عدد الزوار 200 التاريخ 23-02-2020
ثبتَت لسورة الفاتحة عدَّةُ أسماء، وهي:
1- فاتحة الكِتاب [1] قال ابنُ جرير: (سُمِّيت فاتحةَ الكتاب؛ لأنَّها يُفتَتَح بكتابتها المصاحف، ويُقرأ بها في الصلوات؛ فهي فواتح لِمَا يتلوها من سُور القرآن في الكتابة والقِراءة) ((تفسير ابن جرير)) (1/105). .
2- أمُّ القرآن [2] قال ابن جرير: (سمِّيت أمَّ القرآن؛ لتقدُّمها على سائر سُور القرآن غيرها، وتأخُّر ما سواها خلفها، في القراءة والكتابة، وذلك من معناها شبيهٌ بمعنى فاتحة الكتاب، وإنَّما قيل لها لكونِها كذلك أمَّ القرآن؛ لتسمية العربِ كلَّ جامع أمرًا، أو مُقدَّمًا لأمر، إذا كانت له توابعُ تتبعه، هو لها إمام جامعٌ أُمًّا، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: أمُّ الرأس) ((تفسير ابن جرير)) (1/105). .
3- أُمُّ الكِتاب [3] قال البخاريُّ: (سُمِّيت أمَّ الكتاب؛ لأنَّه يبدأ بكِتابتها في المصاحِف، ويُبدأ بقراءتها في الصَّلاة)) ((صحيح البخاري -كتاب التفسير. باب ما جاء في فاتحة الكتاب)) قبل حديث (4474)، ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/105). .
4- السَّبْع المَثاني [4] قال ابنُ جرير: (أمَّا تأويل اسمها أنَّها السَّبع؛ فإنَّها سَبعُ آيات، لا خِلاف بين الجميع من القرَّاء والعلماء في ذلك... وأمَّا وصْف النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم آياتِها السَّبعَ بأنهنَّ مثانٍ؛ فلأنَّها تُثنَّى قراءتها في كلِّ صلاة تطوُّع ومكتوبة، وكذلك كان الحسنُ البصري يتأوَّل ذلك). ((تفسير ابن جرير)) (1/106-107). ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/60)، ((تفسير ابن كثير)) (1/101)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/135). .
5- القُرآن العظيم [5] قال القرطبيُّ: (سُمِّيت بذلك؛ لتضمُّنها جميعَ علوم القرآن؛ وذلك أنها تشتمل على الثَّناء على الله عزَّ وجلَّ بأوصاف كماله وجلاله، وعلى الأمر بالعبادات والإخلاصِ فيها، والاعترافِ بالعجز عن القِيام بشيءٍ منها إلَّا بإعانته تعالى، وعلى الابتهالِ إليه في الهدايةِ إلى الصِّراط المستقيم، وكفايةِ أحوال الناكثين، وعلى بَيانِ عاقبة الجاحِدين). ((تفسير القرطبي)) (1/112). .
6- سورة الحَمْد [6] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/101). وسُمِّيت بذلك؛ لكونها مُفتَتحةً بالحَمْد. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (1/111). .
الأدلَّة:
1- عن عُبادةَ بن الصَّامتِ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا صلاةَ لِمَن لم يقرأْ بفاتحةِ الكِتاب)) [7] رواه البخاريُّ (756)، ومسلِم (394). .
2- عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: ((كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُخَفِّفُ الرَّكعتَينِ اللَّتَينِ قبلَ صلاةِ الصُّبحِ، حتى إني لأقولُ: هل قرَأ بأمِّ الكتابِ؟!)) [8] رواه البخاريُّ (1165). .
3- عن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أمُّ القُرآنِ هي السَّبْع المثاني، والقرآنُ العَظيم)) [9] رواه البخاريُّ (4704). .
4- عن أبي سَعيدِ بن المعلَّى رضي الله عنه، قال: ((مرَّ بي النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا أُصلِّي، فدَعاني فلم آتِهِ حتى صلَّيتُ، ثم أتَيتُ فقال: ما منَعك أن تأتيَ؟ فقلتُ: كنتُ أُصلِّي، فقال: ألم يقُلِ اللهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ؟! ثم قال: ألَا أُعَلِّمُك أعظمَ سورةٍ في القرآنِ قبلَ أن أخرُجَ منَ المسجدِ؟ فذهَب النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليخرُجَ منَ المسجدِ فذَكَّرتُه، فقال: الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ هي السَّبعُ المَثاني، والقرآنُ العظيمُ الذي أوتيتُه)) [10] رواه البخاريُّ (4703). .
لسورةِ الفاتحة فضائلُ كثيرة، وخصائصُ عظيمة، وردَت في السُّنَّة النبويَّة؛ منها:
1- أنَّها نور، ولم يُؤْتَها نبيٌّ قبل محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما، قال: ((بينما جبريلُ قاعدٌ عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، سمِع نقيضًا من فوقه؛ فرفَع رأسَه، فقال: هذا بابٌ من السَّماء فُتِح اليوم، لم يُفتح قطُّ إلَّا اليوم، فنزل منه مَلَك، فقال: هذا ملَكٌ نزل إلى الأرض، لم ينزلْ قطُّ إلَّا اليوم، فسلَّم، وقال: أبشِرْ بنورَينِ أوتيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تَقرأ بحرفٍ منهما إلَّا أُعطيتَه)) [11] رواه مسلم (806). .
