شعرها على الأرض فأتبعها بفأس فقتلها فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( تلك العزى قتلتها فلا تعبد العزى أبدا )ويقال أول الأصنام كانت اللات ثم العزى ثم مناة وهو قوله " أفرأيتم اللات والعزى " " ومناة الثالثة الأخرى " يعني أفرأيتم عبادتها تنفعكم في الآخرة فلا تنفعكمثم قال " ألكم الذكر وله الأنثى " يعني بني مدلج يعبدون الملائكة ويقولون هم بناته فيشفعون لنا " تلك إذا قسمة ضيزى " أي قسمة جائزة معوجةقرأ ابن كثير بهمز الألف والباقون بغير همز ومعناهما واحد وهو اسم الصنموقرأ ابن كثير " ضئزى " بالهمزة والباقون بغير همزة ومعناهما واحديقال ضازه يضيزه إذا نقصه حقه يقال بالهمز وبغير الهمزويقال ضزت في الحكم أي جرتثم قال " إن هي إلا أسماء سميتموها " يعني الأصنام " أنتم وآباؤكم " يعني اتبعتم آباءكم بالتقليد " ما أنزل الله بها من سلطان " يعني من عذر وحجة لكما بما تقولون " إن يتبعون إلا الظن " يعني ما تعبدون وما تتبعون إلا الظن ولا تعرفون يقينا أنها آلهة" وما تهوى الأنفس " يعني ما يتبعون ما تشتهي أنفسهم وعبدوه وتركوا دين الله " ولقد جاءهم من ربهم الهدى " يعني أتاهم الكتاب والرسول وبين لهم طريق الهدىسورة النجم 24 - 27(3/342)1343ثم قال عز وجل " أم للأنسان ما تمنى " يعني بأن الملائكة تشفع له فيكون الأمر بتمنيه " فلله الآخرة والأولى " يعني ثواب الآخرة والأولى ويقال أهل السموات وأهل الأرض كلهم عبيده ويقال له نفاذ الأمر في الآخرة والأولى ويقال جميع ما فيها يدل على وحدانيتهثم قال " وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا " يعني لا تنفع شفاعتهم ردا لقولهم إنهم يشفعون لناثم استثنى فقال " إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى " يعني من كان معه التوحيد فيشفع له بإذن الله تعالىثم قال " إن الذين لا يؤمنون بالآخرة " يعني لا يصدقون بالبعث " ليسمون الملائكة تسمية الأنثى " باسم البنات وفيه تنبيه للمؤمنين لكي لا يقولوا مثل مقالتهم وزجرا للكافرين عن تلك المقالةسورة النجم 28 - 31قال عز وجل " وما لهم به من علم " يعني ليس لهم حجة على مقالتهم " إن يتبعون إلا الظن " يعني ما يتبعون إلا الظن يعني على غير يقين " وإن الظن لا يغني من الحق شيئا " يعني لا يمنعهم من عذاب الله شيئا " فأعرض عمن تولى عن ذكرنا " يعني اترك من أعرض عن القرآن ولا يؤمن به" ولم يرد إلا الحياة الدنيا " يعني لم يرد بعلمه الدار الآخرة إنما يريد به منفعة الدنيا " ذلك مبلغهم من العلم " يعني غاية علمهم الحياة الدنيا ويقال ذلك منتهى علمهم لا يعلمون من أمر الآخرة شيئا وهذا كقوله " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون " [ الروم 7 ]ثم قال عز وجل " إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله " يعني هو أعلم بمن ترك طريق الهدى " وهو أعلم بمن اهتدى " يعني من تمسك بدين الإسلام ومعناه فأعرض عنهم ولا تعاقبهم فإن الله عليم بعقوبة المشركين وبثواب المؤمنين وهذا قبل أن يؤمر بالقتالثم عظم نفسه بأنه غني عن عبادتهم فقال " ولله ما في السموات وما في الأرض " من الخلق " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا " يعني ليعاقب في الآخرة الذين أشركوا وعملوا المعاصي " ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " يعن ويثيب الذين آمنوا وأدوا