عدد الزوار 200 التاريخ 23-02-2020
سُمِّيَت هذه السُّورَةُ بسورَةِ (يُوسُفَ) [1] وجهُ تسميةِ هذه السورةِ بسورةِ (يوسف): اشتمالُها على قصَّتِه كلِّها، ولم تُذكَرْ قصَّتُه في غيرِها، ولم يُذكَرِ اسمُه في غيرِها إلَّا في سورةِ (الأنعام) و(غافر). يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/255)، ((مصاعد النظر)) للبقاعي (2/185)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/197). :
فعن عُقبَةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ الله عنه، قال: ((قُلتُ يا رَسولَ الله، أَقْرِئْنِي سُورةَ هودٍ، وسُورةَ يُوسُفَ...)) الحديثَ [2] أخرجه النسائي (953) وأحمد (17418) وابن حبان (1842) والحاكم (3988). صحَّح إسنادَه الحاكم (3988)، وجوَّد إسنادَه ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (3/232) ، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5454). .
وعن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه، قال: (كنتُ بحمصَ فقال لي بعضُ القومِ : اقرأْ علينا. فقرأتُ عليهم سورةَ يُوسفَ) [3] أخرجه البخاري (5001)، ومسلم (801 ) واللفظ له. .
وعن عمرِو بنِ ميمونٍ، في قصةِ مقتلِ عمرَ رضي الله عنه، قال: (وكان أي: عُمَر إذا مَرَّ بين الصَّفَّيْنِ قال: استووا، حتى إذا لم يرَ فيهنَّ خللًا تقدَّم فكبَّر، وربما قرأ سورةَ يوسفَ، أو النَّحلِ، أو نحوَ ذلك في الركعةِ الأُولَى) [4] أخرجه البخاري (3700). .
1- أنَّها السُّورةُ الوَحيدَةُ التي أُفْرِدَت لِقِصَّةِ نَبِيِّ الله يُوسُفَ عليه السلامُ، ولم تُذكَرْ قِصَّتُه في غَيرِها [5] ينظر ((تفسير ابن عاشور)) (12/197). وإذا قيل: ما الحكمةُ في عدمِ تكريرِ قِصَّةِ يُوسُفَ، وسَوقِها مَساقًا واحِدًا في موضعٍ واحدٍ دُونَ غيرِها مِنَ القصصِ؟ فالجوابُ: أنَّ قَصصَ الأنبياءِ إِنَّما كُرِّرَتْ؛ لأنَّ المقصودَ بها إفادَةُ إهلاكِ مَن كذَّبوا رُسُلَهم، والحاجةُ دَاعِيَةٌ إلى ذلك؛ لتكريرِ تكذيبِ الكفارِ لرسولِ الله، فكلَّما كذَّبوا أُنزِلت قِصَّةٌ مُنذِرةٌ بحلولِ العذابِ كما حلَّ على المكذِّبينَ، ولهذا قال تعالى فِي آياتٍ: فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ [الأنفال: 38] أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ [الأنعام: 6]، وقِصَّةُ يُوسُفَ لم يُقْصَدْ منها ذلك، وقيل: لأنَّها اختصَّتْ بحصولِ الفرجِ بعدَ الشِّدَّةِ بخلافِ غيرِها مِن القَصصِ، وقيل غير ذلك. يُنظر: ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/231). .
2- لم تُذكَرْ قِصَّةُ نَبِيٍّ فِي القرآنِ بمثلِ هذا الإطْنابِ كما ذُكِرَتْ قِصَّةُ يُوسُفَ عليه السَّلامُ في هذه السُّورَة، فهي أطوَلُ قِصَّةٍ في القُرآنِ [6] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/197)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/207). قال محمد رشيد رضا: (وهي أطولُ قِصَّةٍ في القرآنِ افتُتِحت بثلاثِ آياتٍ تمهيدِيَّةٍ في ذكرِ القرآنِ وحسنِ قَصَصِه، ثُمَّ كانت إلى تمامِ المائةِ في تاريخِ يُوسفَ، وخُتِمت بإحدَى عشرةَ آيَةً في الاستدلالِ بها على ما أنزلَها الله لأجلِه مِن إثباتِ رسالةِ خاتَمِ النَّبيِّينَ، وإعجازِ كتابِه، والعبرةِ العامَّةِ بقَصَصِ الرُّسلِ عليهم السَّلامُ). ((تفسير المنار)) (12/207). .