2- أنَّه بقِراءتها تحصُل المناجاةُ في الصَّلاة بين العَبدِ وربِّه
عن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((مَن صلَّى صلاةً لم يقرأْ فيها بأُمِّ القرآن، فهي خداجٌ -ثلاثًا- غير تمام، فقيل لأبي هُرَيرَة: إنَّا نكونُ وراءَ الإمام، فقال: اقرأْ بها في نفسِك؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بَيني وبَين عبدي نِصفين، ولعَبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: الحمدُ لله ربِّ العالَمين، قال الله تعالى: حمَدني عَبدي، وإذا قال: الرَّحمن الرَّحيم، قال الله تعالى: أثْنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: مالِك يومِ الدِّين، قال: مَجَّدني عبدي، (وقال مرَّة: فوَّض إليَّ عبدي)، فإذا قال: إيَّاك نعبُدُ وإيَّاك نستعين، قال: هذا بَيني وبَين عبدي، ولعَبدي ما سأل، فإذا قال: اهدِنا الصِّراطَ المستقيمَ صِراطَ الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالِّين، قال: هذا لعَبدي، ولعبدي ما سألَ)) [12] رواه مسلم (395). .
3- أنَّه لا صَلاةَ لِمَن لم يقرأْ بها
عن عُبادةَ بنِ الصامتِ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا صَلاةَ لِمَن لم يقرأْ بفاتحةِ الكِتابِ)) [13] رواه البخاريُّ (756)، ومسلم (394). .
4- أنها رقيةٌ شافيةٌ بإذن الله تعالى
عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه، قال: ((انطلَق نفرٌ من أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في سَفرةٍ سافروها، حتى نزَلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم فأَبَوْا أن يُضيِّفوهم، فلُدِغ سيِّد ذلك الحيِّ، فسَعَوا له بكلِّ شيءٍ، لا ينفعه شيءٌ، فقال بعضُهم: لو أتيتم هؤلاءِ الرهطَ الذين نزلوا؛ لعلَّه أن يكون عند بعضهم شيءٌ، فأتَوَهْم، فقالوا: يا أيُّها الرهط، إنَّ سيِّدنا لُدِغ، وسَعَينا له بكلِّ شيءٍ، لا ينفعُه؛ فهل عند أحدٍ منكم من شيءٍ؟ فقال بعضهم: نعَمْ، واللهِ إني لأرقي، ولكن واللهِ لقدِ استضفناكم فلم تُضيِّفونا! فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعلًا، فصالَحوهم على قَطيعٍ من الغَنم، فانطلق يتْفُل عليه، ويقرأ: الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، فكأنَّما نشِط من عِقال، فانطلَق يمشي وما به قَلَبَةٌ [14] قَلَبَة: ألَمٌ وعِلَّة. ((النهاية)) لابن الأثير (4/98). ، قال: فأوْفوهم جُعلَهم الذي صالحُوهم عليه، فقال بعضُهم: اقسِموا، فقال الذي رقَى: لا تَفعلوا حتى نأتيَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فنذكُرَ له الذي كان، فننُظرَ ما يأمرُنا، فقدِموا على رسولِ الله، فذكروا له، فقال: وما يُدريك أنَّها رُقيةٌ؟! ثم قال: قد أصبتُم، اقسِموا، واضرِبوا لي معكم سهمًا، فضحِكَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم)) [15] رواه البخاريُّ (2276). .
سورةُ الفاتحة سورةٌ مكيَّة، نزلت قبل الهِجرة [16] وهو قول الجمهور، يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/111)، ((تفسير ابن كثير)) (1/101)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/135). .
بدليل قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِى وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87].
وجاء عن أبي سَعيدِ بن المُعلَّى رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((... هي السَّبْعُ المثاني، والقرآنُ العظيم الذي أُوتيتُه)) [17] رواه البخاريُّ (4703). .
فهذه الآية التي ورَد فيها ذِكر السَّبع المثاني، مكيَّةٌ بالإجماع، وقد جاء النصُّ من النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام، بكون السَّبع المثاني هي سورةُ الفاتحة؛ فلزِم من ذلك أن تكون سورةُ الفاتحة مكيَّة [18] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (1/115)، ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (17/190)، ((تفسير ابن كثير)) (1/101)، (4/547). .
ومن الأدلة على مكِّيتها كذلك، أنَّ الصلاة لا تصحُّ إلا بها، وقد شُرعت الصلاة بمكة، أي قبل الهجرة [19] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/65). .
مِن أهمِّ مقاصدِ سورة الفاتحة:
1- التعريف بالمعبودِ تبارَك وتعالى.
2- بيان طَريقِ العبوديَّة.
3- بيان أحوال النَّاس مع هذا الطَّريق [20] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/31). .
عرَضتِ السُّورةُ لعددٍ من الموضوعات الرئيسة، وهي:
1- صفات الله عزَّ وجلَّ.
2- اليوم الآخر.
3- إِفراد الله تعالى بالعبادة، ومن ذلك: الاستعانة، والدُّعاء.
4- التعريف بالصِّراط المستقيم؛ طريقِ المهتدين.
5- تجنُّب طريق الغاوين من المغضوبِ عليهم والضالِّين.
افتَتح الله سبحانه كتابه بهذه السورة؛ لأنَّها جمَعتْ مقاصد القرآن، ولأنَّ فيها إجمالَ ما يحويه القرآن مفصلًا؛ فجميع القرآن تفصيل لِمَا أجملتْه، وفي ذلك براعة استهلال؛ لأنَّها تنزل من سور القرآن منزلَ دِيباجة الخطبة أو الكتاب [21] يُنظر: ((تناسق الدرر في تناسب السور)) للسيوطي (ص: 49، 51)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/135)، ((البرهان فى تناسب سور القرآن)) للغرناطي (ص: 187). .