الفرائض الخمسة بإحسانهم(3/343)1344سورة النجم 32ثم نعت المحسنين فقال " الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش " قرأ حمزة والكسائي " كبير الإثم والفحش " بلفظ الوحدان والمراد به الجنسوالباقون " كبائر الإثم " بلفظ الجماعةقال بعضهم " كبائر الإثم " يعني الشرك بالله " والفواحش " يعني المعاصيوقال بعضهم " كبائر الإثم والفواحش " بمعنى واحد لأن كل فاحشة كبيرة وكل كبيرة فاحشةوروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( الكبائر أربعة الشرك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله )وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال الكبائر سبعة فبلغ ذلك إلى عبد الله بن عباس فقال هي إلى السبعين أقربويقال كل ما نهى الله عنه فهو كبيرةوقيل كل ما أصر العبد عليه فهو كبيرة كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار )ثم قال " إلا اللمم " وقال بعضهم " اللمم " هو الصغائر من الذنوب يعني إذا اجتنبت الكبائر يغفر الله صغار الذنوب من الصلاة إلى الصلاة ومن الجمعة إلى الجمعة وهو كقوله تعالى " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " [ النساء 31 ] قال مقاتل نزلت في شأن نبهان التمار وذلك أن امرأة أتت لتشتري التمر فقال لها ادخلي الحانوت فعانقها وقبلهافقالت المرأة خنت أخاك ولم تصب حاجتك فندم وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلموروى مسروق عن ابن مسعود قال زنى العينين النظر وزنى اليدين البطش وزنى الرجلين المشي وإنما يصدق ذلك الفرج أو يكذبهفإن تقدم كان زنى وإن تأخر كان لمماوقال عكرمة " اللمم " النظر وحديث النفس ونحو ذلكوروى طاوس عن ابن عباس قال ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنىفزنى العينين نظر الناظر وزنى اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه )وقال عبد الله بن الزبير " اللمم " القبلة واللمس باليدوقال بعضهم " اللمم " كل ذنب يتوب عنه ولا يصر عليهوروى منصور عن مجاهد قال في قوله " إلا اللمم " هو الرجل يذنب الذنب ثم ينزع عنهوروي عن أبي هريرة قال " اللمم " النكاح وذكر ذلك لزيد بن أسلم فقال صدق إنما اللمم لمم أهل الجاهلية(3/344)1345يقول الله تعالى في كتابه " وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف " [ النساء 23 ]وروي عن الحسن أنه قال " اللمم " هو أن يصيب النظرة من المرأة والشربة من الخمر ثم ينزع عنهوروي عن مجاهد أنه قال " اللمم " الذي يلم بالذنب ثم يدعهوقد قال الشاعر" إن تغفر اللهم تغفر جما % وأي عبد لله لا ألما "وقال بعضهم " إلا اللمم " ومعناه ولا اللممكما قال القائل وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير والعيسيعني لا اليعافير ولا العيسوروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إياكم والمحقرات من الذنوب )وسئل زيد بن ثابت عن قوله " إلا اللمم " قال حرم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطنثم قال " إن ربك واسع المغفرة " يعني واسع الفضل غافر الذنوب للذين يتوبونويقال معناه رحمته واسعة على الذين يجتنبون الكبائرثم قال " هو أعلم بكم " يعني هو أعلم بحالكم منكم " إذ أنشأكم من الأرض " يعني إذ هو خلقكم من الأرضيعني خلق آدم من تراب وأنتم من ذريته" وإذ أنتم أجنة " يعني كنتم صغارا " في بطون أمهاتكم " كان هو أعلم بحالكم منكم في ذلك كله " فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم " يعني لا تبرؤوا أنفسكم من الذنوب ولا تمجدوهاويقال " ولا تزكوا أنفسكم " يعني لا يمدح بعضكم بعضاوروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب )والمدح على ثلاثة أوجه أوله أن يمدحه في وجهه فهو الذي نهي عنهوالثاني أن يمدحه بغير حضرته ويعلم أنه يبلغه فهو أيضا منهي عنهوالثالث أن يمدحه في حال غيبته وهو لا يبالي بلغه أو لم يبلغه ويمدحه بما هو فيه فلا بأس بهذاويقال " فلا تزكوا أنفسكم " يعني لا تطهروا أنفسكم من العيوب وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( الناس كإبل مائة لم يكن فيها راحلة )ثم قال " هو أعلم بمن اتقى " يعني من يستحق المدح ومن لا يستحق المدحسورة النجم 33 - 42(3/345)1346ثم قال ( أفرأيت الذي تولى ) يعني أعرض عن الحق وهو الوليد بن المغيرة ومن كان في مثل حاله " وأعطى قليلا " يعني وأنفق قليلا من ماله " وأكدى " يعني ثم أمسك عن النفقةقال مقاتل أنفق الوليد بن المغيرة على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نفقة قليلة ثم انتهى عن ذلكوقال القتبي " وأكدى " أصله من كديه الركية وهي الصلابة فيهافإذا بلغها الحافر يبس حفرها فقطع الحفرة يعني تركهافقيل لمن طلب شيئا ولم يدرك أخره أو أعطى شيئا ولم يتم أكدىثم قال عز وجل " أعنده علم الغيب فهو يرى " يعني أعنده علم الآخرة " فهو يرى " صنيعهوقيل يعلم ما في اللوح المحفوظ فيرى صنيعه" أم لم ينبأ بما في صحف موسى " يعني ألم يخبر بما بين الله تعالى في صحف موسىقال بعضهم " صحف موسى " يعني التوراة وقال بعضهم هو كتاب أنزل عليه قبل التوراة " وإبراهيم الذي وفى " يعني في كتاب إبراهيم " الذي وفى " يعني بلغ الرسالةويقال " وفى " يعني عمل ما أمر بهوذلك أن الوليد بن عقبة بن أبي معطي قال لعثمان إنك تنفق مالك فعن قريب تفتقرفقال عثمان إن لي ذنوبا فقال الوليد ادفع إلي بعض المال حتى أدفع ذنوبك فدفع إليه فأنزل الله تعالى " أم لم ينبأ بما في صحف موسى " يعني ألم يبين الله تعالى في كتاب موسى وكتاب إبراهيم " ألا تزر وازرة وزر أخرى " يعني لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرىويقال " وإبراهيم الذي وفى " يعني بما ابتلاه الله تعالى بعشر كلماتويقال بذبح الولد ويقال كان يصلي كل غداة أربع ركعات صلاة الضحى فسماه وفياثم قال عز وجل " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " يعني ليس للإنسان في الآخرة إلا ما عمل في الدنيا من خير أو شر " وأن سعيه سوف يرى " يعني يرى وثواب عمله في الآخرةقوله عز وجل " ثم يجزاه الجزاء الأوفى " يعني يعطى ثوابه كاملا " وأن إلى ربك المنتهى " يعني إليه ينتهي أعمال العباد وإليه يرجع الخلق كلهم فهذا كله في مصحف موسى وإبراهيمسورة النجم 43 - 48ثم قال عز وجل " وأنه هو أضحك وأبكى " يعني " أضحك " أهل الجنة في الجنة" وأبكى " أهل النار في النارويقال " أضحك " في الدنيا أهل النعمة " وأبكى " أهل الشدة والمعصية" وأنه هو أمات وأحيا " يعني يميت في الدنيا ويحيى في الآخرة للبعث " وأنه خلق الزوجين " يعني اللونين والصنفين " الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى " يعني تهراق في(3/346)1347رحم الأنثىوقال القتبي " من نطفة إذا تمنى " يعني تقدر وتخلق ويقال ما