عدد الزوار 200 التاريخ 23-02-2020
سُمِّيتْ هذه السُّورةُ الكريمةُ، سُورةَ المَائدة [1] سُمِّيتْ هذه السورةُ بهذا الاسمِ؛ لوُرودِ ذِكر المائدةِ فيها؛ حيث طلَب الحواريُّون مِن عيسى عليه السلام آيةً تدلُّ على صِدق نُبوَّته، وتكون لهم عِيدًا، وقد اختصَّتْ هذه السُّورة بذِكرها. قال تعالى: إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ [المائدة: 112- 115]. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/69). .
فعَن جُبَيرِ بنِ نُفَيرٍ، قال: (حَجَجتُ فدخلتُ على عائشةَ رضِي اللهُ عنها، فقالَت لي: يا جُبَيرُ، تقرأُ المائدةَ؟ فقُلتُ: نَعم، فقالَت: أمَا إنَّها آخِرُ سُورةٍ نزَلَتْ...) [2] أخرجَه أحمدُ (25547)، والنَّسائي في ((السنن الكبرى)) (11073)، والحاكم في ((المستدرك)) (3210). قال الحاكم (3210): صحيحٌ على شرْطِ الشَّيخين. وقال الشوكانيُّ في ((نيل الأوطار)) (9/204): رجاله رجالُ الصَّحيح. .
1- سُورةُ المَائدةِ مِن السَّبعِ الطِّوالِ التي أُوتِيَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مكانَ التَّوراةِ:
فعَن واثلةَ بنِ الأَسقَعِ رضِي اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((أُعطِيتُ مَكانَ التَّوراةِ السَّبعَ الطِّوالَ، وأُعطيتُ مَكانَ الزَّبورِ المِئِينَ، وأُعطيتُ مَكانَ الإنجيلِ المثانيَ، وفضِّلتُ بالمفَصَّلِ)) [3] أخرجه أحمدُ (16982)، والطَّيالسيُّ في ((المسند)) (1105)، والطبرانيُّ في ((المعجم الكبير)) (22/76) (187)، والبيهقيُّ في ((شعب الإيمان)) (2255)، وأبو نعيم في = = ((معرفة الصحابة)) (6485). قال الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (7/49): فيه عِمران القطَّان، وبقيَّةُ رِجاله ثقاتٌ. وحسَّنه السيوطيُّ في ((الجامع الصغير)) (1171)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1059). .
2- مِن خَصائصِ هذِه السُّورةِ: أنَّها مِن آخِرِ ما نزَلَ مِنَ القُرآنِ [4] ينظر: ((تفسير الرازي)) (12/452)، ((تفسير ابن كثير)) (2/321). وقيل: إنَّ سورة المائدة مُحكَمةٌ ليس فيها منسوخٌ، وقد وردَ هذا عن ابنِ عبَّاس وعائشةَ وعمرِو ابنِ شُرَحبيلَ وجمعٍ من السَّلفِ. قال ابنُ حجر: (حتَّى صحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ وعائشةَ وعمرِو بنِ شُرَحبيلَ وجمْعٍ مِن السَّلف: أنَّ سورةَ المائدة مُحكَمةٌ) ((فتح الباري)) (5/412). :
فعَن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو رضِي اللهُ عنهما، قالَ: (آخِرُ سُورةٍ أُنزِلَت سورَةُ المائدةِ) [5] رواه الترمذيُّ (3063)، والحاكم في ((المستدرك)) (3211)، والبيهقيُّ في ((السنن الكبرى)) (13979) قال الترمذيُّ: حسنٌ غريبٌ. وحسَّن إسنادَه الألباني في ((صحيح الترمذي)) (3063). .
وعن جُبَيرِ بنِ نُفَيرٍ، أن عائشةَ رضِي اللهُ عنها، قالت له: (يا جُبَيرُ، تَقرَأُ المائدةَ؟ فقال: نَعَم، قالتْ: أمَا إنَّها آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَت) [6] تقدم تخريجه .
