عدد الزوار 200 التاريخ 23-02-2020
سُمِّيتْ هذه السُّورةُ بسُورةِ النِّساء قال ابنُ عاشور: (ووجه تَسميتها بإضافة إلى النِّساء أنَّها افتُتحت بأحكام صِلة الرَّحِم، ثم بأحكام تخصُّ النساء، وأنَّ فيها أحكامًا كثيرة من أحكام النِّساء: الأزواج، والبنات، وخُتِمت بأحكام تخصُّ النساء) ((تفسير ابن عاشور)) (4/211). وأيضا لتكرر اسم النساء فيها مفردا ومضافا مرات عديدة، ومعلوم أن تكرار الاسم من دواعي التسمية به. ينظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (1/8)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (1/197، 198). :
فعن مَعْدَانَ بن أبي طَلحةَ اليَعمُريِّ، قال: إنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه خطَب يومَ جمعةٍ، فذكَر نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وذكَر أبا بكرٍ، ثم قال: إنِّي لا أَدعُ بعدي شيئًا أهمَّ من الكَلالةِ، ما راجعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في شيءٍ ما راجعتُه في الكَلالةِ، وما أَغلظَ لي في شيءٍ ما أغلظَ لي فيهِ! حتى طعَنَ بإِصبَعِه في صَدْري، وقال: يا عُمرُ، ألَا تكفيك آيةُ الصَّيفِ التي في آخرِ سورةِ النساءِ؟! وإني إنْ أعِشْ أقضِ فيها بقضيةٍ، يَقضي بها مَن يقرأُ القرآنَ ومَن لا يقرأُ القرآنَ رواه مسلم (1617). .
1- عن عبدِ الله بن مَسعودٍ رضِي اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وهو على المنبر-: ((اقرأْ عليَّ القرآنَ، فقلت: يا رسولَ الله، أقرأُ عليك وعليك أُنْزِل؟! قال: إنِّي أَشتهي أن أسمعَه من غيري، قال: فقرأتُ عليه سورةَ النِّساء حتى بلغتُ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء: 41- 42]، رفعتُ رأسي، أو غمزني رجلٌ إلى جنبي- وفي رواية: بيده- فرفعتُ رأسي، فنظرْتُ إليه فرأيتُ عينيهِ تسيلُ)) رواه البخاري (5055)، ومسلم (800) واللفظ له. .
2- عن عائشةَ رضِي اللهُ عنها، عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: ((مَن أخَذ السَّبْعَ الأُولَ من القرآن، فهو حَبرٌ)) رواه أحمد (6/82) (24575)، والبزار كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (7/165)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3/407) (1377)، وابن الضريس في ((فضائل القرآن)) (72)، ورواه سعيد بن منصور في ((التفسير)) (69)، الحاكم (1/752) بلفظ : فهو خير. قال ابن الجوزي في ((العلل المتناهية)) (1/111): لا يصح، وقال ابن كثير في ((تفسير القرآن)) (1/55): غريب، وقال الهيثمي: رجال البزَّار رجالُ الصحيح غير حبيب بن هند الأسلمي، وهو ثقة، ورواه بإسنادٍ آخَرَ رجالُه رجالُ الصحيح. وحسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (5979). .
3- عن واثلةَ بن الأسقعِ رضِي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((أُعطِيت مكانَ التوراة السَّبْعَ الطِّوالَ... الحديث)) رواه أحمد (4/107) (17023)، والطبراني (22/75) (186)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (2/487) (2484). قال البغويُّ في ((تفسيره)) (1/61)، وابن كثير في ((تفسير القرآن)) (1/55):غريب، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/49): فيه عمرانُ القَطَّان، وبقيَّةُ رجاله ثقات. وصحَّحه الألبانيُّ بمجموع طرقه في ((السلسلة الصحيحة)) (1480). .