تدري ما يمني لك المانييعني ما يقدر لك المقدرثم قال عز وجل " وأن عليه النشأة الأخرى " يعني البعث بعد الموت يعني ذلك إليه وبيده وهو قادر على ذلك فاستدل عليهم بالفعل الآخر بالفعل الأول أنه خلقهم في الابتداء من النطفة وهو الذي يحييهم بعد الموت " وأنه هو أغنى وأقنى " يعني حول وأعطى المال" وأقنى " يعني أفقرويقال " أغنى " يعني يعطي " وأقنى " يعني يرضي بما يعطيويقال " أغنى " نفسه عن الخلق " وأقنى " يعني أفقر الخلق إلى نفسهوروى السدي عن أبي صالح " أغنى " بالمال " وأقنى " يعني بالقنيةوقال الضحاك " أغنى " بالذهب وبالفضة والثياب والمسكن " وأقنى " بالإبل والبقر والغنم والدوابوقال عكرمة " أغنى " يعني أرضى " وأقنى " يعني أقنعسورة النجم 49 - 58ثم قال " وأنه هو رب الشعرى " يعني وأن الله هو خالق الشعرىقال ابن عباس هو كوكب تعبده خزاعة يطلع بعد الجوزاء يقول الله تعالى وأنا ربها وأنا خلقتها فاعبدونيثم خوفهم فقال عز وجل " وأنه أهلك عادا الأولى " بالعذاب وهم قوم هود وكان بعدهم عاد آخر سواهم فلهذا سماهم عاد الأولى " وثمود فما أبقى " يعني قوم صالح فأهلكهم الله وما بقي منهم أحدقرأ نافع وأبو عمرو " عاد الأولى " بحذف الهمزة وإدغام التنوين والباقون " عادا " بالتنوين الأولى بالهمزة وكلاهما جائز عند العربوقرأ حمزة وعاصم رواية حفص " وثمود " بغير تنوينوالباقون " ثمودا " بالتنوينقال أبو عبيدة نقرأ بالتنوين مكان الألف الثانية في المصحفثم قال " وقوم نوح من قبل " يعني أهلكنا قوم نوح من قبل عاد وثمود " إنهم كانوا هم أظلم وأطغى " يعني أشد من كفرهم وطغيانهم لأنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فدعاهم فلم يجيبوا وكان الآباء يوصون الأبناء بتكذيبهثم قال عز وجل " والمؤتفكة أهوى " يعني مدينة قوم لوط سماها مؤتفكة لأنها ائتفكت أي انقلبت " أهوى " أي أسقطويقال " المؤتفكة " يعني المكذبة " أهوى " يعني أهوى من السماء إلى الأرض وذلك أن جبريل عليه السلام حيث قلع تلك المدائن(3/347)1348فرفعها إلى قريب من السماء ثم قلبها وأهواها إلى الأرض" فغشاها ما غشى " يعني فغشاها من الحجارة " ما غشى " كقوله " وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل " [ الحجر 74 ]ثم قال " فبأي آلاء ربك تتمارى " يعني بأي نعمة من نعماء ربك تتجاحد أيها الإنسان بأنها ليست من الله تعالىقوله عز وجل " هذا نذير من النذر الأولى " يعني محمدا صلى الله عليه وسلم " نذير " مثل " النذر الأولى " يعني رسولا مثل الرسل الأولى مثل نوح وهود وصالح صلوات الله عليهم وقد خوفهم الله ليحذروا معصيته ويتبعوا ما أمرهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلمثم قال عز وجل " أزفت الآزفة " يعني دنت القيامة " ليس لها من دون الله كاشفة " يعني ليس للساعة من دون الله " كاشفة " يعني عن علم قيامها وهذا كقوله " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إنما إلاهكم إله واحد " [ الأعراف 187 ]سورة النجم 59 - 62ثم قال عز وجل " أفمن هذا الحديث تعجبون " يعني من القرآن تعجبون تكذيبا " وتضحكون " استهزاء" ولا تبكون " مما فيه من الوعد " وأنتم سامدون " يعني لاهين عن القرآنروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال هو الغناءكانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا وهي بلغة أهل اليمنوقال