عدد الزوار 200 التاريخ 23-02-2020
سُمِّيَت هذه السُّورةُ بسُورةِ (الفرقان) [1] سُمِّيَت سورةَ الفُرقانِ؛ لأنَّ في فاتحتِها ذِكرَ الفُرقانِ؛ في قَولِه تعالى: نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ. يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/340)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/313). .
فعن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ الله عنه، قال: ((سَمِعتُ هِشامَ بنَ حَكيمٍ يقرأُ سورةَ الفُرقانِ في حياةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاستمعتُ لقِراءتِه، فإذا هو يقرأُ على حُروفٍ كثيرةٍ لم يُقرِئْنيها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكِدتُ أُساوِرُه [2] أساوِرُه: أي: أُواثِبُه وأقاتِلُه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/420). في الصَّلاةِ، فتصبَّرتُ حتى سَلَّمَ، فلبَّبتُه [3] فلَبَّبْتُه: أي: جَمَعتُ ثيابَه عند نَحْرِه ثمَّ جَرَرْتُه. يُنظر: ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (7/296). بردائِه، فقلتُ: مَن أقرأَك هذه السُّورةَ التي سمِعتُك تقرأُ؟ قال: أقرأَنيها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فقلتُ: كذَبْتَ؛ فإنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقرأَنيها على غيرِ ما قرأتَ. فانطلقتُ به أقودُه إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقلتُ: إني سمِعتُ هذا يقرأُ سورةَ الفُرقانِ على حروفٍ لم تُقرِئْنيها! فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهشامٍ: اقرأْ، فقرأَ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كذلك أُنزِلَت. ثمَّ قال: اقرأْ يا عُمَرُ، فقرأتُ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كذلك أُنزِلَت، إنَّ هذا القُرآنَ أُنزِلَ على سبعةِ أحرُفٍ [4] سَبعةِ أحرُفٍ: اختُلِف في المرادِ بالأحرفِ السبعةِ على أقوالٍ كثيرةٍ، مِن أقربِها: أنَّ المرادَ سبعةُ أوجُهٍ مِن الاختلافِ لا يخرُجُ عنها، أو: سبْعُ لُغاتٍ مِن لُغاتِ العَرَبِ، أو: سبعةُ أوجهٍ مِن المعاني المتَّفقةِ بألفاظٍ مختلفةٍ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/369)، ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (1/26)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (1/163)، ((مفاتيح التفسير)) للخطيب (1/52). ، فاقرؤوا ما تيسَّرَ منه)) [5] أخرجه البخاري (4992) واللفظ له، ومسلم (818). .
في سورةِ (الفرقان) سجدةُ تلاوةٍ، في قولِه تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا [6] نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزم ، وابنُ قُدامة، وابنُ حجر. يُنظر: ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 31)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/272)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/551). [الفرقان: 60].
سورةُ الفُرقانِ مكِّيَّةٌ [7] وقيل: مَكِّيَّةٌ إلَّا ثلاثَ آياتٍ منها نزَلت بالمدينةِ؛ وهي: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ ... [الفرقان: 68] إلى قَولِه: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان: 70]. وقيل: مَدَنيَّةٌ. وقيل: مَدَنيَّةٌ، وفيها آياتٌ مَكِّيَّةٌ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/394)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكِّي (8/5171)، ((تفسير الماوردي)) (4/130)، ((تفسير القرطبي)) (13/1)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/314). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [8] ممَّن نقل الإجماعَ على ذلك: الفيروزابادي، والبِقَاعي. يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/340)، ((مصاعد النظر)) للبقاعي (2/316). وعزا القرطبيُّ القولَ بأنَّها مكيَّةٌ إلى الجُمهورِ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) ( 13/1). .
مِن أبرزِ المَقاصِدِ التي تَضمَّنَتْها سورةُ الفُرقانِ:
1- التَّنويهُ بالقُرآنِ، وإثباتُ أنَّه مُنَزَّلٌ مِن عندِ اللهِ تعالى، والتَّنويهُ بالرَّسولِ المنَزَّلِ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبيانُ دلائِلِ صِدقِه، والتَّنويهُ بالذين اتَّبَعوه [9] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (13/1)، ((تفسير ابن عاشور)) (19/66). قال ابنُ عاشور: (أُقيمَت هذه السُّورةُ على ثلاثِ دَعائِمَ: الأُولى: إثباتُ أنَّ القُرآنَ مُنَزَّلٌ مِن عندِ اللهِ، والتَّنويهُ بالرَّسولِ المُنزَّلِ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ودلائِلِ صِدقِه، ورفِعةِ شأنِه عن أن تكونَ له حُظوظُ الدُّنيا، وأنَّه على طريقةِ غَيرِه مِنَ الرُّسُلِ، ومِن ذلك تَلقِّي قَومِه دَعوتَه بالتَّكذيبِ. الدِّعامةُ الثَّانيةُ: إثباتُ البَعثِ والجَزاءِ، والإنذارُ بالجزاءِ في الآخرةِ، والتَّبشيرُ بالثَّوابِ فيها للصَّالِحينَ، وإنذارُ المُشرِكينَ بسُوءِ حَظِّهم يومَئذٍ، وتكونُ لهم النَّدامةُ على تكذيبِهم الرَّسولَ، وعلى إشراكِهم واتِّباعِ أئمَّةِ كُفْرِهم. الدِّعامةُ الثَّالِثةُ: الاستِدلالُ على وَحدانيَّةِ اللهِ، وتفَرُّدِه بالخَلْقِ، وتَنزيهُه عن أن يكونَ له وَلَدٌ أو شَريكٌ، وإبطالُ إلهيَّةِ الأصنامِ، وإبطالُ ما زَعَموه مِن بنُوَّةِ الملائِكةِ لله تعالى. وافتُتِحَت في آياتِ كُلِّ دِعامةٍ مِن هذه الثَّلاثِ بجُملةِ: تَبَارَكَ الَّذِي إلخ). ((تفسير ابن عاشور)) (18/314). .
2- تثبيتُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتَسليتُه، والتَّسْريةُ عنه [10] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) لطنطاوي (10/167). .
مِن أبرزِ المَوضوعاتِ التي تناولَتْها سورةُ الفُرقانِ:
1- تمجيدُ اللهِ تعالى والثَّناءُ عليه، ووَصفُه بصِفاتِ الإلهيَّةِ والوَحدانيَّةِ فيها، واتِّخاذُ المُشرِكينَ مع ذلك آلهةً مِن دُونِه تعالى مخلوقةً مَوصوفةً بالعَجزِ.
2- حِكايةُ بَعضِ أقوالِ المُشرِكينَ وشُبُهاتِهم حولَ القُرآنِ وحولَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مع الرَّدِّ عليهم، ودَحْضِ شُبُهاتِهم.
3- المُقارنةُ بيْنَ مَصيرِ المُشرِكينَ وما أعَدَّه اللهُ لهم، وبينَ ما أعَدَّه اللهُ تعالى للمؤمِنينَ.
4- ذِكرُ جانِبٍ مِن قَصَصِ بَعضِ الأنبياءِ مع أقوامِهم.
5- تَسليةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عمَّا أصابه مِنَ المُشرِكينَ مِن تَطاوُلٍ عليه، وتَكذيبٍ له.
6- الحديثُ عن بَعضِ مَظاهِرِ قُدرةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ.
7- عَرضُ صِفاتِ عِبادِ الرَّحمنِ، وأخلاقِهم، وعبادتِهم لرَبِّهم، ودُعائِهم له، وتضَرُّعِهم إليه.