عدد الزوار 200 التاريخ 23-02-2020
سُمِّيتْ هذه السُّورةُ الكريمةُ سُورةَ الأنعامِ [1] سُمِّيت سورةَ الأنعام؛ لِمَا فيها مِن ذِكر الأنعامِ مكرَّرًا وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ، وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا، وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا. يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزآبادي (1/187). وقال السيوطي: (وتسميةُ سورةِ الأنعامِ؛ لِما ورَد فيها من تفصيلِ أحوالِها، وإن كان قد ورَد لفظُ «الأنعام» في غيرِها إلَّا أنَّ التفصيلَ الواردَ في قولِه تعالى: وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا إلى قولِه: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ لم يرِدْ في غيرِها). ((الإتقان في علوم القرآن)) (1/197). .
فعن سَعيدِ بنِ جُبَيرٍ، عنِ ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما، قال: (إذا سَرَّك أنْ تَعلَمَ جَهْلَ العربِ، فاقرَأْ ما فَوقَ الثَّلاثينَ ومِئَةٍ في سورةِ الأنعامِ: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ... إلى قولِه: قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) [2] أخرجه البخاري (3524). .
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما، قالَ: ((نزَلَتْ سورَةُ الأنعامِ بمَكَّةَ ليلًا جُملةً، حولَها سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ، يَجأرُونَ حولَها بالتَّسبيحِ)) [3] أخرجه القاسم بن سلَّام في ((فضائل القرآن)) (ص240)، وابن الضريس في ((فضائل القرآن)) (196)، والطبراني (12/215) (12930). حسَّنه ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (3/227)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/761). .
سورةُ الأنعامِ مَكيَّةٌ، وقد نقَلَ الإجماعَ على ذلِك بعضُ المفسِّرين [4] ممَّن نقَل الإجماع على ذلك: ابنُ تيميَّة في ((الفتاوى الكبرى)) (1/162)، والشِّنقيطيُّ في ((العذب النمير)) (2/362)، وابنُ عاشور في ((تفسيره)) (7/121). وقال ابنُ عبدِ البرِّ: (وقد أجمَع العلماءُ أنَّ سورةَ الأنعامِ مكيَّةٌ، إلَّا قولَه: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ... الآيات الثلاث). ((التمهيد)) (1/146). وقيل: كلُّها مكيَّة إلَّا ستَّ آياتٍ. ينظر: ((زاد المسير)) لابن الجوزي (2/7). .
مِن أهَمِّ مَقاصِدِ سُورةِ الأنعامِ:
1- ترسيخُ العَقيدةِ، وتعريفُ النَّاسِ بربِّهم، وتعبيدُهم له، وإقامةُ الأدلَّةِ على وحدانيَّةِ اللهِ، وصِدقِ رسولِه، وعلى اليومِ الآخرِ [5] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) لطنطاوي (5/23). .
2- مُحاجَّةُ المشركِينَ وغيرِهم من المُبتدِعينَ، ومَن كذَّبَ بالبَعْثِ والنُّشورِ، ودحْضُ شُبَهِهم [6] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (6/383)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/125). .
1- بيانُ أنَّ حقَّ الحَمدِ ليسَ إلَّا للهِ؛ لأنَّه مُبدِعُ العوالمِ، وإبطالُ تَأثيرِ الشُّركاءِ مِن الأصنامِ والجنِّ؛ بإثباتِ أنَّه المتفرِّدُ بخَلْقِ العالَمِ، وخَلْقِ الإنسانِ ونظامِ حَياتِه ومَوتِه، بحِكمتِه تعالى وعِلْمِه، وتنزيهُ اللهِ تعالى عن الوَلَدِ والصَّاحبةِ.
2- موعِظةُ المعرِضِينَ عن آياتِ القُرآنِ والمكذِّبِينَ بالدِّينِ الحَقِّ، وتَهديدُهم بأنْ يَحُلَّ بِهم ما حلَّ بالقُرونِ المكذِّبينَ مِن قَبْلِهم، والكافِرين بنِعَمِ اللهِ تعالى، وأنَّهم ما يَضرُّون بالإنكارِ إلَّا أنفُسَهم، ووعيدُهم بما سَيَلْقَونَ عِندَ نزْعِ أرواحِهم، ثمَّ عِندَ البَعثِ.
3- تسفيهُ المشرِكِينَ فيما اقْتَرحُوه على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من طَلبِ إظهارِ الخوارقِ تهكُّمًا، وإبطالُ اعتقادِهم أنَّ اللهَ شاء لهم الإشراكَ؛ قصْدًا منهم لإفحامِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبيانُ حَقيقةِ مَشيئةِ اللهِ، وإثباتُ صِدقِ القُرآنِ بأنَّ أهلَ الكِتابِ يَعرِفون أنَّه الحقُّ.