قتادة " سامدون " يعني غافلونثم قال عز وجل " فاسجدوا لله " يعني صلوا للهويقال اخضعوا لله بالتوحيد " واعبدوا " يعني أطيعوهويقال " فاسجدوا لله " في الصلاة " واعبدوا " يعني وحدوهويقال هي سجدة التلاوة بعينهاوروي عن الشعبي أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في النجم وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس والله أعلم بالصواب(3/348)1349سورة القمركلها مكية وهي خمسون وخمس آياتسورة القمر 1 - 4قوله تبارك وتعالى " اقتربت الساعة " يعني دنا قيام الساعة لأن خروج النبي صلى الله عليه وسلم كان من علامات الساعة " وانشق القمر " وذلك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة لنبوته فانشق القمر نصفينوروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانشق القمر نصفين فرأيت حراء بين فلقتي القمروعن جبير بن مطعم قال انشق القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكةوروى قتادة عن أنس قال سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكةوقال بعضهم " اقتربت الساعة وانشق القمر " يعني تقوم الساعة وينشق القمر يوم القيامةوأكثر المفسرين قالوا إن هذا قد مضىوقال عبد الله بن مسعود ما وعد الله ورسوله من أشراط الساعة كلها قد مضى إلا أربعة طلوع الشمس من مغربها ودابة الأرض وخروج الدجال وخروج يأجوج ومأجوجثم قال " وإن يروا آية يعرضوا " يعني إذا رأوا آية من آيات الله ثمل انشقاق القمر " يعرضوا " عنها ولا يتفكروا فيها" ويقولوا سحر مستمر " يعني مصنوعا سيذهبويقال معناها ذاهبا يذهب ثم التئام القمروقال القتبي " سحر مستمر " يعني شديد قوي وهو من المرة وهو القتلوقال الزجاج في " مستمر " قولان قول ذاهب وقول دائموقال الضحاك لما رأى أهل مكة انشقاق القمر وقال أبو جهل هذا سحر مستمر فابعثوا إلى أهل(3/349)1350الآفاق حتى ينظروا إذا رأوا القمر منشقا أم لا فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقا قالوا هذا " سحر مستمر " يعني استمر سحره في الآفاققوله عز وجل " وكذبوا " يعني كذبوا بالآية وبقيام الساعة" واتبعوا أهواءهم " في عبادة الأصنام " وكل أمر مستقر " يعني كل قول من الله له حقيقة منه في الدنيا سيظهر وما كان منه في الآخرة سيعرف يعني ما وعد لهم من العقوبةويقال معناه " مستقر " لأهل النار عملهم ولأهل الجنة عملهميعني يعطي لكل فريق جزاء أعمالهمثم قال " ولقد جاءهم من الأنباء " يعني جاء لأهل مكة من الأخبار عن الأمم الخالية " ما فيه مزدجر " يعني ما فيه موعظة لهم وزجر عن الشرك والمعاصيسورة القمر 5 - 8قوله تعالى " حكمة بالغة " يعني جاءهم كلمة بالغة وهو القرآن يعني حكمة وثيقة " فما تغن النذر " يعني لا تنفعهم النذر إن لم يؤمنوا كقوله " وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " [ يونس 101 ] ويقال " فما تغن النذر " لم تنفعهم الرسل إذا نزل بهم العذاب إن لم يؤمنواقوله تعالى " فتول عنهم " يعني اتركهم وأعرض عنهم بعدما أقمت عليهم الحجة" يوم يدع الداع " يعني يدعو إسرافيل على صخرة بيت المقدس " إلى شيء نكر " يعني إلى أمر فظيع شديد منكر " خشعا " يعني ذليلة " أبصارهم " خاشعا نصب على الحال يعني يخرجون خاشعاقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو " خاشعا " بالألف مع النصب والباقون " خشعا " بضم الخاء بغير ألف وتشديد