يُشترَطُ في الجَوارحِ مِنَ الحيوانِ أنْ يَكونَ مُعَلَّمًا [369] قال ابنُ رُشْدٍ: (واختَلَفوا في صِفةِ التَّعليمِ وشُروطِه، فقال قَومٌ: التَّعليمُ ثلاثةُ أصنافٍ: أحدُها: أنْ تَدْعُوَ الجارِحَ فيُجيبَ. والثَّاني: أنْ تُشْلِيَه فيَنْشَليَ. والثَّالثُ: أنْ تَزجُرَه فيَزْدَجِرَ. ولا خِلافَ بيْنهم في اشتِراطِ هذه الثَّلاثةِ في الكلبِ، وإنَّما اختَلَفوا في اشتِراطِ الانزجارِ في سائرِ الجَوارحِ). ((بداية المجتهد)) (3/8).   .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكتابقولُه تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [المائدة: 4].وجهُ الدَّلالةِ:أنَّ مَساقَ الآيةِ تحليلُ صَيْدِ المُعَلَّمِ مِنَ الجَوارحِ [370] ((أحكام القرآن)) لابن العربي (2/37).   .ثانيًا: مِنَ السُّنَّة1- عن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ رضي الله عنه، قال: ((سألْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: إذا أَرسَلْتَ كلبَكَ المُعَلَّمَ فقَتَل فكُلْ، وإذا أَكَل فلا تَأكُلْ؛ فإنَّما أَمسَكَه على نفْسِه)) [371] أخرجه البخاري (175) واللَّفظ له، ومسلم (1929).   .2- عن أبي ثَعْلَبةَ الخُشَنيِّ رضي الله عنه، قال: ((قُلتُ: يا نبيَّ اللهِ، إنَّا بأرضِ قَومٍ أهلِ الكِتابِ، أفنأكُلُ في آنيتِهِم؟ وبأرضِ صَيدٍ أَصِيدُ بقَوْسي وبكلْبي الَّذي ليس بمُعَلَّمٍ وبكلْبي المُعَلَّمِ، فما يَصلُحُ لي؟ قال: أمَّا ما ذَكَرْتَ مِن أهلِ الكِتابِ فإنْ وَجَدْتُم غيرَها فلا تأكُلوا فيها، وإنْ لم تَجِدوا فاغسِلوها وكُلوا فيها. وما صِدْتَ بقَوْسِكَ فذَكَرْتَ اسمَ اللهِ فكُلْ، وما صِدْتَ بكلبِكَ المُعَلَّمِ فذَكَرْتَ اسمَ اللهِ فكُلْ، وما صِدْتَ بكلبِكَ غيرِ مُعَلَّمٍ فأَدرَكْتَ ذَكاتَه فكُلْ)) [372] أخرجه البخاري (5478) واللَّفظ له، ومسلم (1930).   .ثالثًا: مِنَ الإجماعِنَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزْمٍ [373] قال ابن حَزْمٍ: (واتَّفَقوا أنَّ الكلبَ إذا بَلَغ أنْ يَكونَ إذا أُطْلِق انطَلَق، وإذا وُقِّف تَوَقَّف، ولم يَأكُلْ ممَّا يَصِيدُ، ولا وَلَغَ في دمِه، ففعل ثلاثَ مَرَّاتٍ مُتَوالياتٍ، فقد صار مُعَلَّمًا يَحِلُّ أكْلُ ما قَتَل إذا أُرسِل عليه وسَمَّى اللهَ عزَّ وجلَّ عليه مُرسِلُه، وكان مُرسِلُه مالِكَه بحقٍّ كما قَدَّمْنا، ما لم يَأكُلْ ذلك الكلبُ ولا وَلَغَ في دمِ ما صادَه). ((مراتب الإجماع)) (ص 146).   ، وابنُ عبدِ البَرِّ [374] قال ابن عبد البَرِّ: (لا أَعلمُ في صَيدِ سِباعِ الطَّيرِ المُعلَّمةِ خِلافًا أنَّه جائِزٌ كالكلبِ المُعَلَّمِ سَواءٌ). ((الاستذكار)) (5/277).   ، وابنُ العربيِّ [375] قال ابن العربي في قولِه تعالى: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ [المائدة: 4]: (اتَّفَقَتِ الأُمَّةُ على أنَّ الآيةَ لم تأتِ لبيانِ التَّحليلِ في المُعَلَّمِ مِنَ الجوارحِ الأكلَ، وإنَّما مَساقُها تحليلُ صَيْدِه). ((أحكام القرآن)) (2/37).   ، وابنُ رُشْدٍ [376] قال ابن رُشْدٍ: (وأمَّا الشُّروط المُشترَطةٌ في الجَوارحِ فإنَّ منها ما اتَّفَقوا عليه، وهو التَّعليمُ بالجملة). ((بداية المجتهد)) (3/8).   ، وابنُ القَطَّانِ [377] قال ابن القَطَّانِ: (واتَّفَقوا أنَّ الكلبَ إذا بَلَغ أنْ «يُطْلَق فيَنطَلِقَ»، وإنْ وُقِّفَ تَوَقَّفَ، ولم يَأكُلْ ممَّا يَصِيدُه ولا وَلَغ في دمِه، وفَعَل ذلك ثلاثَ مَرَّاتٍ متوالياتٍ، فقد صار مُعلَّمًا، يَحِلُّ أكْلُ ما قَتَل إذا أُرسِلَ عليه). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (1/315).   ، والقُرْطُبيُّ [378] قال القُرْطُبيُّ: (أَجمعَتِ الأُمَّةُ على أنَّ الكلبَ إذا لم يَكُنْ أَسْوَدَ، وعَلَّمَه مسْلمٌ... أنَّ صَيدَه صحيحٌ يُؤكَلُ بلا خِلافٍ). ((تفسير القرطبي)) (6/66).   . انظر أيضا: المطلب الثَّاني: ما يُشترَطُ لحَيوانِ الصَّيدِ المُعَلَّمِ وما لا يُشترَطُ.