4- ساقتِ السُّورةُ حَشدًا من الأدلَّةِ والبَراهينِ على وحدانيَّة اللهِ، وقُدرَتِه، وأنَّه وحْدَه المستحِقُّ للعبادةِ.
5- الإنكارُ على المشرِكينَ تَكذيبَهم بالبَعثِ، وتحقيقُ أنَّه واقِعٌ، وأنَّهم يَشهَدون بعْدَه العذابَ، وتَتبرَّأ منهم آلهتُهم التي عَبَدوها، وسَيَندمُون على ذلِك، كما أنَّها لا تُغْني عنهم شيئًا في الحياةِ الدُّنيا؛ فإنَّهم لا يَدْعُونَ إلَّا اللهَ عِندَ النَّوائبِ.
6- في السُّورةِ تَسليةٌ للنبيِّ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَثبيتٌ لقلبِه، ودَعوتُه للصبرِ على تحمُّلِ أعباءِ الرِّسالةِ دون كَللٍ ولا مَلَل، وإرشادُه إلى الاقتداءِ بمَن سبَقَه مِنَ الرُّسُلِ الَّذين صَبَروا على تَكذيبِ أقوامِهم.
7- بيانُ حِكمةِ إرسالِ اللهِ الرُّسلَ، وأنَّها الإنذارُ والتبشيرُ، وليستْ وظيفةُ الرُّسلِ إخبارَ الناسِ بما يَتطلَّبون عِلمَه مِن المُغيَّباتِ.
8- بيانُ اختِصاصِ الحقِّ تَعالى بالعِلمِ المغيَّبِ، وقَهرِه، وغَلبتِه على المخلوقاتِ.
9- بَيَّنتِ السُّورةُ أنَّ الذين يَستجيبونَ لدعوةِ الحقِّ، هم الذين يَسمَعونَ ويتَّعظون ممَّن قُلوبُهم حيَّة، أمَّا مَن ماتتْ قلوبُهم فهم لا يَنتفِعون بموعظةٍ، ولا يَقْبَلون هِدايةً، ومصيرُهم إلى اللهِ وسيُجازِيهم على جُحودِهم وأعمالِهم المنكَرةِ.
10- بيانُ أنَّ تَفاضُلَ النَّاسِ بالتَّقوى والانتسابِ إلى دِينِ اللهِ، وإبطالُ ما شرَعَه أهلُ الشِّركِ مِن شرائِعِ الضَّلالِ.
11- النَّهيُ عن مُجالسةِ الخائِضين في آياتِ اللهِ ومُؤانستِهم.
12- الأمْرُ بالإعراضِ عن المشرِكين، والنَّهيُ عن سَبِّ الأَصنامِ وعُبَّادِها.
13- بيانُ أنَّ التَّقوى الحقَّ ليستْ مُجرَّدَ حِرمانِ النَّفسِ مِنَ الطيِّباتِ، بل هي حِرمانُ النَّفْسِ مِن الشَّهواتِ التي تَحُولُ بين النَّفْس وبينَ الكَمالِ والتَّزكيةِ.
14- ضربُ المثَلِ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع قومِه بمَثَلِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ مع أبيه وقومِه، وكان الأنبياءُ والرُّسُلُ على ذلِك المَثَل؛ مَن تَقدَّمَ منهم ومَن تأخَّرَ.
15- المنَّةُ على الأمَّةِ بما أَنزلَ اللهُ مِن القرآنِ هُدًى لهم، كما أَنزلَ الكِتابَ على موسى، وبأنْ جَعَلَها اللهُ خاتِمةَ الأممِ الصَّالحةِ.
16- بيانُ فَضيلةِ القرآنِ ودِينِ الإسلامِ وما مَنَحَ اللهُ لأهْلِه مِن مُضاعَفةِ الحَسَناتِ.
17- تَخلَّلتْ ذلك قوارعُ للمُشرِكين، وتنويهٌ بالمؤمنين، وامتنانٌ بنِعمٍ اشتمَلَتْ عليها مخلوقاتُ اللهِ، وذِكْرُ مَفاتِحِ الغيبِ.
18- ذكرُ أحوالِ العربِ في الجاهليَّةِ، مع بيانِ ما كانوا عليه مِن سفاهةٍ، وسورةُ الأنعامِ أَجمَعُ سُورِ القُرآنِ لذلك.
19- في السُّورةِ تَفصيلُ مُحرَّماتِ الشَّريعةِ الإسلاميَّة، ومُحْكَمَاتِ آياتِ القُرآن، والأوامِر والنَّواهي.
20- ذَكَر اللهُ تعالى في السُّورةِ خِلافةَ الخلائِقِ، وتفاوُتَ دَرجاتِهم، وخَتَمَ السُّورةَ بذِكرِ سُرعةِ عُقوبةِ اللهِ لمستحِقِّيها، ورحمتِه ومَغفرتِه لمستوجِبيها.