الشين بلفظ الجمع لأنه نعت للجماعةومن قرأ بلفظ الواحد فلأجل تقديم النعتوقرأ ابن مسعود " خاشعة " بلفظ التأنيث لأجل جماعة البصر وقرأ ابن كثير " إلى شيء نكر " بجزم الكاف والباقون بالضم وهما لغتانثم قال عز وجل " يخرجون من الأجداث " يعني من القبور " كأنهم جراد منتشر " يعني انتشروا على معدنهم ويجول بعضهم في بعضثم قال " مهطعين إلى الداع " يعني مقبلين إلى صوت إسرافيل " يقول الكافرون هذا يوم عسر " يعني شديد عسر عليناوروي في الخبر ( أنهم إذا خرجوا من قبورهم يمكثون واقفين أربعين سنة ) ويقال مائة سنة حتى يقولوا أرحنا من هذا ولو إلى النار ثم يؤمرون بالحساب(3/350)1351سورة القمر 9 - 14ثم عزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على أذى قومه كما لقي الرسل من قومهم فقال عز وجل " كذبت قبلهم " يعني قبل قومك يا محمد " قوم نوح " حين أتاهم بالرسالة " فكذبوا عبدنا " نوحا " وقالوا مجنون " يعني قالوا لنوح إنك مجنون " وازدجر " يعني أوعد بالوعيدويقال صاحوا به حتى غشي عليهوقال القتبي " وازدجر " أي زجر وهو افتعل من ذلكفلما ضاق صدره " فدعا ربه أني مغلوب " يعني مقهور فيما بينهم " فانتصر " يعني أعني عليهم بالعذاب فأجابه الله كما في سورة الصافات " ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون " [ الصافات 75 ]قوله عز وجل " ففتحنا أبواب السماء " يعني طرق السماء " بماء منهمر " يعني منصبا كثيراوقال القتبي " بماء منهمر " أي كثير سريع الانصبابومنه يقال همر الرجل إذا أكثر من الكلام وأسرع فيهقرأ ابن عامر " ففتحنا " بتشديد التاء على تكثير الفعل وقرأ الباقون بالتخفيف لأنها فتحت فتحا واحداقوله عز وجل " وفجرنا الأرض عيونا " يعني أخرجنا من الأرض عيونا مثل الأنهار الجارية " فالتقى الماء " يعني ماء السماء وماء الأرض " على أمر قد قدر " يعني على وقت قد قضى " وحملناه " يعني حملنا نوحا " على ذات ألواح " يعني على سفينة قد اتخذت بألواح " ودسر " يعني سفينة قد شدت بالمساميروقال بعضهم كانت سفينة نوح من صاج وقال بعضهم من خشب شمشاذ ويقال من الجوزوقال القتبي الدسر المسامير واحدها دسار وهي أيضا الشريط الذي يشد بها السفينةثم قال " تجري بأعيننا " يعني تسير السفينة بمنظر منا وأمرناويقال بمرأى وحفظ مناوقال الزجاج في قوله " فالتقى الماء " ولم يقل الماءان لأن الماء اسم لجميع ماء السماء وماء الأرضفلو قال ماءان لكان جائزا لكنه لم يقلثم قال " جزاء لمن كان كفر " يعني الحمل على السفينة ثواب لنوح الذي كفر به قومهوقرأ بعضهم " جزاء لمن كان كفر " بالنصب يعني الغرق عقوبة لمن كذب بالله تعالى وبنوحسورة القمر 15 - 17(3/351)1352قوله تعالى " ولقد تركناها آية " أي سفينة نوح أبقيناها عبرة للخلقوقال بعضهم يعني تلك السفينة بعينها كانت باقية على الجبل إلى قريب من خروج النبي صلى الله عليه وسلموقال بعضهم يعني جنس السفينة صارت عبرة لأن الناس لم يعرفوا قبل ذلك سفينة فاتخذت الناس السفن بعد ذلك في البحر فلذلك كانت آية للناسثم قال " فهل من مدكر " يعني هل من معتبر يعتبر بما صنع الله تعالى بقوم نوح فيترك المعصية ويقال " فهل من مدكر " متعظ يتعظ بأنه حق ويؤمن بهوقال أهل اللغة أصل " مدكر " مفتعل من الذكر فأدغمت الذال في التاء ثم قلبت دالا مشددةثم قال " فكيف كان عذابي ونذر " يعني كيف رأيت عذابي وإنذاري لمن أنذرهم