لا يَجوزُ للواقِفِ التَّصرُّفُ في الوقْفِ بعْدَ انعقادِه انعقادًا صَحيحًا؛ فلا يُباعُ، ولا يُوهَبُ، ولا يُورَثُ، وهو مَذهبُ المالكيَّةِ [952] ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (7/626)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/75). ، والشَّافعيَّةِ [953] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/328، 329)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 169)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/376). ، والحَنابلةِ [954] ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/405)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (4/294). ، والمُفْتى به عندَ الحنَفيَّةِ [955] وهو قول أبي يُوسفَ ومحمَّدِ بنِ الحسَنِ، والمُفتَى به عندَهم. ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (5/209)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/338). ، وحُكِيَ الإجماعُ على منْعِ بَيعِه وتَمليكِه [956] قال الكمال ابنُ الهُمام: (وإذا صحَّ الوقفُ -أي: لَزِمَ- لم يَجُزْ بَيعُه ولا تمليكُه... بإجماعِ الفُقهاءِ). ((فتح القدير)) (6/220). وقال ابنُ نُجَيم: (ولا يُملَكُ الوقفُ، بإجماعِ الفقهاءِ). ((البحر الرائق)) (5/221). .الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِن السُّنةعن ابنِ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أصاب عُمرُ بخَيبرَ أرْضًا، فأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أصبْتُ أرضًا لم أُصِبْ مالًا قطُّ أنفَسَ منه، فكيفَ تأْمُرني به؟ قال: إنْ شِئتَ حبَّسْت أصْلَها، وتصدَّقْتَ بها. فتَصدَّقَ عُمرُ أنَّه لا يُباعُ أصْلُها ولا يُوهَبُ ولا يُورَثُ، في الفقراءِ والقُربى والرِّقابِ، وفي سَبيلِ اللهِ والضَّيفِ وابنِ السَّبيلِ، ولا جُناحَ على مَن وَلِيَها أنْ يَأكُلَ منها بالمعروفِ، أو يُطعِمَ صَديقًا غيرَ مُتموِّلٍ فيه)) [957] أخرجه البخاريُّ (2772) واللفظُ له، ومسلمٌ (1632). .وَجهُ الدَّلالةِ:في الحديثِ دَلالةٌ على أنَّ الوقفَ لا يُباعُ، ولا يُوهَبُ، ولا يُورَثُ [958] ((البيان في مذهب الشافعي)) للعمراني (8/59). .ثانيًا: لأنَّه إخراجُ مالٍ على وَجْهِ القُربةِ؛ فلم يَصِحَّ مع عدَمِ خُروجِ المَوقوفِ عن ملْكِ الواقفِ، كالصَّدقةِ [959] ((المهذب)) للشِّيرازي (2/324). .ثالثًا: لأنَّ تَصرُّفَ الواقفِ في الوقْفِ يُنافي مُقتضاهُ، وهو خُروجُه عن مِلكِ الواقفِ [960] ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/405). . انظر أيضا: المَطلبُ الثاني: إعارةُ الوَقْفِ. المَطلبُ الثالثُ: رهْنُ الوقْفِ [967] كأن يَقِفَ الراهنُ دارًا هي في الأصلِ في يَدِ المرتهِنِ. . المَطلبُ الرابعُ: مُخالَفةُ شرْطِ الواقفِ.

اختَلَفَ العُلماءُ في حُكْمِ إعارةِ الوقفِ؛ على قَولَينِ:القولُ الأوَّلُ: يَجوزُ إعارةُ الوقْفِ في الجُملةِ، وهو مَذهبُ الشَّافعيَّةِ [961] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 170)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهَيْتَمي (6/273). ، والحَنابلةِ [962] يُشترَطُ في الإعارةِ عندَهم أنْ يكونَ المُعيرُ مِن أهلِ التبرُّعِ، والمالكُ للشَّيءِ يَملِكُ التبرُّعَ به، والموقوفُ عليه إنْ كان آدميًّا معيَّنًا يكونُ مالكًا للعَينِ المَوقوفةِ، فيَملِكُ إعارتَها. ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (4/62،63)، و(2/254)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (3/724)، (4/303). ؛ وذلك لأنَّ مَن ملَكَ المنفعةَ يَملِكُ إعارتَها [963] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/273). .القولُ الثاني: لا يَجوزُ إعارةُ الوقْفِ، وهو مَذهبُ الحنَفيَّةِ [964]لكنْ نصَّ جُمهورُهم على جَوازِ إعارةِ الكُتبِ لمَن وُقِفَت عليهم. ((الفتاوى الهندية)) (2/420)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/366). ويُنظر: ((الاختيار لتعليل المختار)) للمَوْصلي (3/47). ، والمالكيَّةِ [965] ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (7/654). ويُنظر: ((فتح العلي المالك)) لعُلَيش (2/244). ؛ وذلك لأنَّ فيه إبطالَ حقِّ المَوقوفِ عليهم إذا كان المستعيرُ مِن غيرِ أهلِ الوقْفِ [966] ((الاختيار لتعليل المختار)) للمَوْصلي (3/47)، ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (7/653). . انظر أيضا: المَطلبُ الأوَّلُ: بَيعُ الوقفِ وهِبتُه. المَطلبُ الثالثُ: رهْنُ الوقْفِ [967] كأن يَقِفَ الراهنُ دارًا هي في الأصلِ في يَدِ المرتهِنِ. . المَطلبُ الرابعُ: مُخالَفةُ شرْطِ الواقفِ.

لا يصِحُّ رهْنُ الوقْفِ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنَفيَّةِ [968] ((الفتاوى الهندية)) (2/420)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/352). ، والمالكيَّةِ [969] ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (5/4)، ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (3/233)، ((مِنَح الجليل)) لعُلَيش (5/421). ، والشَّافعيَّةِ [970] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/64)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/250)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (2/329). ويُنظر: ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (3/76). ، والحَنابلةِ [971] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (4/105)، ((الإنصاف)) للمَرداوي (5/110). ؛ وذلك لأنَّ مَقصودَ الرَّهنِ الاستِيثاقُ بالدَّينِ؛ للتَّوصُّلِ إلى استيفائِه مِن ثمَنِ الرَّهنِ إنْ تَعذَّرَ استيفاؤُه مِن ذِمَّةِ الراهنِ، وهذا يَتحقَّقُ في كلِّ عَينٍ جاز بَيعُها، وما لا يَجوزُ بَيعُه لا يُمكِنُ فيه ذلك [972] ((المغني)) لابن قُدامة (4/260،253). . انظر أيضا: المَطلبُ الأوَّلُ: بَيعُ الوقفِ وهِبتُه. المَطلبُ الثاني: إعارةُ الوَقْفِ. المَطلبُ الرابعُ: مُخالَفةُ شرْطِ الواقفِ.