4- عن عبدِ اللهِ بن مَسعودٍ رضِي اللهُ عنه، قال: (إنَّ في النِّساء لخمسَ آياتٍ، ما يسرُّني بهنَّ الدُّنيا وما فيها، وقد علِمتُ أنَّ العلماء إذا مرُّوا بها يعرفونها: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء: 31]، وقوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 40]، وقوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: 48]، وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء: 64]، وقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 110] رواه سعيد بن منصور في ((سننه)) (4/1297)، والطبراني (9/250) (9069)، والحاكم (3194). قال الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (7/14): رجاله رجال الصحيح. .
5- عن حُذيفةَ بن اليمانِ، قال: ((صلَّيتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ ليلةٍ، فافتتَحَ البقرةَ، فقلتُ: يركع عند المئةِ، ثم مضى، فقلتُ: يصلي بها في ركعةٍ، فمضى، فقلتُ: يركع بها، ثم افتتح النساءَ فقرأها، ثم افتتح آلَ عمرانَ فقرأها، يقرأ مُترسِّلًا)) رواه مسلم (772). .
سورةُ النِّساء مدنيَّةٌ؛ حُكي في ذلِك الإجماعُ قال الفيروزابادي: (هذه السُّورة مدنيَّة بإِجماع القُرَّاءِ) ((بصائر ذوي التمييز)) (1/169). قال البقاعي: (سورة النساء مدنيَّة إجماعًا؛ كذا قال بعضهم) ((مصاعد النظر)) (2/86). .
الدَّليل:
عن عائشةَ رضِي اللهُ عنها، أنها قالت: ((وما نزلتْ سورةُ البقرةِ والنساء إلَّا وأنا عنده)) رواه البخاري (4993). .
ولا خِلافَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إنَّما بَنَى بها بالمدينة يُنظر: ((مصاعد النظر)) للبقاعي (2/87). .
مِن أبرزِ المقاصدِ التي تَضمَّنتها سورةُ النِّساء:
1- الاهتمامُ بالعقيدة وتوحيدِ الله سبحانه وتعالى وقضايا الإيمان، والردُّ على العقائد الباطلة، وإيضاح الحُجَّة على صِحَّة نبوَّة محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والتحذير من المنافقين.
2- العناية بالأُسرة، وتنظيم العلاقة بين الزوجينِ، وحقوق الأرحام، وبيان نظام الإِرْث، وتقسيم التَّرِكات.
3- الاهتمام بأُسُس بناء الدولة الإسلاميَّة، ومقوِّماتها، والجهاد في سبيل الله.
4- الاهتمامُ بحِفظ الدِّماء وأحكامها، وحِفظ الأموال، ورعاية حقوق اليتامى.
أبرزُ الموضوعاتِ التي تناولتْها سورةُ النساء:
1- تناولتْ سورةُ النساء الحديثَ عن المرأة، ففصَّلت الكثيرَ من أحكامها، وأوضحتْ كثيرًا من حقوقِها، وأطالتِ السورةُ الكلامَ في هذا الجانب.
2- نظَّمت السورةُ الكثيرَ من العَلاقات القائمةِ بين الرجُل والمرأة؛ ومنها: موضوع القِوامة، وإباحة النِّكاح والتعدُّد فيه للرجل، وحق المرأة في الكرامة الإنسانية والمهر والميراث, وحُرمة عَضْل النساء، وأحكام الرَّضَاع,كما حثَّتْ على الفضيلة، وزجرت عن إتيان الفاحشة، وتطرَّقت أيضًا إلى العَلاقة مع مِلْك اليمينِ، إلى غير ذلك.
3- تحدَّثت عن حقوق الأيتام والسُّفهاء، وكيف التعامُل مع أموالِهم.
4- فيما يتعلَّق بالأموالِ، تناولت السورة موضوعَ تحريمِ أكْل أموالِ النَّاسِ بالباطل، والتحذير مِن فِعل ذلك، والحثَّ على الإنفاق في سبيل الله، وتوعُّد الذين يبخلون ويأمرون الناسَ بالبُخل.