الرسل فلم يؤمنوا والنذر بمعنى الإنذارقوله عز وجل " ولقد يسرنا القرآن " يعني هونا القرآن " للذكر " يعني للحفظويقال هونا قراءاتهوروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لولا قول الله تعالى " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " ما طاقت الألسن أن تتكلم به ) ويقال هوناه لكي يذكروا بهثم قال " فهل من مدكر " يعني متعظ يتعظ بما هون من قراءة القرآنوروى الأسود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم " فهل من مدكر " بالذال فقال النبي صلى الله عليه وسلم " فهل من مدكر " يعني بالدالسورة القمر 18 - 22قوله تعالى " كذبت عاد " يعني كذبوا رسولهم هود " فكيف كان عذابي ونذر " يعني أليس وجوده حقا وثابتا " ونذر " جمع نذير قال القتبي النذر جمع النذير والنذير بمعنى الإنذار مثل النكير بمعنى الإنكار يعني كيف كان عذابي وإنكاريثم بين عذابه فقال عز وجل " إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا " يعني سلطنا عليهم ريحا باردة " في يوم نحس مستمر " يعني شديدة استمرت عليهم لا تفتر عنهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما دائمة " تنزع الناس " يعني تنزع أرواحهم من أجسادهم وهذا قول مقاتلويقال " في يوم نحس " يعني يوم مشؤوم عليهم " مستمر " يعني استمر عليهم بالنحوسةوقال القتبي الصرصر ريح شديدة ذات صوت تنزع الناس يعني تقلعهم من مواضعهم" كأنهم أعجاز نخل منقعر " يعني صرعهم فكبهم على وجوههم كأنهم أصول نخل منقلعة من(3/352)1353الأرض فشبههم لطول كل واحد بالنخل الساقطةوقال مقاتل كان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعاوقال في رواية الكلبي كان طول كل واحد منهم سبعين ذراعا فاستهزؤوا حين ذكر لهم الريح فخرجوا إلى الفضاء فضربوا بأرجلهم وغيبوا في الأرض إلى قريب من ركبهم فقالوا قل للريح حتى ترفعنا فجاءت الريح فدخلت تحت الأرض وجعلت ترفع كل اثنين وتضرب أحدهما على الآخر بعدما ترفعهما في الهواء ثم تلقيهما في الأرض والباقون ينظرون إليهم حتى رفعتهم كلهم ثم رمت بالرمل والتراب عليهم وكان يسمع أنينهم من تحت التراب كذا وكذا يوماقال الله تعالى " فكيف كان عذابي ونذر " ثم قال " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " وقد ذكرناهسورة القمر 23 - 31قوله عز وجل " كذبت ثمود بالنذر " يعني صالحا حين أتاهم " فقالوا أبشرا منا واحدا " يعني خلقا مثلنا " نتبعه " في أمره " إنا إذا لفي ضلال وسعر " يعني إنا إذا فعلنا ذلك " لفي " خطأ وعناءوقال الزجاج يعني " إنا إذا لفي ضلال " وجنونوهذا كما يقال ناقة مسعورة إذا كان بها جنونويجوز أن يكون " وسعر " جمع سعير في معنى العذابثم قال عز وجل " أألقي الذكر عليه من بيننا " يعني اختص بالنبوة والرسالة من بيننا " بل هو كذاب أشر " يعني كاذبا على الله " أشر " يعني بطرا متكبراقوله عز وجل حدثنا " سيعلمون غدا " قرأ ابن عامر وحمزة " ستعلمون " بالتاء على معنى المخاطبةيعني أن صالحا قال لهم " ستعلمون غدا " والباقون بالياء على معنى الخبر عنهم من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم أنهم يعلمون غدا يعني يوم القيامة " من الكذاب الأشر " أهم أم صالح ومعناه أنه يتبين لهم أنهم هم الكاذبون وكان صالح صادقا في مقالتهثم قال " إنا مرسلوا " يعني نخرج لهم " الناقة " وذلك حين سألوا