3- مِن خَصائِصِها: أنَّها أجمعُ سُورةٍ في القُرآنِ لفُروعِ الشَّرائعِ، وذُكِر فيها مِن التَّحليلِ والتحريمِ والإيجابِ ما لم يُذكَرْ في غيرِها [7] قال أبو حيَّان: (قد تَضمَّنت هذه السورةُ ثمانيَ عَشْرةَ فريضةً لم يُبَيِّنْها في غيرِها) ((تفسير أبي حيان)) (4/157). وقال ابنُ عاشور: (احتوتْ هذه السورةُ على تشريعاتٍ كثيرةٍ تُنْبئُ بأنَّها أُنزلت لاستكمالِ شرائعِ الإسلام) ((تفسير ابن عاشور)) (6/72)، ويُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (14/448). .
سُورةُ المَائدةِ سُورةٌ مدَنيَّة، نزلَتْ بعدَ الهِجرةِ، ونقَل الإجماعَ على ذلِك عددٌ من المفسِّرينَ [8] وممَّن نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عطية في ((تفسيره)) (2/143)، والقرطبيُّ في ((تفسيره)) (6/30)، وابنُ عاشور في ((تفسيره)) (6/69). .
مِن أَهمِّ المقاصدِ التي تَضمَّنَتْها سورةُ المائدةِ:
1- التَّأكيدُ على حِفظِ العُهودِ والمواثيقِ والوفاءِ بها [9] يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/179)،
2- بيانُ الكَثيرِ من الأحكامِ الشَّرعيَّةِ [11] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/73). .
3- تَنظيمُ العَلاقاتِ بينَ المسلمينَ وغَيرِهم [12] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/73). .
مِن أَبرزِ الموضوعاتِ التي تناولَتْها سورةُ المائدةِ:
1- تقريرُ العَقيدةِ الصَّحيحةِ، والاهتمامُ بأمورِ التَّوحيدِ، وتَصحيحُ الكثيرِ مِن المعتقَداتِ الباطلةِ، والتذكيرُ بيومِ القيامةِ.
2- تقريرُ أنَّ الحُكمَ للهِ تعالى وحدَه، وأنَّه لا حُكمَ أحسنُ مِن حُكمِ الله تعالى، مع بيانِ وجوبِ الحُكمِ بما أَنزلَ اللهُ تعالى، وإلغاءِ حُكْم الجاهليَّة وتقبيحِه.
3- التأكيدُ على عقيدةِ الولاءِ والبراء، والتشديدُ على تولِّي المؤمنين، مع التحذيرِ غايةَ التحذيرِ من تولِّي أهلِ الكُفر، وبيانِ أنَّ الذين في قلوبِهم مرضٌ هم المسارِعونَ في تَوَلِّيهم.
4- تنظيمُ علاقاتِ المُسلمينَ مع غيرِهم، خاصَّةً اليهودَ والنَّصارى.
5- بيانُ كثيرٍ من الأحكامِ الشَّرعيَّة وتوضيحُها؛ فمِن ذلك: الأحكامُ الشَّرعيَّة المتعلِّقة بالعباداتِ والمعاملاتِ؛ كأحكامِ العُقود، والذَّبائح، والصَّيد، والإِحرام، ونِكاح الكتابيَّات، والرِّدَّة، وأحكامِ الطَّهارة، وحَدِّ السَّرِقة، وحدِّ البَغي والإفسادِ في الأرضِ (الحِرابة)، وتحريمِ الخَمْر والميسرِ، وكَفَّارة اليَمين، والنَّهي عن قَتْلِ الصَّيدِ في الإِحرام، والوَصيَّةِ عندَ الموتِ؛ إلى غيرِ ذلك.
6- اشتملتْ سورةُ المائدةِ على بعضِ القِصصِ، ومِن ذلك قِصَّةُ بني إِسرائيلَ مع موسى عليه السلامُ، وقِصَّة ابنَيْ آدَم، وقِصة المائدة.
7- بيانُ أحوالِ أهلِ الكتابِ، ونقضِهم للعهودِ وتحريفِهم للكتبِ المنزَّلةِ، ومناقشةُ بعض عقائدِهم الزَّائفةِ؛ من نسبةِ الولدِ إلى الله، وإنكار رِسالةَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إلى غير ذلِك من عقائدِهم الباطِلة.