5- تطرَّقت السورةُ إلى بيان الكثير من الأحكام الفقهيَّةِ مع بيان يُسْرِ الشَّريعةِ، وإرادة الله التخفيفَ عن عباده، ومراعاة ضَعْفهم، ومن هذه الأحكام: أحكامُ المواريث، وحُرمة صلاة السَّكران في حالة سُكرِه، ووجوب الاغتسال من الجَنابة لمن أراد الصَّلاة، ومشروعية التيمُّم وأحكامه، كما أَوضحتِ السورةُ بعضًا من أحكام الجناياتِ، والدِّيَات، مع بيان عِظَم دماء المؤمِن، وجزاء مَن يقتل مؤمنًا متعمِّدًا، وغير ذلك من الأحكام الفقهيَّة.
6- تحدَّثت السورةُ عن أهلِ الكتابِ، وبيَّنت بعضَ ما هُمْ عليه من الضَّلال، وما حلَّ عليهم من الغضب واللَّعن، وذَكَرت بعضَ تعنُّتِهم، ونَقْضهم للعهود، وكُفْرهم بالآيات، ومعاملتهم السيِّئة لأنبياء الله، التي وصلت إلى قتْل بعضِهم. ثم تناولَتْ دعوتَهم إلى الدِّين الحقِّ، ونهيَهم عن الغلوِّ في الدِّين، ومن ذلك غلوُّهم في المسيح عيسى ابن مريمَ، وقولهم بالتثليث.
7- تَطرَّقتْ إلى قضيةِ الحُكم في الإسلام، وإلى ما يَنبغي أنْ يقومَ عليه الحُكمُ في الدَّولة الإسلاميَّة، وهو العدلُ، ووجوبُ الطاعةِ لله والرسولِ وأُولي الأمر، وأنْ يكون المرجعُ في التنازع هو شَرْعَ الله، حتى جعلَتِ الإيمانَ مربوطًا بتحكيمِ الشَّرع، والرِّضا والتسليم له.
8- الحديثُ عن المنافقين، وفضْحُهم، وبيانُ الكثير من أعمالهم، وتصرُّفاتهم، ودَسائسهم، وعقوبتهم، ومكانهم في الآخرة، وأنَّهم في الدَّرْك الأسفل من النار.
9- ومِن المواضيع التي تحدَّثت عنها السورةُ: الأمْرُ بالقتال في سبيل الله، ولإعلاء كلمته، ولنُصرة المستضعَفين من المؤمنينَ، موضِّحةً الأجرَ العظيمَ لِمَن يُقاتِل في سبيل الله، والفضل الجزيل للمجاهدين على القاعدين، ومبيِّنةً بعضَ الأحكام التي يحتاج لها المقاتلُ في سبيل الله؛ كالتعامُل مَع مَن يُلقِي السلام، وأحكام صلاة الخوف، والقَصْر للصَّلاة.
10- حضَّت السورةُ على عمَل الخير، والتخلُّقِ بالأخلاق الفاضلة؛ ومنها: العدل، وأداء الشَّهادة لله كما هي، ولو كانت على النَّفْسِ، أو الوالدينِ أو الأقربين، وألَّا يتَّبِعوا أهواءَهم فيَقعوا في الظُّلم، ومنها: أداءُ الأمانات، والحثُّ على الإحسانِ للخَلْق، ومراعاة الأقرَبينَ من الوالدينِ والأقاربِ والجيرانِ، وكذلك مراعاةُ المحتاجين من الفُقَراء والمساكينِ والضعفاءِ، والإحسانِ إليهم.
11- بيانُ العداوة الأزليَّة بين الشيطانِ وبينَ بني آدمَ، وكيف أنَّ الشيطانَ توعَّد بإضلالِ جزءٍ من العِبادِ.
12- الحثُّ على الإيمانِ بالله ورُسله وكُتُبِه واليومِ الآخِر، وتوحيد العبادة، وبيانُ خطورةِ الشِّركِ، والنَّهْي عن اتِّخاذِ الكافرينَ أولياءَ من دون المؤمنينَ، والأمرُ بتقوى الله عزَّ وجلَّ، والاعتصام به، والتمسُّك بدِينه.
13- ذَكَرتِ السورةُ طَرَفًا من خبرِ أنبياء الله تعالى.