صالحا بأن يخرج لهم ناقة من الحجر فدعا صالح ربه فأوحى الله تعالى إليه أني مخرج الناقة " فتنة " يعني بلية " لهم فارتقبهم " يعني انتظر هلاكهم " واصطبر " على الإيذاءقوله تعالى " ونبئهم " يعني وأخبرهم " أن الماء قسمة بينهم " يوم للناقة ويوم لأهل القرية " كل شرب محتضر " يعني إذا كان يوم الناقة تحضر الناقة ولا يحضرون وإذا كان(3/353)1354يومهم لا تحضر الناقة وكل فريق يحضر في نوبته " فنادوا صاحبهم " يعني نادوا مصدع أو قذار " فتعاطى فعقر " يتناول الناقة بالسهم فعقرها " فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة " يعني صحية جبريل " فكانوا كهشيم المحتظر " قال قتادة يعني كرماد محترقوقال الزجاج الهشيم ما يبس من الورق وتحطم وكسرقرأ بعضهم " كهشيم المحتظر " بنصب الظاء وقراءة العامة بالكسرفمن قرأ بالنصب فهو اسم الحظيرة ومعناه كهشيم المكان الذي يحضر فيه الهشيمومن قرأ بالكسر فهو صاحب الحظيرة يعني يجمع الحشيش في الحظيرة لغنمه فداسته الغنمسورة القمر 32 - 40ثم قال عز وجل " ولقد يسرنا القرآن للذكر " يعني سهلناه للحفظ لأن كتب الأولين يقرؤها أهلها نظرا ولا يكادون يحفظون من أولها إلى آخرها كما يحفظ القرآن " فهل من مدكر " يعني متعظ بهقوله تعالى " كذبت قوم لوط بالنذر " يعني بالرسل لأن لوطا عليه السلام يدعوهم إلى الإيمان بجميع الرسل فكذبوهم ولم يؤمنوا فأهلكهم الله تعالىوهو قوله " إنا أرسلنا عليهم حاصبا " يعني حجارة من سجين " إلا آل لوط نجيناهم بسحر " يعني وقت السحرقوله تعالى " نعمة من عندنا " يعني رحمة من عندنا على آل لوط صار " نعمة " نصبا لأنه مفعول ومعناه ونجيناهم بالإنعام عليهم " كذلك نجزي من شكر " يعني هكذا يجزي الله تعالى من شكر نعمته ولم يكفرهاويقال " من شكر " يعني من وحد الله تعالى لم يعذبه في الآخرة مع المشركين فكما أنجاهم في الدنيا ينجيهم في الآخرة ولا يجعلهم مع المشركينقوله عز وجل " ولقد أنذرهم بطشتنا " يعني خوفهم لوط عقوبتنا " فتماروا بالنذر " يعني شكوا بالرسل فكذبوا يعني لوطاويقال معناه شكوا بالعذاب الذي أخبرهم به الرسل أنه نازل بهمقوله تعالى " ولقد راودوه عن ضيفه " يعني طلبوا منه الضيافة وكانت أضيافه جبريل مع الملائكة فمسح جبريل بجناحه على أعينهم فذهب أبصارهم وذلك قوله " فطمسنا(3/354)1355أعينهم ) يعني أذهبنا أعينهم وأبصارهم " فذوقوا عذابي ونذر " اللفظ لفظ الأمر والمراد به الخبر يعني فذوقوا عذاب الله تعالى أي عقوبة الله كما أخبرتهم النذرثم قال " ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر " يعني أخذهم وقت الصبح عذاب دائم يعني عذاب الدنيا موصولة بعذاب الآخرة " فذوقوا عذابي ونذر " يعني يقال لهم ذوقوا عذاب الله تعالى وإنذارهثم قال " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " وقد ذكرناهاسورة القمر 41 - 48قوله تعالى " ولقد جاء آل فرعون النذر " يعني الرسل وهو موسى وهارون " كذبوا بآياتنا كلها " يعني بالآيات التسع " فأخذناهم " يعني عاقبناهم عند التكذيب " أخذ عزيز مقتدر " يعني عقوبة منيع بالنقمة على عقوبة الكفار " مقتدر " يعني قادرا على عقوبتهم وهلاكهمثم خوف كفار مكة فقال " أكفاركم خير من أولئكم " يعني أكفاركم أقوى في النذر من الذين ذكرناهم فأهلكهم الله تعالى وهو قادر على إهلاكهم " أم لكم براءة في الزبر " يعني براءة في الكتب من العذاب