سُورَةُ يُوسُفَ مَكِّيَّةٌ. ونَقَل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحِد مِن أهلِ العِلْمِ [8] ممَّن نقَل الإجماعَ على ذلك: الخازنُ، ومجدُ الدينِ الفيروزابادي، والبقاعيُّ. يُنظر: ((تفسير الخازن)) (2/510)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/255)، ((مصاعد النظر)) للبقاعي (2/184). وقيل: سورةُ يوسفَ مكِّيَّةٌ إلا الثلاثَ الأُوَل منها، قال السُّيوطي: (وهو واهٍ جدًّا لا يُلتفت إليه). ((الإتقان في علوم القرآن)) (1/59). وقال محمد رشيد رضا: (وما قِيل مِن أنَّ الثَّلاثَ منها مدنِيَّاتٌ فلا تصحُّ روايتُه، ولا يظهرُ له وجهٌ، وهو يُخِلُّ بنَظْمِ الكلامِ). ((تفسير المنار)) (12/206)، وزاد بعضُهم الآيةَ السَّابعةَ من هذه السورةِ. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (3/5)، ((تفسير الزمخشري)) (2/440)، ((الإتقان)) للسيوطي (1/59)، ((تفسير الشوكاني)) (3/5). .
مِن أهمِّ مَقاصِدِ سُورَةِ يُوسُفَ:
1- بَيانُ أنَّ العاقِبَةَ للمُؤمِنينَ المُتَّقِينَ الصَّابِرينَ رُغْمَ الابْتِلاءاتِ والمِحَنِ [9] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) لطنطاوي (7/311) . .
2- تَسْلِيَةُ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم وأَصحابِه، وتَطْمِينُ نُفوسِهم [10] يُنظر: ((البرهان في تناسب سور القرآن)) للغرناطي (ص: 227)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/198)، ((التفسير الوسيط)) لطنطاوي (7/311). .
ذُكِرَت قِصَّةُ يُوسُفَ عليه السَّلامُ في هذه السُّورةِ مُفَصَّلَةً في مكانٍ واحِدٍ، دونَ غَيرِها مِن قَصَصِ الأَنبياءِ، ومِن أبرَزِ ما اشتملتْ عليه هذه السورةُ مِن تفاصيلِ هذه القِصَّةِ وغيرِها مِن موضوعاتٍ:
1- ذِكْرُ جانبٍ مِن فَضائِل القُرآن الكَريم، وإعْجازِه في أُسلوب القَصَص وعَرْضِها.
2- رُؤْيا يُوسُف عليه السَّلامُ، ومَكْرُ إِخْوَتِه به، وحَسَدُهُم له وتَآمُرُهم عليه.
3- انْتِشالُ السَّيَّارَةِ ليُوسُفَ مِن الجُبِّ، وبَيْعُهم له، ومِحْنَتُه في قَصْرِ العَزيز، ومُراوَدَة امْرأَةِ العَزيز له، وشُيوعُ خَبَرِها، وما فعلتْه امرأةُ العزيزِ مع النِّسوةِ اللاتي تكلمْنَ بذلك.
4- حادِثَة دُخولِ يوسفَ السِّجْنَ بعدَ ظُهورِ بَراءَتِه، ودَعْوَتُه إلى الله فيه.
5- الرُّؤْيا التي رَآها المَلِكُ، وتَفْسيرُ يُوسُف لها، وثُبوتُ بَراءَةِ يُوسُفَ، وخُروجُه مِن السِّجْنِ، واسْتِلامُه للمُلْكِ والوِزارَةِ، وظُهورُ شَأْنِه.
6- لِقاءُ يُوسُف بِإخْوَتِه دونَ أن يَعْرِفوهُ، وطَلَبُه حُضورِ أَخيهِم معهم في المَرَّةِ القادِمَة، ثم احْتِجازُه عنده بِحيلَةٍ دَبَّرَها بإلهامٍ مِن الله، وما حَصَل لِأَبيهِم بعدَ ذلك مِن الحُزْنِ.
7- لِقاءُ يُوسُف بإخْوَتِه مَرَّةً ثانِيَة، وكَشْفُه عن نَفسِه، وتَذْكيرُهم بما فعلوا به، وعَفْوُه عنهم، ثم أَمْرُهم بالعَوْدَةِ إلى أَبيهم، وإلْقاءِ قَميصِه على وَجْهِه؛ ليرجعَ بَصَرُه إليه.
8- حُضورُهُم بعدَ ذلك إلى يُوسُف، واجْتِماعُه بِأَبَوَيْهِ وأَهلِه في مِصْرَ، وإكْرامُه لهم.
9- تَعْقيباتٌ على ما وَرَدَ في قِصَّة يُوسُف، فذكَر تعالى ما يَدُلُّ على أنَّ القُرآن مِن عند الله، وما يَشهَد بِصِدْقِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يُبَلِّغُه عن رَبِّهِ، وبيَّن وَظيفَة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم ومَوْقِف المُشرِكين مِن دَعْوَتِه، وأَنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم ليس بِدْعًا مِن الرُّسُل، وأنَّ العاقِبَة له ولِأَتْباعِه مِن المُؤْمِنين.